محبة الجميع


عباس علي العلي
2021 / 5 / 6 - 00:24     

أنا مؤمن تماما أن الله محبة وأن الحب بين الناس هو طريق الخلاص الأبدي لبني الإنسان مهما كانت الخطيئة بيننا، فمن يكون لكل الناس أبا لا يريد أن تكون الكراهية بين أبناءه متفشية لأن ذلك لا يرضيه ولا يمكن أن تكون الحياة مزرعة للشر أبدا، حبوا أعدائكم قبل أن تحبوا من يحبونكم لأنكم ستقلعون الشر كما تقلع الحشائش الضارة من حقل أعمالكم ويبقى فقط ما ينفع الناس ويقيم الخير في الوجود، هكذا تكلم السيد المسيح عن الله (43 «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: ‹أحبِبْ صاحِبَكَ، وَأبغُضْ عَدُوَّكَ.› 44 أمّا أنا فَأقُولُ لَكُمْ: أحِبُّوا أعداءَكُمْ، وَصَلُّوا مِنْ أجلِ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ، 45 فَتَكُونُوا بِذَلِكَ أبناءَ أبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّماءِ. لِأنَّ اللهَ يَجعَلُ الشَّمْسَ تُشْرِقُ عَلَى الخُطاةِ وَالصّالِحِينَ، وَيُرسِلُ المَطَرَ إلَى الأبرارِ وَالأشْرارِ. 46 فَإنْ أحبَبْتُمْ مَنْ يُحِبُّونَكُمْ فَقَط، فَأيَّةَ مُكافَئَةٍ تَستَحِقُّونَ؟ أفَلا يَفْعَلُ جامِعُو الضَّرائِبِ ذَلِكَ أيضاً؟ 47 وَإنْ كُنْتُمْ تُحَيُّونَ إخْوَتَكُمْ فَقَطْ، فَما الَّذِي يُمَيِّزُكُمْ عَنِ الآخَرِينَ؟ أفَلا يَفعَلُ حَتَّى عابِدُو الأوثانِ ذَلِكَ أيضاً؟ 48 لِذَلِكَ كُونُوا كامِلِينَ كَما أنَّ أباكُمُ السَّماوِيَّ كامِلٌ).
إذن الله يصنع طريق الكمال للناس بالمحبة بقبول الأخر حتى الضال يريده أن يعود للحضيرة البشرية حتى لا يبقى طعاما للشيطان، فيدفعه ليسمم زرعكم وتعيش الأفاعي في الحشائش الضارة فلا تستطيعون أن تزرعوا وتنتجوا وتأكلون من بركة الله، هذا الخطاب هو خطاب الله الذي ألقاه على كلمته وروح منه ليبلغنا أنه محبة لكل أبناءه وليردع الشيطان عن مراميه، فهل أنتم مؤمنين بالله أم تقتدون بالشيطان الذي أخرج أبويكم من الجنة، ليس حبا بهما ولكن لأنه ممتلئ شرا وكراهية.
عندما نؤمن كبشر أن الله كامل فهذا يعني أننا مدركون أن بكماله لا يفرق بين خلقه إلا على أساس ما يمكن أن يعطي أحدنا مصداق لهذ الإيمان به، فهو من خلقنا وهو من يرحمنا وهو من يعلمنا الحب، وجوبا علينا أن لا نخرج من هذا الكمال مفلسين وبعدها يحق علين أن يغضب منا ويطردنا من مملكة الرحمة، الله الكامل كانت دعوته للناس محبة والشيطان دعوته أن لا نحب بعضنا بعضا لأنه ليس كاملا وليس متاحا له أن يكتمل مهما أراد (يمكننا أن نعرف الجواب من جملته الختاميَّة. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. (متى 5: 48)، فمتى نقيم أمر الله الكامل فينا ومتى نصدف أنبياءه ورسله إن كنا نكره ونحب لأجل مجدنا الشخصي لا أن نقيم مجد الله الكامل في الأرض.
