الإشتراكية والتقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا، طريق التحرير الحقيقي الجزء الثاني من كتاب – الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي


شادي الشماوي
2021 / 4 / 15 - 01:46     

الإشتراكية والتقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا، طريق التحرير الحقيقي

الجزء الثاني من كتاب – الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي
---------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة

عدد 38 / أكتوبر 2020
شادي الشماوي
الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي

تأليف بوب أفاكيان

http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/Avakian-TheNewCommunism-Searchable.pdf

)This is not an official translation ( ملاحظة : هذه الترجمة ليست رسميّة /
[ الكتاب برمّته متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن – نسخة بى دى أف]
-------------------------------------------------------
مقدّمة المترجم :

حينما صدر كتاب بوب أفاكيان " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " سنة 2015 ، أسرعنا إلى الإطّلاع على مضامينه المذهلة و إتّخذنا للتوّ قرار تعريبه في أقرب وقت ممكن إلاّ أنّنا واجهنا معضلة ليست بالهيّنة ما نفتأ نصطدم بها ألا وهي معضلة الأولويّات و قدر الوقت الذى نملك لتخصيصه للإشتغال على هذا الكتاب أو ذاك أو هذه المقالة أو مجموعة المقالات أو تلك ، و بالفعل إضطررنا إضطرارا إلى تأجيل تحقيق مشروع التعريب هذا مبجّلين أعمالا أخرى لها أهمّيتها القصوى هي الأخرى . و مع ذلك ، حتّى بعد ترجمتنا و نشرنا لكتاب آخر أصغر حجما لبوب أفاكيان صدر سنة 2019 و نقصد " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، لم تفارقنا قناعة ضرورة تعريف القرّاء باللغة العربيّة على هذا المصنّف ( " الشيوعية الجديدة ..." ) ذلك أنّنا نشاطر دار النشر بشيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، إنسايت براس ، https://www.insight-press.com، إعتبارها الكتاب في تقديمها له " مَخبَرا للخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان " و تأكيدها أنّه " مستفزّ للتفكير " و " يتحدّى الأفكار المنمّطة و التفكير التقليدي " . و من ثمّة ما برحنا لمدّة طويلة ، كلّما توفّرت و لو فسحة صغيرة من الوقت ، نقضم من جبل صفحات فصول ذلك الكتاب الأربعة ما نقدر على قضمه ترجمة مراكمين ، مع تصرّم الزمن ، ما يسّر تاليا الإنكباب على إتمام العمل برمّته في غضون أسابيع بدلا من أشهر .
و بما أنّ شغلنا الشاغل في إختيار الأعمال التي نترجم هو دفع النقاش و الجدال صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة عامة و العربيّة خاصة على أساس علمي و الغاية هي إنشاء حركة ثوريّة تغيّر العالم من منظور بروليتاري شيوعي ثوريّ ؛ و بما أنّ كتاب بوب أفاكيان من شأنه ، إن تمّ التعاطى معه علميّا و جدّيا ، أن يحرّك المياه الراكدة التي تخدم التحريفيّة و هيمنتها على الحركة الشيوعيّة العربيّة و العالميّة و بالتالى تخدم أعداء الشيوعية و تحرير الإنسانيّة ، سعينا جهدنا إلى إضافة هذا الكتاب الجديد إلى سلسلة الكتب السابقة التي تُعنى بأمّهات القضايا التاريخيّة و الآنيّة و المستقبليّة للحركة الشيوعية العالمية ، الإيديولوجيّة منها والسياسيّة. و عليه ، نؤكّد على أنّ هذا الكتاب الجديد ، على فرادته و تميّزه ، مكمّل و متمّم لسلسلة كتب و مقالات عرّبناها و نشرناها منذ سنوات تتمحور حول الصراع المحتدم بشأن الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة ، و منها للذكر لا الحصر المؤلّفات التالى ذكرها ( علما و أنّ جميع أعمال شادي الشماوي متوفّرة للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن ) :
- المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ( الكتاب عدد 9 من " الماوية : نظرية و ممارسة " )
- " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ( مشروع مسودّة ) " ( ضمن الكتاب عدد 10 ).
- " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ( الكتاب 13)
- " مقال " ضد الأفاكيانية " و الردود عليه ". ( الكتاب 15 )
- من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ( الكتاب 18)
- "عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " ( الكتاب 25 )
و كتابان لبوب أفاكيان نفسه :
- " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ( الكتاب 16)
- " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة "(الكتاب 36).

