مطالعات


الطاهر المعز
2021 / 5 / 15 - 01:53     

عَرض كتاب
الموضوع: صيانة وحفظ رواية السّكّان الأصليين للقارة الأمريكية، وكذلك رواية الفلسطينيين
عنوان الكتاب "الرواية المُضادّة لتاريخ الولايات المتحدة" (أو التاريخ المُضاد للولايات المتحدة)
تأليف "روكسان دونبار – أورتيز" – الناشر: وايلدبروجكت، سلسلة "العالم الآتي" - 2018

تقديم – الطاهر المعز

تحاول المؤلفة، من خلال هذا الكتاب، الإجابة على سؤال بسيط: لماذا تم القضاء على الأمريكيين الأصليين؟ لماذا لم يسعى الأوروبيون البيض الغُزاة إلى إنشاء مجتمعات يتعايش بها السكان الأصليون والأفارقة والأوروبيون والآسيويون والأوقيانوسيون، ويشتركون في استغلال الأرض والموارد الطبيعية؟ هل كانت الإبادة الجماعية "للهنود الحمر" ضرورية؟
تعتبر "روكسان دنبار أورتيز" أن ميلاد الولايات المتحدة كان نتيجة جريمة مُبيّته ومُخطّطة، تمثلت في الإبادة الجماعية للسّكّان الأصليين والإستيلاء على أراضيهم وثرواتهم ووطنهم، بشكل منهجي، قبل استعباد الأفارقة لاستغلال الأراضي الصالحة للزراعة، ثم للعمل في المصانع وتطوير الرأسمالية، لتتحول المستعمرة البريطانية المتواضعة إلى قوة عظمى عالمية...
تعتبر الكاتبة "لم تكن حرب الاستقلال الأمريكية سوى حرب إبادة، حيث أَمَر جورج واشنطن بتدمير كل مستوطنات (الإيروكوا) وتخريب وتدمير كافة مؤسسات السكان الأصليين، وإلحاق الهزيمة النهائية التامة بهم..."، ولذا من العار الحديث اليوم عن مجتمع متعدد الثقافات، بدل الحديث عن مجتمع نَشَأ على إبادة السكان المدنيين المُسالمين، غير المُسلّحين، بمن فيهم النساء والأطفال.
كانت الحرب والإعلان عن الاستقلال سنة 1776 فُرصةً لتنظيم وتكثيف الإستعمار الدّاخلي، وميلاد أمة أوروبية استعمارية متوحشة، تمجّد الإبادة الحماعية وإكراه السّكّان الأصليين على ممارسة الطّقوس المسيحية (أهي حرب صليبية أيضًا؟)، وكان "الإستقلال"، فُرصةً استغلَّها المستعمرون البريطانيون والإسبان والفرنسيون ومن سُكّان أوروبا الشمالية، للإستيلاء على أراضي وثروات القارة الأمريكية (شمالاً وجنوبًا)، وإنشاء مجتمع قائم على الربح، ثم زيّفوا التاريخ، بإتلاف رواية الضّحايا، وبالإدّعاء أن المُستعمرين الأوروبيين قاموا "بحملة صليبية نبيلة"، وادّعوا أنهم أَسَّسُوا مجتمع "الحُرِّيّة للجميع"، وتتمثل الحُرّية في استعباد البشر، والإستيلاء على الأرض الجماعية لخصخصتها، وحرية امتلاك السلاح واستخدامه لحماية الغنائم، من أرضي وثروات وعبيد...
تُشكل الحُروب العدوانية التي تشنها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها على الشعوب، مواصلةً للإبادة الجماعية المُتأصِّلَة في تاريخ الولايات المتحدة (الذي يُغَيِّبُ وجهة نظر الضحايا )، المشابه، في الكثير من جوانبه، للعديد من القوى الإستعمارية الأخرى التي شنّت، ولا تزال، "الحرب الشاملة" على أوطان شعوب "الجنوب" وعلى تاريخها وعاداتها وعلى ميراثها الثقافي واللغوي والفَنِّي وفنونها والعلمي
وُلِدت "روكسان دنبار أورتيز" في تكساس، سنة 1938، من أُصُول مُختلطة الأعراق، بعضها "هندي" (أي من السكان الأصليين) ونشأت في ولاية "أوكلاهوما" النّفطيّة الغنية، واهتمّت بقضية السّكّان الأصليين لأمريكا، منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين...