بالحب وحده يصلح داخلنا لأن قلب البشر هو مكان المحبة وهو محل النور الذي يريد الله أن يشع من الداخل، الأنوار الخارجية ترشدنا للطريق خارجا وقد لا يكون طريق الله، وحده نور القلب الذي يميز بين أمر الله وأمر أعداءه، فأضيئوا قلوبكم من معين كلمة الله المحبة، وأقمعوا الشيطان أن لا يدخل لكم من الداخل فيخرب مجد الله فيها (لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ‘‘. (مرقس 7: 20-23)، فالإنسان الذي يعشعش في داخله الشيطان هو إنسان نجس لأن كل مكان تقع عليه النجاسة سيتنجس إلا المكان الذي فيه نور المحبة فلا يستطيع الشيطان أن يضع رجله فيه، لأن نور الله سيحرقه ويطرده خارجا.
لكن السؤال هنا كيف نحب أعدائنا وهم يسعون لأضطهادنا وربما قتلنا؟ الأمر ليس صعبا على المؤمن بالله وبأنبيائه ولكنه صعب على الذين لا يدركون قيمة الكلمة الحسنى ولا يدركون قيمة الحب في تطهير النفوس، فحتى عندما نريد أن نلبي واجبنا في أن نعبد الله ننسى أن العبادة بحد ذاتها تطهير للنفس وتزكية للقلب، فطريق العبادة ليس فقط أن نقيمها كواجب ولكن علينا أن ندرك الهدف الأساسي منها، فمثلا عندما نصوم لله لا يعني أننا محرم أنفسنا من ملذات محللة بقدر ما تعني أن نشارك المحروم منها ونشارك صاحب الحاجة أيا كان دينه ومذهبه، فهو أخونا ونحن جميعا أبناء الرب الذي خلقنا بيده لنؤمن به، فمن يخالف ما أراد الله لا ينفع صومه ولا كل عبادته لأنه ممتنع عن إدخال النور إلى قلبه وبذلك نسعد الشيطان الذي سيحرض ضدنا ويقول لأعدائنا هؤلاء لا يحبونكم لأنكم لستم منهم فيكرهونكم وبذلك فرق الشيطان بين أبناء الله (3 يَقُولُونَ: «لِماذا صُمنا، فَلَمْ تَلتَفِتْ إلَى صَومَنا؟ لِماذا ذَلَّلْنا أنفُسَنا، فَلَمْ تَنتَبِهْ؟» فَقالَ اللهُ: «إنَّكُمْ تَعمَلُونَ فِي يَومِ صَومِكُمْ ما يَحلُو لَكُمْ، وَتَقسُونَ عَلَى العامِلِينَ لَدَيكُمْ. 4 تَصُومُونَ فَتَتَشاجَرُونَ، وَيَضرِبُ أحَدُكُمُ الآخَرَ بِحِقدٍ! صَومٌ كَهَذا الَّذِي تَصُومونَهُ اليَومَ، لَنْ يَصِلَ بِصَوتِكُمْ إلَى السَّماءِ. 5 هَلْ هَذِا هُوَ الصَّومُ الَّذِي أُرِيدُهُ: أنْ يُذَلِّلَ إنسانٌ نَفسَهُ بِضعَ ساعاتٍ؟ أنْ يَحنِي رَأسَهُ كَالعُشبِ، وَيَلبَسَ الخَيشَ وَيَفتَرِشَ الرَّمادَ؟ أتَدعُو هَذا صًوماً، أوْ يَوماً مَقبُولاً عِندَ اللهِ؟).
العبادة عند الله أكبر من حرمان وتذلل لنفسك لأنك تريد أن تزعم أنك ترضي الله بعملك، والله يقول حتى يكون صومك وعبادتك هي النور الذي يحصنك من الكره ومن مطاوعة الشيطان لا بد أن يكون فيه أمتثال حقيقي لكلمته العظمى التي بعث فيها وعليها كل الأنبياء ومنهم عيسى نبي الحب والرحمة والسلام والخلاص الأبدي من ظلمة القلب (6 «بَلْ هَذا هُوَ الصَّومُ الَّذِي أُريدُهُ: «أنْ تَفُكَّ قُيُودَ الظُّلمِ، وَتَحُلَّ حِبالَ الضِّيقِ عَنِ النّاسِ. أنْ تُحَرِّرَ المَظلُومَ، وَتَكسِرَ قُيودَ الاستِعْبادِ. 7أنْ تُعطِيَ مِنْ خُبزِكَ لِلجائِعِ، وَتَأوِي المَساكِينَ المُشَرَّدِينَ فِي بَيتِكَ. تَرَى عُرياناً فتَستُرَهُ، وَلا تُهمِلُ حَاجَةَ صاحِبِكَ؟ 8حِينَئِذٍ، يُشرِقُ نُورُكَ كَالفَجرِ، وَتُشفَى جُرُوحُكَ سَريعاً. يَظْهَرُ بِرُّكَ أمامَكَ، وَمَجدُ اللهِ يَحْمِي ظَهرَكَ)، فالخلاص الحقيقي هنا في أن يكون مجد الله هو من يحمي ظهرك لا الكراهية ولا العداوة هي التي تحميك من شر الشيطان ومن شر أعوانه.
