من هو الاه؟.


عباس علي العلي
2021 / 5 / 8 - 14:26     

من هو الله؟
ترتكز أساسيات كل الأديان على ثلاثة نقاط رئيسية تعتبر عنوانا مشتركا لمعنى الدين مهما أختلف معايير الزمن أو تعددت مضامين العقيدة، الأساس الأول (من هو الله) ويشمل ذلك الماهية والتكوين والوظيفة والصورة الذهنية، والأساس الثاني (ماذا يريد منا الله) بمعنى ما يطلبنه من الإنسان من حدود وواجبات وأخلاقيات وقيم، والأساس الثالث (ما هي نتيجتنا بالتعامل مع الله) وهو م يعرف بالحساب والموازنة بين الأعمال والصورة التي ستكون في عالم أخر مغاير، من هذه الأساسيات تتفرع الأصول وتتفرع الأصول لفرعيات وجزئيات وأستخدامات لتشكل في المجموع شكل العقيدة وطابعها الخاص على النحو الذي يبرزها كوحدة متكاملة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من العقائد والأديان.
أبتداء نؤكد حقيقة أولية هي إيمان المسيحية بإله واحد كما صرّح الكتاب المقدس في مواضع عدّة منها: «اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَأَحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى» مرقس 12:30، فالوصية الأولى في قانون الإيمان هي القاعدة التي يجب أن تتبع دوما وتحكم على كل تفرعات المفهوم دون أن تخرق لا بتبرير ولا بتصوير، الله ربنا أو الرب إلهنا واحد يعني لا تثنية له ولا تثليث، وعلينا العودة للضابط الذي يحكم مفهوم الألوهية وهو المطلق المعنوي والحقيقي فيه، فهو يتمتع منفردا بلا شراكة ولا تماثل ولا حتى مساواة ولو أعتبارية معنوية مع أحد بهذه الصفات (الأزلية والخلود، والثبات عن التغيير في الجوهر، وكلية القدرة والسلطان، والنزاهة عن الزمان والمكان، وكمال المحبّة والرحمة، وأصل الخير والعدل).
الإيمان المركب من الأزلية والخلود المقرون بالثبات وعدم التغير في الجوهر مع كلية القدرة والسلطان والتنزه عن الزمان والمكان، يعني منطقا وفعلا أن الله لا يمكن أن تتغير صورته ولا تتغير مفردات ماهية كجزء من كل، وهذا التسليم لو روعي بحقيقته لمنع الإنسان من التفكير بأن يكون هو ذاته مساويا لجزئه ومحالا أن يكون الجزء مساويا للكل في الجوهر، فالعقيدة التي أنبثقت بعد رحيل عيسى ورفعه إلى الله كما في العهد الجيد بما يسمى القيامة الأولى (الثالوث المقدس)، تتناقض تماما مع هذا الضابط الذي يؤمن به المسيحيون أنفسهم، فهم يقولون عيسى هو الله لأنه كلمته وروحه (وهو في آن: واحد وثالوث، واحد من حيث الجوهر والطبيعة، الإرادة والمشيئة، القدرة والفعل، وثالوث من حيث إعلانه عن نفسه ومن حيث أعماله، فقد خلق العالم بكلمته، وكلمته هي في ذاته نفسها، وهو حي، وروحه في ذاته نفسها، وتدعى أطراف الثالوث الإلهي "أقانيم" ويعتبر سر الثالوث من أسرار الله الفائقة، ويستدلّ عليها من مواضع شتّى في الكتاب).
كما أن ولادة المسيح في زمان ومكان وحال موصوف ومن جهة معروفة زمانا ومكانا يعني أنه بالمنطق العقلي السليم وبالمعدلات الفلسفية المحكمة محكوم بالزمان والمكان، أما إدعاء الأزلية له كما هو إدعاء الأبدية يتناقض مع كون مريم أمه من نسل آدم وآدم أصلا محكوم بالوقتية والهلاك وعدم الأزلية، فما هو غير أزلي لا يمكن أن يكون سببا في أزلي غيره أو ينتج ما هو أزلي بالضرورة وبالمنطق، هذا الحال يتناقض أيضا مع كونه جاء ومات ورفع للسماء كمكان وبزمان محدد، بالنتيجة هذا الأقنوم الثاني من عقيدة العهد الجديد لا تتوافق مع كل صفات وضوابط ومحددات الأقنوم الأول ولا تشابهه لا في الجوهر ولا بالمظهر، فكلاهما من طبيعة مختلفة وكلاهما لا يخضعان لضابط واحد، بالتالي فعقيدة التثليث من هنا لا يمكن قبولها ولا الإيمان بها لأنها تستند في تبريرها على أفتراض غير قابل للتطبيق.