و للتعريف بالمؤلِّف ، أوردت دار النشر نصّا قصيرا وثّقته في نهاية الكتاب و بتفحّصنا لهذا النصّ و مقارنته بنصوص إعترضتنا آنفا أدركنا أنّه يتعتمد أساسا على وثيقة كنّا ترجمنا و نشرنا فقرات منها في الكتاب الأخير لبوب أفاكيان أي " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " فآثرنا أن نعيد نشر الفقرات المعرّبة من مقال " بوب أفاكيان – السيرة الذاتيّة الرسميّة " الصادر عن معهد بوب أفاكيان ، https://www.thebobavakianinstitute.org
لنلحقه مجدّدا بمقال " النشاط السياسي لبوب أفاكيان و قيادته الثوريّة خلال ستينات القرن العشرين و سبعيناته و تواصلهما اليوم " في كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " و مقال " سيرة مختصرة " مستقاة أساسا من سيرة بوب أفاكيان الذاتيّة " من إيكي إلى ماو و بعده ، مسيرتى من الفكر الأمريكي السائد إلى شيوعي ثوري " أوردناه في كتاب " عن بوب أفاكيان وأهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ". و هذه الفقرات هي :
"... بوب أفاكيان مهندس إطار نظري جديد لتحرير الإنسانيّة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، المشار إليه بصيغة شعبيّة ب " الشيوعية الجديدة " . و هدف الشيوعية الجديدة هو الثورة الكلّية – أكبر ثورة جذريّة في تاريخ الإنسانيّة غايتها ليس أقلّ من تجاوز كلّ أشكال الإضطهاد و الإستغلال عبر العالم قاطبة ، مجتمع حيث يمكن للإنسانيّة أن تزدهر حقّا . و تستند الخلاصة الجديدة إلى أكثر من أربعين سنة من العمل الثوري أنجزه بوب أفاكيان محلّلا نقديّا و مستخلصا الدروس و العبر من التجربة و النظريّة الثوريّتين السابقتين ، و من مروحة واسعة من النشاط و الفكر الإنسانيين . إنّها إستمرار للنظريّة الشيوعيّة كما تطوّرت قبلا لكنّها تمثّل أيضا قفزة نوعيّة تجاوزت و في بعض الجوانب الهامة قطعت معها . وهي توفّر قاعدة – علم و إستراتيجيا و قيادة – ثورة فعليّة و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي .
و بوب أفاكيان مؤلّف " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى يعدّ تطبيقا ملهما للخلاصة الجديدة للشيوعيّة . و هذا الدستور الذى تبنّته اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، مروع لمجتمع إشتراكي جديد ، بداية من اليوم الأوّل لفترة إنتقاليّة طويلة الأمد تؤدّى إلى عالم خالى من الطبقات و الإختلافات الطبقيّة ، عالم خالى من الإضطهاد و الإنقسامات و التناحرات المدمّرة في صفوف البشر ...
و المركزي في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب افاكيان هو منهجها و مقاربتها العلميين الشاملين و الصريحين . " تمثّل الخلاصة الجديدة و تجسّد حلاّ نوعيّا للتناقض الحيوي الذى وُجد صلب الشيوعية فى تطوّرها إلى هذه اللحظة ، بين منهجها و مقاربتها العلميّين جوهريّا من جهة و مظاهر من الشيوعية مضت ضد ذلك . " [ ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة -1 جانفى 2016 ]
