النضال من أجل إيرلندا اشتراكية موحدة

تامر خرمه
2021 / 4 / 28 - 13:37     

:بقلم
مارتن هالف
فابيو بوسكو

ترجمها إلى العربية:
تامر خرمه

قبل مائة سنة، في السادس من كانون الأول عام 1921، قام الاستعمار البريطاني، وقسم من الجمهوريين القوميين الايرلنديين، بتوقيع المعاهدة الإنجلو_ إيرلندية.وعوضا عن الاستقلال التام، باتت ايرلندا مقسمة ما بين المقاطعات الـ 26 الجنوبية، والمقاطعات الـ 6 الشمالية. المعاهدة تمّ استقبالها بمقاومة شرسة مناهضة للاستعمار.

عام 1916، قام الجمهوريون القوميون الايرلدنيون بانتفاضة عيد الفصح بقيادة بادرايغ بيرس وجيمس كونولي. بيرس كان يمثل البرجوازية الصغيرة الثورية، وكونولي كان يمثل القطاع الأكثر تقدمية للطبقة العاملة الايرلندية.

عام 1918، حقق الحزب الجمهوري القومي الايرلندي، شين فين، فوزا بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة الايرلندية. رفض السلطات البريطانية القبول بحرية ايرلندا قاد إلى حرب الاستقلال الايرلندية ما بين عاميّ 1919_1921.

في مواجهة هذه الانتفاضة الايرلندية استنتجت السلطات البريطانية أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في حكم إيرلندا كما قبل، وقدمت اقتراحا كان يعمد إلى حفظ مصالحها الاستعمارية الرئيسية، وإلى تقسيم وهزيمة الجمهوريين الايرلنديين.

وهكذا، خلقت المعاهدة الإنجلو_ إيرلندية سلطة حكم ذاتي تحت الإمبراطورية البريطانية على المقاطعات الجنوبية الـ 26، محتفظة بالمقاطعات الشمالية الست، بحيث يبقى شمال إيرلندا جزء من المملكة المتحدة.

شمال إيرلندا كان الجزء الأوسع للمناطق الإيرلندية، بأغلبية سكانية من البروتستانت الوحدويين_ الأمر الذي كان نتيجة لمزرعة أولستر، وهي استعمار بريطاني منظم للأراضي الزراعية في الشمال. المعاهدة تبعتها سنة من الحرب الأهلية.

من جهة كانت هناك الحكومة الايرلندية المؤقتة الداعمة للمعاهدة، والمستندة إلى البرجوازية الايرلندية والفلاحين، الذين كانوا مهتمين بالحفاظ على الارتباط ببريطانيا_ وتدعمهم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وفي الطرف المقابل كان هناك الجمهوريون القوميون الإيرلنديون، المناهضون للمعاهدة، والذين رفضوا سلطة الحكم الذاتي والتقسيم.

عندما قامت القوى المؤيدة للمعاهدة، المدعومة بريطانيا، بهزيمة المعارضة، ولدت الدولة الإيرلندية الحرة على المقاطعات الـ 26، بوضع سلطة حكم ذاتي. دستور العام 1937 غيّر حالة الحكم الذاتي إلى الدولة الايرلندية المستقلة. وفي العام 1949 تم إعلان إيرلندا جمهورية.

رغم أن هذا القرار وضع ايرلندا خارج الكومنويلث البريطاني، إلا أنّه لم يغير وضعها كشبه مستعمرة، نظرا لأن اقتصادها بقي مهيمن عليه من قبل الشركات متعددة الجنسية البريطانية، والأوروبية، والأمريكية حتى يومنا هذا.

النضال في الجزء الشمالي من ايرلندا، الذي كان في البداية ترتيبا مؤقتا، أسس لحكومة وحدوية بروتيستانتية متطورة، بمؤسسية وحدوية متتالية (برلمان بوتستانتي ودولة بروتيستانتية)، حيث واصلت السياسات الطائفية التي ميزت ضد السكان القوميين الكاثوليك الايرلنديين في كافة مناطق عيشهم للحفاظ على السيطرة الوحدوية.

بإلهام من حركة الحقوق المدنية الأممية في الولايات المتحدة على يد الأفارقة الأمريكيين، وبحركة الحقوق المدنية في جنوب افريقيا، ظهرت حركة الحقوق المدنية الايرلندية عام 1964، مطالبة بإنهاء التمييز في التوظيف، وبتخصيص المساكن العامة، وبانتخابات نزيهة، وبإنهاء سوء استخدام السلطة لقانون السلطات الخاص (1922)، وبإصلاح شرطة أولستر الملكية، مع حل القوات المسلحة الطائفية –الخاصة- سيئة السمعة، والتي كانت تضايق المجتمعات القومية الايرلندية وتعتدي عليها وتهينها.

