هل حقا نحن حلقيون؟ هل نحن دغمائيون؟


التيتي الحبيب
2021 / 4 / 22 - 22:15     

لا اقبل بان اضع نفسي في خندق الماركسية اللينينة ولا ان اوصم بالماركسي اللينيني لان ذلك يعني بأنني اصبحت حلقيا ومنغلقا على فكر وحيد ودغمائي. هذا ما يجيبني به بعض الرفاق الذين لهم عندي مكانة ويهمني اقناعهم بقضية السلاح النظري و اختيار اقواه وانجعه لجعله بوصلة ومرشد للممارسة الثورية.
نقل هذا النقاش لأوسع الاوساط داخل الحركة الماركسية عامة وفي قلبها الحركة الماركسية اللينينية مهم للغاية وهو نوع من التأسيس والتأصيل للخط النظري للحزب المستقل للطبقة العاملة.
دعونا نبحث هذه المسالة بالرجوع الى السنوات الاولى التي برزت فيها هذه الحركة واعني بها الحركة الماركسية اللينينية. كما هو معلوم لم تكن الحركة الشيوعية العالمية في عهد ماركس تسمي نفسها بالحركة الماركسية وحتى ماركس لم يكن يتكلم عن الماركسية ولا انجلس رغم انه كان يعتبر نفسه تلميذ رفيقه ماركس. كانت الحادثة الوحيدة حسب علمي هي لما اعتبر الاشتراكيون في فرنسا بأنهم يدافعون ويتبنون الماركسية التي تقول بتفسير الظواهر الاجتماعية بالعامل الاقتصادي ولما بلغ هذا الى علم ماركس قال جملته الشهيرة التي مفادها " فإذا كانت هذه هي الماركسية فانا لست ماركسيا ". لم يتم تبني بشكل واسع مفهوم الماركسية إلا بعد وفاة المعلمين ماركس وانجلس وقد ساهم قادة الحزب الاشتراكي الالماني كاوتسكي وغيره وكذلك قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لروسيا بليخانوف ولينين في انتشار هذا المفهوم. لقد اصبحت الحركة الشيوعية الثورية كلها تنتمي للمدرسة الماركسية وتعرف نفسها بأنها تتبنى فكر هؤلاء القادة، وتمت عملية تحصين هذه المدرسة ضد التحنيط او الترديد الببغاوي لنتائج التحليل الماركسي وقدم لينين خلاصته المؤسسة والقائلة بان لا ماركس ولا انجلس لم يقوما إلا بوضع حجر الاساس لهذا العلم الجديد والمهم هو تطويره في جميع الاتجاهات.
نفس الامر حدث مع لينين، لم يستعمل لا هو ولا البلاشفة في حياته مفهوم الماركسية اللينينية. لقد خاض لينين صراعا ضاريا مع رفاقه البلاشفة وكان يحارب الجمود العقائدي والنزعات الانحرافية سواء اليمينية او اليسراوية.
لم يتم استعمال مفهوم الماركسية اللينينية الا بعد وفاة لينين وذلك لتمييزها عن التوجهات الماركسية الاخرى والتي ناصبت العداء للتوجه اللينيني وعلى رأسها التوجه التروتسكي الذي بادر الى انشاء امميته الرابعة. بذلك بدأت تتشكل حركة ماركسية لينينية لها اطروحات جوهرية تجد ترجمتها في الاستراتيجية وفي التكتيكات. كان المبادر لاستعمال هذا المفهوم هو الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين، كما تبنتها ايضا الاممية الثالثة الكومينترن. هكذا بعد وفاة ستالين وانتقال السلطة في الاتحاد السوفياتي الى يد اتجاه يميني بقيادة خروتشوف؛ انقسمت الحركة الشيوعية الى اتجاهين: الاول يتشكل من الاحزاب الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي بقيادته الجديدة، بينما ظهر اتجاه ثاني يتبنى الماركسية اللينينة ويتزعمه الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونغ ويضم الاحزاب الشيوعية في فيتنام والبانيا وفي جهات اخرى من العالم.
