بين العراق وفلسطين وحدة النضال والمصير


حسن خليل غريب
2021 / 5 / 14 - 10:12     

استئنافاً للثورات السابقة، تندلع منذ أيام معدودات مواجهات حادة بين ثوار فلسطين وقوات الاحتلال الصهيونية من جهة، وبين ثوار العراق وقوات الاحتلال الإيرانية من جهة أخرى. وفي كل منهما يسقط الشهيد تلو الشهيد، ويسقط الجرحى بالمئات، وعلى الرغم من كل ذلك، تستمر المواجهات التي تكاد تُفقد قوى الاحتلال في القطرين أعصابهما. ويبدو للمراقب العادي وكأن قضية كل منهما التي تدفعهما إلى المواجهات لا علاقة لها بالأخرى. وأما بالنسبة للمراقب الذي يستند في تفسيرهما إلى عمق قومي عربي، فيرى فيهما ثورة واحدة في سبيل قضية واحدة، هي قضية الدفاع عن العروبة، واستقلال الامة وحقها في الحرية والسيادة.
منذ وعد بلفور، وقبله قرارات كامبل بانرمان، رسمت الدول الاستعمارية خارطة لتقسيم الأمة العربية. ومن أجل ذلك، قرروا زرع جسم غريب ليفصل بين القسم الآسيوي للوطن العربي والقسم الأفريقي، على أن يكون صديقاً للغرب، وعدواً للعرب. فكان الجسم الغريب هو بناء كيان صهيوني في فلسطين. وهذا ما حصل، وكانت ترجمته إعلان وعد بلفور في العام 1917، الذي أصبح حقيقة واقعة في قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن مجلس الأمن في العام 1948. والذي به أكتسب الكيان الصهيوني شرعية دولية مزعومة، ولكنها شرعية باطلة لأنها قائمة على الاغتصاب.
ولأن الأمة العربية كانت مستهدفة من تأسيس ذلك الكيان، أصبحت القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية. ولان العراق كان يشكل سداً منيعاً للأمن القومي العربي ، فقد كان لا بُدَّ من إخضاعه ووضعه تحت تأثير قوة تكون مؤيدة لأهداف الاستعمار والصهيونية وفي الوقت ذاته عدوة للعرب. فوجد في النظام الإيراني للولي الفقيه، بعقيدته الغيبية، وكراهيته للعرب تلك المواصفات . ولأن النظام المذكور مطابق لمواصفات التحالف المعادي، ولأن له أطماع في العراق وفي باقي اقطار الوطن العربي، فقد استجاب للدعوة التآمرية، وقام بتنفيذ كل الإملاءات التي عُرضت عليه واصبح القوة الضاربة للمشروع المعادي.
استناداً إلى تلك الحقائق، يمكننا رؤية علاقة الترابط بين ما يجري على أرض فلسطين والعراق. ولهذا سيدور محور مقالنا هذا، من أجل تفسير أهداف الثورتين معاً، وأسباب هذا الترابط ومآلاته على حركة التحرر العربية.
الأمة العربية مستهدفة بالقضم والهضم الاستيطاني:
على مقاييس استراتيجية هنري كيسنجر المفكر الصهيوني، بالاستيلاء على الوطن العربي، خطوة خطوة، تسير تلك الخطوات في المرحلة الراهنة على خطين: خط التطبيع مع بعض الأنظمة الرسمية العربية، وخط تطويع الجماهير العربية وإخضاعها لمعطيات الأمر الواقع.
ففي هذه المرحلة أكثر من أي مرحلة أخرى، أصبح من الواضح أن بعض الأنظمة العربية الرسمية، بتطبيع معلن أم تطبيع غير معلن، خاضعة لضغوط وتهديدات وإملاءات القوى الدولية الاستعمارية والصهيونية العالمية لأنها وفي ظل انكشاف امنها الوطني والقومي الذي نتج عن احتلال العراق ، وفي ظل غياب ابسط صيغ التكامل والتنسيق والتعاون الرسمي العربي تتم استباحة سيادة تلك الدول، ويتم تفصيل خرائط الوطن العربي بما يخدم مصالح الدول المعادية للأمة العربية.

