حرب لبنان: وماذا بعد انتقاد الخطاب اليساري القومي؟


احمد زكي
2006 / 8 / 4 - 10:38     

هذه رسالة بعثت بها الى المجموعة الحوارية الالكترونية "التقدم"، في حوار بين اعضاءها فجره نشر احد الاعضاء رسالة لموقف اليسار الديموقراطي اللبناني من حزب الله في هذه الحرب، وقد احتدم الجدل وتطور الى السباب والتهجم الشخصي المؤسف من فرد او اثنين من الاعضاء، ولكن كانت هناك ايضا مساهمات قيمة من الجم الغفير من الاعضاء!

ورأيت ان انشرها ايضا بالموقع مساهمة مني في الجدل الدائر حول "الحرب في لبنان"...

لندخل في صلب الموضوع.... كانت هذه دعوة الزميل "...." في نهاية رسالته بالعنوان اعلاه "وماذا بعد انتقاد الخطاب اليساري القومي؟"

وانا ادخل في صلب الموضوع....

اليسار الديموقراطي اللبناني هو اول من اعترض علانية على ما قام به حزب الله، ولكنه لم يكن الوحيد في الساحة اللبنانية، بل لحق به اخرون. (اقرأوا ما كتبه كريم مروة، وانصتوا جيدا لما تشاهدونه على شاشات الفضائيات من غازي العريضي وزير الاعلام اللبناني).

حوار الطوائف اللبنانية، قبل ان تقلب عليهم المائدة، كان يقدم نموذجا مبشرا للمنطقة العربية يعد حلا لما تخططه لها قوى اليمين العالمي وعلى رأسهم اليمين الامريكي: استخدام الاضطهاد الطائفي واضطهاد الاقليات الذي تمارسه عليهم فعلا الطوائف المحلية الحاكمة في معظم دولها من اجل تقسيم جديد لخريطة الشرق الاوسط. هذا ما حدث في العراق وهذا ما يحدث في السودان و...الخ.

وبينما تقترب الطوائف اللبنانية من صنع صيغة ديموقراطية لبناء "لبنان جديد"، بعد خروج قوات الاسد وقوات اسرائيل قبلها.... في وسط هذا كله يتورط الشيخ نصرالله ويورط لبنان نتيجة لحسابات معقدة وملتوية خاصة به (كما تورط عبد الناصر ايضا لحساباته الخاصة به في اليمن وفي 67 وكما صدام في ايران والكويت وكما....)، أي ان الاعتراض من المعترضين اللبنانيين يقوم على الاسف والسخط على تدمير مسيرة كانت الطوائف والقوى السياسية والتيارات المختلفة في لبنان (بحلوها ومرها) تمضي فيها وتحقق بعض نتائج ايجابية....

وتمسك الولايات المتحدة بالفرصة (وهنا يلح على الخاطر الرواية شبه الموثقة التي تروى عن تحذير الروس لعبد الناصر من حشود اسرائيل الوهمية على الحدود مع سوريا قبل حرب 67، ورواية غواية صدام بغزو العراق بواسطة السفيرة الامريكية في بغداد ...).... وتستخدم بالطبع اسرائيل...(الصحيح في قاموس مفردات القوميين العرب: الخنجر المسموم في ظهر الامة العربية لخدمة مصالح الامبريالية العالمية وقوى الاستعمار ضد شعوب المنطقة – او ما بات نعوم شومسكي يسميه الان: "الفرع العسكري من الشجرة الامبراطورية").

ونخسر نحن شعوب المنطقة فرصة اخرى كبرى للتقدم نحو المستقبل.... نخسرها لنسحق وتسحق لبنان في مواجهة مع القوة العسكرية الهائلة للامبراطورية الامريكية (اسرائيل مقاول صغير من الباطن يتكفل بالعملية – لا يوجد في لبنان بترول وانما مياة طبعا)، والخطاب القومي الديني يتحداهم بصواريخ الكاتيوشا المؤيدة من قبل آيات الله في طهران....الرعب المتوازن او توازن الرعب.

