الشرق متوسطية على مشارف اللاارضوية؟/5


عبدالامير الركابي
2021 / 5 / 14 - 14:24     

الأهم من كل ماتقدم، هو افتراض التوصل الى ان المجتمعية كظاهرة وجدت بالاصل ازدواجيه، من "لاارضوية"، و "ارضوية". اللاارضوبة منها هي السومرية الخاضعه والمحكومة لقانون العيش على حافة الفناء، والأخرى الأحادية هي المتشكله في "مدينه دولة" تقوم في اعلى المجال اللاارضوي، تنحدر باتجاهه من الشمال حيث الاشتراطات الارضوية الأحادية، وتوقف قانون العيش على حافة الفناء عن العمل في الجزء الأعلى، مافوق ارض السواد حيث عراق الجزيره، واستعداده لاستقبال او لانتاج صيغ مجتمعية طامحة بالأساس للسيطرة على المجال الأسفل، وحكمه بهدف حلب الريع الزراعي منه بالدرجة الاولى، الامر الذي سرعان مايتبن انه غير متاح، ان لم يكن مستحيلا بسبب تكوين المجتمعية اللاارضوية القتالي العضوي التكويني، حيث يكون السلاح وسيله انتاج مثلها مثل المحراث والمنجل والناعور، وحرية المنتجين شرط أساس لسلامه العملية الانتاجيه، دونها فناء النمط اللاارضوي، وزواله، الامر الذي يعيد صياغة الاطار الأعلى السلطوي، بدخوله اليات التصارعيه الازدواجيه "الانتقاصية" التي تحور شكل الإمبراطورية من اعلى، من الأحادية الى الازدواجية المنزوعة القدرة على السيطرة سلطويا على عموم البلاد، دافعا إياها للبحث عن أسباب استمراها خارج المكان، او الكيانيه الازدواجيه، باختيار نوع من الذاتيه الإمبراطورية، هي اقرارعملي بعدم إمكانية التغلغل في المجال الأسفل، او الحاقه، فتتركة لاستقلاله غير المعلن، والخاضع لقانون "الاستبدال" بدل التشكل الكياني المقابل، والممتنع بنيويا ضمن اشتراطات وحدة الكيانيه الازدواجية، مع بقاء المجتمعية العليا الإمبراطورية معزوله داخل مدن محصنه اشد تحصين، سلاليه، ومعسكرة من الداخل، قد تمارس عند الضرورة اشكالا من العزو الداخلي لاجل تامين الريع، او لغرض منع بعض الظواهر الدالة على احتماليه الخروج، او الاستقلاليه الكيانيه المعلنه، تقوم به، فتنجح او تفشل لتعود وتتحصن داخل مدنها وقلاعها.
تلك هي الحقيقة العظمى المطموسة والمغيبه لدواع خارجه عن الإرادة، ولأسباب قصورية عقلية موضوعيه، مع قصورية وعدم اكتمال ازدواجي، تبقية حين نشاته الأولى في ارض مابين النهرين كامكان "بنيوي" وحسب، يفتقر الى، وتنقصه الأسباب المادية الضرورية للانتقال "التحولي" لمابعد مجتمعية، هو جوهر ومحرك اليات المجتمعية وتفاعليتها، وصولا للحظة "فك الازدواج"، الأساس الذي وجد بالاصل مع انبثاق "العقل في الجسد الحيواني، وظهور الازدواج البنيوي داخل الكيانيه البشرية الحية: ( عقل /جسد)، وهو مالا تقره او تعرفه الأحادية، فتنفيه لتحوله لاحادية جسدية من نفس صنف الأحادية المجتمعية، العقل معها ملحق ومادة اضافيه لازمه، مثلها مثل بقية أعضاء الجسد التي قرر دارون والنشوئيون انها توقفت عن النمو بعد ان بلغت اعلى واقصى ممكناتها، واكتملت تصيّرا، من دون ان يلاحظ احد من بينهم بان شيئا بالذات قد ظل مستمرا يتشكل ويتطور منذ ان انبثق في الجسد الحيواني، وانه سائر صعدا بالمجتمعية، ومن خلالها، وعبر تفاعليتها للكمال ولتعدي القصورالذي يظل يرافقه، ويميز مقاربته للظاهرة المجتمعية ابتداء.