الوطن العربي بين المطرقة الصهيونية وسندان النظام الإيراني:
وبعد أن فشلت الاستراتيجية الصهيونية في إنجاز أي تطبيع شعبي عربي، وكادت استراتيجيتها تقتصر على فرض التطبيع والتطويع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستكمالاً لمشروع ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد ، وهو تقسيم المقَسَّم، عملت على إدخال عامل التفتيت الطائفي والعرقي إلى استراتيجيتها في رسم خرائط جديدة للوطن العربي، وهنا جسّد نظام ولاية الفقيه في إيران الاداة المنشودة. لذا فليس من قبيل الصدف أن تندلع المواجهات الشعبية الدامية في آن واحد على أرض فلسطين وعلى أرض العراق، لما بينهما من العوامل في التصدي للمؤامرة ذات الهدف الواحد ولكن متعدد الاوجه. والتي نذكر أهمها وأخطرها:
• تلتقي العقيدتان الصهيونية والفارسية بعوامل العداء التاريخي للعرب: والدليل عليها أن الصهيونية تثأر من السبي البابلي قبل الميلاد. وتعمل ولاية الفقيه على الثأر من انتصار العرب على الدولة الفارسية في القادسية الأولى التي تعود إلى بواكير الفتح العربي الاسلامي. والقادسية الثانية في حرب الأعوام الثمانية في ثمانينيات القرن العشرين.
• وتلتقيان بعامل النرجسية الأيديولوجية الدينية:
وفيها تؤمن الصهيوينة بأن (اليهود شعب الله المختار)، وأعلنوا استراتيجيتهم بما كتب على مدخل الكنيست (أرضك يا إسرائيل بين الفرات والنيل). في الوقت الذي تؤمن فيه أيديولوجيا نظام ولاية الفقيه بـ(أنه لا يجوز قيام دولة إسلامية بغير قيادة الإمام المهدي المنتظر)، لذا تلزم العقيدة أتباعها بتصدير ما تزعم أنها ثورة إسلامية إلى الوطن العربي عبر العراق، بوابته الشرقية، وهي في الحقيقة ليست الا اجتياح قومي فارسي للوطن العربي .
• كما تلتقيان باستراتيجية التطهير العرقي لاجتثاث أي عامل يعيق تمددهما:
وبمتابعة ما يحصل من خطوات استراتيجية صهيونية منذ الاحتلال، نجد ان ابرزها هو العمل على تقليص رقعة السكان العرب من أجل الحصول على أغلبية يهودية في فلسطين. ومن أجل هذه الاستراتيجية استخدمت شتى أنواع الجرائم للترهيب. وشتى أنواع المغريات للتهجير. وأما نظام ولاية الفقيه فيعمل في العراق وسوريا على تجنيس ملايين الإيرانيين لإسكانهم مكان ملايين العراقيين والسوريين الذين هُجروا من مدنهم وقراهم، باستخدام جرائم لا تقل فظاعة وبشاعة عن الجرائم الصهيونية لا بل تجاوزتها باضعاف مضاعفة من حيث العنف والسعة.
الجماهير العربية في فلسطين والعراق تنقلب على مفاهيم الأنظمة الرسمية:
ولأنها المتضرر الأول من مشاريع الرأسمالية والصهيونية من جهة، ومن مشروع ولاية الفقيه الغيبي من جهة أخرى، فقد ثارت الجماهير الفلسطينية والعراقية في هذه الأيام وفي آن واحد، وفي هذا دلالة أكيدة على وحدة المعاناة القومية. ولأن العدو واحد هنا وهناك، فهذا يؤكد على وحدة المصير لابناء الامة . ومن ربط عاملي وحدة المعاناة والمصير، أصبحت وحدة النضال في الساحتين نتيجة منطقية. ففي فلسطين تصدى ثوارها باللحم الحي لكل آلة القمع الصهيونية ، وهتفت بأقوى الأصوات: (نعم لعروبة القدس). وفي شتى أرجاء العراق، وخاصة في عقر دار النفوذ الإيراني، ارتفعت الأصوات هاتفة (إيران برة برة ).
في فلسطين يتساقط عشرات الشهداء، ومئات الجرحى، برصاص جنود الاحتلال الصهيوني الغاصب. وفي العراق يتساقط عشرات الشهداء، ومئات الجرحى، برصاص (الحرس الثوري الإيراني). لذا جاء الغضب الجماهيري، في القطرين، كصفعة مدوية في وجه التحالف الصهيوني الايراني من جهة وفي وجه الأنظمة الرسمية المتخاذلة من جهة اخرى ، والتي لا يزال صمت الأموات يلفها، وتغط في نوم عميق، من دون أن يحركها استشهاد شهيد تصدى لمواجهة من يعملون على اجتثاث الشعور والوجود القومي، ومن دون أن تستثير ضميرهم العربي نقطة دم ينزفها جريح، ومن دون أن ترشق الاحتلالين: الصهيوني والفارسي، بوردة !!.

