لمصلحة من، التقارب السعودي الايراني


جاسم ألصفار
2021 / 4 / 27 - 20:15     

لمصلحة من، التقارب السعودي الإيراني
د. جاسم الصفار
27-04-2021
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن احتمال تغير في العلاقات السعودية الإيرانية في ظل عودة أمريكية للمفاوضات مع طهران من أجل إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، أو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، إضافة الى الرغبة الامريكية بتخفيف التوتر في منطقة الشرق الاوسط. فما حقيقة هذا الأمر، وما هي مسوغاته، وما هو موقف الدول الإقليمية والعالمية منه؟
بدايةً، لابد من التذكير بأن المملكة السعودية كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في يناير 2016 بعد هجمات على بعثاتها الدبلوماسية في طهران ومشهد، إثر إعدام الداعية الشيعي الشهير، أحد قادة المعارضة السعودية، نمر النمر في مطلع كانون الثاني / يناير 2016. وتضامناً مع الرياض، قطعت كل من البحرين والسودان وجيبوتي علاقاتها الدبلوماسية كذلك مع طهران.
وقطع العلاقات الدبلوماسية لم يكن الحدث الذي أرخ لبداية الصراع بين الجارتين، السعودية وإيران، في عصرنا الحديث. فالتوتر في العلاقات بين البلدين يمتد إلى السبعينيات من القرن الماضي، عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران ووصل رجال الدين الشيعة إلى السلطة. عندها اعتبرت الرياض الأحداث في إيران بمثابة تهديد لسيادتها الوطنية ولنفوذها التقليدي في العالم الإسلامي. ومذ ذلك الحين بقي الصراع مستعرا بوتائر مختلفة من الحدة الى أن اشتد سعيره بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
ولم يكن مفاجئا الخبر الذي نشرته الصحيفة البريطانية فاينانشال تايمز، نقلاً عن مصادر دبلوماسية، عن أن مسؤولين رفيعي المستوى من المملكة العربية السعودية وإيران يجرون مفاوضات مباشرة بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية التي قطعت قبل خمس سنوات. وبحسب الصحيفة، فإن المحادثات، التي جرت في 9 أبريل / نيسان في بغداد، بوساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى كاظمي، هي "أول مباحثات سياسية مهمة" بين البلدين منذ عام 2016.
وفقا لما نقلته وكالة الانباء الروسية "ريا نوفستي" عن الصحيفة البريطانية، أن المباحثات التي ترأس فيها الوفد السعودي رئيس جهاز المخابرات العامة خالد بن علي الحميدان، تضمنت موضوع هجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الأراضي السعودية الى جانب مواضيع أخرى محلية واقليمية. ومما يؤكد أن تقييم الفاينانشل تايمز للمباحثات بأنها كانت إيجابية هو الاتفاق بين الطرفين على مواصلة المباحثات، وتحديد موعد لها، حسب الصحيفة، قبل نهاية شهر نيسان الجاري.
تجدر الإشارة الى أن موافقة السعودية على التفاوض مع إيران كانت متأثرة بالموقف الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران ورغبة إدارة الرئيس بايدن بالتخفيف من حدة التوتر في المنطقة. والعامل الآخر الذي دفع الرياض للجلوس الى طاولة المفاوضات مع طهران هو رغبة الأولى في إنهاء حرب السنوات الست في اليمن، وكذلك "كسب تأييد إدارة بايدن، التي وعدت بإعادة النظر في العلاقات مع المملكة "، كما كتبت الفاينانشيال تايمز.
ومع أن الفاينانشل تايمز، ذكرت أيضا أن مسؤول سعودي رفيع المستوى نفى حقيقة إجراء مفاوضات مع إيران. ومن جهتيهما، رفضت الحكومتان العراقية والإيرانية التعليق على خبر اجراء المفاوضات. الا أنه بنكرانهما لحقيقة حصول مفاوضات مباشرة بين ممثلين من الدولتين، فان إيران والمملكة العربية السعودية يعترفان ضمنا بحرصيهما على استمرار المفاوضات، وكما ذكر الخبير بشؤون الشرق الأوسط بول بيلار في 22 أبريل، ان المملكة السعودية وجمهورية إيران الإسلامية حريصتان على ألا يخلقان مبررا لإفساد المباحثات في وقت مبكر من قبل الراغبين بوقفها وافشالها.
ففي السعي لتحقيق الوفاق، سيتعين على الرياض وطهران خوض مفاوضات صعبة بعيدا عن تأثير ألمناوئين للتقارب بين الطرفين من المتشددين الداخليين والاعداء الخارجيين. وفي مقدمة الساعين لتعطيل أي تقارب بين المملكة السعودية وإيران هي إسرائيل. فلدى حكومة نتنياهو أسباب عديدة للقلق ومنع الوصول الى أي اتفاق مع طهران بشأن أي شيء. وستجند إسرائيل كل ما تملكه من وسائل تأثير على حليفتي السعودية البحرين والإمارات، فضلاً عن علاقتها الواسعة مع الرياض نفسها، لتحقيق هذا الهدف.
