ديمقراطية خادعة-الشيوعية الجديدة


آسو كمال
2021 / 5 / 5 - 21:50     

الفصل السابع
ديمقراطية خادعة

كما ذكرنا في الفصل السابق، كان أحد التغييرات الجذرية التي طرأت على الديمقراطيين الاشتراكيين العماليين بعد كومونة باريس هو موقف هذه الحركة من الإصلاح والموقف من الدولة. أظهرت البرجوازية صورة خادعة عن ديمقراطية الدولة والبرلمان. بشعار "البرلمان والحكومة ينتميان إلى جميع الطبقات، والانتخابات و التمثيل البرلماني هو الطريق إلى السلطة لجميع الطبقات"، هذا الشعار قد أخفى الوجه الحقيقي للبرجوازية وسلطتها الحقيقية.

لقد دفعت الحركة العمالية الفدية الكبيرة للديمقراطية البرجوازية المخادعة، وكان أكبر فدية دفعوها هو انقسام الحركة الاشتراكية الديموقراطية العمالية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لكن أزمة النظام الرأسمالي حتمية كسيل المياه تزيل أي حجاب من الوجوه الخادعة لهذا النظام الاستغلالي. في ظل هذه الظروف، تدرك حركة الملايين من العمال ضرورة الثورة والمواجهة وتتجاوز إطار النظام وجهاز الرأسمالية المتأزم.

تجلت الخلافات داخل الحركة العمالية حول هذه الظروف في ثنائية الإصلاح والثورة، وتم تقسيم الأممية الثانية والحركة العمالية إلى قسمين تحت هذا العنوان. هنا نلقي نظرة على التغييرات الأساسية التي نشأت عن استراتيجية وهدف الحركة الشيوعية. كما نقدم الانتقادات التي اتخذها ماركس وإنجلز لمواقفهما ضد الدولة البرجوازية والبقاء في دائرة الإصلاح داخل الاشتراكيين الديموقراطيين. ثم نقدم انتقادات بانكوك ولينين وروزا لوكسمبرغ حول التحريفية والبرلمانية، لإعطاء رؤية واضحة للنضالات والتبدلات التي حدثت في هذه الحركة، ولمعرفة كيف تغيرت الحركات العمالية والشيوعية مع الظروف و التغيرات السياسية والاقتصادية و المسائل الداخلية للصراع الطبقي تغييراً جوهرياً؟



الغرق في البرلمانية

بعد الكومونة، أصبحت مسألة العلاقة بين العمال والدولة البرجوازية إحدى المشاكل والاختلافات. في عام 1875 ، انتقد ماركس لاسال ، قائلاً: " ان لاسال وحده، بغروره وخياله، قادر على الاعتقاد انه من الممكن، بواسطة منح الدولة، بناء مجتمع جديد بنفس السهولة التي يبنى بها خط حديدي جديد ! ".[1]

جاء ذلك ردًا على المقطع من "برنامج" جوته الذي يقول فيه لاسال: " لأجل تمهيد السبيل الى حل المسألة الاجتماعية، يطالب حزب العمال الالماني بانشاء جمعيات للانتاج بمساعدة الدولة".[2]

يواصل ماركس انتقاد الطريقة التي يُنظر بها إلى الدولة البرجوازية وكيف تتغير ظروف الإنتاج الرأسمالي. ويقول: "وعندما يسعى العمال الى توفير شروط الانتاج الجماعي على نطاق المجتمع بأسره، في بادىء الامر، على النطاق الوطني في بلادهم، فان هذا يعني فقط انهم يناضلون في سبيل اجراء انقلاب في شروط الانتاج الحالية ؛ فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية الحالية، فانها لا تتسم باية قيمة الا بقدر ما تكون مؤسسات مستقلة، من صنع العمال انفسهم، ولا تتمتع لا بحماية الحكومات ولا بحماية البرجوازية. "[3]

بعد ماركس، انتقد إنجلز أيضًا هذا الشكل من التعاون مع الحكومة البرجوازية. في غضون ذلك، دخل ممثلو العمال إلى البرلمان الألماني وشاركوا فيه. في رسالة إلى JPBecker ، كتب: "يقدم النواب في البرلمان" اقتراحات إيجابية " للحكومة الحالية حول كيفية القيام بالأشياء بشكل أفضل في الأشياء الصغيرة، وما إلى ذلك، من المتوقع أن يأخذ العمال الذين يعتبرون خارجين عن القانون ومقيدين بالسلوك المزاجي للشرطة مهمة تمثيل أنفسهم! ميزة مثيرة للاهتمام للحركة العمالية الألمانية هي أن أخطاء القادة يصححها الشعب ".[4]

