انتخابات الساحل 1976 وتبقي التجربة


إلهامي الميرغني
2021 / 5 / 15 - 01:53     

إهداء
"إلي أرواح رفاق المسيرة العسيرة الذين شاركونا التجربة
وفارقونا علي طول سنوات المسيرة إلي روح أسامة شلبي وصفائي الميرغني
وأحمد نصر وهشام سليمان وفهمي النكلاوي وإبراهيم الكرداوي ونزار سمك
وخالد الفيشاوي وأحمد خضر وإلي كل شهداء جيل السبعينات الذين رحلوا والي كل أبناء
التجربة المستمرين رغم السنوات الطويلة قابضين علي الجمر وحلم الثورة رافعين الراية"
تفجرت الخلافات داخل حزب العمال الشيوعي المصري في أعقاب صدور التقرير التنظيمي في 9 مايو 1975 والحديث عما سمي بخطة لجان الأقسام ، والخلاف حول رؤية التوجه للطبقة العاملة والارتباط بحركتها ، والتي كانت كتابات الرفيق إدريس أبو الدهب وعبدالله بشير من أبرز المعبرين عنها وهي مقدمة لصراع انتهي بتجميد عدد من الكوادر الرئيسية للحزب وخاصة في مناطق القاهرة والجيزة والاسكندرية.وبدأت حملة من اللجنة المركزية بالتهكم علي المختلفين الراغبين في التوجه الجسدي للطبقة العامة وانهم يريدون توجه لحم لحم واننا كحزب نتوجه سياسياً وفكرياً وليس جسدياً مع تضخيم دور الجريدة الجماهيرية " الانتفاض" في تحقيق الارتباط المطلوب.كانت غالبية الكادر الرئيسي للحزب يعمل في صفوف الحركة الطلابية بالجامعات مع وجود محدود في المواقع العمالية ووجود رمزي في الوسط الفلاحي.
لكن رغم حداثة سن غالبية الكادر دافعنا عن وجهة نظرنا واختلفنا مع خطة التوسع في الاحتراف الثوري للكادر وسحب القيادات الجماهيرية للعمل السري والحديث عن الشقق السرية باعتبارها مواقع محررة وإن كانت مواقفنا لا تخلو أيضاً من بعض الرومانسية الثورية بحكم السن.كل ذلك وصل بنا إلي أن الاستمرار داخل الحزب أصبح مستحيل في ظل تجميد الكوادر وحصار الآخرين فقررت مجموعتنا الخروج في مطلع عام 1976 وهي ما عرفت بمجموعة " الإنشقاق" والتي سمت نفسها " المنظمة العمالية الثورية ".بينما قررت المجموعة الأخري التي يقودها الرفيق عبدالله بشير البقاء في محاولة أخيرة للإصلاح التنظيمي من الداخل.ولكن بعد شهور أجبرت عناصر التكتل علي الخروج من الحزب.
كنت من عناصر المنظمة العمالية الثورة " الانشقاق " وبدأنا نعيد تقييم موقفنا من العمل الطلابي وتحديد خطة وتصورات للعمل وسط المواقع العمالية والفلاحية وتم بناء المنظمات الحزبية القاعدية علي اساس المناطق والأحياء العمالية.وفي هذه الاثناء شاركنا في اسبوع الجامعة والمجتمع في نوفمبر 1976 في جامعة القاهرة والذي شاركت فيه كل التنظيمات الشيوعية في الجامعة وتوج بالمظاهرة الكبيرة التي قادها الزميل كمال خليل ورفيقي الراحل خالد الفيشاوي أحد عناصر المنظمة الجديدة. ووسط تفكيرنا في تطبيق تصوراتنا الجديدة بطريقة عملية اقتربت انتخابات مجلس الشعب 1976 وقرر حزب العمال خوض الانتخابات في عدد من الدوائر هي حلوان ومصر القديمة والدرب الأحمر وباكوس في الاسكندرية . وبدأنا نفكر في خوض معركة وسط حي عمالي بقيادة نقابية وعمالية.
لماذا أخترنا دائرة الساحل ؟!
