النظرة الطوباوية للفتوح الإسلامية ووقائع الصراعات الداخلية !؟


عبدالله محمد ابو شحاتة
2021 / 4 / 26 - 03:57     

من العجائب التي نسمعها مراراً وتكراراً أن ما يسمى بالفتوحات الإسلامية هي فتوحات خالية من أي تجاوز وإجرام، بل هي فتوحات لنصرة الحق ورفع الظلم وتحقيق العدالة. وإذا حاولت أن تعترض بما هو مذكور في كتب المؤرخين المسلمين قبل غيرهم من جرائم غزوات شمال إفريقيا أو جرائم الغزنوي وغيره في الهند، لن تجد من تلك الفئة سوى الشخصنة واتهامات الغل والحقد على الإسلام ولن تجد أي رد موضوعي بعيداً عن السفسطة والغوغائية.
ومن أكثر ما يثير العجب في تلك الادعاءات السخيفة التي تُجمل صورة الفتوحات الإسلامية بشكل كرتوني مثير للسخرية، أن التاريخ الإسلامي نفسه حافل بجرائم ومجازر ومذابح ارتكبها هؤلاء الفاتحين في حق بعضهم البعض.
فنجد الجيش الأموي في واقعة الحرة يستبيح المدينة ثلاثة أيام قتلوا خلالها الشيوخ والأطفال والنساء وأهانوا الصحابة أمثال جابر بن عبدالله الأنصاري وأبو سعيد الخدري [١]
فيقول المؤرخين أن الجيش الأموي بعد واقعة الحرة استباح المدينة ثلاثة أيام " فاستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم وقُتل أبناء المهاجرين والأنصار [٢]
فإن كان هذا هو سلوك جيوش بني أمية مع المسلمين من الصحابة وأهل المدينة فما بالك بسلوكهم مع الأقوام الأخرى من غير المسلمين!؟ وإن كان الحجاج ومن معه لم يجدوا حرجاً في قصف الكعبة بالمنجنيق فما بالك بسلوكهم مع مقدسات الأقوام الأخرى وأديانها !؟ وإن كانوا لم يجدوا حرجاً في صلب الصحابي عبدالله بن الزبير بعد مقتله و محاولة جر أمه الصحابية أسماء بنت أبي بكر عنوة لكي تراه مصلوباً، فما بالك إذاً بسلوكهم مع المهزومين من الأقوام الكافرة ولايعاذ بالله.
ولم تقل جيوش بني العباس إجراماً في حق غيرهم من المسلمين عن جيوش بني أمية، فها هو إبراهيم الإمام العباسي يراسل أبو مسلم الخرساني يأمره بقتل كافة العرب الموجودين بخرسان من أتباع بني أمية قائلاً " إن استطعت ألا تدع بخرسان أحد يتكلم بالعربية إلا قتلته فافعل وأيما عُلام بلغ خمسة أشبار فأقتله [ ٣ ]
ومن المعروف أنه لم ينجو من بني أمية من سيوف أبو العباس السفاح وقادته إلا من هرب منهم للأندلس كعبدالرحمان الداخل. ولم يقف الأمر عند إبادة الأحياء، بل وصل حتى إلى نبش قبور خلفاء بني أمية من الأموات، فيقول المؤرخ البلاذري" أُمر بنبش قبر معاوية (بن أبي سفيان)، فما وجد من معاوية إلا خط، ونبش قبر يزيد بن معاوية، فوجد من يزيد سُلاميات رجله، ووجد من عبد الملك بن مروان بعض شؤون رأسه، ولم يوجد من الوليد وسليمان إلا رفات، ووجد هشام (ابن عبد الملك) صحيحا، إلا شيئا من أنفه، وشيئا من صدغه، وذلك أنه كان طلي بالزئبق والكافور وماء الفُوّة، ووجدت جمجمة مسلمة، فاتخذت غرضا حتى تناثرت، ولم يعرض لعمر بن عبد العزيز، وجُمع ما وجد في القبور فأحرق [ ٤ ]
فإن كان هذا هو سلوك العباسيين مع خصومهم من المسلمين، فيا ترى ماذا كانوا ليفعلوا بالكفار !؟ وماذا فعلت يا ترى جيوش الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً.

ولا أجد داعي للاصطراد وذكر حوادث أخرى كسلوك الأيوبيين مع الفاطميين أو ما فعله الغزنوي في حق السمانيين والبويهيين وغيرها من المجازر التي يزخر بها تاريخ الحروب الأهلية الإسلامية.
ويتبقى السؤال، هل من لم يرحموا بعضهم بعضاً سيرحمون الأمم الأخرى !؟

*هوامش*

[١] عبدالرحمن بن عبدالله السهلي، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام
[ ٢ ] عباس العقاد، أبوا الشهداء، ص ٢٢
[٣] أحمد أمين، ضحى الإسلام ج١ ص ٣٣
[٤] الدعوة العباسية، تاريخ وتطور،،حسين عطوان