إذا بالحب الذي هو جوهر عبادة الله وإقامة مجده في الحياة يمكنك أن تكون أبنا بارا لله، وأن تؤمن بكلمته كاملة كما هو الله كامل يريد مجدك أيها الإنسان ليكتمل فتكون عابد صالح ومصلح وسيكون الله معك في كل خطوة تزرع فيها بذرة حب لأخيك الإنسان (11 سَيَقُودُكَ اللهُ دائِماً، وَسَيَسُدُّ كُلَّ حاجاتِكَ فِي الأراضِي الجَدباءِ. سَيُشَدِّدُ عِظامَكَ. وَسَتَكُونُ كَحَدِيقَةٍ مَروِيَّةٍ، وَكَنَبعٍ لا تَجِفُّ مِياهُهُ. 12 أنتَ سَتَبنِي الخِرَبَ القَدِيمَةَ. سَتَبنِي مُدُناً عَلَى الأساساتِ القَدِيمَةِ. لِذا سَتُدعَى مُرَمِّمَ الثَّغَراتِ، مُصلِحَ الدُّرُوبِ وَالمَساكِنِ)، بالحب ستصلح كل الدروب وبالنور الذي يملأ قلوبنا سنهزم الكراهية والشر وسنكون أمام الله كشعب واحد يعلي مجد الإله الكامل الذي لا يرضيه أن نتفرق كالخراف التي تهرب من راعيها لتلجئ للذئب الجائع.
لقد قالها السيد المسيح عليه السلام في وجههم جميعا أنهم يكرهون ويحبون فقط لأنهم لا يعرفون الله حق معرفته، ويقرأون الكتب ولكن لا يفهمون ما يريد الله منهم، لقد تخلوا عن جوهر الإيمان بالرب الكبير الإله الذي أرسل الرسل والكتب لتقم الأرض بكلمته وتحيا الشعوب بأمره، لأنهم أبناءه جميعا (فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ….كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ (يوحنا5: 39-44)، مجد الإله الواحد في كماله وكماله في أن نكون كاملين من غير شر من غير كراهية من غير حقد على أخينا الإنسان، ولأنهم حريصون فقط على حياتهم يقبلون مجد بعضهم ولا يقبلون بمجد الله لأنهم لا يطلبونه ولأنهم لا يطلبون ذلك حقا فقد باءوا بغضب الله عليهم، لقد أخطأوا حين أبدلوا مجد الله بمجد الإنسان وجعلوا من الكراهية قانونهم وقانون الله المحبة.
إذا ماذا يقول الله لنا في عنوان المحبة للجميع فلنقرأ حتى نعلم ما هو المطلوب وما هو أصل الكلمة التي جاء من أجلها يسوع المسيح كلمة الرب (‘‘أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا… بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ. لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ… اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ).(إشعياء 55: 1- 6)، أسمعوا إلي يا بني الإنسان وأعلموا أنكم مهما فعلتم ستكونون لي حتما، لذا أطلبوني أدعوني لكي أقيم فيك النور الذي به تقيمون أبدا وتحيون أبدا، فليس لكم غيري وأنا أرسم لكم طريق الخلاص الأبدي فالكامل وعده كامل ومن يحتاج لغيره هو الناقص الذي لا يكتمل أبدا، والشيطان الذي يعدكم سيكون لي أيضا وفي قبضتي فلا تكونوا كمن يخضع للنار لتحرقه وهو يظن أنه يقتحم أبواب الجنة، الجنة فقط لمن يؤمن بالله ويقيم إرادته من غير أن يشك أن في إرادة الكامل نقصا، لذا أحبوا أعدائكم ليكونوا في صراع مع الشيطان فيهرب بعيدا وتنكشف القلوب بنور الله فتكون حياتكم الكاملة حياة أبدية بأمر الله.