لقد أثبتت الوقائع التي تجري الآن على مدى وحشية العدوين المتحالفين الصهيوني والفارسي، كما أثبتت مدى خنوع واستسلام الأنظمة الرسمية العربية. ومن جانب آخر، وبوعي فائق الأهمية لخطورة استسلام الأنظمة الرسمية العربية، لقوى الغيبية الصهيونية وقوى الغيبية الفارسية، فقد اندفعت جماهير القطرين العربيين لتأخذ دورها، ولكي تؤكد أن الشعوب إذا كشفت الغطاء عن جلاديها وآكلي حقوقها، والمتآمرين على كرامتها وسيادتها وثرواتها، لن تعيدها إلى القمقم أية قوة مهما اتسمت بالوحشية، ولن يرهبها أن تتخلى أنظمتها الرسمية عن انتهاك حرماتها، فهي صاحبة القضية، وهي القوة القادرة على التحرر والتحرير.

وعي الشعب لحقوقه بداية للمسيرة التحررية الواعدة:
لو ادرك كل من يتجاهل عوامل الشعور القومي العربي، و من يتآمر على اجتثاث هذا الشعور، معاني ودلالات ما بثته الثورتان في فلسطين والعراق في هذه الأيام المجيدة، لكان عليهم أن يبشروا بعصر قومي جديد يؤشِّر على أن العروبة تشكل الحضن الدافئ لكل العرب في كل أقطارهم، ووحدة النضال بين القوى الثورية العربية تشكل القوة الضاربة التي تحقق المعجزات. وإننا من خلال حالة الإرباك والخوف التي زرعتها الثورتان في القطرين، وتكاد تهز فرائص حكام الكيان الصهيوني، وفرائص حكام نظام ولاية الفقيه

الفارسي، نستنتج كم هي عظيمة التأثير وعوامل التنسيق والتكامل بين ارادة الشعب العربي و شتى الثورات والانتفاضات الشبابية التي تشهدها ساحات المواجهة وجبهاتها الرئيسية.

وفي خلاصة تحليل ظاهرة اندلاع الثورتين معاً في ظروف تغوُّل الكيانين الصهيوني والفارسي في تنفيذ مؤامرتهما على الأمة العربية، نقرأ أبلغ المعاني والدلالات، ومن أهمها أن شمس العروبة تشرق من جديد في الثورة التي تجري على أرض فلسطين والعراق. وإذا أشرقت شمس العروبة في فجر الامة الجديد، فلن توقفها أية قوة في الوجود. فتحية إلى المناضلين والثوار في فلسطين والعراق، الذين يتحدون آلات القمع الصهيونية والفارسية، بصدورهم العارية، ولحمهم الحي. وندعو كل قوى الثورة العربية، في الوطن العربي والمهجر، لمد يد العون والمساندة لأبطال الثورة العربية الراهنة الذين يقاتلون نيابة عن جميع العرب في هذا العصر الذي تعمل فيه القوى الدولية والإقليمية المعادية على تفصيل خرائط تقاسم جسد الأمة العربية حصصاً فيما بينها. وليدرك الجميع أنه إذا نجحت القوى المعادية في قمع أو احتواء ما يجري على أرض فلسطين والعراق، سوف ينعكس سلباً على ثورات عربية أخرى في لبنان والسودان والجزائر وغيرها. وسيكون إحباطاً لآمال الأمة العربية وطموحاتها في العيش بحرية وكرامة، وحماية حقها في تقرير مصيرها بإرادة أبنائها.