الصراع الدولي اليوم


حزب اليسار الشيوعي العراقي
2021 / 4 / 15 - 03:17     

مخاطرُ الصدام الأمريكي- الصيني ومحاولة عزلٍ الصينِ بزعزعة موقفِ الحليف القوي "روسيا"
لا شكّ أنّ السلطة الحقيقية التي تتحكم بالإدارة الامريكية وتوجهها هي سلطة رأس المال ومصالحه عبر العالم، والرأسمال هو الذي يحرّك السياسة الأمريكية وأعمالها الحربية العسكرية ضد الشعوب؛ الرأسمالُ الذي يبقى جائعاً دائماً إلى تحقيق الأرباحِ الجديدة ونهب ثرواتِ الشعوبِ عبرَ شنِّ الحروب العدوانية ضدّها. إنّه الجشعُ الرأسماليُ الذي يسير بالبشرية نحو البربرية دونما اهتمامٍ.
إنّ المتتبعَ للسياسة الدولية يعرفُ حتماً أنّ العلاقات الدولية الأمريكية المبنية على فرضِ التفردِ الاقتصادي والسياسي والعسكري في العالم كلّه، تعملُ على الصدامِ مع المنافسين في ساحة النشاط الاقتصادي والعسكري. وهي اليومَ تجدُ أنّ المنافسَ القوي هو (الصينَ) وتعمل على الصدام معه بزحزتهِ بعيداً عن المواقعِ التي يمكن أنْ يحقق فيها سبقاً، وذلكَ بعزلهِ والانفرادِ به لإنزالِ الهزيمةِ به في الساحة التي يمكن سحبَه إليها ومواجهته فيها.
وأمريكا الآن بما أنّها تفكرُ بعزلِ هذا المنافسِ الكبيرِ فهي تنظرُ بعينٍ حذرةٍ نحو حليفِ االصين القويّ "روسيا" بوصفها من الراسماليات البازغة ومدججة بالسلاح ايضاً، ولابُدّ لها أنْ تضعَ الخططَ للانفرادِ بالصين. وفي الحقيقة، أنّ أمريكا ترى أنّ الصدامَ القادمَ مع الصينِ يجبُ أنْ يكونَ مع الصينِ وحدِها وهي منفردةٌ، من دونِ أن يكونَ لها حلفاءٌ عبرَ العالمِ. ومن ذلك تأتي ضرورة تحييد روسيا على الأقل وحلفاء آخرين، أو وضعهم جميعاً في موقف الدفاع، لمنعهم من الذهاب مع الحليف الصيني إلى ساحات الصدام المختلفة. وتعملُ أمريكا بقوة لضمان عدم تشتيت القوّة الأمريكية الأوربية وحتى القوة العسكرية لهذا المحور، في جبهاتٍ متعددة، فيما لو نجحت الصين بتوثيق تحالفاتها الخارجية التي ستضعف جهود أمريكا الحربية في سيناريوهات الصدام كلها.
وقد كشف كيسنجر في لقاء عبر تطبيق "زوم" مع وكالة رويتر، آليات التنافس العالمية، وحذر من الوصول مع الصين إلى مرحلة وصفها بأنها "أكثر خطورة" من مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى في أوروبا، إن لم يتوصل الطرفان إلى تفاهم بينهما، وذلك وفق ما أفادت به وكالة "رويترز".
واعتبر كيسنجر أنّ السؤال المطروح هو ما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تطوير تفاهم مع الصين حول نظام عالمي جديد أم لا، مرجحاً أن تجد الولايات المتحدة صعوبة في التفاوض مع "منافس" مثل الصين "سيكون قريباً أكبر وأكثر تقدماً في بعض المجالات". وأضاف محذراً:- "على الغرب أن يؤمن نفسه". وهذا التحذير إفصاح واضح وإشارة إلى ضرورة الاستعدادات الغربية لاحتمالات الصدام المختلفة، بعد تدشين ترامب للصدام مع الصين عبر العقوبات التجارية.