بالرجوع الى لينين، فهو بدوره وضع احجار اساس لتطوير الماركسية، كان اولها برهنته على ان الثورة الاشتراكية في مركز الدول الرأسمالية هي على جدول اعمال الطبقة العاملة وبالضبط في الحلقة الضعيفة من السلسلة الامبريالية، وقد تكون بلدا واحدا او مجموعة صغيرة، وبناء الاشتراكية ممكن وهي مهمة العصر؛ اما في البلدان المستعمرة او الشبه مستعمرة فالثورة الوطنية البرجوازية التحررية اصبحت من مهام البروليتاريا، ومن المستحيل مع هيمنة الامبريالية ان تقود البرجوازية هذه الثورة ولذلك ستكون الثورة متواصلة عبر مراحل في الافق الاشتراكي وهذا ما اكدته الثورة الصينية والفيتنامية. اما الامر الثاني الذي طوره لينين فهو متعلق ببناء المجتمع الاشتراكي وبداية طرح الاسئلة الجديدة والاجوبة الجديدة ففي هذا الصدد لم يفعل لينين إلا انه فتح الطريق.
بذلك تأسست الحركة الماركسية اللينينية على قاعدة هذه النظرية الماركسية اللينينية باعتبارها نظرية الثورة في العهد الحديث عهد السيطرة الامبريالية. انها بوصلة البروليتاريا من اجل القيام بدورها التاريخي ولتتحول الى طبقة تنجز تغيير العالم وبيدها هذا السلاح النظري القوي الماركسية اللينينة.
يتهم الخصوم انصار الماركسية اللينينية أي الماركسيون اللينينيون بانهم حلقيون وبانهم دغمائيون. فهل حقا يمكن وصم الماركسيين اللينينين بهذه النعوتات القبيحة؟ ذلك ممكن وقد حذر منه لينين لما خاض الصراع ضد العقائدية والجمود العقائدي. لقد حذر من عبادة الكتب ومن الاكتفاء بحفظ النتائج التي توصل لها القادة الشيوعيون عوض التمكن من المنهج والطريقة التي اتبعها هؤلاء القادة للوصول الى نتائج تحاليلهم وبحوثهم. لقد كان لينين يحرض على التعلم وعلى الاجتهاد وعلى القيام بالعمل الشاق والمضني المتمثل في التحليل الملموس للواقع الملموس.
هذه الامراض التي صارعها لينين وحذر منها تصيب حتى الاتجاهات الغير لينينية وقد تصيبهم اكثر مما تصيب الماركسيين اللينينيين الافذاذ.
ولهذا نجيب بان التحجج بعدم الانتماء او الاعلان عن الاسترشاد بالماركسية اللينينة لأنها تعني الحلقية والدغمائية هي حجج وتعليلات فارغة ولربما تهرب من الجوهر الثوري للماركسية والذي وحدها اللينينية حافظت عليه وحصنته. وقضية الحلقية فلربما اذا استبعدنا هذا المرض الذي اصاب الحركة الماركسية اللينينية بدورها خاصة بعد سقوط جدار برلين حيث ظهرت على السطح تلوينات تتدعي بانها هي الوريث الشرعي الوحيد للماركسية اللينينية فتراها تسمي نفسها بتيارات خوجية او ماوية او ستالينية او خليط بين هذا وذاك. اصبحت هذه المجيمعات تناصب العداء المطلق لبعضها البعض ولربما اكثر مما تناصبه للعدو الطبقي دولة الرأسمال والطبقات البرجوازية السائدة. ان ظهور هذه التلوينات دليل على عطب خطير اصاب الحركة الماركسية اللينينية لما انعزلت عن الصراع الطبقي، لما وجدت نفسها على هامش التواجد في قلب الطبقة العاملة ولم تعد مثل السمكة في الماء.
ان الحركة الماركسية اللينينية مطالبة بتصحيح اعطابها هذه عبر التجدر في الطبقة العاملة ووسط الكادحين؛ ساعتها ستجد كل مكوناتها نفسها في ديناميكية العمل الثوري الحقيقي بمنهجية وحدة- نقد – وحدة كما كانت عليه الامور في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
اما تهمة الدغمائية فهي تهمة توجهها الاتجاهات التحريفية والليبرالية ذات النزعة الحداثية الانتقائية المنتشرة داخل اوساط بعض المثقفين المتمركسين او "الماركسيين" الاكاديميين المشتغلين عند مراكز الدراسات الامبريالية وجامعاتها. ان التشبث بالماركسية اللينينية كنظرية ثورية هو بمثابة التشبث بالبوصلة حتى لا يضيع السلاح، وتضيع معه الممارسة وتفقد طابعها الثوري.

22/04/2021 يوم ذكرى ميلاد القائد العظيم لينين.