تدرك إيران وكذلك السعودية بأن الانفراج في منطقة الخليج هو من مصلحة جميع دول المنطقة، عدا إسرائيل، كما أنه من مصلحة الدول الكبرى المهتمة، مثلها مثل دول المنطقة، بضمان أمن التجارة العالمية وصادرات البترول من الدول المطلة على الخليج. علما بأن إيران سعت دوما إلى تحسين العلاقات مع دول المنطقة. وقد اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني إطارًا متعدد الأطراف لتعزيز السلام والأمن في منطقة الخليج، وهي صيغة متوافقة تمامًا مع الجهود الثنائية للحد من التوترات مع المملكة العربية السعودية.
ومن الجدير بالذكر، أن لسياسة التصعيد ورفض المبادرات الإيرانية من قبل المملكة العربية السعودية، لها أسبابها. وعلى رأس تلك الاسباب الخوف من إيران على أمنها الداخلي، وبصورة خاصة، من إمكانية تأثيرها على السكان الشيعة في السعودية نفسها إضافة الى الدول العربية الخليجية. ولهذه المخاوف ما يبررها، خاصة في السنوات الأولى للجمهورية. الا أن الدافع الأكبر لموقف المواجهة السعودي مع إيران هو استخدام المواجهة كأساس لمعاملة تفضيلية من الولايات المتحدة، سواء فيما يتعلق بإمدادات السلاح أو التسامح الأمريكي مع نهج انتهاك حقوق الانسان في المملكة.
على أن الوقائع الدولية والإقليمية فرضت على السعودية اعادة التفكير في موقفها من إيران. فالحرب في اليمن أصبحت مصدر تهديد لأمن المملكة ومصادر ثروتها النفطية التي باتت اهداف لصواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة. كما أن العداء ألأمريكي لإيران لم يعد من أولويات سياسة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط. إضافة الى ذلك فأن الموقف الأمريكي من الانتهاكات السعودية لحقوق الانسان لم يعد كما كان في السابق. وقد أعلنت واشنطن إنها ستوقف دعمها للسعوديين في اليمن وستنأى بنفسها عن جرائم الحرب التي ترتكب هناك. وفي الوقت نفسه، فسر العديد من المحللين السياسيين الإشارات الدبلوماسية المرتبطة بانتقاد المملكة العربية السعودية على أنها تهدف الى تحسين أجواء الحوار بين إدارة الرئيس بايدن والاطراف المعتدلة في القيادة الإيرانية من دائرة الرئيس حسن روحاني.
من جهة أخرى، تقترح مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية التابعة للحزب الديمقراطي البدء في تعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال تخفيف الانحياز تجاه إسرائيل والسعودية. وفي هذا السياق، فإن انتخاب بغداد كمنصة تفاوض بين السعودية وإيران ليس عرضيًا. فللعراق أهمية كبيرة عند كلا الدولتين من النواحي الجيوسياسية والدينية، كما أن حكومة الكاظمي تحظى بقبول أمريكي وايراني وسعودي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تدفع السعودية، بصورة غير مباشرة، للتطبيع مع ايران، فان روسيا، حسب صحيفة الشرق الأوسط، تدفع طهران الى التقارب مع الرياض، كما أنها تسعى لإقناع الدول الخليجية بحل مشاكلها مباشرة مع ايران. وفي هذا الصدد اشارت الصحيفة الى ما ذكره عدد من الخبراء الاوربيون من أن "موسكو تدفع إلى المزيد من الخطوات نحو التقارب مع الرياض كفرصة لإضعاف التحالف العربي الأمريكي غير الرسمي ضد إيران في الخليج" وترغب في "إقناع الدول العربية بالنأي بنفسها عن الولايات المتحدة والتفاوض مباشرة مع إيران حول مفهوم نظام الأمن الجماعي في المنطقة".
ختاما، لابد من الإشارة الى أن الانفراج السعودي الإيراني يخدم مصالح الولايات المتحدة من نواحٍ عديدة. فكل ما يقلل التوترات وخطر الحرب في هذا الجزء من العالم يقلل أيضًا من مستوى التطرف الذي قد يضر بمصالح واشنطن. ويقلل هذا التطور أيضًا من الحاجة إلى الانتشار العسكري الأمريكي أو الالتزامات المكلفة الأخرى لحماية الممرات المائية وأمن أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. كما أن إدارة بايدن، تدرك أن اتفاق سلام حذر مسيطر عليه، يفتح الافاق أمام حركة اعمار في جميع القطاعات المدنية والعسكرية، لا مناص فيها من الاعتماد على صناعات واستثمارات أمريكية وغربية متطورة.