عيد العمال: قمع وهجوم.. وضوء في آخر النفق

الاشتراكيون الثوريون
2021 / 5 / 2 - 10:30     

بيان الاشتراكيين الثوريين
عيد العمال: قمع وهجوم.. وضوء في آخر النفق

يأتي عيد العمال هذا العام بينما لا يزال عمال مصر يشهدون هجومًا مستعرًا على مقدَّرات حياتهم وعملهم، من جانب النظام ورجال الأعمال، وقد تصاعَدَ هذا الهجوم في ظل أزمة كورونا التي يتحمَّلون النصيب الساحق منها وحدهم، وفي ظل انهيار التنظيمات النقابية التي من المنوط بها الدفاع عن مصالحهم.

خلال العام الماضي، واجَهت الطبقة العاملة في مصر تحدياتٍ ضخمة، مصحوبةً بقمع مُمَنهَج واستبداد باطش يعصف بكل أشكال الاحتجاج والمعارضة وحتى محاولات العمال تنظيم أنفسهم ذاتيًا، مستخدمًا في ذلك ترسانته من أدوات القمع؛ من تهديد العمال إلى ملاحقتهم واعتقالهم إلى محاكمتهم لدفاعهم عن حقوقهم.

فتحت أزمة كورونا الباب أمام رجال الأعمال للهجوم بلا هوادة على العاملين لديهم، بالتسريح من العمل وخفض الأجور، في ظل دعم حكومي للمستثمرين، حيث خفض أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وتأجيل سداد الضريبة العقارية على المنشآت الصناعية والسياحية، وخفض ضريبة توزيع الأرباح الرأسمالية، من ضمن إجراءاتٍ أخرى، علاوة على منح المستثمرين شيكًا على بياض ليفعلوا بالعمال ما يحلو لهم بحجة الأزمة.

لم يقتصر الهجوم على العمال على ذلك، بل اتخذ أشكالًا أخرى يمكن تصنيفها كما يلي:

أولًا، شهدنا خلال العام الماضي قوانين وقرارات كانت الأقسى من نوعها منذ سنوات طويلة مضت. كان أبرزها تعديل القانون 203 الخاص بشركات قطاع الأعمال العام، والذي يبيح تسريح العاملين بهذه الشركات وتخفيض حوافزهم وأرباحهم، والذي رفضته عشرات اللجان النقابية وواجهه العاملين بالعديد من الاعتصامات في مقار شركاتهم.

الأخطر هو قرارات تصفية الشركات، التي يُعَد بعضها من القلاع القديمة للطبقة العاملة، أبرزها شركة الحديد والصلب بحلوان، بعد شركتيّ غزل كفر الدوار وسماد طلخا. كشفت هذه القرارات، على المستوى الاقتصادي، عن توجه السلطة الذي يتجاهل التطوير والبناء لصالح تشييد عقارات وكتل خرسانية بهدف جني الربح السريع، وعلى المستوى السياسي تصفية كتل من الطبقة العاملة وذاكرتها وخبرتها النقابية والسياسية.

ثانيًا، دَفَعَ الكثير من العمال خلال العام الماضي ثمن نضالهم، بتعرُّضهم للفصل التعسفي، أو باعتقالهم كما حدث مع عمال غزل شبين الكوم بعد مطالبتهم بمستحقاتهم المتأخرة في سبتمبر الماضي، والعاملين بشركات التأمين إثر اعتصاماتهم ضد تعديل القانون 203 في أكتوبر، أو حتى بتوقيع أحكام قضائية قاسية عليهم مثلما حدث مع عمال الوطنية للصناعات الحديدية.

