قصور العقل الغربي - حداثيا-؟/3


عبدالامير الركابي
2021 / 4 / 22 - 14:36     

يتردد انطلاقا من ماركس، ومن ثم وبعده كل من يدعون يبني أفكاره، مفهوم" ادخال الوعي للطبقة العاملة من خارجها"من دون ان يناقش او يسال لماذا؟ ومادلالة ذلك؟ ومن هم الذين يدخلون الوعي المقصود للطبقة المقابلة الضد للطبقة المنتصرة البرجوازية؟ وماموقعهم ولماذا يفعلون مايفعلونه، ولاي غرض ولماذا؟ هذا سوى دلالة القضية الأصل والجوهر المتعلقة بانتفاء قدرة الطبقة العاملة على وعي ذاتها، والاشتراطات الخاصة بوجودها ومصالحها، واسبابمثل هذا القصور الوجودي، هذا عدا عن كوننا نقف لهذه الجهه ومن دون محاكمة ولاتفسير، ولن نكون امام حالة قابلة للتطور، بل وضع نهائي مقطوع به، فلم يات مثلا من يقول ان الطبقة البروليتارية تكون بداية غير قادرة على التعبير عن ذاتها او وعيها بذاتها، ثم تتطور وترتقي، الى ان تصير قادرة على تجاوز هذه النقيصة، ونصير وقتها امام طبقة وعيها من داخلها، وهي التي تضطلع به باستقلال عن غيرها، وكفاعل رئيس، حتى لو هي قبلت التحاق آخرين بها.
وجد ماركس وغيره من بعده امامهم "طبقة" يمكن ان يصبحوا ناطقين باسمها، ونوابا عنها، مستخدمين لها كظاهرة، بينما كانت تنبثق وقتها ومع الالة والانقلاب البرجوازي، مايمكن تسميته "طبقة جديدة"، نشات واخذت تتبلور منتشرة على مستوى العالم، فاذا بشكل العالم الجديد، وطرق الإنتاج وانماط التنظيم المجتمعي والدولة وحجمها، الموافق له، يفرض مشترطا وجود فئات لاتسير العملية المجتمعية والإنتاجية من دونها، تنتظم داخلها فئات ضخمه من نوع موظفي الدولة وكوادرها، ومن يديرون ويشغلون الشركات والمؤسسات، والمدرسين وأساتذة الجامعات والمحامينن والأطباء وعالمهم وفئاتهم والمهندسين والإعلاميين.. الخ وهو عالم استجد اليوم مع صعود الطبقين البرجوازية والعمالية اليوم، ليصبحوا على غيرماكانت تعرفه المراحل التاريخيه اليدوية السابقة، قوة فاعلة واساسية خارج العملية الإنتاجية المباشرة، من طبيعتها انها قادرة على ان تحضر بذاتها، وان تصادر وزن ماسواها، فتتجسد متماهية خارج نطاق مهنتها، وبما يجعل منها كتلا فعالة، يمكن ان يصل لحد الارتكاز لقوى إنتاجية أساسية مثل الطبقة العاملة غير القادرة على النطق عن ذاتها بذاتها، الامر الذي لايقتصر على هذا الطرف الرئيس المباشر من اطراف العملية الإنتاجية، فيتجاوزه الى الطبقة البرجوازية نفسها، وسواء فكرا ورؤية وفلسفة، او عن طريق الهيئات والكتل الفاعلة، ومنها الجمعيات والأحزاب ومراكز الفعل ذات التاثير في صياغة الراي والمزاج العام.
هذه القوة كما الالة، لم يركز عليها ولاعلى سياقات تطور ظاهرتها ومفعولها، وصولا لاكتمالها مابين الانقلابيه الالية الاوربية حيث الأساس والمنطلق الكلاسيكي الأوربي المتلازم مع الطبقة البرجوازية، وتلك الالية بلا طبقة برجوازية مكتملة القوام، او حتى مع وجودها بالحدود الدنيا، أي مابين ذروة الانقلابية الصناعية المصنعية في القرن التاسع عشر، وصولا لبداية القرن العشرين مع روسيا ولنين، و "ثورة الطبقة الجديدة" في أكتوبر عام 1917 ،عندما تكامل قوام الطبقة المذكورة كفاعل رئيسي، له نظريته، ووسائله العمليه الاساسية، ممثلة ب "الحزب اللينيني"، كما في مقابلها وما شكل سياقها من أفكار واكبت الثورة الفرنسية، وتمخضت في قلبها لترسي أسس المنظور الحداثي البرجوازي.