التقت، صُدفة، بطالب فلسطيني، من عائلة "أبو لغد"، في جامعة أوكلاهوما، فحدّثها عن الإحتلال الصهيوني لفلسطين وتدمير القُرى والتّهجير القَسْرِي لنحو 85% من أفراد الشعب الفلسطيني، ليحل محلّهم مُستعمرون مستوطنون أوروبيون، بدعم من الإستعمار البريطاني والفرنسي، ثم الأمريكي والألماني لاحقًا، واستنتجت "روكسان دنبار أورتيز" أوجُهَ التّشابه بين الإستعمار الإستيطاني في أمريكا وفي فلسطين، ما دفعها لزيادة البحث والتنقيب عن أُصُولها "الهندية" (من خلال إحدى جَدّاتها) لتُعلن فيما بعدُ إنها اكتشفت أصولها الهندية عبر فلسطين، وزاد اهتمامها بقضية الشعب الفلسطيني "هُنود الشرق الأوسط"، فهم مشردون ومشتتون، فيما يحتل الغرباء وطنهم، وهم مثل السكان الأصليين لأمريكا بخصوص إهمال روايتهم، كضحايا مهزومين، بينما يعتمد العالم رواية المُنتصِرِين التي وقع تشذيبها وتجميلها ليصبح الإحتلال "عملا حضارِيًّا، في مواجهة الهمجية والتّخلّف..."، ولم يتغير جوهر هذا الخطاب التّضليلي في القرن الواحد والعشرين، لتبرير الحُرُوب العدوانية ضد شعوب "الجنوب"...
ورد في الجزء الثاني من مُذكّرات "روكسان دنبار أورتيز" الذي نثشؤرَ سنة 2014، بعنوان "امرأة خارج القانون" ( Outlaw Woman ) "كانت محاولة فهم الوضع السياسي في الشرق الأوسط هي تجربتي الأولى في تفكيك خطاب وسائل الإعلام الرئيسية المهيمنة... لقد تعلّمت من تاريخ فلسطين أن أحاول فهْمَ وجهة نظر الطرف الآخر، المُغَيَّبَة والمَنْسِيّة... تعلمت، عند الإطلاع على محتوى مجلة تايم، قراءة ما بين السطور، وتحليل المصادر بحثًا عن التشوهات والأكاذيب..."
شاركت "روكسان دنبار أورتيز"، خلال ستينيات القرن العشرين في جميع النضالات من أجل تحرّر النساء، وساهمت في تأسيس حركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة سنة 1968، وشاركت في الإحتجاجات والنضالات ضد حرب فيتنام، وضد تدخلات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية، وفي أوائل سنة 1970،
التقت "روكسان دنباز أورتيز"، سنة 1970 بالمناضل الأمريكي (من الشعوب الأصلية) والأممي، رفيق فيدل كاسترو وشي غيفارا، "ماد بير أندرسون" (1927 – 1985)، وهو من شعب "إيروكوا" المُقسّم بين شمال شرقي الولايات المتحدة وجنوب كندا، ويوجد جزء منه في أوكلاهوما، وهو شعب لا يعرف الملكية الخاصة، فالمُمتلكات جماعية أو مُشاعة، وتتمتع نساء شعب أيروكوا بنفس حُقُوق الرجال، لذلك كان "ماد بير اندرسون" مناضلا من أجل حقوق النساء، وساهم في تعزيز الحركة النّسوية بنيو أورليانز والعديد من المناطق الأمريكية، وتعرفت "روكسان دنباز أورتيز" على بعض القادة الشيوعيين بأمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي، بواسطة "ماد بير أندرسون"، الذي ناقش معها وضع الشعوب الأصلية (أو المجموعات الصغيرة التي نَجَتْ من عمليات الإبادة المُتتالية)، ما جعلها تُكرّس جُهدها للنضال من أجل حُقُوق الشعوب الأصلية الأمريكية وحقوق النساء والمُضطهَدؤين في العالم، وكذلك من أجل تغيير جذري للمنظومة الإقتصادية والسياسية الأمريكية...
