رواية ((هي في الذاكرة )) للروائية زينب صالح الركابي - بقلم الناقد حميد الحريزي


حميد الحريزي
2021 / 5 / 6 - 12:30     

رواية ((هي في الذاكرة ))


((أريد أعيش وأحب وألبس وأرقص للحياة))ص 135

رواية ((هي في الذكرة)) للروائية زينب صالح الركابي ط1 اصدار دار الحلاج للطباعة والنشر والتوزيع بحجم 270 صفحة .
الرواية تدور حول يوميات واسلوب حياة عائلتين عراقيتين عائلة ابي صالح المنتمي للسلطة الحاكمة واحد الكوادر المتقدمة لحزب البعث عقيد في اجهزة السلطة الأمنية وزوجته الجميلة البغدادية شيرين واولاده صالح وزياد في مدينة تكريت .
وعائلة بسيطة تتكون من الوالد الذي يعمل نداف وولده ((مصطفى)) الذي يعمل معه ، وابنتين ((فاطمة )) و ((بتول)) ووالدتهم ، يعيشون في منطقة ريفية على ضفة نهر الفرات في طوريج محافظة كربلاء .
تدور احداث الرواية ضمن زمن سيطرة حزب البعث على السلطة في العراق بقيادة احمد حسن البكر ومن ثم صدام حسين التكريتي .
العقيد أنسان فض خشن الطباع ، يتعامل باستعلاء ان لم نقل باحتقار مع زوجته ((شيرين)) ، يقضي اغلب اوقاته في بغداد في جهاز امن السلطة ، وسهرات السكر والمجونمع زملاء المهنة ، وقد كانت الدولة تغدق عليهم الاموال بسخاء لكسب ولائهم للحزب والسلطة والقيادة العليا على وجه الخصوص .
نظرا لتوالي فعل الضرب والشتم والاهانة المستمرة ، والصبر والاصطبار والتحمل الذي حاولت ان تبذله الزوجة من أجل كسب وده وامتصاص غضبه ومحاولات تغيير سلوكياته ولكن دون جدوى فقد كان يتمادى في التعنيف والتحقير بتشجيع من والدته واخواته وتميزهن بالخبث واللاانساية ، مما دفعها الى اتخاذ قرار بتركه نهائيا والذهاب الى اهلها في بغداد صحبة شقيقها ((زكريا)) محتملة مرارة والم فراق اولادهاعلى الرغم منحبها وحبهم الكبير لها .
يستمر العقيد باستهتاره وقد وصل به الامر ادخال الغجريات الى داره وممارسة الجنس الداعر امام مرآى ومسمع ولديه .
الولد زياد يتعين مدرس ينفصل عن والده ويعيش حياته الخاصة وقد بلغ به القرف من والده اشده (( كان مستعدا لالقاء نفسه في جهنم اذا كان يعلم بأن والده في الجنة )) ص74.
اما ((صالح)) فقد اتبع طريق والده وانخرط في جهاز الامن وسط دلال وحفاوة زملاء والده صاحب المكانة والرتبة الرفيعة في جهاز الامن ، يظل صالح متمسكا بالحنين لوالدته وذكرياته معها ، وقد استدل من خلال والده على عنوانها في بيت زوجها الجديد ((المحام((لؤي ماجد الشمري)) سفير العراق في روسيا وصاحب مركز كبير في الحزب )) ص181.
بناء على نصيحة احد رفاقه والابتعاد عن اجواء تكريت وتخفيف معاناة ولده ((صالح)) ينتقل العقيد الى كربلاء ليسكن قصرا منيفا في طوريج بالقرب من دار عائلة النداف والد (مصطفى وفاطمة وبتول)).
من النظرة الاولى يحصل اعجاب متبادل بين بتول وجيرانهم الشاب الوسيم والانيق ((صالح))حينما التقت العيون عندما كانت ((بتول)) تخرج ماء النهر من دارهم ، وانقاذها من الكلاب عند مهاجمتها ليلا في وسط البساتين ، وايصالها لدارها .
والده يخسر امواله لادمانه على النساء والخمور والقمار فيضطر لبيع القصر والعودة الى تكريت ، في حين يستأجر ((صالح)) شقة في كربلاء ،؟ يقتحم دار بتول بغياب اهلها ليعبر لها عن حبنه يحتضنها ويقبلها رغم ممانعتها الشديدة ، مودعا اياها قبل رحيله الى كربلاء .

