العلمانية أَم الدولة الإسلامية ؟


آسو كمال
2021 / 4 / 26 - 16:46     

كتابة / ئـاسـو كمـال
ترجمة و تنقيح/ شـاهـو عـلي

داعش ، قامت بإعادة طرح و إحياء الخلافة الإسلامية كبديل لأزمات و صراعات السلطة في الشرق الأوسط و العالم العربي ، و في أَوج المشاكل السياسية و الاقتصادية للمنطقة كانت الدولة الإسلامية هي الحل البديل التي طرحها كلُ تيارات الإسلام السياسي و كانت الإستراتيجية المشتركة للحركات الإسلامية ضد الأنظمة القومية و العسكرية الحاكمة، وفي خِِضام المعركة مع هذا البديل البرجوازي هناك نقطة ضعف في الأنظمة القومية الحاكمة في الشرق الأوسط وهي وجود الإسلام كديانة الدولة الرسمية أو وجودهِ كبرنامج سياسي لأٌسس الحكم ، و الإسلام في الواقع هو الحافظ لبقاء هذهِ الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في المنطقة، لذا بديل الدولة الإسلامية المطروحة من قبل الإسلام السياسي قد هُيأت لها الأرضية الخِصبة لتأسيسها في قلب الأنظمة القومية الحاكمة أنفسها،
كوردستان التي هي في حربِِ مع داعش ، لدى عوامل السياسة الداخلية للأنظمة الحاكمة فيها نفس نقطة الضعف التي توجد في الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة و التي هي في حربِِ مع داعش أيضا، لذا في الحرب ضد داعش دائما بإمكان الإسلام أن يتخذ دور (حصان طروادة) ليأخُذَ بيد بديل الإسلام السياسي المتمثل بالدولة الإسلامية و ينصُبَها في سلطة المنطقة، صراعات الأنظمة و البديل الإسلامي ،لها جذور اقتصادية و سياسية في أزمات المنطقة وهي ثَبُتَت في الأنظمة السياسية للشرق الأوسط و العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية ،و ثورات الربيع العربي كانت انفجاراََ للرفض و الغضب ضد هذه الأنظمة و استبدادها بحق حياة مئات الملايين من البشر في المنطقة اغلبهم عمالٌ و فقراء، وزعَت و أُحتكرت المنطقة و التي تتمتع بمخزون و إيرادات نفطية و غازية خيالية على مجموعة من الشيوخ الحاكمين و عدد صغير لا يتعدى بضعة ملايين من البشر في حين هنالك دول كبيرة كمصر و تونس و الأردن و سوريا يعانون من مئات الملايين من العاطلين عن العمل ، هذا التقسيم الامبريالي للعمل و رأس المال أدى إلى تجمع ثروات النفط في جيوب ولآت و أُمراء الخليج العربي و دكتاتوريي الشرق الأوسط من جهة و تعطيل قوة العمل لملايين من العمال و فقراء المنطقة الذين لا حقوق سياسية و اقتصادية لهم من جهةِِ أخرى ، أمريكا و حلفائها الامبرياليين يقومون بهذا عن طريق السيطرة على السوق و جعل المنطقة دائنة و دعم الجيوش و المؤسسات الجاسوسية للأنظمة الدكتاتورية و تثبيت مقرات و قواعد عسكرية أمريكية دائمة و تبنيها لحربين خليجيين و دعمها على طول الخط لإحتلال فلسطين ،
