ريتشارد رورتي (1931 - 2007)


غازي الصوراني
2021 / 4 / 27 - 17:43     

فيلسوف أمريكي، يُعدّ، إلى جانب هيلاري پوتنام([1])، من أبرز مُمثِّلِي الذرائعيه (البرجماتية)، كان له مسار طويل في أقسام التدريس المتنوعة: الآداب، والفلسفة، والأدب المقارن، انتمى في البداية إلى تيار الفلسفة التحليلية، ثم نبذه فيما بعد.

"تدرب ريتشارد رورتي في الفلسفة التحليلة، وفي كتابه "الفلسفة ومرآة الطبيعة" (1979)، ربط رورتي نقداً جذرياً ثنائية الذات – الموضوع في الإبستيمولوجيا (من لوك إلى كانط) وأيضاً فكرة الحقيقة، بوصفها علاقة واحد – لواحد بين الفكر والشيء، او بين القضية الخبرية والواقع، وانتقد الفكرة التي تفيد أن الحقيقة هي في التوافق، وأكد رورتي فكرة المنفعة، مفضلاً إياها على فكرة التوافق، لذا تحرك في اتجاه المذهب البراغماتي، وأكد في الوقت ذاته أن الفكر يتموضع بشكل دائم في سياقات جزئية خاصة، لذا كان رورتي فيلسوفاً برجمائياً، فعنت براغماتيته وسياقيته أن التقليد السياسي عنده سابق على الفلسفة، فكان رورتي من الداعمين للتقليد الليبرالي والديمقراطي لوطنه الولايات المتحدة، وذلك كان "سياقه" العملي، البرجماتي، فالسياق هو الذي يقرر ما هو النافع، وبالتالي ما الذي له قيمة من دون سند من الحجج الفلسفية"([2]).

حاول رورتي أن يجري "محادثة" مع المفكرين العظام، لكنه فعل ذلك بشكل دائم عن طريق تفكيك أقوالهم وأفكارهم الفلسفية (مثل فكرة الحقيقة). لذا لم ير رورتي النصوص الفلسفية مختلفة عن النصوص الأدبية، وقد يكون في قراءتها متعة وتهذيب، وهي تقدم لنا نظرات ورؤى، لكنها لا تقدم لنا شيئاً يمكن أن يقال إنه حقيقي أو صحيح.

إن ما يميز "رورتي" افتراضه وجود فرق قوي بين المنطقتين الخاصة والعامة، فالإنسان الفرد قد تهذبه وتغنيه قراءته للأدبيات الكلاسيكية العظمى شرط أن لا يعتبر ما تقول بمثابة عقائد ثابتة عن الحقيقة، أو كيف نعمل لتنظيم المجتمع. فإن مسألة ما يجب عمله لتنظيم المجتمع مسألة تخص المنطقة العامة المنفصلة عن المنطقة الخاصة، وهنا يدعم رورتي المجتمع الليبرالي.

قرأ رورتي، من حيث هو شخص خاص، كلاً من نيتشه وهايدغر، لكنه أبقى نفسه على مسافة ساخرة من مزاعمها، غير أنه، وكمفكر سياسي، اعتبر الفلاسفة من طراز نيتشه وهايدغر غير مقبولين كلياً، وخطرين، وذلك انطلاقاً من قناعته بمجتمع ليبرالي منفتح ومتنور ومتحرر من الإملاء الفلسفي.

لذا انتقد التفكيكيين الفرنسيين (مثل دريدا، وبخاصة فوكو) لخلطهم فلسفة الحياة بالسياسة،ورأى أن علينا في السياسة أن نكون ليبراليين وأن لا ندعم النقد المتطرف المبني على مشاريع فلسفية، إذ رأى رورتي أن كل شيء سياقي ومحتمل، فلا وجود لقضايا أو معايير كلية أو ضرورية.

إن مقاربة رورتي التفكيكية تتميز بالواقعة المفيدة أنه كان فيلسوفاً تحليلياً، ويعرف المدرسة التحليلية معرفة جوهرية، وهي المعرفة التي يسرت له إمكانية النقاش بدقة عالية، فهو لم يكتف بأن يبين كيف يمكننا أن ننجح من دون التمييزات الفلسفية (مثل التمييز بين الصدق والكذب). وقد فعل ذلك بإظهاره أن تلك التمييزات تتفكك وتنهار عندما نتطرف في اعتبارها مثلاً بالمعنى المفيد أن فكرة الحقيقة المطلقة تصير إشكالية. لقد نظر رورتي إلى نقد الفلسفة نظرة جدية، فأنكر شخصياً أن تكون الفلسفة مهنة وارتد عنها وانتقل إلى قسم الآداب في الجامعة. وكان رورتي على وعي بمسائل المرجعية الذاتية التي تنشأ مع موقف ريبي. لذا كان دائم الحذر، ووضع مزاعم قليلة، لكنه "اقترح وألمح" إلى طرق بديلة من الحديث.

إن "اللافت هو أن رورتي حاول غالباً أن يفكك التمييزات الفكرية عن طريق التركيز على نُسَخَها المتطرفة ونقدها، غير أن رفض النُسَخ المتطرفة لا يُسَوِّغ رفض النُسَخْ الأكثر إعتدالاً، مثل مفهوم الحقيقة. وأخيراً نقول إنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لرورتي، من دون تناقض، أن يحتفظ بمثل ذلك التمييز الحاد بين المنطقة الخاصة والمنطقة العامة. وفي هذه النقطة بصورة خاصة ما يبعث على السخرية، لأنه اختص بتفكيك مثل تلك التمييزات الفكرية الحادة"([3]).




([1]) هيلاري بوتنام (1926 – 2016 ) فيلسوف أمريكي وعالم رياضيات وحاسوب، وشخصية بارزة في الفلسفة التحليلية في النصف الثاني من القرن العشرين.

([2])غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 959

([3]) المرجع نفسه - ص 960