عائلة النداف :-
يتوفى الوالد الطيب الحنون معيل العائلة بسبب صعقة كهربائية عن محاولته اطفاء الماطور الكهربائي عند خروجه من الحمام مبلل الكف، يواصل عمله ((مصطفى)) النداف والرسام الفنان المبدع والمجهز لمنامات وفرشات واغطية العرسان في منطقته ، في حين تتفرغ ((بتول)) للعمل كخياطة ماهرة لمساعدة العائلة بعد ان تركت المدرسة بقرار من والدها قبل وفاته ، رغم معارضة فاطمة خريجة اللغة الانكليزية ماكسية تحررية الهوى والفكر ، بالعكس من اخيها مصطفى الاسلامي المنتمي لحزب الدعوة الاسلامية والذي تعرضاصبح مطلوبا لامن السلطة هو وصديقه محمود لاتهامه بقتل احد كوادر البعث((الرفيق العقيد حسن كمال)) ، الذي القيعليه القبض وتم اعدامه باشراف العقيد ((جاسم)) وبمرآى من ((صالح)) .
فاطمة تتأثر كثيرا بآراء وتوجهات ((ديفيد)) الشاب الروسي شقيق ((انجلين)) زوجة الدكتور يوسف من اهالي طوريج وجيران بيت النداف ، وتقرر الهرب معه الى روسيا لتعيش حياتها بعيدا عن القيود والتقاليد التي تتحكم بالانسان في مدينة مثل طوريج والعراق عموما وهي القائلة (( ما اريد اعيش عمري كله ابجي عله الحسين والزهرا او ناس ماتوا من الف سنه، اريد أعيش وأحب وألبس وأرقص للحياة واقرأ وأكتب وأسافر ...)) ص135.فوجدت في ديفيد الشخص الماركسي هو من يوفر لها هذه الحياة والحرية التي تحلم بها .
يلقى القبض على ((بتول)) عند مداهمة الامن لدارهم طلبا لمصطفى الذي هرب قبل ساعات من حضورهم ، وقد عثروا في احد مجرات غرفة بتول على بعض الكتابات وصورة لمحمد باقر الصدر الذي اعدمته السلطات هو واخته بنت الهدى عند بداية لحرب العراقية الايرانية وبعد ان استلم صدام رئاسة الجمهورية وقيادة مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة وقيادة حزب البعث .
تتعرض بتول الى صنوف من الاهانات والتجويع والترهيب من قبل افراد الامن ، كما انها تتعرض لمحاولات تحرش جنسي على الرغم من متابعة ((صالح )) لها داخل السجن والسماح لوالدتها بزيارتها وجلبت لها ملابس وكمية من الاكل ، وعندما حاولت ترتيب امورها في غرفتها الجديدة النظيفة والمرتبة التي اقتادها اليها ((عباس)) وهي تكاد لاتصدق بهذا التغيير ، اقتحم عليها غرفتها وحمام السباحة ضابط الامن المتوحش ((عباس)) وكاد ينجح في محاولته القذرة عاريا لاغتصابها لولا تداركها من قبل صالح في اللحظات الاخيرة وضرب وطرد عباس .
تنقل الى السجن مع مجوعة من بائعات الهوى والعاهرات ، تصاب بمرض التدرن الحاد وتدهور صحتها بشكل كبير فتنقل للمستشفى لتلقي العلاج للحفاظ على حياتها ، تعاد للمعتقل ثم تساق الى محكمة الاثورة برفقة ملازم(( صالح)) ، يصدر بحقها كغيرها بحكم الاعدام شنقا حتى الموت على ان ينفذ الحكم بعد شهر من اصداره ، يعيدها صالح للمعتقل واعدا اياها بتخليصها من الاعدام مقررا تهريبها من السجن .
يستعين بزوج امه ((شيرين)) السفير في موسكو لؤي الشمري ، فيعده بالمساعدة ويتكفل بوضع الخطط اللازمة لتهريبهما ، فتجري عملية استبدالها ببنت اخرى ترتدي ملابسها وتخرج من السجن باسم ((آيات)) ، يرافقون السفير بسيارته الى الاردن يصلون بسلام وسط فرح لايوصف ل ((بتول)) وقد التقت بوالدتها واختها ((فاطمة)) وزوججها الروسي ((ديفيد)) بانتظارها في الاردن .
ليس كل بعثي سيء ولبس كل سيء بعثي:-