اختلفت في جدالها مع "هوارد زين" (1922 – 2010) مؤلّف كتاب "التاريخ الشّعبي للولايات المتحدة"، ويمكن اعتبار كتاب "الرواية المُضادّة لتاريخ الولايات المتحدة" (أو التاريخ المُضاد للولايات المتحدة) بمثابة امتداد لهذه النقاشات المُطَوّلة بينهما، حيث يعود الفَضْل لهوارد زين في كتابة تاريخ الولايات المتحدة من وجهة نظر الطبقة العاملة والنّساء والأقلّيات، وكل الفئات التي سحقها التاريخ الرّسمي، تاريخ الغُزاة والأثرياء وغيرهم من الرجال البيض، ولا مكان في مناهج تعليم تاريخ الولايات المتحدة للشعوب الأصلية ولا للنساء ولا للسّود، لكن روكسان دنباز أورتيز" اعتبرت أن كتابات "هوارد زين" بقيت أسيرة الأساطير الإستعمارية، مثل التّطور أو التّقدّم المتواصل، والذي ينحو إلى تأسيس دولة اتحادية تميل نحو الكَمال، وبالتالي غض الطرف عن مقاومة الشعوب الأصلية لفترة امتدت قرابة ثلاثة قُرُون، وخاصة خلال القرنَيْن الثامن عشر والتّاسع عشر، وانتهت بإبادة أصحاب البلاد وحشرهم في مُحتشدات، مُجَرّدين من ثروات بلادهم ومن حُقُوقهم السياسية والإقتصادية، إلى أن عادوا إلى الظّهور باحتشام، خلال عقدَيْ الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بمناسبة النضال ضد العدوان على فيتنام، وحركة الحقوق المدنية للمواطنين السود...
عندما أعربت عن اعتراضها على زين ، أخبرها أنه لن يغير قناعاته ولا طريقة كتابة تاريخ الولايات المتحدة، ويمكنها التعبير عن اعتراضها بكتابة تاريخ الأمريكيين الأصليين للولايات المتحدة، فألّفت هذا الكتاب ( الرواية المُضادّة للتاريخ الأمريكي ) في محاولةٍ لرواية التاريخ من منظور الأمريكيين الأصليين، ووضع الإبادة الجماعية في صميم عملية تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأحدث الكتاب ضَجّةً عند صُدُوره، لأن الكتاب يُندّد باستعمار العُقول وتسميم الحياة الأمريكية، وتضليل الكادحين والفُقراء من الرجال والنساء.
...
يندرج هذا العَرْض القصير ضمن محاولة التّعريف بأصدقائنا كشعوب واقعة تحت الإحتلال والإضطهاد الإستعماري الإمبريالي، وكعرب يضطهدنا العدو الإمبريالي-الصهيوني ويتآمر علينا العدو الدّاخلي المُتمثل في الأنظمة والطبقات الحاكمة في البلدان العربية، ونحن بحاجة لأصدقاء في المجتمعات الرأسمالية المتطورة، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، لكي يدعمونا في نضالنا ضدّ الثالوث الإمبريالي - الصهيوني - الرجعي العربي، خاصة في مثل هذه الظّروف، ظروف انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد مُصادرة البيوت في القُدس (كما يحصل منذ أكثر من سبعة عُقود في كل مناطق فلسطين) وضد القصف والقتل الجماعي للفلسطينيين برصاص الجيش والشرطة وبالطائرات الحربية...
نحن في حاجة لتضامن التقدّمِيِّين في العالم معنا، كما هم في حاجة لنا، عندما تغتال شرطة الولايات المتحدة المواطنين السّود، أو تغتال الشرطة الفرنسية شبّانًا عربًا أو سودًا أو غيرهم من ساكني الأحياء الشعبية وضواحي المدن الكبرى...