ولكن من الضروري إلقاء نظرة سريعة جداً على الطبيعة الإمبريالية من البدايات التي بحثها لينين برؤية ماركسية، وفهم الأسباب التي تؤدي بالضرورة إلى الاحتراب والتنازع وإلى الحروب الكونية أيضاً. وهي في الحقيقة الأسباب نفسها المتعلقة بالتنافس والمزاحمة الرأسمالية الإمبريالية.
وعلى الرغم من محاولات إزالة مفهوم الإمبريالية إلى حد كبير من اللغة السياسية لأغلبية "اليسار الغربي" واعتبارها أمراً غير ذي أهمية أساسية لفهم وشرح آليات وتحركات الرأسمالية المعاصرة وعدوانها عبر العالم، لكن حوادث القرن الجديد كشفت لنا أنه من الضروري الكشف عن الطبيعة الإمبريالية للرأسمالية المعاصرة، رأسمالية رأس المال المالي العالمي.
ففي حديث الاقتصادي الماركسي اللينيني الهندي المعاصر "برابهات باتنايك" رؤية موضوعية للطبيعة الامبريالية وهو يؤكد؛ (إن العالم الذي كتب عنه لينين كان يتألف من أوليغارشيات مالية تدعمها دولٌ قومية دخلت في تنافسٍ إمبرياليٍّ حاد لإعادة تقسيم العالم عبر الحروب. وعندما اقترح كارل كاوتسكي إمكانية التوصل إلى هدنة بين القوى الراسمالية المتنافسة من أجل تقسيمٍ سلميٍّ للعالم، أشار لينين إلى أنَّ ظاهرة "النمو غير المتكافئ للأمم الرأسمالية ستؤدي بالضرورة إلى تخريب أيِّ هدنة سبق أن اتفقوا عليها). (عن: نظرية في الإمبريالية)
ومن المفيد التذكير بطبيعة الإمبريالية في عصر العولمة الاقتصادية التي تصفها الاقتصاديات الماركسية المعاصرة بأنها إمبريالية رأس المال النقدي أو رأس المال المالي. ففي الحقيقة أنّ العالم ينقسم ويتوحد وفقا لما تحققه السياسات الإمبريالية من منافع اقتصادية ومصالح دولية، مع أنّ الإمبريالية اليوم ليست قومية بالمعنى الكلاسيكي بل هي منظومة يتحكم بها رأس المال المالي على نحو دولي يقوم على تقسيم المصالح وتوزيع المهام، ومن يخرج عن هذه السياسة سيتلقى العقاب.
ومن اللازم أنْ نذكر أنّ تآكل رأس المال وانهياره الذي يسببه التضخم هو محرّك فاعل ودقيق في عصر إمبريالية رأس المال المالي. وهو ما يمثل، على نحو عرضي، السبب وراء هاجس السياسات الحالي في المنظومة الإمبريالية المعروف بـ "استهداف التضخم"، حيث تتم معالجته في المراكز الرأسمالية عبر فرض تكميش دخول (دخل) البلدان الضعيفة النمو والمحتلة ودخل السكان العاملين فيها عموماً، مما يجعل الصيغة الإمبريالية أكثر أهمية. فكلما أصبحت الرأسمالية أكثر تعقيدًا، كلما ازدادت حاجتها لتجديد وتعزيز دعائمها الأولية البسيطة في النهب والتنافس على منافذ تشغيل الرأسمال، والاستثمار عبر البحار كما يقول الاقتصادي "برابهات باتنايك".
ويقول أيضاً "كان النهب الاستعماري يتم في الفترة الاستعمارية الماضية عبر طريقتين، الأولى: "تقليل القدرة الصناعية" عبر استبدال الإنتاج الحرفي المحلي بواردات المصنوعات من القطاع الرأسمالي، والثانية: «استنزاف الفائض»، حيث يؤخذ باختصار جزءٌ من الضرائب من صغار المنتجين على شكل سلع مُصدَّرة دون أي مقابل. وهكذا استمر دخل السكان العاملين في العالم الثالث في الانحدار، بينما الطلب في المراكز الرأسمالية على هذه السلع قد جرى تلبيته دون أي تهديد تضخمي لقيمة المال. وقد تم مؤخرًا تطبيقُ عملية مماثلة تم فيها تكميش لدخل السكان العاملين في العالم الثالث عبر سياسات العولمة النيوليبرالية".