و الفاشية الإسلامية لتنظيم القاعدة و داعش كمنبع لمعاناة الناس كمثيلهم النازي الألماني يستطيعان أن يقطعا الطريق على شعوب المنطقة للخروج من أهوال السياسة الأمريكية و الحكم الدكتاتوري للشيوخ الأمراء القوميين من خلال ربط الخلاص و التحرر بأيديولوجية جعل “الخلافة الإسلامية كبديل” ،قسم آخر من هذهِ الأزمة السياسية ترجع إلى الحرب و التدخل الأمريكي و الغربي في العراق و سوريا و صراع القطبين الإسلاميين الشيعي المتمثل بإيران و السني المتمثل بتركيا و السعودية و باقي الخليج ، و في وسط اختلال توازن القوى الداخلية و الإقليمية و سقوط الدول و تحول المدن و أماكن العيش إلى ميادين واسعة للحروب الإرهابية قد هيأت الأرضية للفاشية الإسلامية لتجميع القوات من خلال دعم أمريكا و تركيا و الخليج لهم ليؤدوا دورهم الحالي كقوة إقليمية تعمل الآن على فرض الدولة الإسلامية كبديل من خلال حروبها ، في العقدين السابقين اللذَين يحملان قصص الحروب السلطوية الأمريكية في المنطقة لفرض نظامها العنصري العالمي الجديد كانت قد اتخذت من الفاشية و الإرهاب الإسلامي كجزء لا يتجزأ من نظامها، لذا داعش و الإرهاب الإسلامي يحاربون كجزء من النظام و سلطة المنطقة بسبب تقبلهم من قبل أمريكا و الامبريالية الغربية و الإستراتيجية الأمريكية الغامضة المتبعة و الحرب طويلة الأمد التي أعلنتها عليهم ليسوا إلا دلائل واضحة و صارخة على تقبلهم لهم ، و الإسلام السياسي في خِضام هذه الأزمات الرأسمالية يطرح نفسهُ اليوم كبديل و الإسلام كحل، و في الحقيقة و الواقع ما هم إلا تبعات و أعراض ناتجة عن أمراض تلك الأزمات الرأسمالية ، كما قال كارل كراوس:”هذا مرضٌ يكون فيهِ المريضُ متوهما بأنهُ هو الدواء” ، العلاج الجذري لهذه المعضلات الرأسمالية و الانقباضات الاقتصادية و الموضة البالية للحكم في الشرق الأوسط هو نفس علاج المناطق الرأسمالية الأخرى في العالم و الذي يكون من خلال تغيير كامل النظام و التأسيس لنظام بديل لا يقوم على أساس اضطهاد ملايين البشر من قبل عدد من العائلات الدكتاتورية الحاكمة من أصحاب أبار النفط و العمائم و أن لا ترتبط حياة الناس فيها و أعمالهم على حسب مقاييس استعباد (صندوق النقد الدولي) و أهواء أمريكا و الغرب في توزيع ثروات الأسواق العالمية ، هذا البديل الاشتراكي الثوري يمكنهُ علاج تلك الأمراض و الأزمات اللاتي يفرضهن البديل الدكتاتوري و الرجعي للإسلاميين و الذين هم في حربِِ دائمة لفرضهِ على العمال و المضطهدين من الناس، هذه الإجابة الثورية بحق الأزمة الحالية في الحرب ضد داعش و الرجعيين الإسلاميين اضطر بسببها الحركة الثورية للعمال و دعاة الحرية و المساواة أن يحملوا سلاح (الراديكالية- تعصب للتغييرات) لأحداث تغييرات جذرية في أنظمة الحكم الشرق أوسطية لإنقاذ الإنسانية فيها من هذه الهمجية.
