بصدد الروح الثورية للماركسية


جمال براجع
2021 / 4 / 17 - 00:02     

يعرف لينين الماركسية بكونها نظرية الحركة التحررية للبروليتاريا"(كتاب: إفلاس الأممية الثانية. لينين المختارات. المجلد الخامس).بمعنى أنها النظرية العلمية الثورية التي ستمكن الطبقة العاملة من التحرر والقضاء على الاستغلال الرأسمالي عبر التغيير الثوري والانتقال إلى الاشتراكية في أفق المجتمع الشيوعي.
إن حصر الماركسية في بعدها المنهجي كأداة لتحليل وتفسير الواقع لضبط القوانين المتحكمة في حركته فقط واعتبار دلك هو جوهرها الحي ̜أو بمعنى أخر أداة لتحليل الصراع الطبقي الدائر في المجتمع الرأسمالي دون طرح البديل لحل التناقضات المتحكمة في هدا الصراع ̜ هو فهم اختزالي للماركسية يغيب البعد الأساسي الآخر فيها وهو البعد الفلسفي الثوري كنظرية للتغيير̜ أي كفكر وفلسفة للثورة الاجتماعية التي ليست سوى الثورة البروليتارية في ظل سيادة نمط الانتاج الرأسمالي.انه الروح الثورية للماركسية.ولا يمكن للماركسية أن تأخد بعدها الثوري كفلسفة للثورة إلا إذا تبنتها الطبقة العاملة كفكر علمي يرشد ويوجه ممارستها للصراع الطبقي في جميع مستوياته السياسية والاقتصادية والإيديولوجية ويمكنها من أدوات ممارسة هدا الصراع.
"فالفلاسفة لم يفعلوا سوى تفسير العالم بطرق شتى والمهم هو تغييره" إن هده المقولة الفلسفية لماركس (الاطروحة11 من " اطروحات حول فيورباخ") تعكس التصور الفلسفي المادي الجدلي لماركس. فماركس في نقده للفلسفة المثالية التأملية والاقتصاد البرجوازي والاشتراكي الطوباوية أسس للفلسفة العلمية للتغيير( الربط بين النظرية والبراكسيس) والثورة في معمعان الصراع الطبقي الذي كانت تخوضه الطبقة العاملة ضد البرجوازية.فلا نفع في الفلسفة إن لم ترشد إلى تغيير الواقع. والتغيير بالنسبة للماركسية هو الثورة الاجتماعية بمضمونها البروليتاري على علاقات الانتاج الرأسمالية السائدة وتعويضها بعلاقات الانتاج جديدة يتحكم فيها المنتجون الأحرار مباشرة في نتاج عملهم .هي علاقات الانتاج الشيوعية.
فماركس عندما قام بنقد نمط الانتاج الرأسمالي والكشف عن جوهره الاستغلالي(نظرية فائض القيمة)̜ اعتمادا على المنهج المادي الجدلي̜ فانه لم يفعل دلك بهدف تأمله وفهمه فقط بل من اجل تجاوزه بطرح البديل له وهو المجتمع الشيوعي(البيان الشيوعي).وبين علميا أن تطور الصراع الطبقي في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية سيقود حتما إلى انتصار البروليتاريا وفرض ديكتاتوريتها على أنقاض الدولة البرجوازية ( دكتاتورية الأقلية) بحكم موقعها في علاقات الانتاج الرأسمالية وبكونها الطبقة الثورية الوحيدة المؤهلة تاريخيا وموضوعيا لقيادة هدا التجاوز عبر قيادة الثورة الاجتماعية لتحرير نفسها وتحرير المجتمع ككل. والحتمية هنا لا تعني الحتمية الميكانيكية بل الحتمية بمضمونها المادي التاريخي كنتيجة منطقية لتطور قوى الانتاج وبلوغها مستو من التطور تدخل فيه في تناقض مع علاقات الانتاج الرأسمالية القائمة على الملكية الخاصة̜ فتصبح هده العلاقات عائقا وقيدا أمام تطور تلك القوى وعندئذ ينفتح عصر الثورة الاجتماعية(مقدمة كتاب " مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" لماركس).ولن تحقق البروليتاريا مهمتها التاريخية تلك سوى بتنظيم صفوفها سياسيا أي ببناء حزبها السياسي وخوضها الصراع الطبقي ضد البرجوازية بشكل منظم وواع( سلاح التنظيم والوعي الطبقي). وقد توفق لينين̜ على الخصوص بشكل ذكي وخلاق̜ في استيعاب هذا الجوهر الفلسفي الثوري والعلمي للماركسية واعتماده في قراءته وتحليله للواقع الروسي وبلورة النظرية اللينينية للثورة التي أبرزت وأغنت الجوهر الثوري للماركسية وأصبحت في صلبه في وحدة لا تنفصم : الماركسية اللينينية .( لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية ولا نظرية ثورية بدون حركة ثورية).وهو ما تحقق فعلا مع ثورة أكتوبر الاشتراكية وما تلاها من ثورات.
إن الربط الجدلي بين الجانب المنهجي العلمي والجانب الفلسفي الثوري في الماركسية ضروري لاستيعاب جوهرها الحي . وهو ما أكدته مختلف تجارب الحركات الثورية الاشتراكية في التاريخ (الروسية والصينية والفيتنامية...).وهو ما يجب أن نستحضره نحن الماركسون/ات بإعطاء نضالنا بعده الثوري عبرالارتباط بالحركة النضالية للطبقة العاملة وحلفاءها و بناء حزبها السياسي الذي يقودها في صراعها من اجل التغيير الثوري.