إذن، أنا أشير بمصطلح "الإمبريالية" إلى الصيغةِ التي يخلقها النظام الرأسمالي لفرض انكماش الدخل لدى السكان العاملين في العالم الثالث من أجل مواجهة "خطر التضخم" الذي من شأنه أن يؤدي إلى تآكل قيمة المال في المراكز الرأسمالية وتهديد استمرارية النظام. وبالتالي، فإن "الإمبريالية"، بمعناها هذا، لا تتمايز او تختلف في فترة الاستعمار عنها في الفترة المعاصرة، إنما شملت الاثنتين". (برابهات باتنايك – نظرية في الامبريالية)
وفي مخاطر الصدام الدولي، من جهة قضية التنافس الإمبريالي، لابد أنْ نلاحظ أنّ تقدّمُ الصينِ وتفوقها الاقتصادي، ثم تفوقها العلمي ومنافستها الجادة والعالية اقتصاديا عبر العالم وتبنيها المشاريع في أفريقيا وتنظيم التجارة عبر آسيا بقوّة وجرأة، وتوقيع الاتفاقية الصينية الإيرانية لـ 25 عاماً، فضلاً عن المنافسة العلمية الشديدة والمحمومة مع أمريكا في تكنولوجيا الاتصالات التي كانت تنفرد بها أمريكا قبل تقدم الصين، خصوصاً التقدم الذي تشهده الصين في موضوع الجيل السادس (6G) وتفوقها على أمريكا في هذا الشأن، دفع حدة الصراع إلى أقصاه، لأنّ من يحوز قصب السبق في إنتاج الجيل السادس سيتحكم بالعالم واقتصاديات البلدان. فالجيل السادس سوف يدشن "عصر الصناعة الجديد" على حد تأكيد علماءِ عصرنا. لقد شكّل هذا التطور الصيني تحدياً عالمياً لأمريكا، ويكاد الأمريكان في البيت الأبيض يفقدوا السيطرة على أعصابهم بسبب هذا التنافس الذي يؤكد تقدم الصيني على أمريكا.
ومن جملة الحملات التي قادتها أمريكا على الصين الاتهامات المعروفة بخصوص نشر "فايروس كورونا" واستخدام أمريكا العصا البالية المهترئة (الأمم المتحدة) وتشكيلها لجنة التفتيش أو التحقيق سيئة السمعة، وهي الأداة التي طالما استخدمتها أمريكا لتكريس الضغط على البلدان التي لا تنصاع لمطالبها وهيمنتها، فغالبا ما صنعت عبر هذه اللجان شرعية زائفة لتبرير ادعاءاتها وشن العدوان العسكري، أو التجييش الدولي ضد مخالفيها، كما هو في حالة التجييش ضد روسيا والصين الآن وفرضها العقوبات. وتستطيع امريكا في الغالب سوق البلدان المحيطة بها في أوربا الرأسمالية الأمبريالية نحو مسلخِ الاعمالِ الحربية، وهي مؤمنة أنها تستطيع أن تسير بهؤلاء نحو أهدافها بلا اعتراض. والمعروف أنّ الأمم المتحدة ما هي إلاّ العصا التي نخرها السوس والتي دأبت أمريكا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي على منحها قبلة الحياة بين حين وآخر لفرض الحصار هنا أو هناك، ومن ثم شن العدوان على بلدان العالم وشعوبها الآمنة.
وما نودُ أنْ نركز عليه هنا؛ هو إدارة أمريكا للصراع الدولي بمبادئها العدوانية وأخلاقيات الهيمنة التي تبيحها لها القطبية الواحدة وأخلاقيات الكاوبوي ورجال العصابات، عبر تشظية التعاون الثنائي والدولي بين البلدان وتخريب تحالفاتها المختلفة؛ لكي تصل إلى الأهداف وتبريرِ العدوانِ، بصرف النظر عن طبيعة هذه التحالفات وشرعيتِها أو موقفها من تكريس السلم وإدانة الحروب.