و يوفّر هذا التقدّم النوعي في المقاربة العلميّة للقيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة أساس و نقطة إنطلاق مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية التي يحتاجها العالم بصورة ملحّة اليوم . و المنهج و المقاربة العلميين للخلاصة الجديدة عنصر مفتاح في إختراقاتها النظريّة التي تشتمل على : تعميق فهم الأمميّة ؛ و تطوير نظرات ثاقبة جديدة للمقاربة الإستراتيجيّة للثورة ، التي تكشف الإمكانيّة الفعليّة للقيام بالثورة ، حتّى في بلد كالولايات المتّحدة ؛ و تعيد صياغة كيفيّة التقدّم في النضال في سبيل إنشاء مجتمع جديد راديكاليّا – و تحرّريّ حقّا ...
و لم تكن الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، خاصة مقدّماتها الأساسيّة القائلة بأنّ الشيوعية علم ، محور خلاف و نزاع فحسب و إنّما كان بوب أفاكيان ذاته " مسألة خلافيّة " . فهناك البعض ، بمن فيهم مدافعون عن النظام الإضطهادي الراهن في العالم و موظّفوه و فارضوه ، الذين يمقتون بوب أفاكيان و يشيطنونه بالأساس للقيادة الثوريّة التي يمثّلها و التي يقدّمها . بيد أنّ عديد الآخرين ، حتّى الذين لهم إختلافات سياسيّة مع بوب أفاكيان ، يكنّون عميق الإحترام له و لما يقف في سبيله – قطيعة جذريّة مع عالم يطفح بالإضطهاد و العذاب غير الضروريين – و لتكريسه حياته للتقدّم بالثورة و تحرير الإنسانيّة . و الذين يقرّون بالدلالة العميقة للخلاصة الجديدة للشيوعيّة يعتبرون بوب أفاكيان بمثاب ماركس هذا العصر : قائد فذّ و نادر غيّرت مساهماته النظريّة نوعيّا و تقدّمت بعلم الشيوعية و عبّدت الطريق لموجة جديدة من الثورات الشيوعيّة التحريريّة الحقيقيّة عبر العالم ...
ظهور جماهيري :
منذ 2003 ، ظهر بوب أفاكيان في عديد المناسبات الجماهيريّة و شبه الجماهيريّة .
ففي 2003 ، أطلق شريط خطاب لبوب افاكيان ألقاه أمام الحضور في مدينتي نيويورك و لوس أنجلاس ، " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة و ما الذى تشمله ، شريط خطاب لبوب أفاكيان ".
و مع نهاية 2012 ، ألقى بوب أفاكيان سلسلة من الخطابات في عدّة مدن جاءت حصيلتها شريط " بوب أفاكيان يتكلّم : الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! بوب أفاكيان على المباشر " .
و في 15 نوفمبر 2014 ، شهد 1900 شخصا حوارا تاريخيّا في كنيسة ريفرسايد بمدينة نيويورك بين كورنال واست و بوب أفاكيان ، و كان عنوانه " الثورة و الدين : النضال من أجل التحرير و دور الدين "...
و في أكتوبر 2017 ، في منعرج مفصلي حينما كان نظام ترامب / بانس يحاول توطيد الفاشيّة ، أطلق شريط خطاب لبوب أفاكيان عنوانه " يجب على نظام ترامب / بانس أن يرحل ! بإسم الإنسانيّة نرفض القبول بأمريكا فاشيّة - عالم أفضل ممكن "... "