النموذج الديموقراطي الامريكي في العراق على حاله التي نعرفها ويعرفها العالم كله... فكيف بالله يستقيم حال ابرز واقدم نظام طائفي في المنطقة وسط هذا كله..... لبنان!!!! وهنا تقطع امريكا الطريق الذي سارت فيه مكونات الامة اللبنانية معا خطوات معدودة لم تثمر شيئا بعد، (بعد تحررها). تقطع امريكا هذا الطريق لانه خطر على خطتها للشرق الاوسط، وبابتسامة صفراء تعلن ذلك كونداليسا رايس، "هذه الام مخاض الشرق الاوسط الجديد". وفي الحقيقة انها الام اجهاض قصدي لوليد في حمل عسر بواسطة اطباء مجرمون قتلة.

وتنطلق آلة الزيف الجبارة، صناعة الميديا: كلام غير مترابط لا صلة له بما يحدث عن المحاور الراديكالية والمعتدلة، والشيعي والسني، وايران والقنبلة، والشرق الاوسط المتمدد والجديد الخ مفردات لغة النخبة والميديا الفضائية التي ما انزل الله بها من سلطان..........

والحل قوات من الاطلنطي او من غيره لاحتلال لبنان تحت دعوى نزع سلاح المقاومة! احتلال اخر. وساعتها سيجد الشيخ ضالته فها هي قوات احتلال جاءت حتى بابه وعندها فليقاوم المقاومون!!!

اما عن مواقف اليسار الديموقراطي والقومي الى اخر التصنيفات المعقدة المحدثة لليسار، اعتقد اننا كلنا يجب ان نفكر جيدا في مفارقة غريبة جدا....

في اسرائيل بدأ اليسار (لا اعرف تصنيفه ديموقراطي ولا قومي ولا ايه - عموما بتاع اسرائيل) اول ايام الحرب بمظاهرة ضد الحرب (ضد الحرب بمعنى انها لا تخص الشعوب وان الشعوب لا ناقة لها فيها ولا جمل).

اسرائيل ايضا (لمن لا يتابع احوالها الداخلية) تعيش ازمة سياسية اقتصادية عميقة. وبيريتز نجح بحزب العمل في الانتخابات وجاء للحكم في حكومة ائتلافية هشة، لانه وعد بحلول اجتماعية اقتصادية. وهو ناشط نقابي قديم، ومن اصول يهودية عربية، وصعد في حزب العمل الاشكنازي، وانتصر على بيريز احد الاباء المؤسسين لحزب العمل في انتخابات زعامة الحزب، كل ذلك لانه وعد بحل المشكلة الاقتصادية لحياة الناس. وللسخرية اعطوه حقيبة الدفاع وقبل بها!! واصبح النقابي رئيس الهستدروت السابق يحق له الفخر بانه اصبح جنرالا وبطلا قوميا للحرب الاسرائيلية التي لا اعرف رقما لها. وانتهى البرنامج الاجتماعي وادخل الشعب الاسرائيلي باكمله في الملاجئ (العرب بعد قصف الشيخ نصرالله للناصرة ومقتل طفلان مسلمان في تلك المدينة المسيحية نتيجة للقصف بدأوا يصرخون مطالبين بملاجئ لهم اسوة بالاسرائيليين اليهود).

في اسرائيل (رغم كل شيء فهي دولة من دول الشرق الاوسط) كان الحل للازمة الاقتصادية السياسية (طبعا بمستويات الحياة في العالم المتقدم للازمة وليس ازمة مستويات الحياة عند شعوب العالم العربي الغير خليجية) التي تمسك بخناق الناس هناك، هو شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"... (شوفوا الفضائيات والمحللين والخبراء الاسرائيليين زي بتوعنا بيقولوا ايه؟ نفس الشعار الناس حوالين الحكومة عشان الامان؟ واحنا عشان التحرير).