إنّ أمريكا تدركُ أنّ الحرب على الصين وبصورة مكشوفة ومباشرة سينتج عنها استقطابات دولية قد تدعم موقف الصين، وربما صنعت محاور استعداداً للمواجهة والحرب، وهو أمر خطير جدا.ً كما أنّ إيران ستكون أول المنضوين تحت خيمة المحور الصيني، التي تُشكّلُ اليوم قوةً لا يُستهان بها بمكانتها بين دول أوبك وحجم إنتاجها النفطي السيادي الذي تملكه الدولة بالكامل، ومن ثم قوتها العسكرية التي تطوّرت خلال السنوات الأخيرة، وموقعها في منطقة الخليج وقدرتهاعلى الحضور المؤثر في مياه الخليج العربي، منطقة النفط المهمة بالنسبة إلى أمريكا وأوربا. أي أنّ أمريكا تخشى في حالة إعلان الحرب على الصين، أن تفتح إيران بالتعاون مع الصين جبهة مؤثرة أخرى في الخليج، وقد تشن إيران حرباً على السعودية ومحميات الخليج الضعيفة، وهو الاحتمال الأكيد. فيما تحظى هذه البلدان اليوم بحياة آمنة مع قمع المعارضين، إلى حد كبير، بما تقدمه لها أمريكا من حماية على مدار الساعة. والولايات المتحدة تعرف أنّ جبهة أخرى في أثناء الحرب على الصين، تنشأ في منطقة الخليج ستشكل تهديداً كبيراً لآلة الحرب الأمريكية بخصوص توفير الوقود، فضلاً عن انشغال آلتها الحربية عسكرياً في منطقة بعيدة عن ساحة الحرب مع الصين.
ومن الإشارات المكشوفة مصادرة السفينة الإماراتية التي تحمل ما يقارب 2 مليونَ برميلٍ من النفط الخام واالمتجهة إلى الصين والتي تحمل أوراق شركة سومو العراقية لتصدير النفط، بينما تؤكد سومو أنّ الأوراق مزورة، ولا علم لها بهذه الشحنة. فيما تقول أمريكا إنّ النفط إيراني المنشأ، وهي تلوّح برفع العقوبات أو إعادة جدولتها أو الرجوع الى الاتفاق النووي. هذا من ضمن جدول أعمال أمريكا لإخضاع إيران ودفعها للجلوس إلى طاولة المفاوضات التي إنْ انتهت فإنّ أمريكا تأمل أن تنتهي أيضاً بضمان التوقف عن الصداقة الصينية والروسية أو تحجيمها والابتعاد عن الصين وسياستها للسيطرة على آسيا كما تقول أمريكا والاتحاد الاوربي. ولابد أنّْ للسياسة الأمريكية غير المتشددة مع إيران، كما سنرى، من ثمن سيدفعه الإيرانيون حتماً، وأفضل ما يقدمه الإيرانيون لسياسة أمريكا هذه هو التخلي عن الصين وروسيا معاً فيما يتعلق بالتعاطي مع سياسة التحديات الدولية والبقاء بحدود السياسة الاقتصادية التي تنظمها الاتفاقيات التجارية.
