البعد الاستراتيجي الراهن لطبقة رأس المال العالمي (1)


خليل اندراوس
2021 / 4 / 17 - 09:55     


عبر التاريخ تقاتل الدول العظمى وخاصة في المرحلة الامبريالية – اعلى مراحل تطور الرأسمالية – من اجل فرض السيطرة والتحكم والهيمنة على المناطق المهمة جيوسياسيا والمناطق الغنية بالثروات الطبيعية.

وفي القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين هناك اهمية جيوسياسية خاصة وحاسمة للدول الغنية بالنفط، لذلك تسعى الولايات المتحدة، مستخدمة كل الوسائل من غزو واحتلال، ودعم الحروب الاهلية، ومؤامرات تمزيق الدول، واكبر مثل على ذلك ما جرى ويجري في سوريا واليمن، بهدف فرض استراتيجية الهيمنة للولايات المتحدة على غرب آسيا، وفي هذه السياسة الارهابية تلقى امريكا الدعم الكامل من الصهيونية العالمية وقاعدتها الامامية اسرائيل وانظمة الاستبداد العربي وعلى رأسها السعودية والامارات والبحرين المطبِّعون مع دولة الاحتلال والاستيطان والمتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

في الماضي تنافست بريطانيا الاستعمارية مع روسيا القيصرية للسيطرة على آسيا الوسطى، ومع الاتراك العثمانيين على مصر والمشرق. وفي الماضي أدت هذه الصراعات الى حروب كحرب السبع سنوات والحروب النابوليونية والحرب العالمية الاولى والثانية. والى حروب محلية عديدة منها العدوان على مصر عام 1956، والحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل ضد الدول العربية بهدف ضرب حركات التحرر الوطني في سوريا ومصر، واحتلال كامل فلسطين. وبهدف فرض الهيمنة الاستراتيجية الامبريالية الصهيونية على منطقة الشرق الاوسط. والدوافع الاستعمارية الجيوسياسية للامبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية العالمية لم تتلاشى اطلاقا بل زادت حدة وتوترا وصداما ليس فقط في منطقة الشرق الاوسط لا بل وفي غرب آسيا ومنطقة بحر قزوين وشبه جزيرة القرم. ولذلك تسعى الولايات المتحدة بكل الطرق السياسية والاقتصادية والعسكرية الى تأزيم العلاقات مع روسيا والصين وايران. والمواجهة الاخيرة مع روسيا في اوكراينا والدنباس وشبه جزيرة القرم لاكبر مثل على ذلك. طبعا الى جانب المواجهة مع الصين في تايوان وهونكونغ والمحيط الهندي ومع ايران وايضا دعم الولايات المتحدة للتحالف العربي الرجعي في حرية ضد اليمن وشعب اليمن والدور الارهابي الابتزازي الذي تلعبه الولايات المتحدة واسرائيل في سوريا وضد الشعب السوري البطل والصامد والمكافح بهدف تعميق الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط.

منذ عشرات السنين تعمل الولايات المتحدة على تزويد الحكومات الصديقة لا بل العميلة للامبريالية كاسرائيل ودول الخليج العربي بل الامريكي بالسلاح المتطور والتدريب العسكري واقامة القواعد العسكرية في السعودية ودول الخليج واسرائيل القاعدة امامية للامبريالية العالمية تقوم بدورها العدواني الارهابي ليس فقط في الشرق الاوسط وايضا في آسيا الوسطى حيث دعمت اذربيجان بالسلاح في ناغورنو كارباخ وذرفت دموع الابتذال والكذب في يريفان، ولكن الحلف الذي يتطور بجدية ودراسة استراتيجية بين الصين وروسيا وايران ومحور المقاومة سيضع عاجلا ام آجلا حد لغطرسة القوة للثالوث الدنس – الولايات المتحدة واسرائيل وانظمة الاستبداد الرجعي العربي – خاصة السعودية وستكون البداية هزيمة هذا الثالوث في سوريا واليمن.

فروسيا اليوم تزود الجمهوريات الروسية السابقة في حوض قزوين بالسلاح، والدعم الاقتصادي والسياسي وبرزت روسيا كمزود عسكري رئيسي لايران وتقدم السلاح والتكنولوجيا العسكرية لايران وهناك تحالف استراتيجي بين روسيا وايران، والاتفاق الاستراتيجي الاخير الذي وقع في الفترة الاخيرة بين ايران والصين هو بداية نهاية سياسات القطب الواحد على مستوى عالمي.

فالولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في اوائل التسعينيات قامت بضم حكومات محلية واقامة احلاف عسكرية مختلفة وتوسعت في شرق اوروبا واتسع حلف الناتو ليضم دول اشتراكية سابقة كهنغاريا وبولونيا واوكراينا الذي يترأسها الآن رجل اليمين في كييف والمدعوم امريكيا ومن الصهيونية العالمية والذي لا يتردد من اقامة تحالف مع الولايات المتحدة والناتو، وخلق مواجهة سياسية وعسكرية مع روسيا، مبتعدا عن البحث عن حل سياسي حول الدنبس مع روسيا، ولا ننسى دور جورج سورس ممثل طبقة رأس المال التخريبي في دول اوروبا الشرقية.

ولكن روسيا لم تترك الساحة للولايات المتحدة في شرق اوروبا، وضم شبه جزيرة القرم لروسيا كانت خطوة شجاعة وحاسمة، من قبل بوتين وروسيا، وكاتب هذه السطور زار شبه جزيرة القرم بعد ضمها الى روسيا وشاهد في ميناء سيباستوبل عشرات الغواصات والسفن العسكرية الروسية هناك، وقلت حينها لذاتي تخيل لو لم تقم روسيا بضم شبه جزيرة القرم اليها لتواجد الآن في هذا المكان سفن وغواصات حلف الناتو على بعد بضع كيلومترات عن روسيا ولأصبح كل البحر الاوسط بحيرة تهيمن وتسيطر عليه الولايات المتحدة.

"لا شك بان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهي ارض كانت تابع وجزء من روسيا السوفييتية وتنازل عنها خرتشوف في ستينيات القرن الماضي لاوكراينا السوفييتية وما فعله بوتين هو استرداد شبه جزيرة القرم الى الوطن الام روسيا، وخاصة بعد ان تحولت اوكراينا الى جزء من الغرب الامبريالي، فسيباستوبل موطن الاسطول السوفييتي والروسي منذ الحقبة السوفييتية وضم شبه جزيرة القرم الى روسيا ثم بعد اجراء استفتاء شعبي، حيث صوت غالبية شبه جزيرة القرم بالموافقة على الضم الى روسيا".

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبعد الخطأ، بل الجريمة التي ارتكبها غورباتشوف ومستشاره الكبير عميل الـ سي.اي.ايه بقيامه بتفكيك حلف وارسو بدون أي التزام من ريغن وتاتشر بعدم توسيع حلف الناتو شرقا، عملت الولايات المتحدة بالتوسع في شرق اوروبا بهدف محاصرة روسيا ايضا من الجنوب واقامة حلف اوروآسيا يكون دوره اللاحق تفكيك روسيا من الداخل، فتدخل روسيا في سوريا الى جانب الدفاع عن سوريا الشعب والوطن ووحدة سوريا هو دفاع عن الباب الخلفي لروسيا. وفي هذا المجال نجحت روسيا بل استطاعت ان تقيم تحالف مع الصين وايران، وهذه رسالة بان استراتيجية الهيمنة الامبريالية في آسيا الوسطى وغرب آسيا مصيرها الفشل الذريع وهذا بفضل ايضا صمود الشعب السوري والعراقي والايراني واليمني وحزب الله وصمود الشعب العربي الفلسطيني المكافح والمناضل من اجل احقاق حقوقه العادلة باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ورفض الشعب الفلسطيني لصفقة القرن، لن تستطيع الولايات المتحدة وكل مركبات الثالوث الدنس من منع شعوب المنطقة في النضال والكفاح من اجل تحررها من الهيمنة الامبريالية الصهيونية فسلام الشعوب بحرية الشعوب وليس من خلال توقيع اتفاقيات التطبيع، بل الخيانة مع انظمة رجعية عميلة تتواجد في سرير واحد مع الامبريالية العالمية وكلاهما متوله بالدبر – المؤخرة اليهودية – الصهيونية العالمية.

كتب زبغنيو يريجنسكي عام 1997 في كتابه رقعة الشطرنج الكبيرة ص 37 بنيت الامبراطوريات "من خلال الاستيلاء الحذر والاحتفاظ بالموجودات الجغرافية الحيوية، كجبل طارق وقناة السويس وسنغافورة". ولتحقيق اهدافها عملت الامبريالية العالمية على حشد اساطيل كبيرة وحملات عسكرية من اجل الحفاظ وحيازة الموجودات الجيوسياسية، وفي عصرنا الحاضر مصادر النفط، او الاحتفاظ بها تحت هيمنتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ووجود الانظمة الرجعية العربية تجعل من هذه العملية بل المؤامرة، عملية من السهل تحقيقها، لا بل اصبحت هذه الانظمة الشريك المتآمر والمنفذ لهذه السياسات الجيوسياسية الامبريالية – الصهيونية العالمية.