اتخذ الفابيون البريطانيون و "الإمكانية" الفرنسية داخل الحركة العمالية نفس الموقف حول الدولة البرجوازية وتمسكوا بنفس النظرة الليبرالية للبرجوازية التي قالت: " أن البرلمانية البورجوازية تقضي على الطبقات والانقسامات الطبقية،لأن جميع المواطنين يتمتعون، دون أي تمييز، بحق التصويت، بحق الاشتراك في شؤون الدولة. ".[5]

كانت هذه النظرة إلى الدولة والمؤسسات مثل البرلمان والانتخابات والنظام والحكومة وما إلى ذلك ، التغيير الرئيسي الذي ظهر داخل الاشتراكيين الديمقراطيين والحركة العمالية وأصبح جناحًا داخل الحركة العمالية فيما بعد في الفلسفة والاقتصاد والسياسة. لقد صاغت نفسها في شكل مدرسة للفكر والسياسة والاقتصاد تختلف عن الشيوعية. بعد ذلك، كانت القضية الرئيسية لهذا الجناح داخل الاشتراكيين الديمقراطيين هي كيفية المشاركة والحفاظ على هذه الحكومات القومية. كيفية الحفاظ على البرلمانية، التي أدت إلى التصويت لمشاريع الطبقة البرجوازية، والتصويت على الجمارك، والتصويت للحرب العالمية الإمبريالية، والتحالف مع الأحزاب البرجوازية والمشاركة في الحكم البرجوازي ، وما إلى ذلك.

في نقد لبرنامج إرفورت الاشتراكي الديموقراطي الألماني عام 1891، أشار إنجلز إلى خطر نمو وتطور "الانتهازية" وقال: "هذا نسيان كبير. يتم تقييم الأصول مقابل الفوائد المؤقتة لليوم ومحاولة الفوز في لحظات عابرة دون الاهتمام بما يجلب من النتائج بعدها، هو التضحية بمستقبل الحركة من أجل حاضرها، قد يكون هدفًا "صادقًا"، لكنه انتهازي ويبقى كذلك، والانتهازية "صادقة" "وقد تكون الأكثر رعبًا".[6]

بعد عقدين من الزمن، أصبح هذا الخطر مشكلة خطيرة بالنسبة لإنجلز، وأدى بالاشتراكيين الديمقراطيين إلى التساؤل عن أين سيذهبون في النضال الاشتراكي؟

كتبت روزا لوكسمبورغ في عام 1904: "لا ينفع البرلمان البورجوازية التي استخدمها في الماضي ضد العبودية، والبرلمان الحالي في منح التمويل والميزانية للجيش، ومنح أوراق اعتماد جديدة لجنرالات الحرب في إفريقيا والمناطق التجارية ". إنه يطرح السؤال، ماذا ستكون نهاية "الديموقراطيين الاشتراكيين" الذين لا يستطيعون أكثر من ذلك، والذين، كما لو كانوا سيضحيون بأنفسهم وبالاشتراكية على طاولة البرلمانية البرجوازية؟ إن إلغاء الحركة العمالية، وغموض الأفكار، وانتهاك المعايير الأخلاقية من قبل ممثلي الحزب، والتكتيكات الكاملة لوزارة جوريس (الاشتراكية) في فرنسا تعمل بشكل واضح على إعلام الحركة العالمية للبروليتاريا بأسرها، والتي هذا ليس هو السبيل يمكن أن يمنع انسحاب البرلمانية البرجوازية."[7]

كان تراجع البرلمانية البرجوازية من أولى علامات جمود الليبرالية البرجوازية وفترات المشاكل العالمية وحاجة الإمبريالية للشوفينية والحرب.

هذا في حين أن ما تقترحه روزا لوكسمبورغ في عام 1904 هو بداية الجمود الاشتراكي الديموقراطي، الذي لم يستطع بعد كومونة باريس أن يتخذ أي أسلوب آخر للصراع الطبقي غير البرلمان!