إنّ ما يؤدي إلى هذا السيناريو هو أنّه من الملاحظ أنّ أمريكا وحلفاءها الأوربيين يحاولون جاهدين جر إيران إلى طاولة المفاوضات عبر الضغط مرة والتلويح بتخفيف العقوبات مرة أخرى ولغة التهاون والتعاون السائدة هذه الأيام. تقوم أمريكا بذلك لكي تضمن أمن حلفائها الخليجيين أولاً، ومن ثم تؤمّن فض ارتباط إيران مع الصين. فقد أبلغت الولايات المتحدة مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 4/3/2021، أنه تم منح إيران فرصة لمعالجة مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بشأن جزيئات اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع قديمة غير معلنة، وأن واشنطن ستقوم بالمراقبة عن كثب فقط، بلا لجان تفتيش أو ضغوط كبيرة. وبناء على هذا الموقف قرر القادة الأوربيون التخلي عن طرح مشروع قرار ينتقد إيران كان من المقرر طرحه على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن المعروف أن المشروع الأوربي هذا، الذي تقف وراءه ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كان مدعوماً من أمريكا، بل بتوجيه ورغبة منها. وتقول النتائج الأخيرة إنّ الأمور تسير نحو الانفراج وتتقدم أيضاً نحو طاولة المفاوضات. فقد قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي: "سنعقد اجتماعا فنيا مع إيران في بداية شهر أبريل" الشهر الرابع من هذه السنة. وتابع "لدينا استفسارات وشكوك تحتاج إلى تفسيرات من طهران". وأضاف غروسي " نتمنى الوصول مع طهران إلى نتائج فنية". وأوضح "هدفنا هو إبلاغ مجلس الوكالة بشأن التقدم الحاصل في الاجتماع المقبل في يونيو". وبدورها، رحبت طهران بالموقف الأوروبي في وكالة الطاقة الذرية المتعلق بالتخلي عن مشروع القرار الذي يوجه النقد إلى إيران.
إنّ ما تطمح إليه أمريكا فيما يتعلق بالموقف الإيراني من المفاوضات قد بدأ يطل برأسه، وهو الطريق الذي سيجر مواقف أخرى بالضرورة منها تخفيف الحصار أو رفعه نهائياً وهو ما تطمح إليه إيران؛ خصوصا وأنها لم تعد تضمن العمق الاقتصادي العراقي الذي يوفر لها ما تحتاجه من العملة الاجنبية (الدولار تحديداً) مؤقتاً بعد أن أحكمت أمريكا قبضتها، بالسيطرة على القرارت الصادرة عن البنك المركزي العراقي وسلطاته، حينما استطاعت تغيير سعر الصرف للدينار العراقي ووضع جملة من القيود على بيع العملة عبر ورقة البنك الدولي (الورقة البيضاء) التي قدمتها حكومة الخائن الكاظمي، والتي لاقت تأييدَ واستحسانَ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والخزانة الأمريكية وأوربا، إضافة إلى مراقبة المصارف الأهلية والحكومية العراقية ومتابعة الفساد. وكان العراق هو الباب الوحيد الذي يغدق على أيران العملة الصعبة عبر قنوات الفساد والجريمة المنظمة. وهي بالتيجة عملت على تخفيف أعباء الحصار والعقوبات الدولية عليها.
من جهة أخرى، ولضمان استقرار المنطقة وضمان ربطها بالحلف الأمريكي الصهيوني، كما هي عليه اليوم صرح بايدن مساء 16/3/2021 إن أمريكا لا تعاقب حلفاءها، في رده على سؤال الصحافة في مؤتمره هذا عن موقفه من ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) بخصوص جريمة مقتل جمال خاشقجي؛ حيث قال بوقاحة (إنّ الجناة الحقيقيين نالوا جزائهم وأمريكا لا تتخذ عقوبات بحق حلفائها). وهذا في أقل تقدير، هو تأكيد منه لحلفاء أمريكا في المنطقة أن أيديهم مفتوحة وحرّة في ارتكاب الجرائم وممارسة القمع خلال السنوات الأربع القادمة. ويعني هذا بلا شك، التخلي بل نكراناً مؤكَداً لحقوق الانسان التي تلّوح بها أمريكا وحلفاؤها ضد سوريا وفنزويلا وكوبا وجمهورية كوريا الديمقراطية، إلخ، على نحو دائم.