بدأ اليسار هناك بمائة فرد في تل ابيب وبعد خمسة ايام وصل حجم المظاهرة الى خمسة الاف من اليهود والعرب وباقي طوائف اسرائيل... عند وصول الحجم لهذا الرقم جاءت التغطية الاخبارية للفضائية القومية الاسلامية الشبه يسارية "الجزيرة" هزيلة جدا، ولم تعطهم الا دقيقة او يكاد.. وربما مثلهم الحرة الامريكانية!!! رغم ان الخطاب الدعائي للقناة منذ بداية الحرب كان بشكل مفضوح فارغا من أي شيء سوى الصياح عن التصدع المنتظر في المجتمع الاسرائيلي (مفارقة غريبة!!) تحت وطأة الضربات الموجعة للكاتيوشا في عمق اسرائيل لاول مرة.

صباح اليوم، قام نفس اليسار بمظاهرة كبيرة حول مقر اقامة السيدة كوندي في اسرائيل احتجاجا على دور حكومتها في توظيف حكومتهم بالحرب؟! وكذلك فعل اليسار اللبناني سخطا على تدمير بلادهم واتهاما لها بالتواطؤ عندما كانت كوندي عندهم رغم ان عددهم كان اصغر!! ومن حقنا التساؤل اين الجناح المدني السياسي في حزب الله ولماذا لم يشكل مظاهرات احتجاج عند مقدم السيدة رايس؟! ام ان عمله السياسي اقتصر على الزيارات الخيرية لنوابه في البرلمان اللبناني لاماكن تجمع لاجئي الجنوب في العراء لمواساتهم وشحذ هممهم؟

اما التيار اليساري القومي واليساري الديموقراطي والقومي والديني والليبرالي وكل من شئتم من تلاوين مملة عندنا في مصر، فهو ينجر وراء الدراما الدموية بصياح وجلبة لا يسمعها احد، ويرفع بحجج مختلفة شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ويبحث عن مبررات من الان وحجج تبرهن على انتصار سياسي "للمقاومة والكاتيوشا" خوفا على رحيل نصرالله – كما لو كان عبد الناصر ولا صدام ولا غيره مشيوا بعد ما انهزموا وجابوا الاحتلال لشعوبهم.

هؤلاء الفرقاء يراهنون (هكذا) ويمهدون لخرافة تصدع المجتمع الاسرائيلي بسبب:

قتل الكاتيوشا لخمسة وثلاثين مدنيا اسرائيليا (حتى الان)،

ولجوء المدنيين في شمال اسرائيل الى الملاجئ (عند اسرائيل ملاجئ تستوعب نصف مليون والان يقولون لنا ان الرقم 2 مليون ومع ذلك هناك ملاجئ لاستيعابهم - فرع عسكري يجهز نفسه).

بينما لا يهتز لهؤلاء اليساريون طرف ولا يسمحون بمراجعة حساباتهم واهدافهم المعلنة والمخفية امام:

موت حوالي 400 مدني لبناني (حتى الان)

وجرح 1600 (طبعا تستخدم الارقام لاظهار همجية ووحشية اسرائيل! هذه هي الفائدة فقط. وتستخدم لتهييج الشارع حتى يقضوا كما يتصورون على عزلتهم عن الجماهير)

ونزوح 700 الف لبناني الى الحدائق والعراء في المناطق الشمالية (حزب الله استعد للحرب ببناء خنادق وممرات عميقة تحت الارض لمقاتليه ونسى الناس).

باختصار لا يقلق بالهم تصدع المجتمع اللبناني!!!

في وسط هذه الصورة البشعة المكررة مرات عديدة هل يحق لنا ان نسأل سؤالا هاما:

هل يمكن ان يتصدى اليساريون (ديموقراطي وغير ديموقراطي) والقوميون والدينيون اصحاب الضمائر الشجاعة للوقوف في وجه المجزرة الحالية التي تحصد الابرياء جميعهم (في العراق (شيعة وسنة واكراد وتركمان وسائر الطوائف)، وفي فلسطين "الضفة وغزة واسرائيل"، وفي لبنان، وفي دارفور، وفي الجزائر) وينظمون المظاهرات التي تندد بقتل المدنيين الابرياء على كل الجوانب؛ مطالبين الحكام جميعهم (المحليين والدوليين)، محترفي السياسة القتلة: ان يتوقفوا عن استخدام المدنيين في الصراع بينهم!!!

والا عن ماذا ندافع اذا؟!
25 يوليو 2006.