جليد العلاقات الإنسانية


ثائر الناشف
2021 / 4 / 23 - 08:57     

نفوسنا غدت كذاك الجليد الذي لا بد أن نسير عليه يومًا مثلما نسير دائمًا في أحلامنا.
مهما قست الطبيعة على الإنسان، فإن قسوتها لا تساوي إلا جزءًا يسيرًا من قسوة الإنسان عليها؛ إننا نقسو على الطبيعة مثلما نقسو على أنفسنا دون أن نشعر بذلك، ربما لأن علاقاتنا الإنسانية باتت تنهض على أسس آلية أقسى من ذاك الجليد، فأصبحنا في علاقاتنا الاجتماعية كعلاقة الآلات بعضها في بعض، فالرابط الوحيد الذي يجمع الآلات هو وحدة النوع الميكانيكي، أمّا الرابط الأخير المتبقي الذي يربط بعضنا في بعض، فهو وحدة النوع العرقي الذي يتأسس عليه الأصل البشري، فرغم أنه رابط أصيل، لكنه أضحى مُزعزعًا أمام استمرارية تمحور العلاقات الإنسانية وتموضعها المستقبلي على أسس جديدة، ربما تسبق الأساس الآلي الذي نعيش فصوله الراهنة دون أن يكون بوسع أي إنسان إبداء أي نوع من أنواع المقاومة النفسية أو الذهنية؛ بغية النجاة من طغيان ذلك الاحتواء الجامح.
فلم يعد بالإمكان إزالة الجليد المتراكم في نفوسنا مهما حاولنا وصارعنا في سبيل بلوغ تلك الغاية، ليس لأننا بتنا عاجزين عن فهم أغوار النفس الآلية، بل لأننا أصبحنا لا نملك التحكم ولا السيطرة عليها.
فالجليد المُتصلّب سرعان ما يذوب مع بزوغ شمس الربيع الدافئة، لكن علاقاتنا الاجتماعية التي باتت رهينة لإحساسات قلوبنا المُتجمّدة، ليس من السهل إعادة الدفء إليها.
فأهداب الشمس التي تداعب وجوهنا، وتخترق أجفاننا ليس بوسعها التسلل إلى قلوبنا المُتحجّرة، والمُتجمّدة، والمُتصلّبة، بنزعاتنا، ونزواتنا، ورغباتنا، وتعصبنا، وعصبيتنا، وعنصريتنا، وماديتنا، وطبقيتنا، ومثاليتنا في الحياة.
لقد أمست علاقاتنا الإنسانية رهينة الجمود الذي يصيب قلوبنا، ولا شيء يعيد الدفء إليها سوى الحب، فهو الشمس الباطنية البازغة أبدًا (الشمس الجوانية) التي من شأنها أن تُشيع الحرارة في قلوبنا، وأن تعطّل ديمومة الأنساق الآلية التي تهمين على صياغة منظومتنا الروحية، وتتحكم في هندسة بناء شخصيتنا المعاصرة، لكن الحب نفسه أصبح ضحية لتقلباتنا النفسية والعقلية.