أمّا في سياسة بايدن في أوربا فأنه من الأهمية ملاحظة العودة السريعة عن قرارات ترامب التي يعمل عليها بايدن والديمقراطيين من خلفه بكل قواهم، ويحاولون إعادة وضع أيديهم بإحكام على العلاقات الأوربية دولياً خصوصاً علاقات بعض دول أوربا مع الصين وروسيا، وقد استطاع بايدن في فترة قصيرة وقبل أنْ يبلغ الخط الأحمر (الـ 100 يوم الأولى من الرئاسة) تصحيح الكثير من قرارات التخريب التي صنعها ترامب في فترات سابقة مع حلفائه الأوربيين التي منها موقف أمريكا المالي من الناتو، ودعم بريطانيا في مشروع البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي) بالضد من موقف الاتحاد الأوربي، وهي القرارات التي سببت تعكير صفاء العلاقة مع بلدان أوربا. ويبدو أنّ الموقف الأوربي الآن يصطف على نحو ما مع أمريكا ويتبنى مواقفها. فقد أعلن ممثل الخارجية للاتحاد الأوربي "جوزيب بوريل" في 9/2/2021 "أن العلاقات الروسية الأوربية على مفترق طرق، وإنّه يرى؛ ليس في نيّة روسيا تحسين هذه العلاقات" ولم يذكر أيّ سببٍ ذي أهمية، أو سبباً منطقياً لقوله هذا عن روسيا عدا قضية المعارض/ الجاسوس (نافالني)، وكشف أنّه "سيتقدم بمبادرة لفرض عقوبات جديدة على روسيا، بعد وصول الحوار السياسي معها إلى (حالة ركود)". ولابد من الإشارة إلى أنّ هذه المواقف التصعيدية الأوربية لم تكن مفاجِئة للجانب الروسي، وهو ما عبرت عنه الخارجية الروسية عندما قالت (إنّ بروكسل – مقر الاتحاد الأوربي- أرادت من خلال زيارة بوريل، ترتيب "جلد علني" لروسيا)، مدركة أنّ خلف ستارة هذا التصعيد تقف أمريكا. وقد لمّحَ وزير الخارجية الروسي "لافروف" إلى هذا حينما قال في لقاء مع نظيره الفنلندي إنّ "الاتحاد الأوروبي هو من عرّض العلاقات للتدهور بشكل مستمر. إنّ هيكل هذه العلاقات يُدمَّر بشكل واعٍ بمبادرة من بروكسل".
وقد استطاعت أمريكا عبر موقف كلٍ من ألمانيا وفرنسا أنْ تحشد أوربا ضد الصين في موضوع لجنة التحقيق والكشف عن نشر فيروس كورونا في الصين. وبايدن اليوم يدفع بالموقف من بعيد نحو النقطة الحرجة، عبر مناوراته في إلغاء قرارات ترامب الخاصة بمواضيع عدة مع الاتحاد الأوربي من جهة، ومع الصين ومع روسيا من جهة أخرى، وفي الشرق الأوسط كذلك. ويريد الديمقراطيون صداماً أوحرباً بلا استقطابات أو محاور عسكرية.
وقد أكدت مناورات السفن الحربية الأمريكية في بحر الصين التي راقبتها السفن الصينية عن قرب وتابعتها بسفن مماثلة في المياه ذاتها، حيث اعتبرت الصين أنّ هذا الحضور العسكري الأمريكي كان تواجداً عدوانياً، قلنا أكدت أنّها كانت محاولة لجس نبض الصين أو هي مجرد بالون اختبار للأجواء السياسية التي يمكن أنْ تُتّخَذ على أساسها الصين وحلفاؤها مواقفهم. وفي نفس الأجواء الاستفزازية سبق للصحفي الأمريكي فريدمان أنْ نشر مقالين متتاليين في الواشنطن بوست عام 2019 هما في الحقيقة سيناريو محكم عن غزو الصين مع كشفٍ كاملٍ عن القدرات العسكرية الصينية في البحر وفي الجو، وهي إشارة أكيدة عن طبيعة الاستعدادات الواقعية القائمة على المعلومات الاستخباراتية المؤكدة للأمريكان ضد الصين. حيث يذكرنا المقالين بكتاب "بول أدرمان" (التدمير عام 1979- (The Crash of 79 الذي رسم سيناريو عجيب عن الحرب العراقية الإيرانية قبل حدوثها بستِ سنواتٍ، أيْ عام 1974 عام صدور الكتاب، والذي تضمنَ بشكل غريبٍ تفاصيلَ المعاركِ في جبهات القتال، وقد أثبتت وقائع حرب الخليج الأولى أنّها جاءت كما رسمها "بول أدرمان" في كتابه المذكور.