ثالثًا، كان العمال هدفًا للهجوم الإعلامي الذي ساند النظام بكل ما في وسعه لتمرير أجندته. شاهدنا البرامج التلفزيونية والصحف تهاجم عمال الحديد والصلب لتعبئة الرأي العام ضدهم من أجل تمرير التصفية، فتسدِّد لهم اتهاماتٍ تارة بالكسل والتقاعس عن العمل وتارة أخرى بالتسبُّب في خسائر الشركة. لم يكن العمال قط هم السبب في خسائر الشركة، بل الإهمال طويل الأمد للحكومة وتخسيرها المُتعمَّد للشركة على مدار عقود. وكان اعتصام العمال في يناير الماضي بمثابة رد عملي على هذه الاتهامات، إذ أن حرص العمال على هذه القلعة الصناعية ضد تصفيتها هو أقوى دليل يدحض هذه الاتهامات، خاصةً مع إدراكهم المخاطرة الأمنية التي قد تقع عليهم جراء اعتصامهم.

شهدنا الإعلام أيضًا يضع عمال السكك الحديدية في وجه المدفع أمام الرأي العام، ويحمِّلهم مسئولية حوادث القطارات المتكرِّرة على مدار الأسابيع الماضية، للتستُّر على عقودٍ من إهمال الدولة في الأمن الصناعي وتخفيض الإنفاق على الخدمات المُقدَّمة للمواطنين، بينما يعلن النظام عن مشروع القطار الكهربائي (بتكلفة 360 مليار جنيه)، الذي يبدأ بالعين السخنة ويمر عبر العاصمة الإدارية الجديدة وصولًا إلى مدينة العلمين الجديدة، ليربط مدنه الاستثمارية ببعضها. وعلاوة على ذلك، أطلقت وسائل إعلام النظام موجةً عنيفة ضد الأطباء والأطقم الطبية لتحميلهم عبء الفشل في التعامل مع وباء كورونا، وللتغطية على عقودٍ من الإهمال أيضًا في مجال الرعاية الصحية.

صحيح أن الاحتجاجات العمالية انخفضت على مدار الأعوام منذ ترسيخ الديكتاتورية العسكرية، بعد أن وصلت إلى 2239 في العام 2013 و1609 في 2014، إلا أنها لم تختف تمامًا بعد. بحسب تقارير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد شهد الربع الأول من العام الجاري 31 احتجاجًا عماليًا ومهنيًا، من الإضراب إلى الاعتصام إلى الوقفة الاحتجاجية وغيرهم، بينما شهد الربع الأخير من العام الماضي 33 احتجاجًا، والربع الثالث من العام نفسه 45 احتجاجًا، بينما نظَّم العمال 40 احتجاجًا آخر في مارس وأبريل ومايو 2020. وتركَّزَت المطالب على المستحقات المالية ورفض التصفية والتسريح وغيرها من المطالب.

تضامَنَ العمال من شركات مختلفة مع نضال زملائهم، مثل التضامن بين عمال سماد طلخا وعمال كفر الدوار ضد التصفية. علاوة على عمال الحديد والصلب، الذين تلقوا تضامنًا ودعمًا من زملائهم في صناعة الحديد والصلب في العراق وليبيا، وغيرهم من النقابيين والمناضلين في بلدانٍ أخرى.

الأمر الأهم هو أن عددًا من الاحتجاجات العمالية نجحت بالفعل في انتزاع بعض مطالبها، مثل عمال مجمع الألومنيوم بنجع حمادي، الذين انتزعوا المكافآت السنوية بعد اعتصامهم، وعمال سماد طلخا، الذين أُلغِيَ قرار تصفية شركتهم بعد اعتصامهم الذي استمر لأسابيع، وعمال الجامعة العمالية، الذين انتزعوا مطلب صرف الأجور المتأخرة بعد 10 أيام من الاعتصام، علاوة على الانتصار المهم لعمال الإسكندرية لتداول الحاويات الذين أجبروا الإدارة باعتصامهم على صرف الأرباح.

قد تبدو هذه الانتصارات الصغيرة ضعيفة التأثير، لكن في ظل موات الحياة السياسية، وغياب التنظيمات النقابية، وحالة الترهيب الأمني المستمرة منذ أن أحكم الجيش قبضته على البلد، فإنها ذات قيمة أكبر بكثير من حجمها، وهذا ما يجعلها بمثابة ضوءٍ في آخر النفق.

الاشتراكيون الثوريون
1 مايو 2021