لذلك عندما تبدأ مشاكل الليبرالية والبرلمانية، ومن العقد الأول من القرن العشرين، ندخل في ذروة المنافسة الإمبريالية وانهيار "السلام والديمقراطية" الليبرالية وإذاً الاشتراكيون الديمقراطيون يعانون من مشاكل كبيرة وتفكك. لقد تغير سياق برلمانية الأمس الذي نمت عليه الحركة العمالية سياسيًا، وحافظت البرجوازية على سلطتها السياسية من خلال الحرب وقمع الحركة العمالية الثورية. لذلك، فإن ما قاله إنجلز عن البرلمان لم يعد يتوافق مع فترة المشاكل السياسية والعسكرية للإمبريالية. "يمكن التنبؤ بأن المجتمع القديم قد ينمو ويتطور بشكل سلمي في اتجاه المجتمع الجديد في البلدان التي يكون فيها لممثلي الشعب كل السلطة، إذا كان أحدهم بدعم من غالبية الشعب، يمكنها أن تفعل كل ما هو مناسب دستوريًا: كما تفعل في جمهورية فرنسا الديمقراطية والولايات المتحدة والإمبراطورية البريطانية ".[8]

في هذا العصر الجديد من مشاكل الليبرالية والبرلمانية وظهور الموجة الثورية للعمال، تحدث تغييرات في الاشتراكيين الديمقراطيين للعمال، ويجب على الاشتراكيين الديمقراطيين البحث عن استراتيجية أخرى خارج البرلمانية من أجل الوصول إلى السلطة.

ولكن على الرغم من انتقادات ماركس و إنجلز حول تفاؤل ساذج بالدولة البرجوازية والابتعاد عن الانتهازية، فإن الاشتراكيين الديمقراطيين في حركة سعت إلى تغيير النظام الرأسمالي إلى الاشتراكية وإلغاء النظام البرجوازي من خلال الكومونات، أصبحوا حركة فيها الأغلبية تأثرت صفوفها بتيارات الليبرالية والإصلاحية والبرلمانية. قدمت هذه الحركة نفسها لأول مرة على أنها تحريفية، وهي حركة تدعو إلى إعادة قراءة أسس الشيوعية، ولكن في نهاية هذه الفترة، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، اتخذ الاشتراكيون الديمقراطيون لون التحريفية.

لذلك نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد بشأن هذه العملية لمعرفة العلاقة بين التحريفية والليبرالية والبرلمانية والديمقراطيين الاشتراكيين.



جائحة التحريفية

تزامنت جدلية نمو وتطور الحركات العمالية والديمقراطية الاجتماعية مع انتشار مرض التحريفية المعدي في جميع البلدان الرأسمالية. يقول لينين عام 1908: "ما الذي يجعل النزعة التحريفية أمرا محتما في المجتمع الرأسمالي؟ ولماذا هي أعمق من اختلاف الخصائص القومية ودرجات تطور الرأسمالية؟ لأنه، في كل بلد رأسمالي، تقوم أبدا، إلى جانب البروليتاريا، فئات واسعة من البورجوازية الصغيرة، من صغار أرباب العمل. إن الإنتاج الصغير قد ولد وما يزال يولد الرأسمالية على الدوام. والرأسمالية تخلق حتما من جديد جملة كاملة من > (ملحق المصنع، العمل في المنزل،المشاغل الصغيرة المنتشرة في عموم البلاد، نظرا لمتطلبات الصناعة الضخمة، مثلا، صناعة الدراجات والسيارات، الخ.). إن هؤلاء المنتجين الصغار الجدد يدفعون، بدورهم، حتما، إلى صفوف البروليتاريا. وعليه يكون من الطبيعي تماما أن تتسرب المفاهيم البرجوازية الصغيرة أيضاً و أيضاً إلى صفوف الاحزاب العمالية الواسعة."[9]

لا شك أن هذه ليست كل المشاكل مع ظهور وجهات نظر متضاربة، من بينها التحريفية داخل الاشتراكيين الديمقراطيين. أي أن التحريفية لا تقتصر على مجيء البرجوازية الصغيرة وآرائها ونظرتها للعالم. لذلك أشار لينين لاحقًا في عام 1910 إلى آراء أنطون بانيكوك [10]ويتناول "استنتاجاته العلمية" كتيب يكشف فيه عن أسباب ظهور التحريفية داخل الحركة العمالية الديمقراطية الاشتراكية العالمية.