في ظل السلطات الفاشية والديكتاتورية ورغم الخوف والترهيب وثقافة العنف وخدمة الاغلبية للسلطة وللدكتاتور وحكمه ، الا انه على الرغم من ذلك توجد نماذج تمتلك روحا انسانية وترفض الظلم والقتل والارهاب فتعمل قدرمستطاعها لدفع الاذى عن الناس الابرياء وحتى عن المعارضين السياسين للنظام بحكم ضمائرهم الحية ورفضهم لممارسات السلطات الفاشية ، هذا هو حال ((ملازم صالح)) و توصيف (( المحامي السفير لؤي الشمري)) اللذان انقذا حياة ((بتول)) من حكم الاعدام رغم خطورة الفعل وقد يودي بحياتيهما لو كشفت السلطة الفاشية هذا الفعل .
هذه حقيقة عاشها الكثير من العراقيين المستقلين والمعارضين للنظام حيث التعاون والتستر عليهم من قبل بعض البعثيين الشرفاء اصحاب الضمائر الحية ، ولولا وجود مكثل هؤلاء لكان عدد ضحايا النظام الفاشي اضعاف ما نعرفه على الرغم ضخامة عدد الشهداء والسجناء والمغيبين خلال اكثر من ثلاثين عام .
تحمل الرواية رسالة مؤثرة في ضرورة ان يكون الانسان مرنا متقبلا للاخر المخالف والمختلف كما هو حال ((بتول)) حيث كانت تتقبل شقيقها ((مصطفى)) الاسلامي الميسيس والمحافظ ، واختها فاطمة شيوعية الهوى ماركسية الفكر المتحررة ، وهي رسالة رفض لكل تعصب وانحياز متصلب ضد الاخر .
حاولت الروائية ان تكون محايدة في طرح تصيفاتها وتعريفاتها لمختلف الافكار والانتماءات الفكرية والسياسية وخصوصا بين حزب الدعوة الاسلامية وبين الحزب الشيوعي ، رغم انها واضحة الانحياز للدعوة وتضحياتهم ونضالهم ضد الفاشية الصدامية خصوصا بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية ، هذا النظام الذي جر الويلات على الشعب والوطن بمختلف عقائده وانتمائاته وقومياته .
تمتلك الكاتبة اسلوبا سرديا شيقا ومفردة رشيقة تحمل الكثير من الشعرية المؤثرة في وجدان القاريء من حيث المعنى والمبنى .
اهتمت الكاتبة بتظهير الميزات الخارجية والداخلية لشخصيات الرواية من حيث الشكل والعادات والسلوك تاركة صورة شبه مجسمة للشخصية في ذاكرة القاريء . كما انها اهتمت بالمكان والزمان من أجل اقناع القاريء بواقعية الحدث على مسرح الواقع المعاش . ومن اهمها وقعنة مفارقة عشق السجين للسجان وهيام السجان بحب سجينه ، كما حصل بين ((بتول)) و ((صالح)).
جرت عملية السرد بضمير الانا المتكلم عن ذاته والعليم بمكونات الشخصيات المحيطة به .
كان السرد يتحول من صالح الى بتول ومن بتول الى صالح ومن تكريت الى بغداد ومن بغداد الى طوريج وكربلاء ، ومن كربلاء الى الاردن وكانت الانتقالات رشيقة ومقنعة ومترابطة دون الاخلال بحبكة الرواية .
كما انها لجأت الى كتابات الحورات بين الشخصيات الروائية باللغة الشعبية العراقية ، ليكون السرد أكثر صدقا واعمق تعبيرا مما لو كان باللغة العربية الفصحى ، على الرغم من أن بعض الادباء والنقاد يعيبون على الروائي اللجوء الى اسلوب السرد باللغة الشعبية الدارجة ولكني لااتفق مع ما ذهب اليه البعض في هذا المجال ، حيث ارى ان كتابة حوار شخصيات شعبية بسيطة باللغة العربية الفصحى كأنه حالة ترجمة من لغة الى آخرى فلا تعطي المعنى الحقيقي للقول ولا العمق الواقعي للحوار كما هو في اللغة او اللهجة الشعبية المتداولة .
الرواية توثيق لحالة المجتمع العراقي في ظل فترة حكم البعث في العراق ، وما جرى خلال هذه الفترة المؤلمة في تاريخ العراق من ظلم وقهر ومصادرات حريات حد القتل والتشريد للمواطن العراقي ، كما كشفت حقيقة سلوكيات عناصره من الامن والمخابرات ووحشيتهم وانغماسهم في الملذات والرذائل وممارسة العنف والقهر حتى ضد اقرب الناس اليهم ومنهم زوجاتهم وابنائهم وبناتهم ، متمثلين سلوكيات صنمهم ومثلهم الاهلى قلئدهم الاعلى الذي اعدم ونكل وقتل اقرب الناس اليه .