كنا نتطلع للمراكز العمالية الأنشط في القاهرة وهي حلوان وشبرا الخيمة ولكن الحزب رشح المهندس خضري منصور في دائرة حلوان وقررنا دعم كل مرشحي حزب العمال رغم خلافنا كلما سمحت الإمكانيات ، ولم نوفق في الوصول لمرشح مناسب لدائرة شبرا الخيمة المركز العمالي الأهم.وفكرنا في دائرة الساحل لأكثر من سبب حيث يسكن الرفاق نزار سمك وخالد الفيشاوي ومحمد شكري من اعضاء المنظمة الجديدة وهم من ابناء الحي ولديهم معرفة بتركيبه الاجتماعي . إضافة لأنه محل سكن عدد من الكوادر النقابية والعمالية من الحركة الشيوعية الثانية ( حركة الاربعينات ) ، كما يضم مصنعين للنسيج هما مصنع البطاطين ومصنع داود عدس بالقرب من شارع شبرا بالاضافة لفرع شركة إيديال. ورغم ان الحي تسكنه اغلبية من الطبقة الوسطي الا ان المزاج العام للحي مزاج عمالي.كما أن المئات من عمال شبرا الخيمة يسكنون في الساحل الممتد من شبرا المظلات الي دوران روض الفرج ومن شارع أحمد حلمي الي كورنيش النيل.إضافة إلي ان نائب الحي هو النقابي اليساري أحمد طه سكرتير اللجنة التحضيرية لمؤتمر اتحاد نقابات عمال مصر سنة 1952 والكادر الحدتاوي القديم وعضو منبر اليسار ( حزب التجمع ) وكان أحمد طه يستند الي الخدمات الاجتماعية التي قدمها للحي من خلال جمعية الشهيد ومن خلال مكتبه والنائب الثاني هو سيد رستم وهو ايضا نقابي عمالي ومن عمال النسيج كما أنه ينتمي لعصبية قبلية من الصعايدة الذين يسكنون في منطقة حكر أبودومة.
عقدنا سلسلة اجتماعات وطرحت عدة أسماء واستقر الاختيار علي نقابي عمالي في شركة اسكو للغزل والنسيج وهو من الشيوعيين الذين قضوا خمس سنوات في معتقل الواحات 1959-1964 ، وهو نقابي وساكن في حي عمالي هو ساحل روض الفرج ، كما انه كان ينتمي للحزب الشيوعي المصري ( الراية ) في الخمسينات وبالتالي هو صاحب توجه راديكالي اضافة الي وجود صلة قرابة بينه وبين السيدة سميعة البرلسي المناضلة الكبيرة في حركة المعلمين وزوجة الرفيق سعد زهران أحد قيادات الحزب الشيوعي المصري "الراية" في الخمسينات ووالدة زميلنا فريد زهران الطالب بكلية الزراعة جامعة القاهرة ( رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الآن ).تواصل فريد وهو عضو بالمنظمة الجديدة مع النكلاوي فوافق علي خوض الانتخابات ببرنامجنا السياسي ثم تم عمل اجتماع بينه وبين قيادات المنظمة بعدها اعلنا خوض انتخابات مجلس الشعب في دائرة ساحل روض الفرج بالمرشح المستقل فهمي النكلاوي . وشكلت المنظمة لجنة لقيادة المعركة الانتخابية.
تجربة جديدة في وسط مختلف
كانت خبرات كل فريق العمل هي خبرات الحركة الطلابية عمل مجلات الحائط ومعارض الصور وعرض الأفلام وانتخابات الاتحادات الطلابية ونشاط الأسر الطلابية في الكليات ولم تكن لدينا معرفة تفصيلية بالطبقة العاملة المصرية ومسيرتها النضالية وأساليب العمل المناسب معها ،رغم انحيازنا بحكم انتمائنا السياسي لديكتاتورية الطبقة العاملة وحزب الطبقة العاملة وجوهر خلافنا مع حزب العمال. ولكن لا شك أنه كانت لدينا تصورات رومانسية عن الطبقة العاملة والعمل معها. وأذكر في مرة كلفنا أنا والرفيق خالد الفيشاوي بتوزيع منشور علي عمال مصنع داود عدس عند خروج الوردية الصباحية الساعة السابعة صباحاً وكنا متأثرين بطريقة علي طه في توزيع المنشورات في فيلم صلاح أبو سيف " القاهرة 30" فما انا خرجت جموع العمال من بوابة المصنع وبدأت حركتهم في اتجاه شارع شبرا حتي انطلقنا عكس اتجاه سير العمال كل منا علي رضيف ونحن نقذف بالمنشورات علي طريقة الفيلم وقبل ان ينتبه أمن الشركة ويخرج للبحث عن اصحاب المنشورات كنا ذوبنا وسط حواري شبرا وشوارعها حتي وصلنا لمكان آمن وكانت هذه هي المرة الأولي والأخيرة التي نوزع بها منشورات بهذه الطريقة السينمائية.