و كتمهيد و تعريف اوّلي بالمسألة المركزيّة في هذا الكتاب ، نقترح عليكم تعريفا مقتضبا للخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة صاغه بوب أفاكيان ذاته :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتّساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى و مواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ، الجزء الأوّل – جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007

و تجدر الإشارة إلى أنّ رحلة دراسة هذا الكتاب دراسة جدّية علميّة نقديّة رحلة شيّقة لا محالة و ممتعة أيضا بالنسبة للباحثين و الباحثات عن كثب و بإستمرار عن الحقيقة و الساعين و الساعيات بحيويّة و تصميم لتغيير العالم و ليس تفسيره فحسب غير أنّ هذه الرحلة قد تكون عسيرة نوعا ما بالنسبة لمن لم يعتادوا الخوض في المسائل النظريّة المثارة هنا لذلك ندعوكم إلى التحلّى بسعة الصدر و إعتماد القراءة المتأنّية و المتمعّنة التي لا تستبعد التوقّف و إعادة القراءة إن إقتضى الأمر لإستيعاب أفضل لمضمون القضيّة المعالجة ، كما ندعوكم إلى التسلّح بالفكر النقديّ فلا تبخلوا علينا و على مؤلّف الكتاب عينه بملاحظاتكم النقديّة التي نرجو أن تتوخّى النقد العلمي و الملموس الذى تنادى به الماركسيّة و تشجّع عليه ، علّنا نستفيد من مضامين الكتاب و من نقدها كذلك ، هذا النقد الذى قد يساهم في تطوير النقاش و الجدال اللازمين بحثا عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة .
و هكذا بعد ما قيل هنا ، بات الطريق معبّدا للغوص فى عالم محاضرات تعرض الشيوعيّة الجديدة بمنهجها و مقاربتها و بفهمها للإشتراكية و الشيوعيّة و طريق تحرير الإنسانيّة ، و بإستراتيجيا الثورة مطبّقة على بلد إمبريالي هو الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، و بالقيادة التي نحتاج لتوجيه الشعب و إرشاده في صنع التاريخ و تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا بهدف إنشاء عالم أفضل بكثير ، عالم شيوعي خال من كافة أصناف الإضطهاد و الإستغلال ترغب الإنسانيّة جمعاء في العيش فيه و الإزدهار في أحضانه .

و محتويات الكتاب 38 ، فضلا عن مقدّمة المرتجم :

مقدّمة و توجّه
- ضحايا الخداع و خداع الذات
الجزء الأوّل : المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم
- الماديّة مقابل المثاليّة
- الماديّة الجدليّة
- عبر أيّ نمط إغنتاج
- التناقضات الأساسيّة و ديناميكيّة الرأسماليّة
- الخلاصة الجديدة للشيوعيّة
- أسس الثورة
- الأبستيمولوجيا و الأخلاق ، الحقيقة الموضوعيّة و هراء النسبيّة
- الذات و المقاربة " الإستهلاكيّة " للأفكار
- حول ماذا ستتمحور حياتك ؟ - رفع رؤى الناس
الجزء الثاني : الإشتراكيّة و التقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا ، طريق التحرير الحقيقيّ
- " الكلّ الأربعة "
- تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي
- الإشتراكية كنظام إقتصادي و نظام سياسي – و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة
- الأمميّة
- الوفرة و الثورة و التقدّم نحو الشيوعيّة - فهم ماديّ جدليّ
- أهمّية " نقطة مظلّة الطيران " - حتّى الآن و أكثر حتّى مع ثورة فعليّة
- دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا - اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب
- محرّرو الإنسانيّة
الجزء الثالث : المقاربة الإستراتيجيّة لثورة فعليّة
- مقاربة إستراتيجيّة شاملة
- التسريع بينما ننتظر
- قوى الثورة
- فصل الحركة الشيوعيّة عن الحركة العمّاليّة ، و القوى المحرّكة للثورة
- التحرّر القوميّ و الثورة البروليتاريّة
- الأهمّية الإستراتيجيّة للنضال من أجل تحرير النساء
- الجبهة المتّحدة في ظلّ قيادة البروليتاريا
- الشباب و الطلبة و الأنتلجنسيا
- الصراع ضد أنماط التفكير البرجوازيّة الصغيرة بينما نحافظ على التوجّه الإستراتيجي الصحيح
- " الإثنان تحقيق أقصى قدر "
- " أوقفوا الخمسة "
- العامودان الفقريّان
- العودة إلى " بصدد إمكانيّة الثورة "
- الأمميّة – الإنهزاميّة الثوريّة
- الأمميّة و البُعدُ العالميّ
- الأمميّة – التقدّم بطريقة أخرى
- نشر الإستراتيجيا في صفوف الشعب
- توجّه جوهريّ
الجزء الرابع () : القيادة التي نحتاج
- الدور الحيويّ للقيادة
- نواة قياديّة من المثقّفين – والتناقضات التي تنطوى عليها
- نوع آخر من " الهرم "
- الثورة الثقافيّة صلب الحزب الشيوعي الثوري
- حاجة الشيوعيّين إلى أن يكونوا شيوعيّين
- علاقة عدائيّة جوهريّة – و تبعات ذلك الحيويّة
- تعزيز الحزب – نوعيّا و كمّيا أيضا
- أشكال التنظيم الثوريّ - و " الأوهايو "
- رجال دولة و قادة إستراتيجيّين
- مناهج القيادة و العلم و " فنّ " القيادة
- العمل خلفا إنطلاقا من " بصدد إمكانيّة الثورة "- تطبيق آخر ل" اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة على أساس اللبّ الصلب "
الملاحق :