الكائن "الانسايوان" هو الشكل الانتقالي، بين الحيوان و "الانسان"، وهو حالة ازدواج عقل/ جسدي، من نوعي ومستويي وطبيعة حياتيه مختلفتين، مع ظهوره وانبثاق العقل في الجسد، تبدا عملية النشوء والارتقاء الثانيه، "العقلية"، السائرة الى تحرر العقل وانفصاله عن الجسد الحيواني، والتي تعقب عملية النشوء الأولى الحيوانيه، المستمرة تحولا، الى ان بلغت طور الانتصاب على قدمين، واستعمال اليدين، لتصبح بحال يؤهلها لاستقبال الحياتية العقلية العليا الثالثة، بعد الجمادية، والعضوية الحية، والتي هي غاية الوجود الحي، ومنتهاه، واعلى اشكاله، وسبيل انتقاله من الكوكب الأرضي الى الاكوان العليا، كسكن، ينتهي عنده ومعه، دور الأرض العابر، ووظيفتها هي والمجموعة الشمسية التي تنتمي لها.
وماكان بناء عليه للظاهرة المجتمعية ان تنشا خارج غرضيتها والمستهدف منها، او ان تكون نتاج صدفة، او لذاتها، وبماهي كائنة عليه ظاهرا، كما انها لم يكن لها ان توجد ابتداء ومن ساعتها، ازدواجية عامه، شاملة للمعمورة بنيويا، كما حال نموذجها الأساس الرافديني، المهيأ من بين سواه كينونة، للتحول البنيوي بانتظار توفر العامل المادي الضروري، غير القابل للانبثاق داخل البنية الازدواجية اللاارضوية لاسباب تكوينية.
يخضغ سيناريو الانتقال من الجسدية الى العقل كهدف ملازم، واساس مضمر وراء الانبثاق العقلي في الجسد الحيواني، ومن ساعتة، لقانون "فك الازدواج" الناشيء في حينه، وما لايمكن تحققه الا بالازدواج، قبل، ووصولا الى "فك الازدواج" المجتمعي، بما ان الظاهرة المجتمعية هي اللحظة والمحطة الأخيرة من عملية النشوء والتصيّرالعقلي، المرهونه للجسدية والارضوية، ومقابلها الأحادية المجتمعية، التي تظل غالبة ومتحكمه كنتاج مناظر للجسدية الاعرق كينونة، والاساس الحامل للمنبثق الجديد العقلي.
وكما الازدواجية البشرية (عقل /جسد) تتبلور، المجتمعية وتنضج ( مجتمعية لاارضوية / هي مناظرالعقل الذاهب للاكوان العليا/ ومجتمعية ارضوية/ هي الآيلة لانتهاء صلاحيتها هي وسكنها الكوكبي الأرضي المؤقت) بمعنى ان المجتمعية وتاريخ تصيرها، ومآلها "عقلي"، المجتمعية ضمنه وسيله واداة، لاغاية بذاتها، وان الطور او الفترة التي يظل العقل ابانها محكوما للاعتقاد باولويتها، وبكونها هي موضوع وجودها وتفاعليتها، هو طور انتقال ضروري ولازم، تغلب ابانه الأحادية الارضوية جسديا ومجتمعيا، الامر الذي يستغرق في موضع تجلي الازدواج التحولية، وبدايات نضجه، ثلاث دورات وانقطاعين تاريخيين، تمر بها ارض مابين النهرين باعتبارها قانونا ناظما لتاريخ هذا المكان من المعمورة، ومن خاصياته الملازمه لكينونته، عند نهايتها تبلغ الأحادية من جهتها، وفي اعلى اشكال تجليها، وارفع دينامياتها، اخر ومنتهى ممكنات استمرارها وارقاها قبل توقفها عن الفعل والحضور.
تترافق حالة ومنتهى تجلي الأحادية مع انتقال المجتمعية بالاجمال، نحو الزمن مابعد المجتمعي الارضوي،عبر لحظة انتقال أخيرة تقترب المجتمعية عندها من الفنائية المجتمعية تتداخل في غمرتها القصورية العقلية الأحادية، باخطر حالاتها جيث التقدم الأحادي الأقصى، متلازما مع تخلف وقصور العقل بإزاء حالته الناشئة، وماتولد في لحظته من انقلاب وجد من دون ان تتوفر في ساعته ولحظة تحققه، أسباب استيعاب حقيقته هو بذاته، في حين ذهب العقل الى مقاربة الحادث حاضرا بالماضي، والاحادي منه ومقاييسه، مع بداهاته، فعولجت اللحظة الالية بناء على، وانطلاقا من الرواسخ والاسس المواكبه للتاريخ اليدوي، واعتمدت منطلقا في النظر والبحث ضمن اشتراطات منحتها الجدة، وما يضعها في خانة الانقلاب والقفزة الايهامية، تحت طائلة، ونوع وضخامة المنجز المتحقق علميا تطبيقيا، وماديا.