حركة الحقوق المدنية قوبلت بعنف طائفي عنيف، مارسته في البداية شرطة أولستر الملكية، والقوات الخاصة، وغيرهما من القوات الوحدوية شبه العسكرية، ومن ثم القوات البريطانية نفسها، ما أدى إلى اندلاع حرب ضد بريطانيا واحتلالها لشمال أيرلندا، أو ما يدعى بـ “المشاكل”.

الجيش الجمهوري الايرلندي، المرتبط بالشين فين، عاد إلى الظهور في تلك المرحلة، كقوة للدفاع عن النفس في البداية، ثم كمنظمة حرب عصابات مستقلة عانت عدة انشقاقات.

بشكل عام، كانت فصائل الجيش الجمهوري الايرلندي المتعددة عبارة عن منظمات قومية إيرلندية برجوازية صغيرة، ترتكز على الهدف الجمهوري المتمثل في ايرلندا الموحدة والمستقلة، مع نغمة اشتراكية، وبعلاقات مع منظمات حرب العصابات الأخرى كحركة إيتا الباسكية، والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا في المقدمة، وببعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الأنظمة العربية، وبالجالية الإيرلندية الضخمة في الولايات المتحدة.

في العاشر من نيسان عام 1998 قامت الشين فين، والجيش الجمهوري الايرلندي (المؤقت، والذي كان الأقوى) بالتسوية، وتم التوقيع على اتفاقية بلفاست للجمعة العظيمة.

اتفاقية بلفاست كانت في الحقيقة اتفاقية مزدوجة: أولا بين ثمانية أحزاب إيرلندية شمالية (كل من الأحزاب الوحدوية، باستثناء الحزب الديمقراطي الاتحادي، والأحزاب الجمهورية القومية الايرلندية)، وثانيا بين المملكة المتحدة وجمهورية ايرلندا.

الاتفاقية أسست للاعتراف بالتقسيم من قبل الجمهورية الايرلندية وكافة الأحزاب الجمهورية، وإلى منح أهالي شمال ايرلندا حصريا، والذين تتألف غالبيتهم من البروتستانتيين الوحدويين، الحق في إلغاء التقسيم. وقد ألزمت هذه الاتفاقية جمهورية ايرلندا بتغيير دستورها لإضفاء الشرعية على التقسيم، وبنزع سلاح الجيش الجمهوري الايرلندي.

في نفس الوقت، تم إنشاء حكومة وبرلمان ايرلندا الشمالية – جمعية أيرلندا الشمالية – وتم تصميمها لتكون “متوازنة”، ليس للقضاء على الطائفية ولكن لإدارة مظاهرها. وبين يدي الطبقة العاملة تم التخلي عن النضال من أجل ايرلندا الموحدة والمستقلة من قبل كل من البرجوازية الايرلندية والبرجوازية الصغيرة شين فين/ الجيش الجمهوري الايرلندي.

وحدها الطبقة العاملة في الشمال والجنوب لديها المصلحة الاقتصادية والسياسية للقيام بهذه المهمة التاريخية. في الشمال، يحتاج العمال إلى النضال من أجل إنهاء كل أشكال التمييز الطائفي التي ستختفي مع إعادة توحيد ايرلندا. وفي الجنوب، على العمال تحرير بلادهم من الشركات متعددة الجنسيات ومن الرأسمالية، من أجل الحصول على وظائف للجميع، وإسكان بكلفة ميسّرة، وتعليم عام ورعاية صحية بجودة عالية.

من أجل تحقيق هذه المطالب لا بد من توحيد نضالات العمال في الحدود الشمالية والجنوبية وبناء التضامن في كافة أنحاء العالم، ومع الطبقة العاملة البريطانية قبل أية جهة أخرى.

النضال الديمقراطي من أجل تقرير المصير الايرلندي يمضي جنبا إلى جنب مع النضال من أجل ايرلندا الاشتراكية، حيث أنه بعد هزيمة الامبريالية وحلفائها المحليين، فإن الطبقة العاملة ستعالج بالضرورة علاقات الملكية، وتعمل من أجل ايرلندا الموحدة والاشتراكية، كجزء من اتحاد الجمهوريات الأوروبية الاشتراكية.

ماركس وانجلز وقفا، ضد الثوريين الإمبراطوريين، متضامنين مع الشعب الايرلندي في نضاله من أجل تقرير المصير، ما يعني حق الشعب الايرلندي بأسره، في الشمال والجنوب، في تقرير ما إذا كان يريد إيرلندا موحدة مستقلة عن القوى الاستعمارية أم لا.