انتخابات مجلس الشعب لها قواعد مختلفة تمام الاختلاف عن خبرات العمل الطلابي فهي تعتمد علي كتل جماهيرية بمزاج مختلف واحتياجات مختلفة إضافة الي تأثير العصبيات القبلية والمرتكزات الدينية والجمعيات الأهلية علي الاختيار . أما الدعاية فتركز علي البيانات الورقية والسرادقات الانتخابية والحوارات مع الناخبين علي المقاهي وفي الاندية والجمعيات الأهلية ومراكز تجمعهم إضافة الي الملصقات الورقية( البوسترات ) التي تثبت علي الحوائط مثل اعلانات أفلام السينما في ذلك العصر ، واللافتات القماش التي تعلق في بعض الشوارع.وتحتاج هذه النوعية من الدعاية الي أقمشة جاءت كتبرعات من اصدقاء فهمي النكلاوي وكنا نذهب لخطاطين بالفلوس مرات ونعتمد علي زملائنا اصحاب الخطوط الجميلة مرات اخري كمتطوعين ونشتري لهم الأدوات فقط. كانت ميزانية المعركة ممولة من الجنيهات القليلة التي هي مصروف الجيب الخاص بنا لأن غالبيتنا لازالوا طلاب في الجامعة وعدد الموظفين والخريجين بين صفوفنا محدود.اضافة الي اعتمادنا علي حملة تبرعات من القيادات العمالية والشيوعيين القدامي من الحركة الثانية الداعمين لترشيح النكلاوي.
حاولنا ابتداع شكل جديد للبرنامج السياسي خاصة وان المعتاد هو ان الكتل الشعبية تختار المرشح علي اساس انتمائه الاجتماعي أو القبلي او الطائفي او العائلي او نفوذه المالي أو وظيفته ولا يوجد شئ اسمه برنامج انتخابي للمرشح . ووضعنا برنامج من صفحة واحدة فلوسكاب تحت شعار " ضد الدولة البوليسية والاستبداد السياسي ومع جمهورية ديمقراطية توفر كافة الحريات الديمقراطية ويقودها العمال والفلاحين " وكانت هذه محاولة لتغير الوعي السياسي وطريقة اختيار النواب في أهم سلطة تشريعية في مصر.
لم تسمح لنا مواردنا المالية المحدودة بعمل مؤتمرات وسرادقات انتخابية تكلفة اي منها يفوق كل مواردنا لكننا استعضنا عن ذلك بمؤتمرات انتخابية علي المقاهي حيث نتوجه بمسيرة من المقر الانتخابي نردد شعارات ضد الغلاء والفساد والخصخصة ومع دعم النضال الوطني الفلسطيني ومطالب الحريات الديمقراطية . وعندما نصل الي المقهي المقصود نوزع البرنامج الانتخابي والبيانات وكانت المسيرة تجذب الناس لسماع المرشح الذي يحيط به هالة من التلامذة اللي رجعوا للجد تاني.ويبدأ النكلاوي بكلمة يعرف نفسه ويطرح برنامجه الانتخابي ويؤكد علي أهمية البرنامج في الاختيار لأهم مجلس تشريعي وأن الاختيار يجب أن يكون سياسي ونابع من مصالحنا الطبقية. بعد فترة إكتشفنا بالتجربة أن الأفضل ان نزور مقاهي لنا فيها معرفة واصدقاء داعمين خوفاً من تطفل عناصر الأجهزة الأمنية وجرنا للاشتباك معهم بما يجعلنا نخسر جزء من الجمهور أو خوفاً من الإشتباك مع مسيرات لمرشحين أخرين خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، كما أن وجود شخص معروف او قيادة في المقهي يؤمن سلامة فريق العمل.وفي كثير من المرات كان هذا الشخص يتحمل تكلفة المشروبات التي توزع خلال المؤتمر الانتخابي علي رواد المقهي.
