شعار دولة المواطنة يخفي العنصرية


المنصور جعفر
2021 / 4 / 22 - 02:33     

هذا مقال عن عن تداخل بعض سياسات الإقتصاد والعنصرية في السودان وعن إن التصور غير الطبقي لما يسمى "دولة المواطنة" يخفي إنتاج العنصرية


1. الرأي المشجع ل"دولة المواطنة" والمنسوب إلى السيد وزير العدل/الحكومة رأي يوكد أن بالامكان تحييد الدولة وإخراجها من حالة الإنحياز العنصري في السودان دون أي مساس بالملكية التجارية الخاصة والنظام التجاري والطبقي لنزح الأموال من كل المجموعات وتجميعها كرؤوس أموال وأرباح في جهة إثنوثقافية سياسية واحدة تسيطر نخبتها وتهيمن بهذه الأموال على أمور معيشة غالبية الناس بل تتعالى بهذه السيطرة على بيئتهم الإثنية والثقافية !

2. في الجهة المقابلة يشعر كثير من المستضعفين بالظلم والدونية وتظهر في مجتمعاتهم ملامح السخط والتمرد على حالة الظلم والتهميش التي يعانونها ويفكر بعضهم في الإنفصال من هذه الدولة الظالم أهلها والتي تنفرد فيها النخبة البيروقراطية العسكرية والمدنية لفئة إثنوثفافية معينة بالتحكم في غالبية مقاليد السلطة والثروة، وأكثر المال والجاه فيها دولة بين أغنياء وكبراء هذه النخبة.

3. حقيقة التمركز الإثني للدول التجارية والتمركز السياسي لنخب بعض الاثنيات حقيقة واقعية ليس بالإمكان تجاهلها أو تغبيشها بمبرر إن النخبة تستعمل بعض المهمشين الانتهازيين العطاش كجنود وحراس وجلادين وأبواق وسدنة لها. فمفاتيح الأمور الكبيرة في يد كبراء النخبة المتحكمة، المحتمية بكينونتها الاثنوثقافية السياسية، التي تجعل وحودها مساو لكل الوطن أو حتى لنصفه، بينما تخفي كطبقة متحكمة احتكارها أهم موارد المجتمع، غلى الأقل بتحكمها في الاستوراد والتصدير وأكثر الأموال والتجارة الداخلية.

4. حكومة السودان تقسم 90% من موارد الدولة على جهازها الإداري وخدماته المدنية والعسكرية. وعدد العاملين في هذا الجهاز بمختلف إثنياتهم عدد لم ولايتجاوز ربع مليون مواطن أو حتى نصف مليون، ونسبة 90 % من قادة هذه الهيئات ينتمون إلى مجموعة إثنوثقافية سياسية واحدة! إزاء وضع كهذا كيف يصدق كلام وزير العدل والحكومة عن الحياد الاثني للدولة، وعن المواطنة !❗

5. من الصعب وصف دولة بالعدل وهي تزعم إعترافها بالتنوع وفي نفس الوقت تبقي الأسس التجارية والإقتصادية المغذية لتعالي وسيطرة النخبة وثقافتها!❗ فمنطقاً، وبصورة واقعية لايمكن تحقيق المواطنة الحقيقية والفعالة في دولة دون قيام حكومة هذه الدولة بخفض الأسس الإقتصادية والتجارية للعنصرية.

6. بريطانيا:
تؤخذ بريطانيا كأنموذج لحقيقة إن دولة التنوع ليست هي دولة المواطنة، وحتى لو كانت فهي دولة للعنصرية وليست للمساواة.
(أ) كانت أميركا من أبواب التقدم في بريطانيا فمنذ أواخر الستينيات تكلم التقدميون الأمريكان عن حالة "العنصرية المؤسسية".
Stokely Carmichael & Charles Hamilton, Black Power: The Politics of Liberation
mygaryislike.files.wordpress.com/2016/12/black-power-kwame-ture-and-charles-hamilton.pdf

(ب) منذ تسعينيات القرن العشرين أكتشف المحققون ثم الباحثون البريطانيون في كثير من الحوادث العنصرية وبيئتها في بريطانيا وجوداً منظوماً للعنصرية في مؤسسات العمل (العام) وتبعاً للرأي الأميركي أسموا هذا الوجود Institutional Racism وشملت هذه العنصرية هيئات وأعمال: الشرطة والأمن، المدارس والجامعات، الصحة، القضاء وأجهزة العدالة، الإعلام، هيئات التشريع، ودواوين الحكومة وأماكن العمل.