الملحق الأوّل : الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة
الملحق الثاني : إطار و خطوط عامة للدراسة و النقاش
--------------------------
الملاحق 3 و4 و5 من إقتراح المرتجم
الملحق الثالث : " بصدد إمكانيّة الثورة "
الملحق الرابع : مزيد من الأفكار عن " بصدد إمكانية الثورة "
الملحق الخامس : " بصدد إستراتيجيا الثورة "
----------------------------
الهوامش
المراجع و المصادر
تعريف بمؤلّف الكتاب
----------------------------------------------------------------------------------------------------------

فهارس كتب شادي الشماوي

=================================================================

الجزء الثاني

الإشتراكية و التقدّم نحو الشيوعيّة : يمكن أن يكون العالم مختلفا جذريّا ، طريق التحرير الحقيقي
" الكل الأربعة " :
ويعود بنا هذا إلى" الكلّ الأربعة " التى تحدّثت عنها أعلاه . وهي تستند إلى ما كتبه ماركس فى "صرا الطبقات فى فرنسا 1848-1850 " (34) ، أين قال إنّ دكتاتوريّة البروليتاريا ( التى سنتطرّق إليها ) مرحلة إنتقاليّة لما أطلق عليه الشيوعيون الصينيّون خلال الثورة الثقافيّة فى الصين بصيغة مكثّفة هي " الكلّ الأربعة " . قال ماركس على وجه الضبط إنّ دكتاتوريّة البروليتاريا مرحلة إنتقاليّة نحو إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقيّة و كلّ العلاقات الإجتاعيّة التى تتناسب و علاقات الإنتاج هذه و تثوير كلّ الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات الإجماعيّة. و مباشرة ينبغى أن يكون واضحا للغاية أنّ فى هذه الصيغة ليس هناك الكثير المكثّف فحسب بل هناك أيضا الكثير من التعقيد المرتبط بها . و قبل أن أستمرّ ستقولون " ألا تستطيع التوقّف عن الحديث عن التعقيد طوال الوقت ؟! " إلاّ أنّ الواقع معقّد و ثمّة الكثير من التعقيد مكثّف فى هذه الصيغة ، صيغة " الكلّ الأربعة " . أجل هي صيغة جيّدة غير أنّها أيضا صيغة غاية فى التعقيد لأنّها تنطوى على عدّة أنواع من التناقضات .
فهناك تناقضات فى كلّ من هذه " الكلّ الأربعة " و تناقضات بينها جميعا . مثلا ، التخلّص من الإختلافات الطبقيّة . العالم مليء بالطبقات و بالصراع الطبقي . و تجاوز ذلك سيرورة تزخر بالتناقضات . لدينا صراع مختلف الطبقات حتّى و نحن نسعى إلى تجاوز الطبقات . لذا علينا أن نعالج هذا التناقض معالجة صحيحة . و هناك صراع بين الطبقات المختلفة و القوى الإجتماعيّة المختلفة فى المجتمع و – متحدّثين بشموليّة دون أن