لدى كارل ماركس وفريدريتش انجلز على الأقل 258 مقالة، ورسالة أو خطابا تشير إلى ايرلندا[i]. لقد دافعا عن الحكم الذاتي الايرلندي والاستقلال عن إنجلترا. وقد أدركا أيضا أن الدفاع عن التحرر الوطني الايرلندي كان شرطا لوحدة الطبقة العاملة البريطانية لإحداث ثورة اجتماعية في الداخل.

“إيرلندا هي حصن الارستقراطية الانجليزية. استغلال ذلك البلد ليس فقط أحد المصادر الرئيسية لثروتها المادية، بل هو أعظم قوة معنوية لها. هم، في الواقع، يمثلون الهيمنة على ايرلندا، لذا فإن ايرلندا هي الوسيلة الأساسية التي تحافظ الأرستقراطية الإنجليزية عبرها على هيمنتها في إنجلترا نفسها”.

“والأهم من هذا كله، فإن كل مركز صناعي وتجاري في إنجلترا يمتلك الآن طبقة عاملة مقسمة إلى معسكرين معاديين، البروليتاريا الانجليزية، والبروليتاريا الايرلندية”. “هذا العداء هو سر عجز الطبقة العاملة الإنجليزية، رغم تنظيمها. إنه السر الذي تحافظ عبره الطبقة الرأسمالية على سلطتها. والأخيرة مدركة تماما لهذا.

“إن المهمة الخاصة للمجلس المركزي في لندن هي جعل العمال الإنجليز يدركون أن التحرر الوطني لايرلندا، بالنسبة لهم، ليس مسألة عدالة مجرّدة أو مشاعر إنسانية، بل هو الشرط الأول لتحررهم الاجتماعي”[ii].

هذا الموقف تم النضال من أجله والظفر به في المجلس العام للأممية الأولى للانحياز إلى جانب الشعب العامل الايرلندي، رغم أن المسألة الايرلندية خلقت صداما عميقا مع بعض القيادات النقابية حول النضال الايرلندي من أجل الحرية.

قيادة المعارضة لهذه السياسة في المجلس العام تمثلت بجون هيلز، وهو قيادي في قطاع النسيج، وقد كان عضوا في المجلس ما بين 1866- 1872، وسكرتيره منذ أيار 1881 حتى تموز 1882. المجلس العام أعرب في عدة مناسبات عن تعاطفه مع حركة التحرير الوطنية الايرلندية بقيادة الفينيان الايرلنديين.

رغم أن ماركس كان منتقدا لتكتيكاتهم المؤامراتية، فقد قاتل لإقناع الطبقة العاملة البريطانية بمساندة تحرير ايرلندا. أعضاء المجلس العام أطلقوا ونظموا حملة العفو من أجل السجناء الفينيان عام 1869، وتم تنظيم احتجاج بحضور نحو 100,000 عامل في لندن بشهر تشرين الأول.

“الأممية الأولى” قامت بتطوير فروع بين العمال الايرلنديين ما بين 1871- 1872. كان هناك العديد من الفروع في انجلترا. وفي ايرلندا، كان هناك مناصرون للفروع في ليمريك، و تيبيراري، وبلفاست، ودبلن، وكورك. الشرطة وأصحاب العمل والكهنة قاموا باضطهاد أعضاء الأممية.

في اجتماع المجلس العام يوم التاسع من نيسان عام 1872، نقل ماكدونال، السكرتير المقابل لايرلندا، عن “حالة الخوف للإرهاب” ضد الأممية في كورك. وأصدر المجلس العام بيانا ضد إرهاب الشرطة في ايرلندا، يقول فيه إن الحكومة البريطانية كانت تحاول القضاء على تأسيس الأممية الأولى في المهد، من أجل الاستعداء القومي بين العمال الانجليز والايرلنديين. في انجلترا، كان الأمر حتى ذلك الوقت أحد العوائق الأساسية في طريق أية محاولة لحراك من أجل تحرير الطبقة العاملة، وبالتالي، أحد وسائل الهيمنة الطبقية في إنجلترا وايرلندا على حد سواء. معارضة هيلز للنضال الايرلندي أصبحت علنية بعد شهر من ذلك. في 14 أيار 1872، قام بالدفع بقرار ضد تشكيل الفروع الايرلندية في انجلترا بالطريقة التي تم وفقها تنظيم المجموعات الوطنية الأخرى، معلنا أن هذا من شأنه فقط الإبقاء على العداوة القومية. مكدونال علق بقوله إنه يبدو “غريبا للغاية أن على السكيرتاريا العامة، في الوقت الذي توجد فيه مخاطر وصعوبات للحاق بالعمل الدعائي في ايرلندا، المضي قدما بحركة من شأنها أن تدمر فعليا ما تم القيام به”.