(ج) حياد الدولة إزاء بعض التنوعات غير الطبقية لايعني أنها دولة مواطنة بل العنصرية الخفية أو "العنصرية الهيكلية"
Structural Racism وهي كالعنصرية المنظومة Systematic Racism والعنصرية المؤسسية Institutional Racism
Structural Racism: Racists without Racism in Liberal Institutions within Colorblind States
Alexis Mootoo
scholarcommons.usf.edu/cgi/viewcontent.cgi_Farticle_D8106%26context_Det&ved= 2017

(د) كذلك تشير تقارير من الأمم المتحدة والهيئات البريطانية المختصة، وتقارير أخرى مهتمة بظروف العنصرية، إلى وجود ونموء أشكال العنصرية في بريطانيا رغم الزعم بأنها دولة حياد اثني، ومن ثم فإن كلام الوزير وشرح موجباته وفوائده، يغبش الحقيقة العنصرية التي يخفيها زعم الدولة إلتزام الحياد الإثني دون أن تغير النظام المعيشي أو الإقتصادي الذي يميز المجتمع مجموعتين مجموعة مسيطرة متعالية ومجموعة مسيطر عليها ومعيشتها متهالكة.
بعض هذه التقارير:
في عام2021
news.un.org/en/story/2021/04/1090032
digitallibrary.un.org/record/3824592?ln=en
في عام 2019:
A_HRC_41_54_Add-4-EN - PDF
committees.parliament.uk/publications/3376/documents/32359/default/
aclrc.com/liberal-racis
+ تقارير مفردة عن:
1. العنصرية في البوليس:
assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/277111/4262.pdf
2. عنصرية في المدارس والجامعات:
theguardian.com/education/2021/mar/24/british-schools-are-institutionally-racist-that-must-change-fast
theguardian.com/education/2020/nov/24/uk-universities-perpetuate-institutional-racism-report-says
3. العنصرية بأعمال الصحة:
bmj.com/content/368/bmj.m568
4. العنصرية في مجالات العدالة:
judiciary.uk/wp-content/uploads/JCO/Documents/judicial-college/ETBB_Ethnicity__finalised_.pdf
theguardian.com/commentisfree/2016/nov/22/judge-racism-judicial-system-black-communities
5. العنصرية بالإعلام:
blogs.lse.ac.uk/politicsandpolicy/media-diversity-and-inclusion-paradox/
societyofeditors.org/soe_news/uk-media-not-bigoted-soe-responds-to-sussexes-claims-of-racism/
6. العنصرية في أماكن العمل:
hummedia.manchester.ac.uk/institutes/code/research/projects/racism-at-work/tuc-full-report.pdf
https://archive2021.parliament.scot/newsandmediacentre/116499.aspx

...................................................................................................................................

7. الإقتصاد الرأسمالي يغذي العنصرية:
إتفقت كثير من الآراء المضادة العنصرية إن فتح الفرص الاقتصادية أو تنظيمها بشكل ديموقراطي ينقض الإحتكارات وما تقود إليه من عنصرية، ومن ثم يترابط اقتصاد التنمية المتوازنة وثورته الوطنية الديموقراطية مع تحقيق قيم المواطنة في مجالات المعيشة والديموقراطية الإقتصادية، أما إقتصاد المحسوبية واحتكارات تماسيحه لأهم عمليات الإستوراد والتصدير والتجارة والتمويلات الداخلية ونفوذهم في الدولة ونفوذ الدولة ودول أخرى فيهم فيغذي تمايز النخبة المسيطرة وثقافتها الاثنية السياسية عن باقي المجتمع.
washingtonpost.com/outlook/2020/07/07/built-in-biases-economics-that-sustain-systemic-racism/ americanprogress.org/issues/race/reports/2019/08/07/472910/systematic-inequality-economic-opportunity/
mastercard.com/news/perspectives/2020/the-economic-costs-of-structural-racism-are-too-high-to-ignore/
ucpress.edu/blog/37817/racism-economic-discontent-and-democracy
/
How Capitalism Underdeveloped Black America: Problems in Race, Political Economy, and Society
Manning Marable
South End Press, 2000
books.google.com/books?id=zCqI3THYY6sC