في إقليم كوردستان أيضا في المواد التنفيذية والقانونية والتربية والتعليم ترى بأن الإسلام قد تجذر فيهم في ظل السلطة الفاشية الحاكمة و التي عُدَت فيها وزارة الأوقاف و لجنة الفتوى و اتحاد العلماء المسلمين كجزء من السلطة و هؤلاء بدورهم يقومون بتربية و تأسيس كوادر و مقاتلين للعقيدة الإسلامية عن طريق الكليات الخاصة بالشريعة الإسلامية و تدريس الإسلام في جميع المراحل الدراسية في المدارس كلُ هذا تحت رعاية و تخطيط حكومة الإقليم، و في نفس الوقت الإسلام السياسي في إقليم كوردستان هم أصحاب عدد من الأحزاب السياسية و السلفية وهم مشاركين في السلطة و مدعومين من السلطة نفسها، وهؤلاء يُعدَونَ كأساس و حاملي عبء طرح البديل الإسلامي (الدولة الإسلامية) في كوردستان و في حال حصول أي تغييراتِِ إقليمية هؤلاء سيصبحون قوة دعم لجبهة الخِلافة الإسلامية لداعش و يعطون الأمل لهجماتهم العسكرية ضد كوردستان ، هؤلاء ابانَ حكم البعث و قبل سقوطهِ في العراق كانوا من مناصري تنظيم القاعدة و الزرقاوي و كانوا ينتمون إلى مجموعة (أنصار الإسلام) الإرهابية التي كانوا قد أسسوها ،السياسة الأمريكية و الغربية في الشرق الأوسط و العالم العربي داعمة لحكم و سلطة الإسلاميين إما على شكل تحالف مع السعودية و شيوخ الخليج أو على شكل دعم الحركات الإسلامية ضد معارضي سياسات الولايات المتحدة في المنطقة أو لحظر الانتماءآت السوفيتية السابقة ،
وفي عصرنا هذا في القرن 21 قامت أمريكا بإمبرياليتها الجديدة بأتباع سياسة الوفاق مع الإسلام السياسي لكي تصبح لهم مكانة في تنظيم سلطة المنطقة و من أمثلة هذا الدعم النموذج الديمقراطي الشيعي – السني و تثبيت الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في العراق و وفاقهِ مع الإخوان المسلمين في مصر ،و في سوريا كانت حتى البارحة داعمتاََ فيها للفاشية الإسلامية و اليوم هي داعمة للمعارضة الإسلامية (المعتدلة)!، هذه السياسات الرجعية الأمريكية ما زالت قائمة حتى بعد ثورات الربيع العربي و موجة المخاطر التي تبعتها لتغيير المنطقة، و من جهةِِ أخرى مشاكل الولايات المتحدة مع داعش و الخلافة الإسلامية المطروحة كبديل خلَقَت نوعاََ من الزعزعة و عدم الاستقرار من شأنهِ أن يستخدمهُ خصوم أمريكا من روسيا و إيران لتقوية نفوذهم و يتأرجح الكفة في اختلال توازن قوة المنطقة ضد أمريكا ، و الوقائع السابقة الذِكر تظهر لنا حقيقة في صراعات البدائل المطروحة لإعادة هيكلة الخارطة السياسية و أنظمة الحكم للشرق الأوسط و كوردستان ألا وهي لا وجود لأي إرادة قومية في المنطقة و لا إرادة غربية ليبرالية لتقديم حلول جذرية راديكالية لمشاكل المنطقة لدرء وصول البديل الإسلامي إلى سدة الحكم ، تآكل السلطات القومية العسكرية للمنطقة و ضبابية النظام الجديد لأمريكا في العقدين السابقين في التعامل مع خطر الإرهاب الإسلامي و تقاعس التحالف في حربها مع داعش اليوم يشير كل هذا إلى إن البرجوازية الدولية ليس في نيتها أو برنامجها فصل الدين عن إدارة الدول أو بالأحرى فصل الإسلام عن إدارة دول المنطقة ، تلك النية و الإرادة التي اتبعتها الثورة الفرنسية و البرجوازية الأوروبية في فصل سلطة الكنيسة و أتباعها عن الدولة و أزالت نصوصها المجحفة في حق حقوق الإنسان نهائيا في إدارة المجتمع لتؤدي إلى تغيير ثوري للاقتصاد و الوضع الاجتماعي و الفكري للعالم القديم نحو ازدهار و تطور كبيرين ، اليوم تُظهر الرأسمالية العالمية و البرجوازية في القرن الـ21 إن لا ضرورة للحقوق السياسية و الاقتصادية لأفراد المنطقة لا وبل أكدت اللبرالية الاقتصادية و منذُ دَهرِِ بأنه لا ضرورة للبرالية السياسية