والمؤامرة الاخيرة على الاردن التي كانت تهدف الى تحويل الاردن الى شريك في تمرير سياسات الهيمنة المطلقة للامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية تحت شعار التطبيع بل الخيانة بين "ابناء ابراهيم"، أي الصهيونية والانظمة الرجعية العربية. خلال فترة الحرب الباردة في فترة الاتحاد السوفييتي لعبت المنافسة الايديولوجية دورا مهما، ولكن نجاح اسرائيل في عدوانها عام 1967 كان ضربة قاسية، بل نكبة جديدة حلت بحركات التحرر في غرب آسيا، وضربة للحركة العربية القومية الوطنية، وفتحت المجال لهيمنة واستبداد الانظمة الرجعية العربية، وسمحت في انتشار المفاهيم والايديولوجيات الرجعية السياسية والدينية والتي ما تزال تلعب دورها التخريبي في مجتمعنا العربي من الخليج الى المحيط وهنا في الداخل، حيث تم تمزيق الشعوب الى انتماءات اثنية وطائفية ودينية تستغل من قبل القوى الرجعية عالميا ومن قبل القوى الرجعية عالميا ومن قبل الانظمة الرجعية في عالمنا العربي بهدف تعميق التفسخ والصراعات وتحويل دول المنطقة الى دويلات يسهل السيطرة والهيمنة عليها.

وهكذا تم تحييد وتهميش الصراع الايديولوجي، وهكذا اصبحت مقولة لا يمين ولا يسار وكأنها "حكمة" و "رسالة" مع انها تعكس قمة الجهل السياسي إن لم تكن عملية انبطاح وعمالة امام الصهيونية والرجعية العربية. فمن يريد ان يكافح من اجل حقوق شعبه الوطنية العادلة وضد الصهيونية عالميا وهنا داخل اسرائيل وضد الامبريالية العالمية يجب ان يحمل الفكر اليساري المناضل والمكافح والثوري، يجب ان يحمل العلم الاحمر ويعشق برقوق وطنه الاحمر ويتبنى الفكر الثوري اليساري المكافح القومي الاممي الانساني التقدمي حتى النهاية.

لقد كان الاتحاد السوفييتي الداعم بلا حدود لحركات تحرر شعوب الشرق العربي، مما جعل الكسندر هيغ عام 1980 يقول في شهادة قبيل ان يصبح وزيرا للخارجية: "عندما يقيّم المرء الزيادة الراهنة لنشاطات الوكيل السوفييتي في العالم الثالث فانه يستطيع فقط ان يستنتج ان زمن حرب الموارد قد اقترب". (انظر ميشيل كلير "حروب الموارد" هاربرس كانون الثاني 198 – ص 20 – 23)، وهذه الاستراتيجية الامبريالية الهادفة الى الهيمنة والسيطرة ادت الى تدخل الولايات المتحدة بصورة مباشرة وغير مباشرة في عدد لا حصر له من النزاعات بما فيها الحروب الاهلية في انغولا والكونغو وافغانستان وبعد ذلك غزو واحتلال العراق ومؤامرة تمزيق سوريا وليبيا والحرب الارهابية السعودية الامارتية ضد الشعب اليمني والمدعومة امريكيا واسرائيليا.

واليوم تعود العوامل الجيو-بوليتيكة بعنف وشدة لكي تصوغ سياسات الولايات المتحدة ضد شعوب غرب آسيا. واصبحت اوراسيا والشرق الاوسط "رقعة الشطرنج الكبيرة" التي عليها تتواصل "لعبة الصراع من اجل التفوق العالمي" (بريجنسكي "رقعة الشطرنج الكبيرة" ص 14). ولكي تنجح الولايات المتحدة في هذه المنافسة، اكد انه "يجب ان تحتفظ السياسة الخارجية الامريكية باهتمامها بالبعد الجيوبوليتيكي" للشؤون العالمية. (بريجنسكي "رقعة الشطرنج الكبيرة" ص 14).

وهذه الافكار والمفاهيم والسياسات هي التي تؤثر على التفكير الاستراتيجي الراهن لطبقة رأس المال العالمي وخاصة الامريكي ان كان في فترة حكم ترامب ام بايدن ام غيرهم فالتغيير هو فقط في القناع وليس في الوجه، وحليفتها الصهيونية العالمية، والانظمة الرجعية العربية خاصة السعودية ودول الخليج العربي لا بل الامريكي.