بين المعري وطه حسين


حسن مدن
2021 / 5 / 14 - 13:43     

الذي شد طه حسين إلى أبي العلاء المعري، فجعل منه قدوة له ومثالاً، وعنه ألفَ كتابه الشهير، وشاعت أفكار وروح المعري في كامل منهج عميد الأدب العربي؟
ثمة من أغواه في تفسير ذلك منهج علم النفس، حيث وجد في حقيقة أن طه حسين كان ضريراً شأنه شأن المعري، وأن قوة البصيرة عوضت فقدان البصر عنده، فإن طه حسين وجد ما يجمعه مع رهين المحبسين، لكن ما حباه الله به من ذكاء ونبوغ لم يجعل من فقدان البصر لديه نقيصة، فكان يرى من أمور الحياة ومن المستقبل ما لا يراه المبصرون .
لكن في هذا التعليل ظلم للرجلين معاً، وخاصة لطه حسين، باعتباره، من حيث التسلسل الزمني، تلميذاً للمعري كونه عاش في عصر آخر تفصله عن عصر الأول، مع أنه من الجائز، وحتى المنطقي، أن اشتراك الرجلين في فقدان البصر، كان محفزاً لطه حسين في ألا يجعل من ذلك مدعاة للعزوف عن الحياة، وأن يبدع في عمله ويتألق في فكره مقتدياً بمعلمه، لكن لا يصح اختزال الأمر في هذا وحده .
من الذين وقفوا عند هذا الأمر كان سلامة موسى، الذي يرى أن المعجزة لا تكمن في أن طه حسين الضرير تعلم ونال دكتورية الأدب وأبدع، وإنما المعجزة هي في أنه انتقل من الأزهر إلى الجامعة المصرية، ومنها إلى السوربون، علماً بأن سلامة موسى بالذات الذي كان يصدر في حينها مجلة المستقبل نشر لعميد الأدب العربي صورة بالجبة والقفطان .
هناك معجزة أخرى أهم في سيرة طه حسين يراها سلامة موسى هي تموضعه في الموقع الأمامي التقدمي، التجديدي، في الأدب والحياة، مع أنه، حكماً من منشئه وبيئته العائلية والتعليمية الأولى كان يمكن أن يظل شأن الكثيرين من أقرانه في الموقع التقليدي منصرفاً إلى قواعد الصرف والنحو وحدها، لا أكثر .
وهذا التموضع في الموقع التجديدي هو ما شد طه حسين إلى المعري وجمعه به، فالمعري هو الآخر كان ثائراً على عصره، متمرداً على المعوقات والكوابح التي تقيد حرية العقل .
عاش طه حسين في عصر آخر مختلف، تجاوز عصر أستاذه وملهمه، فكان طبيعياً أن يذهب أبعد مما ذهب، حين تيسرت له ظروف موضوعية جعلت أفكاره محمولة على موجة من التغيير عاشتها مصر يومذاك .