لأنهُ الرأسمالية وحدها بإستطاعتها أن تزدهر في المنطقة في ظل وجود الوهابية السعودية و أن يتحالفوا مع أمريكا في الوقت نفسه، لذا في ظل هذه الأوضاع و التحديات، القوى الوحيدة في المنطقة التي ستكون بمقدورها الوقوف بوجه تهديد صعود البديل الإسلامي المتمثل بدولتهم ، هي قوة الطبقات السفلى الثورية الكادحة و المضطهدة من العمال و الموظفين و الطلاب و النساء خارج نظام الحكم الحالي و اللذين يجب أن يسعوا إلى تغيير أنظمة الحكم الحالية إلى نظام علماني مدني، ثورات الربيع العربي و قسم من احتجاجات كوردستان أظهرت مطالب الجماهير العمالية و الكادحين و الشباب من دعاة المساواة و التجمعات النسوية و الحركات اليسارية إرادتهم لتأسيس مجتمع بنظام سياسي منفتح توفر و تكفَل الحقوق و الحريات و الازدهار و الاستقرار الاقتصادي و الأمني ، هذه الثورة و النضال الجماهيري فشلت في الوصول إلى أهدافها و كانت إحدى أسباب فشلها هي عدم الاستعداد لمواجهة البديل الإسلامي المتهيئ لإنابة النظم الدكتاتورية القومية و كانت نتيجتاََ لوجود الإسلام السياسي في مصر و صعودهم إلى سدة الحكم و جعلهم لليبيا و سوريا مياديناََ لإظهار همجيتهم ، لذلك و بكل صراحة النضال و الثورة لتغيير النظم السياسية الحالية بدون حرب في مواجهة البديل الإسلامي ستكون مصيرها كمصير الربيع العربي ، الحرب مع إسلاميي داعش يجب أن يكون منطلقاََ لفصل الإسلام عن الدولة و الحكم و وضع حد و تخليص كل سلالم الحكم و المؤسسات و التربية و التعلم و المجتمع من الفاشية الإسلامية و أفكارهم . الأحزاب الحاكمة في كوردستان تقوم و منذ عام 2003 على حساب الأرضية السياسية و الاجتماعية اللتان كانتا مهيأتان للعلمانية بإستخدام واردات النفط و الإمكانيات الضخمة للإقليم لتأسيس سوق سوداء لتجميع الثروات لعائلاتهم الحاكمة و المتنفذين في السلطة ليحطموا بفعلتهم الأُسس الاقتصادية الصحيحة الحديثة في إدارة الدولة و يغيروها لصالح إدارة شركاتهم في تقديم الخدمات ، هذهِ الإدارة المليشياوية و العصاباتية أثرت على دور و عمل المؤسسات القانونية و القضائية و التنفيذية و هذا الأسلوب في التعاطي مع الحكم لا يتوافق حتى مع المبادئ الليبرالية لحقوق الإنسان و فصل الدين عن الدولة ! ، النظام القومي الكوردي في إقليم كوردستان هو بحد ذاتهِ يتقاسم الأفكار الرجعية مع الإسلاميين في انتهاك حقوق الإنسان و المرأة و القومية و اللغة و جميع المسائل الأخرى ، الطبقة الوسطى المتعلمة في كوردستان و تحت تأثير السلطة القومية هم متحفظين عن أي نقد علني و راديكالي ضد الاديولوجية الرجعية للإسلام و تأثيرها على الحياة العامة و الاجتماعية و الثقافية ، الليبرالية البرجوازية لا وجود لها في القوالب الحزبية و الاجتماعية و ممثلي هذا التيار في كوردستان يدعون بحواراتهم مع الأحزاب الإسلامية من خلال الصحيفة الكوردية “ئاوينة – المرآة” بأن خطر السلفية الإسلامية و تهديداتهم بالخلافة يمكن درأها عن كوردستان و المنطقة من خلال تقبل التعددية الدينية الـ(pluralism) !، قسم من العمال و الطبقات الكادحة و شبابهم و بسبب وطأة ضغط الوضع الاقتصادي و البطالة و الفساد الإداري و السلطة المليشياوية وقعوا تحتَ تأثير الدين لأنهم فقدوا الأمل بأي تغيير جذري في حياتهم و بالتالي أصبحوا هؤلاء ذخرا و مادتاََ للملالي و دعاة السلفية و الأحزاب السياسية ، و هم دينياََ سيصبحون حطباََ فيما بعد لنار المجاميع الجهادية و الدواعش المتسترين في الداخل و هؤلاء هم الأساس و الأرضية لبقاء خطر تهديدات البديل الخلافي الإسلامي لداعش لكوردستان و في نفس الوقت هم ديمومة لبقاء خطر (حزب برزاني) الحاكم الذي يستفيد من التخلف السلفي الرجعي للشعب من اجل فرض سلطتهِ و سلطة عائلتهِ الحاكمة تشبيهاََ بأنظمة الشيوخ و السلاطين الحاكمين في الخليج ، كذلك الإسلاموية التي تتبعها حركة التغيير الكوردية و تقاسمها الخندق مع الإسلاميين من اجل الإبقاء على الدعم الجماهيري لها ، كذلك الحفاظ على الإسلام في دفة الحكم من قبل الآخر (حزب الطالباني) من اجل إرضاء إيران و الإبقاء على دعمها لها ، كلُ هذا يجري من قِبل الأحزاب الكوردية القومية الدكتاتورية الحاكمة في كوردستان و أشباهها في المنطقة العربية بعكس ما يدعن هذه الأحزاب و يطلقنَ على أَنفٌسَهن من (عَلمانية) ،أي من هذهِ الأحزاب لم تكن علمانية يوماََ و لم ترتئي يوما أن تقوم بفصل الدين عن سلطاتها و حكوماتها ، و هم دائماََ ما اتخذوا (التَذكير لأن الذكور يقودونها-المترجم) من الدين و الإسلام خاصتاََ كمصدر لدعم سلطاتهم الاستبدادية و تقديس انتهاكاتهم للحقوق و الحريات، هذه الشعوذة الشرشبيلية واقعة اليوم بأيدي الإسلاميين و تطالب تياراتهم بحقوق ملكية هذا الدين من الأنظمة (المدعية للعلمانية) لينقلب السحرُ على ساحرهِ و ليأخذ الإسلام بيد مؤمنيه الحقيقيين إلى كرسي الحكم ، لهذا تقوم الأنظمة الحالية بالمسابقة للحصول على (جائزة تمثيل الإسلام) من خلال أسلمة مؤسسات إدارة الدولة حفاظا على ديمومة حكمها ، و هم بهذهِ السياسة يخدمون خصومهم الإسلاميين و يزيدون من خطر الرجعية الإسلامية لكنهم لأجل الوقوف بوجه راديكالية المجتمع و مطالب التغيير الجذري مستعدون أن يقوموا بالمخاطرة بكل شيء! .
خصوصية كوردستان في حربها مع داعش هي أن هذا الحرب قد أدى بمطالبة المجتمع بالراديكالية(التغييرات الجذرية) و ضرورة مواجهة الإسلام السياسي و بالأخص لأن كوردستان في هذا الحرب ليست ضمن إطار الصراع (السني – الشيعي) على رغم من إن هنالك مخاوف من دخول كوردستان أيضاََ في هذا الصراع المذهبي في العراق بسبب المصالح السياسية لأحزاب (الديمقراطي الكردستاني) و (الوطني الكردستاني) و سماحهم بتدخلات الجمهورية الإسلامية الإيرانية و تركيا في أوضاع الإقليم و تأييدهم للسياسات الأمريكية في العراق ، الحرب ضد داعش فتح المجال أمام نضال جماهيري لإنهاء سياسات هذه السلطات ،و الحركة العلمانية في قلب ثورة سياسية مسلحة ضد داعش و بديلهم الإسلامي في تقدم دائم، في الوقت الذي يقومون فيهِ بحرق علم الدولة الإسلامية على الجبهات تتهيأ الأرضية للتقدم و سحق الخلايا النائمة لداعش داخل المدن و محو نصوصهم و أفكارهم في القوانين و المؤسسات الحكومية و البرلمانية ، الحرب ضد داعش صنع خلافاََ بين أطراف السلطة على اتخاذ موقف موحد ضد الدواعش الداخليين و كذلك تعالت و كثرت أصوات الاحتجاجات في أوساط دعاة الحرية و المساواة و رافضي تسليم كوردستان إلى البديل الإسلامي ،و انتصار نساء و رجال (كوباني) على داعش و سنهم القوانين على مبادئ المساواة في كانتون الجزيرة رفعت من همة و إرادة الناس في إقليم كوردستان أيضاََ لإعلاء رفضهم للإسلام و ممثليهِ السياسيين من أحزاب (الاتحاد الإسلامي ) و (الحركة الإسلامية) الكوردستانيين و (السلفيين) الأكراد و يضغطوا عليهم لينسحبوا من فضاء العمل السياسي و الاجتماعي، هذا الواقع جعل من المجتمع الكوردستاني في الإقليم حاجتهم إلى البحث عن بديل خارج السلطة الحالية لقطع أوصال هذه الحبكة الإسلامية الذين يُسمع يوميا عن مَلالي وزارة أوقافهم انضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية أو إصدارهم لخطابات الدعم و التضامن مع داعش من أمثال السلفي (دلشاد كرمياني) و الجهادي الاخر (مُلا كريكار) و المقتول (مُلا شوان).
لذا اليوم العلمانية في فصل الإسلام عن السلطة خطوة فورية و ضرورية في ظل هذه الأوضاع، و العلمانية اليوم مطلب سياسي ضروري لقطع الطريق على داعش و جهادهم و شريعتهم من أن تصل إلى داخل الإقليم ، إذا لم ننظر الى داعش من زاوية أنها قوة عسكرية فقط سيتراءى لنا المواقف الناعمة و المشينة للأحزاب الإسلامية الكوردية و السلفيين الكورد أمام همجية الدولة الإسلامية لا بل و سيظهر لنا المواقف العلنية الداعمة من قبل هذه التيارات الإسلامية و السلفية لتلك المجاميع الجهادية لأنهم يجدون أنفسهم في انتصارات و استراتيجيات صعود داعش و تنظيم القاعدة و بوكو حرام و جبهة النصرة الى السلطة و الحكم ،لذا بقاء إقليم كوردستان في ظل القوانين الإسلامية و سلطة وزارة الأوقاف و لجنة الفتوى و مواقفهم الداعمة لداعش يزيد من حدة و حماسة حروب داعش على جبهات كوردستان .
من الأمثلة على النضال العَلماني في المنطقة نجدها اليوم في تونس ، على الرغم من إن الربيع العربي قد أوصلت الإخوانيين الى الحكم لكن بوجود تيار عَلماني يضم عددا من الأحزاب اليسارية و الاتحادات العمالية و الليبرالية استطاعوا بأن يزيحوا الإسلام السياسي و يقللوا من أعداد مقاعدهم في السلطة و أن يحذفوا الإسلام كمصدر أساسي لسن القوانين في الدستور ، الحركة العلمانية في كوردستان بحاجة الى نفس هذه الخطوة ليعيدوا تنظيم أنفسهم كحركة جماهيرية و سياسية للضغط على السلطة و الإسلام السياسي في إقليم كوردستان ليجبروهم على التراجع كما فعلوا مع الإخوانيين في تونس ليفشلوا في تحقيق حلمهم ألكابوسي في دولة إسلامية لذلك العَلمانية ليست الطريقة الوحيدة لدرء خطر الإسلاميين السياسيين بل الحركة الشعبية الثورية للتغيير و التجدد في الحكم السياسي و القانوني و الاجتماعي لها دورٌ كبير ايضاََ ،
و العَلمانية هنا عبارة عن ممارسة الضغوط على سلطة الإقليم لتبديل قوانين (تعدد الزوجات) بقوانين المساواة بين المرأة و الرجل و كذلك حذف بند اتخاذ الإسلام كمصدر أساسي لسن القوانين و الدساتير المقترحة ، كذلك تبديل مادة (الإسلامية) في مراحل الدراسة الى مادة (تأريخ الأديان) و إلغاء كليات الشريعة و الدراسات الإسلامية ، و المضي قدماََ في إلغاء لجنة الفتوى و وزارة الأوقاف و منع صرف أي مبلغ من ميزانية الحكومة لأي جهة و عمل ديني ، إحالة أي داعية أو ناشط إسلامي الى التحقيق و المعاقبة إذا ما أقدم الى الدعوة ضد حقوق الإنسان و نشرَ الاحتقان و الطائفية و العنف ، تحجيم الإسلام و باقي الأديان كموضوع شخصي للأشخاص و فصلهِ عن مؤسسات الدولة الرسمية ، جعل حرية التعبير و الرأي أمر رسمي مُسَلَم به، حرية النقد ، حرية الوجدان و اللادينية و اللاربوبية وحذف نص التعريف عن ديانة الأشخاص في أي هوية أو أوراق رسمية حكومية ، سن قوانين المساواة بين المرأة و الرجل ، هذا و تجفيف القنوات القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الدينية المتعصبة و الحاثة على العنف ، قطع السبيل على الإسلام السياسي لتجميع القوة لإستخدام الدين كمؤسسة و وسيلة من اجل السماح لهم للوصول الى السلطة و طرح بديلهم الإسلامي (الدولة الإسلامية)، الجبهة اليسارية للمجتمع الكوردستاني و الذي يضم الشيوعيين و دعاة الحرية و المساواة و العلمانيين و العمال و الطبقات الكادحة و المثقفين المحتجين على الأوضاع يمكنهم أن يكونوا جبهة عَلمانية و يجعلوا منها حركة شعبية و سياسية تؤسس للتغيير في النظام الحالي و مؤسساتهِ السياسية و القانونية و تعمل على عَلمنة الرأي العام ،الأرضية للنمو و الازدهار الاقتصادي و التأسيس للحقوق السياسية و المدنية و الحريات مرتبط بقدرات و قوة هذهِ الحركة العلمانية لتنقل كوردستان من قلب البديل الإسلامي الأسود الى مجتمع مدني بعيد عن وجود الإسلام كسلطة سياسية مدمرة في الحكم ، و نجاح الحزب ال(سيريزاي) اليوناني في نضالهِ الشعبي السياسي و اليساري الراديكالي و تقلدهِ زمام السلطة يظهر لنا تلك الحقيقة و الواقع في أزمة البدائل الرجعية التي دائما ما يخسر اليمين البرجوازي أمام اليساريين في فرضهِ على المجتمع ، اليوم بإمكان أي يساري ثوري أن يصبح بديلاََ ثوريا للأنظمة و يُبعد المجتمع من مخاطر الاستسلام للدولة الإسلامية و تحطيم كل آمال البديل الإسلامي لتجميع القوة من خلال علمنة السلطة و المؤسسات الإدارية للمجتمع .
في النهاية أقول ” كوباني و الجزيرة في سوريا نماذج لهذه الثورة الإنسانية العلمانية الباسلة للمنطقة عندما تجتمع هذهِ القوة الشعبية العلمانية الداعية للحرية و المساواة من النساء و الرجال و يثوروا و ينتفضوا معاّّ ليس باستطاعتهم من الناحية العسكرية أن يقفوا ضد هذا البديل الرجعي الإسلامي فحسَب بل أن يطوروا و يرقوا من قيمة أفكارهم أيضا عن طريق نبذ و تجريم الأفكار الإسلامية للدواعش و من يحذوا حذوهم و يرموا تلك الأفكار و القوانين المستعبدة للبشر و الهمجية النتنة كتعدد الزوجات و قتل غير المسلمين و غيرها في مزابل التأريخ و ينبذونها في أحيائهم و قصباتها و أسواقها و صولاََ الى البرلمان و الحكومة و يحلوا محلها القوانين و الأعراف الإنسانية العالمية كالحرية و المساواة و يبنوا عليها حياتهم السياسية و الاجتماعية ، لذا يجب على أجيال اليوم أن يجيبوا على هذا التساؤل المهم ، إما العلمانية و الإنسانية أو البديل دولة الخلافة الإسلامية و الهمجية.