الخلاص والفداء فكرة بلا معنى


عباس علي العلي
2021 / 5 / 13 - 00:08     

سؤال بالمناسبة يتعلق بفكرة الفادي والخلاص التي نجدها في كل الأديان تقريبا، ومن تأثيراتها أيضا فكرة المخلص الذي يأتي في أخر الزمان وتحديدا فكرة المهدوية في العقيدة الإسلامية، هل لتكرار شخصية المخلص في هذه الديانات الأخرى هو تكرار لوظيفة وتجربة المخلص في العقيدة المسيحية ولا تتعارض في النتائج معها؟ بمعنى أن وجود أكثر من مخلص يؤمن به مجموعة من الناس دلالة على حقيقة وجودها وإن تنوعت الأعتقادات؟ أو بالعكس منها دلالة على أن هذه العقيدة وضعية ومزيفة ولا يمكن الأستناد عليها في تجسيد الإيمان الديني؟.
اليقين المتولد عند المنطقيين العقلانيين والمؤمنين الحقيقيين يتراوح بين موقفين أو أتجاهين رئيسيين، الأول أن فكرة المخلص هي حالة من الهروب من شعور الإنسان الطبيعي بأنه لا يمكنه بشكل عام نيل الخلاص بعمله مهما حاول أن يكون أن يتوافق مع الوجود، أما لأنه يحاول أن يهرب دوما من المسئولية عن حياته بكل خطاياها، وأما أن تكون المغريات في الجانب الأخر أكثر قوة وتأثيرا عليه، وبالنتيجة فوجود شعور ولو زائف بحقيقته وجوهرة يؤمن له الحليين معا، أن يتمتع بالحياة دون مراعاة لخصوصية هذا التعامل وشروطه، وبنفس الوقت فهو ضامن بشكل أو بأخر أنه قادر في النهاية أن ينجو بخطيئته دون عقاب، هذا التفسير النفسي والذي هو الأكثر واقعية نظرا لطبيعة الفكرة وإيمان الناس بها وهم لا يتناهون عن أرتكاب الخطايا والمعاصي، وبنفس الوقت يؤمنون أن هناك حساب أخر وحياة أخرى.
أما الموقف الأخر فهو ينحو منحى معرفي مفاده أن رسوخ الفكرة ومهما كان منشأها وتفسيرها ولد نوعا من القناعات الفكرية أن هذا الإجماع البشري لا يمكن أن يكون بلا دليل أو حجة، وإن قدمه وتأصيله في غالب الديانات سبب رئيسي يؤكد أن الفكرة لم تكن خالية من هدف أو ناشئة من وهم، فكلا الموقفين النفسي والتأريخي المعرفي مبنيان على إدراك جماعي أو فردي دون برهان يقيني بهما، فليس كل ما هو شائع ومتجذر وخاصة مع وجود أشارات ورؤى وأفكار معارضة في نفس الأديان يمكن أن يكون مبرر كافي للقبول بالفكرة وممارستها على أنها جزء من منظومة العقائد الصحيحة، كذلك أيضا أن بقاء الفكرة مع وجود التعارض ممكن أن يأتي من يجسر هذا التناقض، وبالتالي فالأمر مرهون بالزمن وتطورات التفكير الديني على أن ما لا نعرفه اليوم قد نكتشف غدا له ألف تبرير مقنع، خاصة وأن مفاتيح تطور القراءة الدينية وتحديث وسائل النظر والتعقل ممكنة وموجودة.
في كل الأحوال سواء وجدنا المبرر أو لم نفلح في إقناع اليقين الذاتي في مواجهة فكرة المخلص أو المنقذ النهائي يبقى الإنسان ووفقا للقياسات الواقعية والمنطقية مسئولا عن إنقاذ نفسه وتخليصها من الخطيئة على أنها واجب عقلاني وعملي يتفق أصلا مع كونه كائن معرفي ومسئول عن نفسه وعن تصرفاتها في الواقع، حتى في الواقع الوضعي لا بد أن يجنح إلى التنظيم والخضوع لقانون الحياة الكلي الذي يمنعه أصلا من الإخلال بمنظومة العيش الإيجابي والتفاعل معه من خلال المساهمة في تدعيم عنصر الخير والإصلاح بمختلف الوسائل الممكنة دون أن يربط ذلك بفكرة أو رؤية تعلق الأشياء على غير أسبابها الحقيقية حتى لو زعمت بعض العقائد أن ذلك من صلب عقيدتها.
العقل المنطقي يرسم نموذج أي علاقة على مبدأين من خلال قاعدة (أن لكل شيء معنى في الوجود)، الأول الضرورة الأصلية والواقعية حتى يكون للفكرة معنى، والثاني الهدف والغاية ومدى قدرتها على تحقيق ذلك لتفسير المعنى والتأكد من حقيقته، فكل فكرة ليست ضرورية أو بالضرورة وجدت لا يمكن أن تكون فكرة حقيقية فهي من جنس الوهم أو حتى العبث، ثانيا أن تكون هذه الفكرة لها هدف غائي تتجه له وتتطلع لتحقيقه، وبدون أن تكون هذه النتيجة ممكنة أو حقيقية تبقى الفكرة كسابقتها أما وهم وأما عبث وبالأخر فإنها إذا _ بلا معنى_، عندما نعود بالفكرة الخاصة بالمخلص أو المسيح الموعود أو فكرة المنقذ في أخر الزمان، وعلى أختلاف الصور والنماذج والمسميات التي ظهرت بيها، وطبقنا القاعدة المعروفة بـ (الضرورة والنتيجة) لنجد لها معنى فهل يمكن لنا أن نكتشف لها مصداق من حيث عنصريها أو أطارها (المعنى).