إنجلز أعلن أن هيل يسأل الشعب الرازح تحت الاحتلال أن ينسى قوميته. “الأقسام الايرلندية، بالتالي، ليست مبررة فحسب، بل تأتي في ضوء الضرورة لفاتحة أدوارهم بأن واجبهم الأول والملح كإيرلنديين، هو تشييد استقلالهم الوطني”.

لينين وتروتسكي على ذات النسق حافظا على تصور ماركس وانجلز حول ايرلندا. لينين دعم بقوة انتفاضة عيد الفصح الإيرلندية عام 1916، وكذلك حق القوميات المضطهدة في تقرير المصير. في تموز 1920، رحب بحرارة برودي كونولي، ابن القائد الإشتراكي الإيرلندي جيمس كونولي، في المؤتمر الثاني للكومنتيرن.

في كتابه لعام 1914 “حق الأمم في تقرير المصير”، سلط لينين الضوء على أن: “ماركس يسائل الإشتراكي المنتمي إلى أمة تمارس الاضطهاد حول موقفه تجاه الأمة المضطهدة، ويكشف على الفور عيبا مشتركا لإشتراكيي الأمم المهيمنة (الإنجليز والروس): الفشل في فهم واجباتهم الإشتراكية تجاه الأمم المسحوقة، هو اجترارهم للامتيازات المكتسبة من برجوازية “الأمة المهيمنة”.

سياسة ماركس وانجلز حول المسألة الإيرلندية بمثابة مثال رائع على الموقف الذي ينبغي تبنيه من قبل بروليتاريا الأمم التي تمارس الاضطهاد تجاه الحركات الوطنية، مثال لم يفقد شيء من أهميته السياسية الكبيرة. إنها بمثابة تحذير ضد هذا “التسرع الخانع” للبعض من كافة البلدان، والألوان، واللغات، الذين يتعجلون بوسم فكرة تغيير حدود الدول التي تأسست عبر عنف وامتيازات ملاك الأراضي وبرجوازية أمة ما بأنها “يوتوبية”.

“إذا لم تقبل البروليتاريا الإنجليزية والإيرلندية بسياسة ماركس، وإذا لم تتخذ من انفصال إيرلندا شعارا لها، فإن هذا سيكون أسوأ أنواع الانتهازية، وتجاهل لواجباتها كديمقراطية واشتراكية، وتنازل للرجعية والبرجوازية الإنجليزية”[iii].

تروتسكي كتب أيضا حول انتفاضة عيد الفصح الإيرلندية، في مقالته للعام 1916 “حول الأحداث في دبلن”[iv]، وحول حق الشعوب المضطهدة في تقرير المصير. “منذ أيامي المبكرة كان لدي، عبر ماركس وإنجلز، أعظم تعاطف وتقدير للنضال البطولي للإيرلنديين من أجل استقلالهم”[v].

“تقرير المصير الوطني هو الصيغة الديمقراطية الأساسية للأمم المضطهدة. حيثما يتم تعقيد الاضطهاد الطبقي عبر الاستعباد القومي، فإن المطالب الديمقراطية تتخذ قبل أي شيء شكل المطالبة بالمساواة الوطنية بالحقوق_ من أجل الحكم الذاتي أو الاستقلال[vi].

موقف ماركس، وإنجلز، ولينين، وتروتسكي له أهمية كبرى حتى يومنا هذا. الأسماء والأوضاع تتغير، لكن بريطانيا تبقى أمة تمارس الاضطهاد ضد وحدة إيرلندا. مع الأسف، بعض المنظمات اليسارية تقف إلى جانب الكولينيالية البريطانية عند الوقوف من أجل “حق” مجتمع البروتيستانتيين الوحدويين في الإبقاء على إيرلندا مقسمة، ما يعني في حقيقة الأمر دعم حق من يمارس الاضطهاد ضد حق المضطهد.

الرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة ستبقى مؤمنة بمنظور ماركس، وإنجلز، ولينين، وتروتسكي في الدفاع عن حق تقرير المصير الإيرلندي ضد الإمبريالية البريطانية.

[i] https://arrow.tudublin.ie/cserrep/21/

[ii] https://www.marxists.org/archive/marx/works/1870/letters/70_04_09.htm#ireland

[iii] https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1914/self-det/ch08.htm

[iv] https://www.marxists.org/archive/trotsky/1916/07/dublin.htm

[v] رد تروتسكي على نورا كونولي أوبراين، ابنة جيمس كونولي، في 6 حزيران 1936.

[vi] https://www.marxists.org/archive/trotsky/1922/red-white/ch09.htm