الآن وكل يوم تدفع أمريكا بالتوتر مع روسيا إلى أمام وتحاول أن تصنع من كل قضية مهما صغرت مورداً لتوتير العلاقة مع روسيا، حتى الأوهام أو المواضيع التي ليست ذات أهمية سياسية في العلاقات الدولية ولكن المراد منها إيهام الآخرين بأهميتها. فقد جرى الحديث على لسان بايدن عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهو ما تحاول أمريكا أنْ تصنع منه قضية الساعة، ومع أنّ العالم كلّه لا يعرف حقيقة هذا الاتهام، إلاّ أنّه القشة التي سبق أنْ صنع منها الديمقراطيون بعبعاً قبل أربع سنوات ضد روسيا حينما فاز ترامب عام 2016، وتشكلت على إثرها لجنة أمريكية للتحقيق في هذا الاتهام. واليوم يعيد بايدن إحياء هذا الاتهام. ولكن كيف جرى هذا التدخل؟ ولماذا يُثار الموضوع وقد فاز بايدن الآن؟ هذا ما يمكن إحالته الى قضية أخرى ليس التدخل الروسي جزءاً منها. أي المقصود هو دفع التوتر مع روسيا إلى الأمام، مع أنّ روسيا ليست القوة الاقتصادية والعلمية التي تشكل منافساً خطيراً لأمريكا بعكس الصين. ثم تأتي الإهانة التي وجهها بايدن إلى بوتين حينما وصفه بـ (القاتل) يوم الثلاثاء 16/3/2021 لتذكرنا بالتهور والاستهانة بتقاليد العلاقات بين الدول الذي كان ترامب يتخذه وسيلة لتأكيد سلطته المطلقة. ولتؤكد لنا الآن أن التوتر هذا المقصود به الصين قبل روسيا.
إن الضغوط التي بدأ الاتحاد الأوربي يصنعها ضد روسيا مفتعلاً التصعيد في موضوع الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في قضية محاولة اغتيال المعارض الروسي (أو الجاسوس لصالح بريطانيا "نافالني")، خصوصاً بعد عودة هذا الاتحاد إلى الحضن الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية، قد شكلت- هذه الضغوط- تهديداً فعالاً جديداً للصين من بعيد. الصين التي تحاول بكل السبل أن تُبقي العلاقة مع روسيا مميزة وقوية وقائمة على مصالح مشتركة، وجعل هذا التحالف الثنائي بينهما علامة على وجود محورٍ يقابل ويواجه المحور الأمريكي الأوربي، وهو بالنتيجة من دواعي القوة التي تحاول الصين الحفاظ عليها في حالة الصدام أو في حالة تجنبه مع الجانب الثاني؛ أمريكا وحلفائها الأوربيين.
كما أنّ الموقف الأمريكي ضد تركيا بسبب صفقة الصواريخ الروسية أس400، والذي اتبعته بالعقوبات الأمريكية على الصناعات الدفاعية التركية، وإبعاد تركيا عن مجموعة صانعي الطائرة أف 35، قد تبنته بالفعل دول الاتحاد الأوربي على الفور، وذهبت بعيداً أيضاً حينما بدأت أوربا تتحدث منتقدة سياسة أردوغان التي تصفها بأنها تبتعد عن أوربا تدريجياً، وتندد بالعمليات العسكرية خارج حدود تركيا خصوصاً في شمال العراق وليبيا والبحر الأبيض المتوسط، بينما هذه العمليات لم تكن جديدة، ثم دعوة الاتحاد إلى موقف أوربي موحد وحاسم لتنظيم الاستعدادات العسكرية البحرية ضد البحرية التركية بحجة حماية قبرص اليونانية ومصالح أوربا على البحر المتوسط، والذي كان من نتائجه تراجع تركيا عن صفقة الصواريخ الروسية بقول الخارجية التركية "إنها لن تستخدم هذه الصواريخ ضمن أنظمتها الدفاعية"، كذلك قامت تركيا بسحب سفنها من البحر الأبيض المتوسط.
