برلمان بائس لكنه حقيقي وضروري


محمد نجيب وهيبي
2021 / 4 / 23 - 18:25     

برلماننا بائس شكلا ومضمونا ( يعني شخوصا ، إدارة وسياسات ) تغزوه الشعبوية ويُعَشِّشُ فيه اليمين الانتهازي بِشقيه الليبرالي والديني ، يَعلوه الصّياح والتطاحن "الاخلاقوي" المسرحي علنا لتغطية فسادٍ ومُفسدين سِرّا ، هذه حقائق يعلمها كل كبير وصغير ومن "يدبي" حتى على الحصير ، في هذا البلد المنكوب مثل غيره بهذه الديمقراطية التمثيلية/النيابية التي ابتدعها الإنسان ليجعل لعموم الشعب صوتا و عينا ويدا فاعلة في السياسات العمومية التي تكاد تنفرد بصياغتها وتطبيقها دوائر حكومية بجيش من الموظفين الأجراء خدمة لأصحاب السيادة من وراء ستار المال والأعمال والربح وحتى الدجل الديني والقومي !! طيب هذا برلماننا بِكُلِّ ما فيه هو مشطرة ( صورة) عن المجتمع التونسي بكل تلويناته وتَلَوّناتِه و تقيته وفُصامه بين أخلاقه وتمثّلاته الواهمة عنها وبين سلوكاته اليومية وعلاقاته الاجتماعية الواقعية المفروضة عليه بوصفها شروطا سابقة لوجوده ، برلماننا صورة عن تونس بكل مستوياتها المعرفية و الاجتماعية و مجموعات مصالحها الفئوية والجهوية والحزبية ...الخ ( اكيد بعد كثير من التلاعب والتطويع "روتوش" للصورة كما لساحة ووضعية التقاطها عبر ماكينات المال السياسي و الإعلامي و الايديولوجي) ، انتخبه التونسيين في انتخابات عامة حرة ومباشرة لِيُعَيّن الحكومة ويُقَيّد سياساتها ويراقب أعمالها وتصرُّفِها في جيش الموظفين العموميين ، لذلك فإن حملة الشيطنة المفرطة و التقزيم والانتقاص الدائم من قيمة مجلس نواب الشعب بدعوى تدني المستوى العلمي و الخبرة التقنية لأعضائه أو شطط سلوكاتهم الاجتماعية و "انفلاتها" خارج دائرة المسموح "النُّخبوي" أو المقبول وفق البروتوكولات الإدارية للدولة البيروقراطية الكلاسيكية ، كل شطط في هذا الاتجاه يُمكن إعتباره في النهاية انتقاصا من الشعب التونسي وتقزيما لخياراته يتضمن دعوة لان تحجر "النخبة" عليه وتتسلم عبر ترسانة خبرائها وتقنييها بالاتهم المعرفية الفنية الصرفة مقاليد حكم البلاد وجيش موظفيها بحكومة "تكنوقراط" مطلقة السلطة مُنمّقة التبليغ و الخطاب ، بروتوكولية الحضور الإعلامي حدّ طمس كل كذب رسمي وقتل كل البذاءة و الفساد والبؤس "الدولاتي" وسلوكاتها الفاسدة و الناشرة للفساد في صفوف العامة طالما تحترم تراتيب بروتوكولات الكتب "النخبوية" !!!
ذلك مجلسنا مرآتنا بغرفة واحدة بتمثيل نيابي مباشر ، لا تقبل معه ديمقراطيتنا غرفة أخرى تُصادر إختيار الشعب و "تتسامى" عن "وعيه" مُنتدبة على قاعدة رفعة المكانة الاجتماعية أو السمعة أو الانتماء العائلي على شاكلة مجالس شيوخ جمهوريات العصور القديمة !! فذلك عصر قد مضى .
فإمّا أن نعمل على تجاوز ديمقراطيتهم هذه بِرُمّتها متى تنضج ضروف تجاوزها نحو ديمقراطية شعبية مباشرة من القاعدة إلى القمة في كل دوالب الدولة و مديرياتها الوظائفية وهياكلها ، تقودها طبقات العمال والاجراء والفلاحين واغلبية شرائح الشعب المسحوق ، أو أن ندافع على الأقل على تمثيلنا هذا ولو كان كسيحا ومُشوّها ضمن هذه الديمقراطية طالما تمكّنّا من انتزاعه من حُكّام الزمان والمكان بالقوة ، أمّا أن ننساق في حملة تقزيم المجلس النيابي الشعبي لصالح الرفع من سلطة وقيمة الجهاز التنفيذي وبيروقراطيته التكنوقراطية ممثّلا في الحكومة فهو عود على أعقاب وتسليم للبلاد واغلب العباد لمن يحكم دونهم ودون مصالحهم ليغتصب البقية الباقية من مواطنة قاصرة بطبيعتها ضمن مجتمع الحيف والميز الطبقي الحالي حيث تحكم الأقلية بالفعل والقوة في كل مناحي الحياة وتتحكم في اغلب مفاصل الدولة ، رئيس الحكومة مهما علا شأنه و مهما "تتكنقرت" و"تتمكننت" و"تبقرطت" حكومته يظل رئيس الإدارة موظّفا ساميا ومأمورا لا صلة له بالشعب أكثر من تنفيذه لسياسات تُحافظ على مصالح سادة الاقتصاد الليلبرالي و الدورة المالية الرأسمالية و ضمان "النظام العام" عبر عنف الدولة السائد ، لا يفوقه في ذلك حتى رئيس جمهوريتنا الحالي المنتخب ومهما كانت رمزية عدد ناخبيه ، يظل شخصا مفردا واحدا مُبهم الحدود والتوجه والبرنامج ولا يمكن باي حال أن يُعبّرَ عن تنوّع الرؤى و الخيارات و المصالح لا ضمن جمهور ناخبيه ولا ضمن مختلف شرائح وطبقات الشعب التونسي ، حيث لا رابط له معهم غير لحظة انعطاف إنطباعية وعاطفية تَحكمها الضمائر والنوايا بعيدا عن كل متطلبات الواقع .