اليسار في معركة الساحل
كان عصب معركة النكلاوي المنظمة العمالية الثورية " إنشقاق حزب العمال " ثم انضم إلينا رفاق من منظمة الحزب الشيوعي المصري " 8 يناير " ورفاق روض الفرج من تنظيم " المطرقة" وهم انشقاق من الحزب الشيوعي المصري خرج بعد الموقف من حرب أكتوبر 1973 وكانوا راديكاليين وأقرب لأفكارنا السياسية وأغليهم طلبة في جامعة الأزهر واذاكر منهم المرحوم أحمد نصر والمرحوم أحمد خضر والدكتور إسامة عبدالحي متعه الله بالصحة والعافية وكنا نتشارك في التخطيط للانتخابات وتنفيذ وقيادة الحملة .لكن زملائنا من الحزب الشيوعي المصري كانوا يؤيدون أحمد طه لأنه حدتاوي قديم ولأنه مدعوم من منبر اليسار الواجهة العلنية للحزب.ورغم ذلك كانت الزميلة نادية شكري شقيقة زميلنا محمد شكري من الداعمين لحملة النكلاوي رغم عضويتها في الحزب الشيوعي المصري.
كنا قد قررنا تأييد مرشحي حزب العمال كلما أمكن ذلك لأن البرنامج السياسي لا يوجد خلاف عليه فخلافاتنا تنظيمية وتكتكية حول أشكال العمل الجماهيري بشكل رئيسي ، كما أن الزميل فريد زهران وهو أحد أقطاب معركة الساحل يسكن في الدرب الأحمر الذي رشح فيه حزب العمال الشاعر محمود الشاذلي وهو من الرفاق المحترمين وقرر فريد وبعض الزملاء من المنظمة العمل في معركة الشاذلي ومنهم المرحوم محمود مدحت والمرحوم حسن فهمي والزملاء محمود الخفيف و عصام الكومي متعهم الله بالصحة والعافية وطول العمر.
أما معركة الساحل فكان يقودها بشكل اساسي الرفاق اسامة شلبي وصفائي الميرغني رحمهما الله والفريق الحركي يضم الزملاء فريد زهران ونزار سمك وخالد الفيشاوي وأحمد زكي ومحمد شكري ووحيد محسن وأنا وبشكل تنظيمي الرفيق إبراهيم الكرداوي. وبعض الزملاء كانوا يترددون علي الساحل بين الحين والآخر لمشاهدة هذه التجربة الميدانية.
وأذكر أننا أثناء المعركة الانتخابية كنت أوزع البرنامج السياسي علي مقاهي في شارع شبراً شريان الحياة في شمال القاهرة وفوجئت علي مقهي المعهد الفني بشاب طويل مفتول العضلات يطلب مني الجلوس لمناقشة البرنامج ولكنني كنت حريص علي الانتهاء من توزيع كل كمية البيانات التي معي قبل ان يحدث شئ فاعتذرت وطلبت منه زيارتنا في المقر الانتخابي للتعارف أكثر. وفي المساء حضر للمقر وعرفنا بنفسه وهو النقابي العمالي صابر بركات أحد قيادات شركة الدلتا للصلب وصديق العمر، وفوجئت ان صفائي يعرفه وكان بيتابعه وبيوصله جريدة "الانتفاض" عن طريق أحد جيران صفائي في شبرا الخيمة ولكن صابر أكد لصفائي ان هذا الشخص يعمل لصالح الأمن في الشركة وأمن الدولة في شبرا الخيمة.وأصبح صابر بركات جزء رئيسي من دولاب القيادة خاصة وانه من سكان منية السيرج وهي جزء من دائرة الساحل وجمعتنا صداقة ممتدة لأكثر من 45 سنة خضنا خلالها العشرات من التجارب التنظيمية والسياسية وفي الثمانينات شاركنا في اصدار مجلة عمالية غير دورية هي " صوت العامل " خلال الثمانينات من القرن الماضي .
كنا حريصين علي الا نعقد اجتماعات تنظيمية او اجتماعات لتخطيط الحملة في المقر الانتخابي فكنا نجتمع في منزل الزميل محمد شكري ومنزل صابر بركات واحيانا منزل نزار سمك وخالد الفيشاوي فكان ذلك يحفظ لنا أمان المجموعة وخطط تحركها.