وأول اشكال التفارق القصوري الأوربي المعروف بالحديث، تجلى في عدم التفريق بين " الالة"، و"الطبقة"، او العلاقة بينهما، ومايمكن ان يكون استجد عليها، فنظر للطبقة بماهي ظاهرة يدوية كانت موجوده وتعمل ضمن الاشتراطات اليدوية، على انها هي ذاتها الموجودة اليوم مع انبثاق المتغير الالي، فلم يخطر على البال احتمال، لا بل حقيقة ان وسائل الإنتاج افتراضا، تناظرها بنى اجتماعية من نوعها، وتتناسب مع نوعها، أي ان ثمة "مجتمعية يدوية"، تعقبها "مجتمعية الية" لها اشتراطاتها والياتها المختلفة كليا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلقد ذهب العقل الغربي الى تعميم خاصيته الطبقية على المعمورة ومجتمعاتها، ولم يتمكن من التوصل الى كون المجتمعات يمكن، لابل ان نوعا منها ليس انشطاريا طبقيا، مثل مجتمعات أحادية اللادولة، كما كانت قائمه في أمريكا قبل الغزو الأوربي، وفي أمريكا اللاتينيه وحضارات المايا والانكا والازتك، وبعض افريقيا، وأستراليا، وفي منطقة شرق المتوسط الجزيرة العربية ونمط لادولتها الاحترابي، وبعض من اسيا، كذلك هنالك مجتمعات دولة أحادية غير طبقية، وهي ابتدائية تاسيسية، ابرزها حالة مجتمعية وادي النيل. هذا عدا عن الانشطارية المجتمعية الازدواجية الأصل والمنطلق، كما حال المجتمعية الرافدينية.
بمعنى ان "الطبقية" هي خاصية انشطارية داخل احد أنماط المجتمعات الثلاثة، من الخطل الذهاب لتعميمها على العالم ومجتمعاته، تكريسا لنمط الراسمالية المتولد عن التحول البرجوازي الالي كما انطلق اوربيا، واختص متميزا بالانقلابية الالية البرجوازية بحسب المكان والموضع الذي انبثق فيه، وهو مالايجيز، او يسمح بالتعميم، وبفترض ان لم يشترط نظرة الى العالم بظل التحول الالي، متناسبة مع الأنماط المجتمعية بحسب اختلافها وتنوعها الثلاثي المذكور فيما تقدم، مضافا له بالاصل وانطلاقا، المتغير المرافق والناجم عن حضور الالة على بنية الإنتاج / مجتمع، بعد ماطرا عليها تغيير من صيغة ( التجمع + الإنتاج) اليدوية الأولى. بناء على احكام البيئة وممكناتها واشترطاتها بالاتفاق مع الحاجة والضرورة الحياتيه، وكيفيات وممكنات تلبيتها بحسب الحالة الإنتاجية المتاحة.
يعني ذلك ان اوربا الحديثة لم تنتج ماهو مفترض ولازم من وقفه عقلية ضرورية، مناسبه للانقلابيه الثانيه الكبرى في المسار المجتمعي مع ظهور الالة، وانها بقيت محدودة بمقاييس الماضي القصورية كاطار أساس، ظل يحكم نظرتها ونوع احاطتها لما صارت ماخوذة به بفعل الياتها هي الذاتية داخل التفاعليه التصيرية التاريخيه للمجتمعات عموما، فلم يخطر لها ان ترتقي بتساؤلاتها لدرجة بلوغ القناعة الضرورية حول:
ـ الحقيقة المجتمعية والمآل المتصل بها وبالغاية من وجودها كظاهرة خارج القصورية الاحادية.
ـ احتمالية ان تكون الاله لحظة انعطاف نهائي من النوع الافنائي، او ينطوي على احتمالات من هذا النوع، بدل الإصرار المطمئن على كونها لحظة استمرارية.
ـ إعادة النظر في السردية المجتمعية التاريخيه و "الحضاروية" على وجه الخصوص.
ـ افتراض الاختلال النوعي في بنيه العملية الإنتاجية والطبقية، وتبدل الاليات الناظمة وخارطة قوى عملية الإنتاج، والاليات المجتمعية.
ـ وبالاساس وقبلا، الذهاب الى تعيين وتشخيص أنماط المجتمعية كما هي، وكما وجدت "يدويا" بدل ماقد اعتبر من قبيل "علم الاجتماع" المؤسس على تكريس القائم والمعتبر مجتمعية ضمن زمن القصور الاد راكي العقلي.
بمعنى ان الغرب الحديث قد ظل احاديا إدراكا، وانه كان يفترض، ومن اللزوم عليه اليوم، الانتقال من الأحادية، الى المنظور "التحولي" المضمر، المطوي، والمتعذر، الذي استمر متعذرا اليوم أيضا، كما كان، ليسجل في الحصيلة، استمرارحمل ظاهرة الغرب الحديث للقصورية واحادية الظاهرة المجتمعية الباقية غالبة الى اليوم.
ـ يتبع ـ