عندما نؤمن أن الله خلق العالم بكلمته بموجب الإرادة والمشيئة وبقوة القدرة والفعل، هذا يعني كما خلق الله عيسى بكلمته بنفس القواعد والضوابط، مما يجعل من عيسى مخلوق كبقية المخلوقات وليس أبنا ولا جزأ منه ولو أنه كلمته، إذا ما ينطبق على عيسى ينطبق على الوجود فكلاهما كلمة وكلاهما بالإرادة والمشيئة وكلاهما بالقوة والقدرة، وكلاهما محكوم بكونه فعل فاعل وليس فاعل أصلي، هذا يقودنا إلى أن الوجود ومنه عيسى محكوم منطقا وعقلا بعدم الثبات أي لا أزليه له ولا أبدية، كما أنه محكوم بعدم التغير فقد كان عيسى والوجود كلمة ثم تحول إلى مخلوق ثم إلى كائن يتعرض لكل التغيرات الطبيعية بما فيها الموت، ولا أحد ينكر من المسيحين أن عيسى لم يمت، وبعدها نقل للسماء، فهو متغير غير ثابت، كما أنه لا يملك السلطان والقدرة على تغيير مشيئة الله فقد توسل كما يرد في الأناجيل بقوله ("إلهي إلهي لماذا تركتني") فمالك السلطان والقدرة لا يمكن أن يكون عاجزا عن إنقاذ نفسه بعده أن تركه إلهه للمصير.
الأساسيات الثلاثة التي ذكرناها يمكن أن تكشفها بسهولة في الدين المسيحي مجملا عبر أناجيله وعبر دور المؤسسة الكنسية التي تقود هذا الدين وتؤسس للكثير من تطورات الفكر فيه، فكلا العنصرين المدون في الكتب أو الرأي والتفكير في حل الإشكاليات العقيدية من خلال لمؤسسة الراعية يطرحان الصورة كاملة بلا واربة عن الأساس الأول وهو (من هو الله)، يؤمن المسيحيون بصورة عامة أن الله في العهد القديم هو الله نفسه في العهد الجديد، لأن كلا العهدين يقدم لنا الله بصورته وصفاته نفسها، (غير أن العهد الجديد أضاف معلنا أن الله تجسد في شخص ربنا يسوع المسيح، وأن الله حقّق لنا بتجسّده خلاصنا لمّا افتدانا المسيح بدمه على الصليب)*، ويضيف المصدر التدويني مقارنة بين الله في العهدين أستنادا للنصوص الي أمن بها بني إسرائيل في كلتا الديانتين (في العهد القديم نتعرّف على الله الرحيم الغفور، البطيء الغضب والمُحِب والحنّان (سِفر الخروج 34: 6، تثنية 4: 31،مزمور 86: 15، مزمور 108: 4)، وفي العهد الجديد نكتشف أن الله أيضاً هو حنّان ورحوم وفائق المحبة لكل الناس حيث نقرأ في إنجيل يوحنّا 3: 16، في العهد القديم نرى الله يتعامل مع شعبه بمحبة وتأديب، فعندما كانوا يعصونه ويرتكبون الخطيئة عن عمد كأن يتركوا عبادة الله لعبادة آلهة أخرى، كان الله يقوم الله بتوبيخهم وتأديبهم، ولكنه يعود ليُنجّيهم ويُنقذهم حين يرجعون ويتوبون إليه، وبالطريقة نفسها تقريباً يتعامل الله مع المؤمنين بالمسيح في العهد الجديد عهد النعمة، فعلى سبيل المثال، نقرأ في الرّسالة إلى العبرانيّين 12: 6 و7. ربما تختلف طريقة التأديب لكن هذا لا يعني أن الله لم يعد يؤدّب ويوبّخ)**.
إذا الله من حيث الأساس في العهدين هو الرحيم الغفور المحب لشعبه والمنقذ لهم والتواب عليهم حين يخطئون، ولكنه أيضا يؤدبهم ويوبخهم على تلك الأفعال التي لا يرتضيها ومنها الشرك به أو ترك عبادته لبعض الآلهة الأخرى، هنا الله حامي لشعبه دون بقية الشعوب فهو إله بني إسرائيل وحدهم لأنهم أبناءه وأحبائه، أما بقية بني الإنسان فلا يهمه أمرهم ولا يتدخل في حياتهم أو محاولة إصلاحهم كما يفعل مع شعبه الخاص، هذه الرؤية القاصرة والمقصرة والمنحازة جزء أساسي من عقيدة العهدين وهي التي تسللت إليها المشاعر الإقصائية المتطرفة (الله في العهد القديم أخرج شعبه من مصر وحرّرهم من عبودية فرعون وقادهم إلى أرض جديدة، والله في العهد الجديد أخرجنا من الظلمة وحررنا من عبودية الخطية ومنحنا حياة جديدة في المسيح يسوع ربنا، مكتوب (إن حرّركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار)***.