في المراحل السابقة ماقبل البرجوازيه الحديثة، كانت العملية الإنتاجية لاتتطلب، ولاتحتاج لفئات ضخمة من خارج العملية الإنتاجية المباشرة،عدا الجيوش التي تضظلع بمهمات محدده لاعلاقة لها مباشرة واساس ضمن العملية الانتاجية، بينما ولدت اليوم فئات هي لزوم أساسي لاتستقيم العملية المذكورة من دونها، اما العلاقة بقطاع " الدين" ورجالاته فهي مختلفة وتنتمي لنوع ضرورات من نوع مختلف، في حين صار وجود هذا القطاع اليوم حقيقة لزومية أساسية، من شانها ان تلفت النظر الى الاختلاف غير العادي في الطبيعة والجوهر، بين المرحلة الراهنه ومايبقها على مستوى المقارنه والاختلافات النوعيه. مايجعل البرجوازية ليست لوحدها كبرجوازية بذاتها، وككينونة الطرف الوحيد المقابل للطبيقة البروليتارية ضمن عملية الإنتاج، لاعلى مستوى القرار ولا حتى الخيارات.
ليس الوعي او الاعقال الغربي الحديث للحداثة الغربيه برجوازي، ولا عمالي، أي انه ليس صادرا عن الطبقتين الرئيسيتين، وكل ماعرف على هذا الصعيد هو نتاج "الطبقة الجديده" ومتات من رؤيتها لماهو حاصل من زاوية نظرها، وبما يكرس ويعزز موقعها، ماقد ترتبت عليه جمله هائلة من الاضاليل، ومن المفاهيم المبتسرة من نوع النظرية الاشتراكية، والثورة الاشتراكية، والصراع بين عالمين اشتراكي وراسمالي، تعبيرا عن الانشطارية بين مجتمع انقلاب آلي برجوازي غربي، واخر ظهر في البلدان الأدنى تطورا برجوازيا، اتسم بالانقلابية الالية بدون طبقة برجوازية، وبقيادة " الطبقة الجديده" التي تنامى وجودها في البلدان الأدنى تطورا برجوازيا، تحت طائلة وبفعل تعرضها للسيطرة الاستعمارية، وماترتب على طور الهيمنه الغربية الحديثة من اقصائية وتمييزيه لحقت بتلك البلدان، ماجعل هذه اميل الى تبني النظرية الاكمل الانسب لفئتها او طبقتها.
والحديث عن "الطبقة الجديده"، هو حديث عن جيش هائل وبمنتهى الفعالية بحسب اشكال الفعل المستجده مع الانقلابية الالية، ومايطرا معها من تغيير يشمل التنظيم المجتمعي، ويمكن بالطيع للبعض ان ينظروا لهذه الطبقة، بالحاقها بأحد الطرفين الانتاجيين الأساسيين، فلا تعود هذه موجودة الا بصفتها تابعا مندمجا بالبرجوازية والراسمالية، او بالبروليتاريا، وكانها لاتمك الاسباب او الوسائل التي تؤمن لها الاستقلال، او حتى السطو على غيرها من الطبقين الرئيسيتين،وذلك مظهر من مظاهر الايهام الفادح اللاحق بوعي البشرية لذاتها ابان الطور الابتدائي من الانقلابيه الالية، فنكران الذاتوية الطبقية للظاهرة الجديده، قد ينشا أحيانا ان لم يكن في الغالب كجزء من وسائل الطبقة المذكورة، وماتحتاجة أحيانا لاجل تكريس حضورها وفعلها، بتغييبها لحقيقة ودرجة مثل هذا الحضور.
والاكيد بعد هذا اننا بحاجة لاعادة نظر تعيد رسم ملامح الطور البرجوازي الراسمالي الحال على المعمورة، بالاخص ابان بداياته التاسيسية الأولية التي ماتزال الى اليوم مؤثرة وغالبة على الرؤية البشرية للعالم، وللحاصل الراهن والمستجد بعد المرحلة الاقطاعية، والذي يبدو بقوة بحاجة الى التفريق بين ماهو طبقي بحت، وماهو آلي مع مايرجع لموقع "الطبقة الجديده" التي هي من حيث الايديلوجيا الرئيسية، آلية مكرسة للفعاليه الالية، بغطاء وتحت فعالية الطبقية وتعظيم دورها، الذي هو في حال تضاؤل اليوم بعد الانقلاب الالي، ومايتصل به من قوة تضليلية ايديلوجية تتبدى بصورة خاصة في النظر الى السياقات الانشطارية الاوربية، بين موضعين متحولين آليا، بطبقة برجوازية، أوبدون طبقة برجوازية، وماقد تعداهما وانتقل الى مابعدهما، برغم الإصرار الدؤوب على حصره داخل اطاروعالم الغرب بحسب ما راي نفسه.