يشير بانكوك إلى عوامل مختلفة تسبب الانقسامات داخل الحركة العمالية والاشتراكيين الديمقراطيين. المهم في هذه الدراسة هو أن يناقش بانيكوك الطبقة العاملة نفسها ولماذا وكيف تواجه هذه المشاكل؟ يناقش مستوى نمو الرأسمالية وتأثيره على المفهوم الاشتراكي للطبقة العاملة. ويناقش مستوى نمو القوى العاملة المنتجة ودرجة تركيز عددها في المركز ومستوى تنظيمها ومستوى التعلم في الالتزام بالنظام ومستوى الفقر.

في الوقت نفسه، تدرس التغييرات التي حدثت في أساليب النضال الطبقي للعمال، والتي غيرت بطريقة "قفزة" هذه الحركة وتخلق الخوف في قلب النظام الرأسمالي. يؤكد على أهمية الحركة العمالية كحركة حية، وفي ظل ظروف تاريخية واقتصادية وسياسية معينة، تظهر تيارات و وجهات نظر مختلفة للرد على مشاكل الصراع الطبقي.

ناقشنا أعلاه الليبرالية البرجوازية كأحد العوامل المؤثرة في خلق الاختلافات والانحرافات داخل الحركة العمالية عن التيار الثوري وخلق جناح إصلاحي داخل الطبقة العاملة.

يٌطرح سؤالا: لماذا تؤثر الآراء والتحليلات الليبرالية على النضال العمالي؟

الإجابة هي أن الطبقة العاملة تخوض صراعًا طبقيًا حيًا، وبناءً على معدل نموها وخبرتها، فإنها تصل لمعرفة أية طريقة يجب اتخاذه لإنقاذها من الاستغلال. يتجلى هذا الاستنتاج البسيط في حالة الفوضى وازدواجية النضال الاقتصادي والسياسي. كلما تطور المجتمع الرأسمالي وتعاظمت القوة الإنتاجية للعامل، وكلما زادت خبرات النضال اليومي و "القفزات" والثورات، كلما اقترب من الأفق والبديل الذي يمكن أن يمر من خلال النظام الرأسمالي، وهذه الصحوة و أصبحت التجربة "الإرادة العامة والجماعية" لملايين ومليارات العمال. هذه هي العملية الحقيقية للصراع الطبقي، التي تثير مسألة الثورة والسلطة بدرجة النمو والقدرة السياسية والتنظيمية للطبقة العاملة، وليس بالعقلانية الثورية لمجموعة شيوعية أو لحزب شيوعي. كما ينتقد ماركس جماعة تسمى "العصبة الشيوعيين":"الشروط الموضوعية ليس القوة الدافعة للثورة عندهم، بل النية التي عندهم هي الدافع. عندما نقول للعمال أنه يتعين علينا قضاء 15 ، 20 ، 50 عامًا في الحرب الاهلية والنضال (الطبقي)، فإن هذا النضال ليس هو فقط للتغيير هذا هو الوضع، ولكن لإصلاح أنفسكم وإظهار أنه يمكن أن يكون لك اليد العليا في السياسة، تمامًا كما حول الديموقراطيون كلمة الشعب إلى صنم، هكذا أنتم حولتوا كلمة البروليتاريا، "لقد استبدلت كلمة الثورة بالتطور الثوري".[11]

هذا الشكل من أشكال معرفة الثورة، الذي ليس مجرد صنم وكلمة، ولكنه ظاهرة جدلية واتحاد الأضداد، هو في حد ذاته المفتاح لفهم التاريخ الكامل للنضال الطبقي للعمال، المليء بالصعود والهبوط، النجاح والفشل. نفهم لماذا، في هذه الفترة التي تنمو فيها الطبقة العاملة سياسياً وتنظيمياً، يحيط بها الوباء المتمثل في التحريفية والليبرالية والبرلمانية؟ على حد تعبير لينين ، "وفضلا عن ذلك, ثمة ينبوع للخلافات لا ينضب, هو الطابع الديالكتيكي للتطور الاجتماعي الذي يجري في غمرة من التناقضات وعن طريق التناقصات "[12].