نكون ضيّقى الرؤية و ميكانيكيين – هناك شتّى الأدوار التى تنهض بها شتّى الطبقات و القوى الإجتماعية فى المجتمع . و هذا يتغيّر أيضا . و على سبيل المثال ، لقد أوضحت نقطة أنّ فى المجتمع الإشتراكي ليست البروليتاريا هي نفسها البروليتاريا فى المجتمع الرأسمالي . البروليتاريا فى المجتمع الرأسمالي هي الطبقة الأساسيّة المستغَلَّة إلاّ أنّها ليست طبقة مستغَلَّة فى المجتمع الإشتراكي . و لهذا بعض التأثيرات المحافظة فوضع الناس يتغيّر و يتحسّن دخلهم و لعلّهم يصبحون فى وضع أكثر رفاها حينئذ. لذا ثمّة الكثير من التناقضات حتّى المرتبطة بإلغاء الإحتلافات الطبقيّة .
وإليكم تناقض آخر . هذه نقطة لماركس وهي متّصلة بما لمسناه قبلا : ليس بوسعنا إلغاء الإختلافات الطبقيّة إذا لم نلغ العلاقات الإقتصاديّة التى هي قاعدة إفراز هذه الإختلافات الطبقيّة. لدينا نظام قائم على الإنتاج السلعي و أكثر من ذلك نظام فيه السلعة الأساسيّة هي قوّة العمل ، القدرة على العمل – هذه هي السلعة المحدّدة للمجتع الرأسمالي مهما سعوا إلى إخفاء ذلك . إنّهم يتحدّثون كما لو أنّ الرأسماليّة مجرّد شخص يبعث مشروعا . أهذه هي الرأسمالية ؟ لا ، الرأسماليّة إستغلال الناس الآخرين . يتحكّم الرأسمال فى قوّة الناس الآخرين ( قدرتهم على العمل ) ويستغلّها . هذه هي الرأسماليّة . لآن فكّروا فى ذلك ، اليوم صاروا أجلافا إلى درجة أنّهم يتحدّثون حتّى عن " الرأسمال الإنساني " . ما معنى ذلك ؟ معناه أنّ الناس و أفكارهم و قدرتهم على العمل يمكن لآلة الإستغلال الرأسمالي أن تستغلّها . هذا هو المقصود ب " الرأسمال الإنساني ". إنّهم يتحدّثون عن البشر ك " رأسمال إنساني " . و هذا يعطيكم فكرة ، لمحة صغيرة عن طبيعة هذا النظام و ثقافته . لقد أشار ماركس إلى أنّ الرأسمال ليس مجرّد شيء ، إنّه علاقة إجتماعيّة ، علاقة إجتماعيّة تملك بواسطتها مجموعة من الناس وسائل الإنتاج بينما لا يملكها الكثير الآخرون ؛ و هذه المجموعة الثانية التى لا تملك وسائل الإنتاج يتعيّن عليها العمل لمصلحة المجموعة الأولى لتبقى على قيد الحياة . عليها خلق المزيد من الثروة ، المزيد من رأس المال لفائدة الرأسماليين . و إذا لم يقوموا بذلك ، ليس بمستطاعهم العمل ، حتّى إن كان نتيجة ذلك عدم حصول أطفالهم على لقمة العيش . إذن رأس المال علاقة إجتماعيّة و ليس مجرّد شيء ، ليس مجرّد مال ، مجرّد آلة . و فى المجتمع الشيوعي ستوجد كافة أنواع التقنية والآلات غير أنّ ذلك لن يكون رأسمالا . و هذا شيء هام علينا فهمه . و