ومع الولايايت المتحدة والمجتمعية المفقسة خارج رحم التاريخ، تتبدى بقوة النزعة الايهاميه التضليله للمنظور الغربي المستفيد من تأخر المنظور التحولي، وحيث يتجلى اعلى اشكال حضور الطبقة الجديده إضافة للالة، متعديا حتى اعلى اشكالها الممكنه، واكملها كما كانت تبدت في العالم القديم بحسب المثال الروسي اللينيني، تبقى الرؤية الغربية الطبقية مهيمنه ومانعة لاية احتمالية تفكير بما بعد، مع انه قد حدث فعلا، مع ظهور الكيانيه الامريكيه الجديده، حين قامت حالة كيانيه امبراطورية ركيزتاها الاساسيتان "الطبقة الجديده"، والالة، من دون أي دور للطبقة بما هي كينونة مجتمعية نتاج تبلورات تاريخيه تصيرية، ومراحل متعاقبة، بحيث خلقت الطبقة الجديده، واستمرت "تختلق" طبقة "تقليدية" متوهمة، لاشي موضوعيا ولا تاريخيا يسوغ وجودها، لكي تتلطى خلفها.
وكل هذه سياقات مفهومه ضمن نطاق الأحادية المجتمعية، وممكناتها، مع مايتصل بذلك من نهايات وحصيلة، تحال بموجب التفاعليه الموروثة الناظمة للتصير التاريخي المجتمعي على مستوى المعمورة، الى اشتراطات مايمكن ان نطلق عليه قانون "طلب سد النقص البنيوي"، وهنا ندخل ولاشك واحدة من اخطر الموضوعات، وأكثرها بعدا عن التداول، ومايرافقه من مستوى مقبوليه، قد تبدو متعذرة الى ابعد الحدود، ان افتراض علو نوع البنية الاحتشادية النمطية الشرق متوسطية الازدواجية مجتمعيا، انطلاقا من بؤرتها الرافدينيه، مع ملاحظة كونها المصدر الأساس لتصير الظاهرة المجتمعية، وارتقائها على مستوى المعمورة، هو مما لم يسبق ان جرت مقاربته، فضلا عن ان يكون قد خضع للنقاش، ومع ذلك ولقناعتنا بالاهمية القصوى للموضوعه المنوه عنها،لانجد امامنا مايمنع من ان نبادرمع المناسبة الحاليةن الى عرض الفكرة على اعتبارها من قبيل مايلزم حتما، كشرط لاجل التعرف على، واستكمال لوحة مانحن بصدده، وذهبنا لتناولة حتى الان.
لقد عرفت التفاعليه خلال قرابه العشرة قرون، مابين سقوط بابل، حتى القرن السابع الميلادي، فتره من هيمنة الأحادية الإمبراطورية الشرقية الغربيه على منطقة الاحتشاد النمطي والازدواجي، كانت هي السبب والحافز الذي بلور ردة الفعل الازدواجية المضادة، انتهى باختراق الابراهيميه للبنى الأحادية الفارسية/ الرومانيه، ماادرجها من يومه ضمن الازدواج المجتمعي بحسب الممكن والمتاح في حينه، وصولا الى القمة الازدواجية الإمبراطورية العباسية القرمطية، حتى توقفها وانتهاء مفعولها في 1258 مع سقوط عاصمتها بغداد، التي تكرر بسقوطها تاريخ سابقتها بابل، ذهابا الى القرن السادس عشر، حين انبعثت مجددا اليات الدورة الثالثة الراهنه بماهي دورة النطقية النهائية، المتوقعه اليوم في نهاية الدورة الحالية، بعكس الدورتين الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، اللتان تبدءان عادة بالنطقية المؤقته الحدسية النبوية،.مايجعل المسافة الفاصلة زمنيا بين سقوط بغداد، الى القرن الواحد والعشرين، مقابلة وموازيه لتلك التي تبدا مع القرن السادس قبل الميلاد مع سقوط بابل، حتى السابع الميلادي، حين تفجرت ثورة الابراهيميه الجزيرية الاخيره، وادت الى اطلاق وبعث الاليات الازدواجية الإمبراطورية الرافيدينيه، والحقت الشرق الممتد الى الصين بالازدواج المجتمعي.
مايزال الغرب برغم نهضته الكبرى الأخيرة، محكوما لفعل واثر بنيته الأحادية، وحدودها المانعه الحائله دون عبورة الخط الأحادي نحو التحولية الازدواجية، ومازال كما كان يمارس اوربيا أولا، وامريكيا الان، الحضور الى ارض الازدواج والتحول، في تصرف لاواع تحت طائلة ودفع "ديالكتيك التحولية التفاعلي التصيري"، طالبا بدفع اللاوعي التاريخي"سد النقص البنيوي"، هذه المره بعد توفر كل الأسباب الضرورية اللازمة لتحقق عملية التحول المجتمعي البشري، وانتهاء المجتمعية و"الانسايوان".