خلال هذه الفترة، يعرف الاشتراكيون الديمقراطيون ويعملون بجد على طرق النمو السياسي والتنظيمي للعمال في مجال العمل الحزبي والنقابي والبرلماني والصحفي. و يؤسسون الاممية الثانية الاشتراكية والأحزاب العمالية في معظم البلدان. بين عامي 1905 و 1913، زاد عدد العمال النقابيين من 3 ملايين إلى 6 ملايين، وزاد تصويت الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا وفنلاند والسويد من 30٪ إلى 40٪ في الانتخابات البرلمانية. كان لجمعية الفابية البريطانيين أيضًا تأثير كبير على الاشتراكيين الإصلاحيين، بما في ذلك برنشتاين، و ارتبطت هي ثقافيا بهولندا والدول الاسكندنافية.[13]

تقدمت من خلال عملية إنشاء الدولة ومركزية السلطة والسوق الداخلية، وفي نفس الوقت المنافسة بين الاحتكار ورأس المال الإمبريالي، وخلق أرضية للشريحة "الأرستقراطية" العمالية وتحول شكل النشاط للحزب والنقابات العمالية لتنحسر في قالب الأجهزة البيروقراطية والنخبوية، وتضييق المجال أمام العمل السياسي و التنظيمي وفق القانون وضغوط وقمع الإضراب العمالي والنشاط الثوري. كل هذا خلق ازدواجية، بين التطور السياسي للعمال من ناحية، ومن ناحية أخرى، وقع في ظل الهيمنة الفكرية والسياسية للقومية والليبرالية والبرلمانية البرجوازية.

تقسّم الأزدواجية الحركة العمالية مع ظهور المشاكل السياسية والعسكرية للإمبريالية. إن الاشتراكيين الديمقراطيين يواجهون حقبة جديدة ويجب أن يتخذوا موقفا ضد البرجوازية وحكومتها وسياساتها الإمبريالية. هذا غير ممكن مع البرلمانية وفي إطار العمل المرخص به قانونًا لم تعد الطبقة العاملة قادرة على البقاء في أطار عمل النقابات المهنية، وهو موضوعها الوحيد الأجور والإصلاح والشكل الاقتصادي، لأن المجتمع بأكمله والطبقة العاملة منخرطون في سياسات الحرب والنهب والقمع الصارخين لبرجوازية ودولتها. وهكذا سيحتاج الاشتراكيون الديمقراطيون إلى فكر وسياسة شيوعية جديدة للثورة والحكومة والتغيير الاجتماعي. تظهر هذه المشاكل بوضوح في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية، والتي تشمل: كيفية اتخاذ موقف ضد الدولة البرجوازية، وكيفية المشاركة في البرلمان، وكيفية تنظيم جماهير الطبقة العاملة، والإضراب العام والثورة والحرب العالمية، وغيرها ...

تم تقديم التحريفية لأول مرة من قبل برنشتاين بسبب نمو ومشاكل رأس المال لإعادة النظر في أسس وجهة نظر ماركس. ثم جاءت الحجة القائلة بأن أهمية الإنجاز المؤقت والإصلاح أهم من التغيير المنهجي، تحت شعار "الحركة كل شيء و الهدف هو لا شيء ". ثم أصبحت هذه هي الإطار السياسي والعملي للإصلاح، وأصبحت جزءًا من النظام الرأسمالي السائد نفسه، ومن البرلمان والحكومة، واكتساب الامتيازات لشريحة مسؤولي الأحزاب والحكومة ونقابة العمال. كانت المصالح المادية وضيق الأفق أدى الى سيطرة هذه الحركة الإصلاحية داخل الحركة العمالية. هذه "المجموعة، التي مثلت مصالح مختلفة، رأت أن نمو الرأسماليين وتطورهم هو نمو وتطور الاشتراكية".[14]

خلال الاضطرابات السياسية والعسكرية بين الحكومات الرأسمالية، اتخذت التيارات الإصلاحية والانتهازية داخل الاشتراكيين الديمقراطيين لون التحريفية، وأصبح الهدف المؤقت المتمثل في البقاء في البرلمان والبقاء في الأسس الرسمية للدولة أهدافا مقدسة لـ " ديمقراطية". أصبح كاوتسكي الآن، مثل برنشتاين، المتحدث الرسمي باسم "الديمقراطية البرجوازية". كان هذا تحطيم الحركة العمالية ضد معبود الدولة والنظام الرأسمالي. كان سبب هذا الفشل الديمقراطية الخادعة للبرجوازية.