8. الخلاصة:
1. إن للعنصرية أسس في الأنانية التجارية والتنظيم السياسي للإقتصاد،
2. الدولة والمؤسسات المختلة تركيبة مكوناتها الإثنوثقافية عدداً أو دوراً تكون بعض تعاملاتها عنصرية إزاء بعض المجموعات الإثنوثقافية، داخلها وخارجها وأيضاً تحبذ التعامل مع بعض الدول أو مجتمعات فيها وتخفض التعامل مع دول أو مجتمعات أخرى.
3. التناقض بين آراء السيد وزير العدل/ الحكومة التي ترحب ب"دولة المواطنة" في جهة والآراء الأخرى المعيشية والإقتصادية التي يتبناها نفس الوزير وحكومته التي تنسف المقومات المعيشية والاقتصادية للمساواة والمواطنة.
4. آراء الوزير وحكومته في مسائل المعيشة والاقتصاد وما بينهما من نظم تملك وتجارة هي آراء تشجع الأنانية التجارية والتملك والإستحواذ التجاري على موارد المجتمعات المستضعفة أو المهمشة. وهذا تناقض واضح للوزير وحكومته في جهتين فهو ضد مطالب الشعب، وضد التلازم بين "المواطنة" و"التنمية المتوازنة". فتوازن التنمية لازم لتحقيق قيم المساواة ووحدة المواطنة.

9. تناقض الحكومة بين سياسة "المواطنة" وسياسة "العولمة" يمثل إما حالة دجل سياسي طبقي، أو إن رأي السيد الوزير/الحكومة منحاز ضد الجزء التقدمي من ثقافة الصراع الطبقي ونضاله ورفضه الحالة العنصرية لنشاط اللرأسمالية وحكوماتها في السودان.


10. الختام:
(أ) يشجع الموقف الإعلامي للسيد وزير العدل والحكومة نشوء وتعاملات دولة المواطنة لكن الموقف الطبقي والاقتصادي العملي لسياسة نفس الوزير ونفس الحكومة يدعم الأسس التجارية والاقتصادية المولدة العنصرية أو التي تلدها العنصرية.
(ب) بهذا الدعم لسياسة وشروط المذهب الاقتصادي المسمى جزافاً "العولمة" فإن سياسة وزير العدل تزوف "دولة المواطنة" وتجعلها مجرد واجهة شكلية تخفي نشاط الإستعمار والتهميش الداخلي واقتصاد إعادة إنتاج التخلف بإنزاف القطاع التقليدي وغالبية مجتمعاته المنتمية لمجموعات إثنوثقافية مختلفة عن مجموعة النخبة المتحكمة في الدولة والاقتصاد.
كذلك سياسة التسول الخارجي من دول الخليج ومن مراكز الإمبريالية في غرب أوروبا وشمال أمريكا وهي السياسة التي تدعمها الحكومة ووزارة العدل، هي سياسة تضع مستقبل مجتمعات السودان في كف العنصرية التي تنتجها في داخله وفي العالم شروط مراكز القروض الإمبريالية.
democracyjournal.org/magazine/53/neoliberalism-and-race/
english.pravda.ru/opinion/118684-imf_racism_world_bank/

النقطة الخاتمة:
ليس من المنطق الكلام عن حالة مواطنة داخل دولة ومجتمعات تضعها حكومتها في نظام اقتصادي عنصري الأساس والنتائج.
وطالما وزير العدل والحكومة لايعرفان العلاقة بين "المواطنة" و"التنمية المتوازنة"، فمهم لهما الإستقالة، ومهم جداً لشباب الثورة المؤودة إقالتهم.