وأذكر أن الأمن دفع إلينا من خلال مجموعة روض الفرج بشخص عرف نفسه بأنه مهندس تليفونات ويعمل في سنترال روض الفرج وأسمه حاتم زهران.وشكينا فيه من أول لحظة وتفتق ذهن صابر بركات بان يخضعه لاختبار الجردل والسلم. وهو ان عنصر الأمن يريد حكايات وقعدة وكلام واسماء ومعلومات ولو شاركنا في توزيع البيانات يمكن ان يسلمها للأمن أو يمزقها. لكن من الأعمال الميدانية الشاقة ملصقات الورق علي الحوائط ( البوسترات ) والتي نعد لها خليط من الدقيق والنشا تغلي في الماء حتي تصير لزجة ونضعها في جرادل مع فرشة دهان وسلم نستأجره من موان او من محل.لذلك كان الاختبار بان يخرج العنصر المشكوك فيه بصحبة أحد كوادرنا لتعليق الملصقات اذا صمد لمدة 6 ساعات فهذا دليل علي جديته فيخضع لإختبارات أخري واذا هرب بعد نصف ساعة او اقل فهو ما يؤكد شكوكنا وقد كان وهرب حاتم من اختبار الجردل والسلم واصدرنا تعميم بيننا بعدم التعامل معه او الحديث أمامه.وبعد شهور عندما تفجرت انتفاضة الخبز في 18، 19 يناير كان حاتم زهران عميل أمن دولة شاهد علي أكثر من 36 زميل بأنهم كانوا يقودون المظاهرات والتخريب الذي حدث . الأمر الذي دفع الاستاذ أحمد نبيل الهلالي أحد أعضاء فريق الدفاع في القضية 100 ليصفه بحاتم تلستار لأنه شهد بأنه شاهد مظاهرة في ميدان رمسيس يقودها فلان وفلان وفي نفس الوقت شاهد مظاهرة في ميدان العتبة واخري في ميدان باب اللوق وهكذا واسقطت شهادته. وكنا في انتخابات الساحل اول من كشفه.
كانت شعارتنا السياسية عن الغلاء والاسعار والأجور والدفاع عن القطاع العام ورفض سياسة الانفتاح الاقتصادي هي شعارات مسيراتنا الانتخابية وأجزم ان معركة مجلس الشعب 1976 وترديد هذه الشعارات في عدة أحياء علي مستوي مصر كانت مقدمة للتعبئة الجماهيرية وعند صدور قرارات التقشف في 17 يناير 1976 خرجت الجماهير بالملايين في كل شوارع مصر بدون قيادة وبدون تخطيط لتردد الشعارات التي سمعتها ورددتها خلال الانتخابات.لذلك لا يمكن وصف انتفاضة الخبز بأنها انتفاضة منظمة أو أن تنظيم معين كان يقودها كما حدث في القضية 100 الخاصة بالأحداث والذي اتهم حزب العمال الشيوعي المصري باستغلال القرارات وتفجير وقيادة الأحداث. ولكن المؤكد إنها كانت انتفاضة عفوية لم يلعب اليسار دور في خروجها او قيادتها في البداية ولكنه التحق بها في شوارع وميادين مصر ، واذا قادت بعض العناصر الشيوعية المظاهرات الكبري في 18، 19 يناير 1977 فذلك بفضل خبرات العمل الطلابي في الجامعة وخبرات انتخابات برلمان 1976 والشعارات السياسية التي كنا نرددها خلال المسيرات الانتخابية.
كان كل هدف المجموعة هو بث جرعة كبيرة من الدعاية والتحريض الثوري بين صفوف الجماهير في لحظة ساخنة ، لكن فنيات العملية الانتخابية يوم الانتخاب واللجان الانتخابية والرقابة عليها من اختيار المندوبين الي الدعاية امام اللجان انتهاء بالاشراف علي الفرز هي مدرسة أخري لم نكن مهتمين بها في 1976 فالمعركة بالنسبة لنا انتهت ليلة الانتخابات ولم يكن لدينا ولا لدي فهمي النكلاوي طموح بالمنافسة.وهذا خطأ كبير تعلمت فيما بعد في أكاديمية محمد عبدالعزيز شعبان في الوايلي في انتخابات 1984 أنها علم وتخطيط يبدأ بالحصول علي كشوف الناخبين وارقامهم الانتخابية وتحديد مكان كل لجنة ومن يجب ان يقف أمام اللجنة ومن يراقب داخل اللجنة وان كان لذلك حديث آخر فكل معركة خضناها علي مدي 45 سنة وضعت طوبة في حائط الوعي الطبقي والخبرة الجماهيرية والتنظيمية والسياسية.
خبرات التجربة
لقد عمدتنا انتخابات مجلس الشعب 1976 ثم انتفاضة الخبز 1977 علي طريق الثورة وعلمتنا أن العالم ليس جامعات وحركة طلابية فقط ولكن حلف طبقي عريض لابد أن تقوده الطبقة العاملة الواعية بذاتها والعاملة علي تحرير نفسها وباقي الطبقات من الاستغلال الرأسمالي والمنظمة في أشكال متنوعة. علمتنا التجربة ان كل معركة نخوضها سواء كسبنا أو خسرنا نتعلم منها ونراكم معارف وخبرات جديدة وتثير لدينا أسئلة نبحث عن بعضها في الكتب وعن بعضها الآخر في مدرسة الحياة وفي الشارع والمقهي وإننا نظل دائما نتعلم من الجماهير.