لكن مع تعمق مشاكل الرأسمالية، شهدنا صعود الموجة الثورية للحركة العمالية. وهكذا، داخل الحركة العمالية العالمية، كانت هناك حاجة لفهم وبناء استراتيجية جديدة لكيفية الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية وخلق بديل عن الأممية الاشتراكية الديمقراطية الثانية.

أحدثت الظروف الجديدة للصراع الطبقي تغييرات في الاشتراكيين الديمقراطيين في العالم وأفرغتهم من النظريات التحريفية حول نمو الرأسمالية وتطورها وقدسية الدولة البرجوازية وديمقراطية برلمانها.

كما شعرت روزا لوكسمبورغ سابقا، لم يستطع الاشتراكيون الديمقراطيون التمسك بتكتيكات واستراتيجيات الماضي، خاصة في ظل الظروف الثورية لروسيا، وظهرت طريقة جديدة للمجالس والإضراب الجماهيري، مختلفة عن النضال البرلماني. هذه هي مرة أخرى القاعدة الأساسية التي ذكرناها في بداية هذا الكتاب. يثبت أن الصراع الطبقي لا يقتصر على مشاكل الاشتراكيين الديموقراطيين والمأزق الذي يواجهه الاشتراكيون الديموقراطيون، ولكن مع حقبة جديدة من مشاكل الرأسمالية العالمية ومأزق النظام السياسي البرجوازي وبرلمانيته وليبراليته؛ مرة أخرى، يجب على الطبقة العاملة أن تقدم ردها الثوري على الدولة البرجوازية وأن تظهر نظامها السياسي البديل.

هنا نصل إلى مرحلة مختلفة وجديدة من الصراع الطبقي، مرة أخرى، تعرفنا الطبقة العاملة من خلال الثورة على استجابتها الراديكالية للنظام الرأسمالي. لذا في الفصل التالي سنشرح أمثلة للثورات الروسية ثم ندرس أهداف الثورة والصراع الطبقي في فترة ما بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية.






[1] https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=5308

نقد برنامج غوتە، مارکس، ص 233، مختارات مارکس و انجلز، جلد 2، دار التقدم

[2] نفس المصدر- ص 232

[3] https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=5308

نقد برنامج غوتە، مارکس، ص 233، مختارات مارکس و انجلز، جلد 2، دار التقدم

[4] رسالة أنجلس إلى JPBecker

https://www.marxists.org/archive/marx/1880/letters/80_04_01.htm



[5] https://revsoc.me/marxism/30904/33923/

لنين، المارکسية والنزعة التحريفية، ص 421، المختارات، جلد3، دارالتقدم

[6] https://www.marxists.org/history/international/social-democracy/1891/erfurt-program.htm

نقد برنامج إرفورت الاشتراكي الديموقراطي الألماني عام 1891

[7] https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1904/06/05.htm

روزا لوکسمبورغ، الاشتراکية الديمقراطية والبرلمانية

[8] https://www.marxists.org/history/international/social-democracy/1891/erfurt-program.htm

نقد برنامج إرفورت الاشتراكي الديموقراطي الألماني عام 1891

[9] https://revsoc.me/marxism/30904/33923/

لنين، المارکسية والنزعة التحريفية، ص 424، المختارات، جلد3، دارالتقدم

[10] پانکوک The Tactical Differences in the Labour Movement (Die taktischen Differenzen in der Arbeiterbewegung, Hamburg, Erdmann DUBBER), 1909 Anton Pannekoek

[11] Minutes of Central Committee Meeting, 15 September 1850, in Karl Marx, The Revolutions of 1848 (Harmondsworth, 1978), p 341.

ماركس، الاحتماع للجنة المركزية لعصبة الشيوعيين.

[12] https://revsoc.me/marxism/31750/33690/

لنين،الخلافات في الحركة العمالية الأوروبية، ص 517،المختارات ، جلد3،دارالتقدم

[13]http://www.asokamal.com/index/wp-content/uploads/2020/08/hob.pdf

هوبسباوم، التاثير الماركسية1880 - 1914، كيفية تغيير العالم ،ص216
[14] http://www.asokamal.com/index/wp-content/uploads/2020/08/hob.pdf

هوبسباوم، التاثير الماركسية1880 - 1914، كيفية تغيير العالم ،ص215