إن هذا كله يجري من أجل عزل روسيا والضغط عليها، ولا بُدّ أنّ رفع هذا الضغط عن كاهل روسيا سيكون ثمنه بالنتيجة التخلى عن الموقف الداعم للصين، وفض التحالف معها. وهو ما تأمل أمريكا أن تراه في المستقبل القريب، إنّ الضغوط كلها الموجهة نحو روسيا هي بالنتيجة الخطوة المهمة في تنظيم الحرب وإدارتها على الصين وعزلها وفرض الحصار عليه.
ويمكننا أن نلمس التغيير في الموقف الروسي نتيجة الضغوط الأمريكية والأوربية في المكالمة الهاتفية صباح يوم 19/3/2021 التي أجراها بوتين مع بايدن بمبادرة من بوتين نفسه، متغافلاً عن أهانة بايدن له حينما وصفه بالقاتل وتهديده الصريح بأنه سيعاقبه على أفعاله. وقد أكّد الكرملين أنّ الرئيسين أبديا ارتياحهما بعد مكالمة بوتين لبايدن، وأنهّما اتفقا على تمديد الاتفاق الثنائي حول نزع الأسلحة الإستراتيجية الذي سبق أن اتفق عليه الطرفان الأمريكي والروسي في سالت 3 قبل عقود ليمدد الى 5 سنوات قادمة. كذلك وافقت أمريكا على الانسحاب من اتفاقية (الأجواء المفتوحة)، فيما يؤكد الكرملين أن المكالمة تضمنت الحوار في المجالين التجاري والاقتصادي وأمور مهمة أخرى!
ومن الملاحظ أنّ السياسة الأمريكية وهي تجر خلفها الاتحاد الأوربي لا توجه حرابها اليوم مباشرة نحو الصين، والصين لاتحتل المركز الأول في الحرب الباردة الدائرة هذه الأيام في لغة الساسة الأمريكان والصحافة السوداء، بل أن روسيا هي التي تواجه هذه الحرب بالنيابة، وجراحها تنزف خصوصاً بعد توسيع الحضر على شخصيات روسية والتضييق على روسيا في التعاملات التجارية، وهو الحضر الذي التزم به الاتحاد الأوربي فوراً، بينما يقف التنين الصيني على مقربة من دون أنْ يصيبه الكثير في هذه الحرب. فيما الصين هي المقصودة لأنها تمثل رأس حربة الصراع الاقتصادي في السوق العالمي والتنافس العلمي والصراع السياسي مقابل أمريكا في العالم كله، خصوصاً بعد الاهتمام الصيني الواضح، وضخ أموال استثماراتها الواسعة التي تسابق الزمن نحو بلدان أفريقيا وآسيا، وهي البلدان، التي هي في الحقيقة، ملعباً لإمبريالية رأس المال المالي الغربي.
إنّ الصدام مع الصين قادم بقيادة أمريكا فيما هي تجر خلفها أوربا الغربية، وعديد من الحلفاء. لكنها حرب تبقى مقرونة بجملة من الحملات والسياسات وفي نجاحها أو إخفاقها. ولا بد أن نتائج هذه الحملات هي من سيعمل على تأهيل الأوضاع الدولية للمواجهة النهائية أو تقرر فشل المخطط الامريكي . وأمريكا تدرك أنّ هذه المواجهة لا يمكن التورط فيها من دون ضمان عزل الصين القوية عن حلفائها خصوصاً روسيا، وضمان عدم صنع جبهات اخرى يمكن أنْ تنفجر ضد أمريكا.
لكن يبقى سؤال مهم هو؛ هل ستنجح أمريكا في دفع الصدام مع الصين إلى الحد الأخير؟ ومن اللازم أن ندرك أنّ الرأسمال الأمريكي الذي تتحرك تحت يده جيوش الناتو والجيش الأمريكي ومجموعة كبيرة من القوى المتضررة بسبب التقدم الصيني هو من يدفع باتجاه هذا الصدام.
ل ع ف
8/4/2021