مبدأ الضرورة يعني أنه لا يمكن تصور الحال كاملا وتاما ونموذجيا بدون وجود الحالة المطلوبة، أو على الأقل لا يمكن قبوله كما هو دون خسارة أو تفريط بجزء مهم متصل بوجودنا الخاص والعام، أو لنقل لا يمكن تصور صحية الحال وأنطباقه على الأسس المفترضة أو الحاكمة بدون أنتهاك لها ولمعادلاتها أو تعارض مع الأهداف والسبل، أي أتصل حال الضرورة بتكوين المعنى الوجودي الذي يمكن من خلاله البحث ثم التعرف على عناصر المعنى التي عند وجودها نتوقع نتيجة ماـ أو نقبل النتيجة تحت عنوان أنها جزء من المعنى الوجودي الأشمل، السؤال هنا وأنا أتحدث مع العقل المؤمن بحججه هو، إذا كان الله قد خلق الإنسان وعلمه أو ساهم في تعليمه من خلال تجربة تشاركية وهو من منحه العقل للإكتشاف والأستدلال وأبلغه بشكل موجز حتى عن ملامح الخريطة الوجودية وقال له أذهب مارس وجودك فلا ينقصك شيء، هنا من تنعدم الأسباب وحتى الأقل عقلانية من أنه سيتدخل في التجربة البشرية ويحاول تصحيح أخطائها ليناقض أسس التكوين عنده.
عندما منح الله العقل وأرسل الرسل والأديان ورسم طريق الخير والشر وفتح أبواب التجربة على مصراعيها، ماذا إذا ينتظر الإنسان من نتيجة أو يعمل وفق غاية محددة، فأما أن يكون غير مبلي بكل ذلك لأنه يعلم أن الله لا يستطيع أن يفعل له شيء، وبالتالي فهو حر بالتمرد على الله، أو أنه غبي لا يمكنه الأستفادة من الوسائل الإدراكية والمعرفية ولا يمكنه أستعمالها، وبالتالي فمشروع الله غير كامل وفاشل وعليه أن يتحمل هذا الفشل وعدم الإكتمال من خلال منح المخطئ الفرصة ليتخلص منها مداراة لذلك الفشل والنقص في عملية الخلق، في كلا الحالين هنا الله ليس كاملا وليس قادرا على تطبيق خطته الأولى وأيضا غير جاد في تنظيم الوجود الإنساني من خلال الأديان والرسل والنبوءات.
إذا يمكننا أن نقول أن الفكرة تكون ضرورية فقط عندما نسلم بأن الله عاجز عن تحقيق إرادته بفرض رؤيته للوجود ومع الإنسان، وأنه غير قادر على إتمام مشروعه الذي بشر به وتحدى الملائكة في شأن خلق آدم، وأنه سبب فشل الإنسان في تجربته لأنه لم يكمل أسباب التجريب ولم يعزز مواردها في الوجود، بالتالي فالضرورة هنا تتجلى بتجريد الله من صفاته ومن خصائصه ومن هيلمان القوة والقدرة، وهو بالتالي يمكن أن يقارن بالبشر أو بأي مخلوق أخر بما يعني فقدانه ميزة الإطلاق والتمامية الكاملة بأي شكل، هل المنطق العقلي يقبل بهذه النتيجة.... من المؤكد أنه لا يمكن للعقل الديني المنطقي أن يقبل بهذا أو حتى بإفتراضه كجزء من الممكن المقبول.
فهل من الضرورة إذا أن نقبل بهدر قيم وحقيقة وجود الله لنؤمن لنا حلا واهما لا يقدر على الصمود أمام محاكمة عقلية منطقية وحتى نصية دينية لنقول بضرورتها، المخلص أو المنقذ في كل الأحوال هو أختراع بشري وإن كان عقليا كما يبدو لكنه من النصف الأخر من العقل، النصف الطفولي الذي لا يمكنه أن يدرك ما بعد الأبعاد الحقيقية لقلة تجربته وحداثة فعله، إنه النصف التبريري العاجز دوما عن إدراك المعنى بكل قيم المعنى المعرفية والعلمية، لذا فإن أو أبتكار للديانات القديمة في طريق أحتيالها على الله أنها أستخدمت الغباء في بنيان عالم فلسفي تريده أن يشعرها بالراحة وتتخلص فيه من عبء المسئولية والأستجابة للوظيفة الوجودية للإنسان، إنها حيل الكهنة عندما يخدعوا الناس بأنهم قادرون على أن يبيعوا لهم مفاتيح الجنة بقليل من الدراهم.