تعلمنا من التجربة ان العمل بين عمال مصنع له طرقه وادواته والعمل بين سكان حي سكني له طرقة وادواته.وانه لا يصح ان ننزل ببرشوت علي المصنع او الحي ولكننا نحتاج الي مفاتيح نستخدمها لندخل الي هذه المواقع ونندمج فيها بشكل طبيعي لا يثير الانتباه للغريب الذي ظهر فجأة وأن العمل تراكي طويل النفس.
تعلمنا ان الدعاية والتحريض في الحي الشعبي له وسائل واساليب متنوعة وهي تختلف من وقت الانتخابات حيث يكون الشارع مهيئ للمناقشات السياسية وبين الايام العادية التي تحتاج للعمل البطئ قليل الصدام التراكمي طويل النفس الذي يصنع قادة جماهيريين ويختبرهم ويطورهم ليكونوا وسط محيطهم الطبيعي ، ويكتسبون الثقة التي تؤهلم للقيادة عند حدوث اي انفجار قادم لا نعرف اين ومتي سيحدث ؟!
تعلمنا اننا لا يجب ان نسبق الجماهير بخطوات ولكن بخطوة او اثنين فقط واننا يجب ان نتحدث مع الناس باللغة التي يفهمونها بعيدا عن الشعارات البراقة والمناقشات النظرية الهامة للثوريين وتطوير وعيهم ولكنها لا تهم الجمهور.إن اللغة هي معبر التواصل بين الحزب الثوري والطبقات الشعبية.
علمتنا التجربة أن الطبقة العاملة ليست كيان متجانس من الثوريين الانقياء فبينهم من لديه تطلعات البرجوازية الصغيرة وبينهم عملاء للأجهزة الأمنية المهم الا نتعامل بريبة ويكون لدينا ثقة فيما نفعله وان يتم فرز واختبار الجميع وسط المعارك فهي الأكثر قدرة علي فصل الزوان عن الحنطة كما علمنا لينين.
علمتنا التجربة ان طريق الثورة طويل ووعر وكله الالام وعلينا ان نسير ونظل طوال الوقت رافعين الراية قادرين علي التفرقة بين التراجع التكتيكي والانسحاب الانتهازي وتسليم الحركة لأعدائها الطبقيين.
علمتنا التجربة انه لا يوجد كتلة مصمته اسمها العمال او الجماهير الشعبية حيث توجد مصالح مختلفة وانتماءات مختلفة وانه لا فائدة من جموع مليونية غير واعية وغير منظمة.لذلك علينا ان نربط قضايا الوعي بالتنظيم وان كل الجمهور لا يمكن ان يصبحوا اعضاء في الحزب الثوري ولكن هناك اشكال تنظيمية متنوعة تناسب مختلف مستويات الوعي وهي النقابة والجمعية الأهلية والرابطة والتعاونية واللجنة الشعبية ، وهي مجلس إدارة الشركة ومجلس اباء المدرسة ومجلس ادارة مركز الشباب ، وايضا هي عضوية المجلس الشعبي المحلي للحي ثم عضوية مجلس الشعب. وان تغيير السلطة لن يتم بضربة قاضية فنية مثل الملاكمة ولكنه يحتاج لأدوات ووعي طبقي وتنظيم حيوي وعمل تراكمي طويل النفس واستهداف حقيقي للتغيير في السياسات وليس في الاشخاص فقط لأن كما يقول المثل الشعبي " أحمد هو الحج أحمد ".
إنني مدين لمعركة فهمي النكلاوي بالكثير من الأفضال والكثير من الخبرات التي غيرت شخصيتي واهتمامتي ورؤيتي للعمل السياسي وحافظت علي صمودي واستمراري حتي الآن رغم كل الهزائم والانكسارات أو كما قال ماوتسي تونج إنها مجرد الخسارة العاشرة .والتجربة هي خير معلم فشكرا للتجربة التي علمتني وشكرا لكل رفاق التجربة الذين غادرو وهم قابضين علي الجمر او المستمرين حتي الآن قابضين علي الجمر.
14/5/2021