السؤال كيف يكون الله هو من خلق الإنسان والوجود كله ومع ذلك يختار من بين هذا الجمع شعبا واحدا ليرعاه ويهتم بشؤونه دون غيرهم؟ الإيمان بهذا الأمر قدح كامل بصورة الله الكامل كما ورد في الإنجيل، الله الخالق العادل الذي خلق كل شيء ليقر له ويؤمن به ويتبع إرادته، هذه الصورة المختزلة لله في كونه أب لشعب بني إسرائيل ملمح أساسي من ملامح صورة الله في العهد الجديد كما هي في العهد القديم، وبالتالي أما نؤمن بالإنجيل وننسب لله النقيصة أو نؤمن بالله ونشك في ما كتب في العهدين من كلام منسوب لله على لسان رسله، القضية ليست طبيعية ولا يمكن عدها أعتبارية مع حقيقة أن الله سوف يحاسب الجميع وهو المسئول عن وجودهم، تركهم لمصيرهم يعني تخليه عن مسئولية هو أبتدأ بها وتعلق الخلق بها لأنهم يؤمنون به ويدركون أنهم جزء من هذا الوجود الذي رتب أسسه رب رحيم غير ظالم ومحب وغفور، التناقض الذي يطرح في العهدين تناقض منطقي يعارض حتى في كون الله واحد.
في الوصايا الطقسية نجد هذه الروح العنصرية والمحاباة اللا منطقية التي يسطرها النص التوراتي في نظرته عن الله للشعوب الأخرى، التي هي في منزلة الحمير عند الله والذي دعاهم كما يقولون لركوبهم، والوصايا الطقوسية وهي جزء من النصوص المعروفة بشكل عام كملحق للوصايا العشر - اعتقادًا منهم بأن الكتاب المقدس يقول بأن التركيز على الطقوس يؤدي إلى الأخلاق، وجادلوا بأن الطقوس تم أستنباطها من الوصايا الأخلاقية، ويسمي عدد قليل من علماء الكتاب المقدس الآيات الواردة في سفر خروج 34 "قانون العهد الصغير"، حيث يبدو أنها نسخة مدمجة من قانون العهد، ومنها 11(اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ الْيَوْمَ، هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ الأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ). 12(اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَصِيرُوا فَخًّا فِي وَسَطِكَ)، 13(بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ)، 15 (اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ، فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ، فَتُدْعَى وَتَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ)، 16 (وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ)، 24 (فَإِنِّي أَطْرُدُ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ وَأُوَسِّعُ تُخُومَكَ، وَلاَ يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ).
النقطة الأخرى التي نقرأها في العهد الجيد عن ماهية الله وأنه لم يعد كما كان مع شعبه القديم، فقد تحول وتطور وصار تبعا لوجود شعب جديد من شعب قديم موعود بالرحمة والتسامح خصوصا، هو شعب أتباع اليسوع الذي يقرون له بالبنوة كما يقرون له بالخلاص تحديدا عبر مفهوم الفداء الذي هو من أبرز تفصيلات صورة الرب عندهم (نقرأ مثلاً في رسالة رومية 1: 18. أيضاً قد يعبّر الله عن غضبه في العهد الجديد بطريقة مختلفة عن تعبيره عنه في العهد القديم، ولكن هذا لا يعني أن الله لم يعد يغضب، في العهد القديم كانت دينونة الله مباشرة على الخطاة، بينما في العهد الجديد يؤجّل الله دينونته إلى يوم القيامة، لذلك يبدو بحسب الظاهر أن الله في العهد القديم إله عادل بقسوة، بينما الله في العهد الجديد إله رحمة وتسامح)، كان الله في حسابه مع شعبه القديم مباشرا وأنينا، أما مع شعب العهد الجديد فهو مرجئ ومتسامح وحتى أنه حمل أبنه مسئولية الدينونة ما يرتكبون لأنه لا يريد لهم الحساب أبدا.
إذا كيف نؤمن كما يقول العهد الجديد بأن الله (كمال المحبّة والرحمة، وأصل الخير والعدل) وهو يتعامل بجزئية وأنحياز مع جزء ممن خلق، هل هذا هو الله العادل كامل المحبة التي يكرسها فقط لشعب بني إسرائيل؟ ورحمته تنالهم فقط في حين يلقي بغضبه كله على غيرهم، الله العادل في العهد الجديد عادل صوري حتى في قضية الفداء يجعل ذنوب العالم وخطاياه على مخلوق واحد ويصب جام غضبه ولعنته عليه لأنه يحب هذا الشعب ويريد خلاصهم حتى لو كان بميزان الأنحياز والظلم (اشعيا 53 محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به 4 لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. 5 وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. 6 كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا. 7 ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه. 8 من الضغطة ومن الدينونة اخذ. وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي. 9 وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش).