استعادة الإرث الثوري لروزا لوكسمبورغ

ماري فريدريكسن
2021 / 4 / 26 - 10:12     

هذا مقتطف من مقدمة كتاب “التراث الثوري لروزا لوكسمبورغ”، للرفيقة “ماري فريدريكسن”، القيادية في الفرع الدنماركي للتيار الماركسي الأممي، وهو كتاب جديد يحلل حياة وأفكار هذه الماركسية الثورية العظيمة. وقد سبق أن نشر على موقع “الدفاع عن الماركسية” في إطار الاحتفاء بالذكرى 150 لولادة روزا لوكسمبورغ.

ولدت روزا لوكسمبورغ في الخامس من آذار/مارس 1871. وبالمصادفة، كان هذا هو العام نفسه الذي انتفض فيه عمال باريس وأسسوا كومونة باريس: أول محاولة من قبل الطبقة العاملة للاستيلاء على السلطة. لم تدم النشوة التي أطلقتها الكومونة طويلاً. بعد شهرين، أغرقت الثورة الباريسية في جحيم من الرصاص والدم في ثورة مضادة على يد الطبقة الحاكمة. قُتل 30.000 عامل في “الأسبوع الدموي”[1] الذي أعقب سحق الثورة.


بعد ما يقرب من 50 عاماً، في عام 1919، قُتلت روزا لوكسمبورغ على يد الثورة المضادة الألمانية أثناء سحقها لانتفاضة العمال الألمان. تزامنت حياتها مع يقظة الطبقة العاملة في أوروبا، ولم تنفصل عن الصراع الطبقي. لم تكن مجرد متفرجة على الأحداث التاريخية العالمية التي تزامنت مع حياتها: الحرب العالمية الأولى، والثورة الروسية عام 1917، والثورة الألمانية عام 1918.

علي العكس من ذلك، كانت مشاركة نشطة في محاولة تغيير مسار التاريخ البشري. وبكلماتها الخاصة، رأت روزا لوكسمبورغ أن الإنسانية تواجه الاختيار بين البربرية أو الاشتراكية. ألقت بنفسها في النضال للتأكد من أن الاشتراكية هي التي ستنتصر. لقد حاربت حتى النهاية من أجل الثورة الاشتراكية العالمية.

شخصية بارزة
في وقتنا الحاضر، روزا لوكسمبورغ هي واحدة من أكثر الشخصيات شهرة في تاريخ اليسار. أدت أزمة الرأسمالية منذ عام 2008 إلى ميل راديكالي لدي طبقات المجتمع، ولا سيما الشباب، حيث بدأت عملية إحياء الاهتمام بالأفكار والشخصيات الثورية. تتقدم روزا لوكسمبورغ كرمز للمرأة التي لم تتجرأ فقط على الوقوف في وجه المؤسسة السياسية بأكملها، ولكنها قدمت في النهاية التضحية القصوى في النضال من أجل الاشتراكية.

هذا الاهتمام المتزايد بروزا لوكسمبورغ وأفكارها هو علامة على أن شيئاً ما يحدث تحت سطح المجتمع. المزيد والمزيد من الناس يسعون لاستخلاص دروس التاريخ. هذا أمر إيجابي للغاية.

لكن لوكسمبورغ ليست مجرد أيقونة. بعد وفاتها، كان عدد قليل من الشخصيات اليسارية الأخرى محاطة بنفس القدر من الجدل. وبكل وسيلة من وسائل التلاعب والتشويه، تم تشكيل صورة، مع مرور الوقت، مناقضة للمناضلة العمالية الثورية كما كانت بالفعل. أولاً وقبل كل شيء، يتم تقديمها باعتبارها هي المرأة، النسوية، المدافعة عن اشتراكية عفوية “أكثر ليونة”، في تعارض مع ثورة أكتوبر ولينين.

كثير من الذين يعبدون روزا لوكسمبورغ كرمز اليوم لا يعرفون تاريخها. على هذا النحو، فهم ليسوا على علم بما تمثله بالفعل. إذا حاول المرء معرفة المزيد من المعلومات حول حياة وأفكار لوكسمبورغ، فغالباً ما سيواجه هذه الصورة الملتوية والمشوهة لها.

ومن المفارقات المؤسفة أن السلطة الأدبية لروزا لوكسمبورغ تستخدم اليوم لتبرير الإصلاحية والليونة والأفكار المناهضة للثورة. وإذا ما قرأ المرء كتابات روزا لوكسمبورغ، فلا شك في أنها كانت ثورية من البداية إلى النهاية المريرة. كل ما فعلته وكتبته كان متغلغلا في المعركة من أجل الثورة الاشتراكية، معركة كلفتها حياتها.

إصلاح أم ثورة
من سمات حياتها أنها اضطرت قبل بلوغها سن العشرين إلى الفرار من بولندا إلى سويسرا لتجنب الاعتقال بسبب أنشطتها الثورية. وعندما انتقلت لاحقاً إلى ألمانيا لتصبح ناشطة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الكبير (SPD)، ألقت بنفسها بجرأة في الجدل المحوري الذي كان محتدماً في ذلك الوقت. ردا على محاولات الإصلاحي إدوارد بيرنشتاين لمراجعة أفكار ماركس، قدمت روزا لوكسمبورغ للحزب دفاعاً لامعا عن الماركسية الثورية.

تحمل حجج الإصلاحيين اليوم تشابهاً صارخاً مع حجج بيرنشتاين. على هذا النحو، يحتفظ نقد روزا لوكسمبورغ بأهميته للمناقشات الجارية في اليسار. بعد مرور مائة عام، يحتفظ رد لوكسمبورغ على بيرنشتاين، “إصلاح اجتماعي أم ثورة”، براهنيته اليوم كما كان عندما كتب.

حذرت روزا لوكسمبورغ من أنه إذا تخلت الحركة الاشتراكية الديموقراطية عن هدف الثورة الاشتراكية، فإنها ستفقد الحق في الوجود. فمن كونها رافعة ثورية للإطاحة بالرأسمالية سوف تتحول إلى مجرد دعامة للرأسمالية. لقد أثبت تاريخ الاشتراكية الديموقراطية صحة موقف روزا لوكسمبورغ.

لكن يجب أن يُنظر إلى “إصلاح اجتماعي أم ثورة” على أنه أكثر من مجرد توقع للمصير الذي سيصيب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. يجب أن يكون بمثابة تحذير لهذا اليسار “الجديد” الذي يسعى إلى تحويل روزا لوكسمبورغ إلى أيقونة. لم يكن أمام لوكسمبورغ الكثير من الوقت لهذا اليسار الجديد، الذي نبذ النظرية والذي تجاهل في الواقع أي إيمان بالثورة الاشتراكية معها:

ما الذي يبدو أنه يميز [الإصلاحية في الممارسة]؟ عداء معين “للنظرية”. هذا أمر طبيعي جدا، لأن “نظريتنا”، أي مبادئ الاشتراكية العلمية، تفرض قيوداً واضحة المعالم على النشاط العملي – فيما يتعلق بأهداف هذا النشاط، والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف والأسلوب المستخدم في هذا النشاط. من الطبيعي جدا أن يرغب الأشخاص الذين يسعون لتحقيق نتائج “عملية” فورية في تحرير أنفسهم من هذه القيود وجعل ممارساتهم مستقلة عن “نظريتنا”.

كافحت روزا لوكسمبورغ ضد نشر الإصلاحية في الحركة العمالية حتى نهاية حياتها. في كل صراع كانت تتواجد على نفس الجانب من المتاريس: مع الثورة.

التشويهات
تنبع محاولات تشويه الصورة الحقيقية لروزا لوكسمبورغ من جهات مختلفة. تحاول الطبقة السائدة، التي هي بطبيعة الحال قلقة بما يكفي للحفاظ على الوضع الراهن، وسلطتها وامتيازاتها، رسم صورة لوكسمبورغ على أنها روزا “دموية”. فهم مهتمون فقط بإخافة العمال من التمرد عبر ربط فكرة الثورة بالدم والعنف.


في الواقع، عبر التاريخ، كانت الطبقة الحاكمة هي التي سفكت سيول من الدماء دفاعاً عن نظامها. كانت الطبقة الحاكمة هي التي قمعت بوحشية الثورة الألمانية وقتلت روزا لوكسمبورغ، إلى جانب العديد من الثوار الآخرين.

ومع ذلك، نجد أيضاً صورة مشوهة لروزا لوكسمبورغ مصدرها اليسار. في السنوات الأولى التي أعقبت ثورة أكتوبر، عندما كان لينين وتروتسكي لا يزالان يقودان دولة العمال الشابة، كان إرث روزا لوكسمبورغ محل تقدير كبير. تم الاعتراف بها والاحتفاء بها على أنها ثورية. في عام 1922، انتقد لينين الحزب الشيوعي الألماني لأنه فشل حتى حينها في نشر أعمالها المجمعة.

مع ذلك، ارتبط إرث لوكسمبورغ في الحركة الشيوعية ارتباطاً وثيقاً بمصير الثورة الروسية. لقد حدثت ثورة أكتوبر في بلد متخلف. كان منظور لينين وتروتسكي دائماً هو نشر الثورة في الدول الرأسمالية المتقدمة، وقبل كل شيء إلي ألمانيا، باعتبارها الضمان الوحيد لبقاء الثورة في روسيا وتطورها نحو الاشتراكية. كان هذا هو المنظور الذي تشاركته روزا لوكسمبورغ بالكامل وبذلت قصارى جهدها لتحقيقه.

لسوء الحظ، هُزمت الثورة الألمانية، وظلت الدولة السوفيتية الفتية معزولة. كان هذا هو الأساس لانحطاط الثورة والاستيلاء على السلطة من قبل بيروقراطية مغتصبة بقيادة ستالين. لتوطيد سلطته، كان على ستالين إبادة الجناح اللينيني البروليتاري، ليس فقط من الحزب الشيوعي الروسي ولكن أيضاً من الحركة الشيوعية العالمية بأكملها. لم يتوقف ستالين أمام أي شيء. لقد تم القضاء على اليسار ماديا وألغيت الديمقراطية. تم قمع التقليد الثوري.

وعلى غرار تروتسكي وغيره ممن ناضلوا بلا هوادة من أجل سياسة ثورية، سرعان ما وجدت أفكار روزا لوكسمبورغ نفسها في مرمى ستالين وأتباعه. كان على ستالين أن يبيد كل التقاليد والسلطة الثورية من الأممية. كانت البيروقراطية الستالينية مرعوبة من أن أفكار لوكسمبورغ قد تلهم الشيوعيين الشباب للتشكيك في سياستهم. لذلك كان لابد من تشويه ذكراها.

في عام 1923، وصفت زعيمة الحزب الشيوعي الألماني، روث فيشر، تأثير لوكسمبورغ على الحركة العمالية الألمانية بأنه “مرض الزهري”. وفي عام 1931، دخل ستالين بنفسه في حملة التشهير بمقال بعنوان “بعض الأسئلة المتعلقة بتاريخ البلشفية”، وضع فيه لوكسمبورغ في المعسكر الإصلاحي المناهض للينينية. وكما كان يفعل في كثير من الأحيان، نفذ ستالين هذه المناورة الصغيرة من خلال التحريف الوقح للحقائق التاريخية.

أشار الستالينيون إلى جدالات لوكسمبورغ ضد لينين واستخدموها لتلفيق أسطورة “اللكسمبورغية”: نظرية متميزة، إصلاحية، مناهضة للينينية، رفعت فيها الحركة العفوية للجماهير إلى موقع مهم للغاية، في معارضة التنظيم والحزب.

ألقى الستالينيون باللوم عليها في كل هزائم وأخطاء الثورة الألمانية في السنوات التي أعقبت وفاتها، مما صرف الانتباه عن حقيقة أن المسؤولية عن هذه الأخطاء تكمن في النصائح والتعليمات التي تلقاها الحزب الشيوعي الألماني من قيادة الأممية الشيوعية، التي كانت تتكون بشكل كبير من أفراد من الدائرة القريبة لستالين.

كان الأمر متروكاً لليون تروتسكي، الذي قاد الثورة الروسية مع لينين في عام 1917 والذي حارب البيروقراطية الستالينية بعد وفاة لينين عام 1924، للدفاع عن روزا لوكسمبورغ ضد التشهير الستاليني:

“نعم، لدى ستالين سبب كاف ليكره روزا لوكسمبورغ. لكن بالتالي يصبح الأمر الأكثر إلحاحاً لنا هو واجب حماية ذكرى روزا من افتراء ستالين، تلك الذكرى التي تم قمعها من طرف الموظفين المأجورين من كل حدب وصوب، وأن ننقل الصورة الحقيقية الجميلة والبطولية والمأساوية إلى الأجيال الشابة من البروليتاريا. في كل عظمتها وقوتها الملهمة”.

“عفوية”
عندما عزز ستالين موقفه، طور اليسار المناهض للستالينية اهتماماً متجدداً بلوكسمبورغ، وذلك بسبب الحقد الذي وجهت به من طرف الستالينيون. لكن في النضال ضد ستالين، كان هناك ميل إلى الذهاب بعيداً جدا في الطرف المقابل. وهذا يعني أن هذا اليسار المناهض للستالينية قبل فعليا اختراع “اللكسمبورغية” وجادل ليس فقط برفض إرث ستالين، بل رفض إرث لينين أيضاً.

لقد ظنوا خطأ أن صورة ستالين المشوهة عن لوكسمبورغ هي الصورة الأصلية وبدأوا في الدفاع عنها. دافع هذا اليسار عن روزا لوكسمبورغ الأسطورية، التي من المفترض أنها دافعت عن “العفوية” في معارضة التنظيم – وهو موقف مناهض للثورة – باعتبارها شيئاً إيجابياً في الأساس. انتقد تروتسكي هذا الميل اليساري المتطرف إلى “الاستفادة فقط من الجوانب الضعيفة وأوجه القصور التي لم تكن حاسمة بأي حال من الأحوال في روزا؛ إنهم يعممون ويبالغون في نقاط الضعف إلى أقصى حد ويبنون نظاماً سخيفاً تماماً على هذا الأساس”.

هكذا كانت الأمور عندما ظهرت أفكار روزا لوكسمبورغ مرة أخرى في المقدمة خلال الموجة الثورية التي اجتاحت العالم في أواخر الستينيات. تم رفع روزا لوكسمبورغ عالياً كرمز لليسار المناهض للاستبداد والستالينية، ما يسمى بـ “اليسار الجديد”.

لكنهم في الواقع كانوا يرددون فقط نفس الكذبة الستالينية: تلك التي تخص لوكسمبورغ “الناعمة”، التي ركزت ببساطة على عفوية الجماهير، كنقيض للينين. وفي هذا السياق نجد بيرترام د. وولف، على سبيل المثال، الذي نشر في أوائل الستينيات مجموعة من كتابات روزا لوكسمبورغ بعنوان “اللينينية أم الماركسية؟”

كان وولف شيوعياً سابقاً ترك الحركة الشيوعية وعمل بدلاً من ذلك في مهنة أكاديمية لنفسه. في كتابه نجد مقال لوكسمبورغ، “مسائل تنظيمية للاشتراكية الديمقراطية الروسية”، تحت عنوان جديد اختاره وولف له: “اللينينية أم الماركسية؟” وفي هذا المقال الذي يعود لسنة 1904، تعرب لوكسمبورغ عن انتقادات لوجهة نظر لينين في المنظمة الثورية. وبالتالي فإنه تستخدم لتصوير روزا لوكسمبورغ على أنها اشتراكية “ديمقراطية” و”معادية للسلطوية” و”إنسانية” على عكس نزعة لينين المركزية و”السلطوية”.

ما فشل وولف في ذكره هو أنه بعد الثورة الروسية الأولى عام 1905، صرحت روزا لوكسمبورغ صراحة أن النقد الذي وجهته للينين كان شيئاً من الماضي. هنا، على حد تعبيرها، هو رأي روزا لوكسمبورغ في لينين والبلاشفة بعد ثورة أكتوبر عام 1917:

“لقد أظهر البلاشفة أنهم قادرون على كل ما يمكن لحزب ثوري حقيقي أن يساهم به في حدود الإمكانات التاريخية. […] في هذا الجانب، كان لينين وتروتسكي ورفاقهما هم الأوائل، هم من تقدّموا كمثال لبروليتاريا العالم […]هذا هو الجوهريّ والثابت في السياسة البلشفية. بهذا المعنى فإنّ خدمتهم هي الخدمة التاريخيّة الخالدة حين تقدّموا على رأس البروليتاريا الأمميّة […]”.

المسائل الشخصية مقابل السياسية

لا يزال هناك قدر كبير من كتابات لوكسمبورغ التي لم تتم ترجمتها بعد، ليس فقط من البولندية إلى الإنجليزية، ولكن أيضاً من الألمانية إلى الإنجليزية. من بين أجزاء كتابات روزا لوكسمبورغ التي تُرجمت ونشرت، رسائلها. بعد وقت قصير من وفاة لوكسمبورغ، نُشرت رسائلها من السجن إلى صوفي زوجة كارل ليبكنخت. بعد ذلك بعامين، نشرت لويز كاوتسكي، زوجة كارل كاوتسكي وهي صديقة مقربة لها، مراسلاتها مع لوكسمبورغ.

كان القصد من نشر هذه المراسلات بأكملها هو دحض الصورة العامة التي نشرتها الطبقة الحاكمة عن روزا لوكسمبورغ على أنها “روزا الدموية”: المتعصبة الباردة وعاشقة للعنف. الصورة التي روجت لتبرير قتلها.

من خلال نشر هذه الرسائل، كان القصد هو إظهار أن لديها أيضاً جانباً عاطفياً ورقيقاً. لقد غيرت الرسائل بالفعل الرأي العام. ومع ذلك، فإن الصورة التي قدموها كانت أيضاً أحادية الجانب تماماً. كانت الصورة التي اختفت منها الثورية روزا لوكسمبورغ.

تمت ترجمة عدد من رسائل روزا لوكسمبورغ إلى ليو جوغيش، الذي عاشت معه أساسا كشريك لمدة 15 عاماً، من اللغة البولندية ونشرتها إلزوبيتا إيتنغر سنة 1979 تحت عنوان “الرفيق والعشيق” 1979. توضح إيتنغر في المقدمة كيف كان عليها، بطبيعة الحال، أن تختار مما يقارب من 1000 رسالة من مراسلات لوكسمبورغ- جوغيش التي ترغب في ترجمتها. ووفقا لها، كانت هناك ثلاثة احتمالات: المراسلات المتعلقة بمشاركة لوكسمبورغ في الأممية الثانية؛ مشاركتها في الحزبين الاشتراكيين الديمقراطيين الألماني والبولندي؛ أو علاقتها الشخصية مع جوغيش:

“فبينما كان الأولان سيوفران لطلاب الحركات الأوروبية، وخاصة البولندية والروسية والألمانية، ثروة من المواد، إلا أنهم كانوا سيعرفون لوكسمبورغ كما يعرفونها في الوقت الحالي – بدون وجه. أما الخيار الثالث فسيكشف عن امرأة لم تكن معروفة حتى الآن، ولا يقلل جنسها من مكانتها السياسية ولم تتدخل سياستها في حياتها الخاصة. كما أنه سيكشف هشاشة المفهوم القائل بأن المرأة لا تستطيع، دون التخلي عن الحب، أن تدرك موهبتها”.

من الطبيعي أن يكون للمترجم الحق في ترجمة أي شيء يريده. لكن إيتنغر ليست الوحيدة التي سلطت الضوء على روزا لوكسمبورغ “المرأة”، وليس روزا لوكسمبورغ الثورية. كانت روزا لوكسمبورغ أيضاً شخصية خاصة. هل كانت ترغب حقاً في نشر رسائلها الشخصية للغاية لعشيقها؟

هذا التركيز على الشخصية يلقي بظلاله على حقيقة أن لوكسمبورغ كانت أولاً وقبل كل شيء ثورية. نعم، كانت امرأة، كانت يهودية، وكانت بولندية. لكنها قبل كل شيء كانت تعتبر نفسها جزءاً من النضال العالمي للطبقة العاملة من أجل الاشتراكية. صراع يشمل كل هذه الانقسامات.

في رسالة إلى ماتيلد وورم في 28 ديسمبر 1916، عندما كانت لوكسمبورغ لا تزال مسجونة، كتبت عن موضوع كيف يكون الإنسان:

“بالرغم مما أشعر به من قلق فلم أكن أبداً لينة، ولكن في الأشهر الأخيرة أصبحت صلبة مثل الفولاذ المصقول، ولن أقدم أدنى تنازلات في المستقبل سواء سياسياً أو في صداقاتي الشخصية. […] أن تكون إنساناً هو الشيء الرئيسي، وهذا يعني أن تكون قوياً وواضحاً وأن تكون مبتهجاً على الرغم من كل شيء وبسبب كل شيء، لأن الدموع هي هاجس الضعفاء. أن تكون إنساناً يعني أن يلقي المرء حياته في “ميزان القدر” إذا لزم الأمر، وأن يكون سعيدا لكل يوم جميل وكل سحابة جميلة – أوه، لا يمكنني أن أكتب لك أي وصفات جاهزة عن كيف يكون الإنسان، فأنا أعرف فقط كيف أكون إنسانة […]. إن العالم جميل جداً على الرغم من البؤس، وسيكون أكثر جمالًا لو لم يكن فيه هؤلاء الأغبياء والجبناء”.

يجب كتابة قصة روزا لوكسمبورغ كما لو كنا نكتب عن أي من الثوريين العظام الآخرين: قصة عن أفكار وأعمال، دون الغرق في قصص المشاعر والحياة العاطفية للفرد.

التحرر
أصبح من المألوف في السنوات الأخيرة تسمية روزا لوكسمبورغ بالنسوية الاشتراكية. إن التركيز المتزايد على سؤال المرأة اليوم هو علامة على دخولنا مرحلة ثورية. بدأ المزيد والمزيد من الناس في التشكيك في الوضع الراهن والانتفاض ضد عدم المساواة والقمع. هذا تطور إيجابي للغاية.

أيدت روزا لوكسمبورغ بشكل كامل المساواة بين المرأة والرجل وتحرير المرأة كجزء من تحرر الجنس البشري. لكنها لم تطلق على نفسها مطلقاً لقب نسوية. إن وصفها بأنها نسوية الآن هو فرض مفاهيم مستمدة من الحاضر على الماضي بطريقة تشوه الرأي الفعلي لروزا لوكسمبورغ.

بادئ ذي بدء، كتبت لوكسمبورغ القليل جداً عن سؤال المرأة. لم يكن هذا لأنها اعتقدت أنه غير مهم، ولكن لأنها كانت مشغولة بأشياء أخرى. عند وصولها إلى ألمانيا، حاولت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي التخلص من هذه المرأة الشابة المتمردة، التي كان وجودها غير مريح لها، من خلال اقتراح أن تنشط في الحركة النسائية للحزب الاشتراكي الديمقراطي.

رفضت لوكسمبورغ بشكل قاطع. بدلاً من ذلك، ألقت بنفسها في جميع النقاشات النظرية العظيمة الدائرة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي. كما عارضت بشدة الحركة النسائية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. بالنسبة لها، كان السبيل الوحيد لتأمين تحرر المرأة هو نضال الطبقة العاملة من أجل ثورة اشتراكية. في هذا النضال، لن تقف النساء البرجوازيات إلى جانب نساء الطبقة العاملة.

من الواضح أن روزا لوكسمبورغ هي مصدر إلهام للكثيرين، رجالاً ونساء، في جميع أنحاء العالم. هذا لأنها لعبت دوراً بارزاً في حركة الطبقة العاملة العالمية – على الرغم من الحواجز التي واجهتها بسبب جنسها. لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نحط من قدر أفكارها وعملها، كمصدر إلهام، لمجرد أنها كانت امرأة.

إنها مصدر إلهام لأنها كانت ثورية باستمرار حتى النهاية المريرة. وصفها لينين بأنها واحدة من “الممثلين البارزين للبروليتاريا الثورية والماركسية غير المزيفة”. ولهذا يجب أن نتذكرها: لإرثها الثوري.

إذا رغب المرء في تغيير العالم، فعليه أن يفهمه. وهذا يتطلب منا التعلم ممن سبقونا. إرث روزا لوكسمبورغ الثوري هو الأسمى بالنسبة لنا جميعاً نحن الذين نرغب في تغيير العالم.

لكن قبل أن نتعلم من تجارب روزا لوكسمبورغ، يجب أن نكشف عن إرثها الحقيقي، ونزيل جبل التشويهات والتحريفات الذي تراكم عليه.

ماري فريدريكسن
10 مارس 2021

مصدر وعنوان النص الأصلي:
Reclaiming the revolutionary legacy of Rosa Luxemburg

هوامش:
[1] : بالفرنسية في النص الأصلي: la semaine sanglante