حالئذ إن لم نتخلّص من العلاقات التى يكون فيها العمل سلعة ، لن نتخلّص من الإختلافات الطبقيّة . و إن لم نتجاوز كافة العلاقات السلعيّة ، إن لم نتجاوز حتّى إستعمال المال ، لن نستطيع التخلّص من الإختلافات الطبقيّة لأنّه طالما يوجد مال ، توجد إمكانيّة تحوّله إلى وسيلة لإستغلال الآخرين . عند الخوض فى هذا إستخدم إنجلز جملة لاتينيّة مفادها أنّ المال لا رائحة له . و بكلمات أخرى ، لا يأتى المال مكتوب عليه شيء يقول : " سيستعملوننى الآن كرأسمال لإستغلال الآخرين " . إنّه مجرّد مال . لكن طالما لدينا مال ، يمكن أن يستأجر أناس آخرين ، يمكن أن يُحوَّل إلى راس مال . و بالتالى لأجل إلغاء الإختلافات الطبقيّة ، علينا تجاوز كلّ هذا ، علينا تجاوز الشيء المحدّد بالإنتاج السلعي ، أي قانون القيمة .
لقد مرّ بنا الحديث عن قانون القيمة لمّا خضنا فى القوّة المحرّكة للفوضى فى ظلّ الرأسماليّة حيث جرت الإشارة إلى أنّ قانون القيمة يفيد أنّ قيمة أيّة سلعة تساوى كمّة وقت العمل الضروري إجتماعيّا اللازم لإنتاجها . و هذا الفهم و تبعاته التامة قد منهجه ماركس . و لاحظوا أنّ ماركس إستخدم مصطلح " الضروري إجتماعيّا " لأنّ الناس يعملون بأنساق متباينة و لا يمكن أخذ شخص فحسب – كيف يعمل شخص - وجعل القيمة مساوية لذلك . لكن على المستوى الإجتماعي ، قاعدة ما يستغرقه ( العمل الضروري ) إنتاج شيء تتناسب و ما تكون عليه قيمته . لهذا فى الجزء الأوّل من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " ، (35) ، فى الجدال ضد كارل بوبر ، قمت بالردّ على إدّعائه أنّ قيمة الأشياء يحدّدها العرض و الطلب وهو شيء شائع سماعه . و أشرت إلى أنّه العرض و الطلب نعم يؤثّران فى سعر الشيء إلاّ أنّهما لا يحدّدان القيمة الأساسيّة ، و من ثمّة سيكون من غير العادي جدّا أن تكون تكلفة قطعة حلوى مساوية لتكلفة طائرة . و يعزى ذلك إلى كون كمّية العمل ، العمل الضروري إجتماعيّا ، الذى تتطلّبه صناعة طائرة أضعافا مضاعفة عدّة الأشياء مرّات نسبة إلى الوقت الذى تتطلّبه صناعة قطعة حلوى . لهذا يفيدنا قانون القيمة بأنّ قيمة الأشياء تتحدّد بالمعيار الإجتماعي للقيمة الضروريّة من وقت العمل اللازم لإنتاج شيء . و هذا هام إذا كان الإنتاج لا يزال محدّدا بقانون القيمة إذ لن يكون بوسعنا تجاوز الطبقات لأنّنا لا نزال فى مجتمع حيث تعتمد على العلاقات السلعيّة و هناك دائما فى هذا الوضع إمكانيّة تحويل قوّة العمل نفسها إلى سلعة و إمكانيّة إستغلال الناس .
و إليكم شيء آخر يُحجب فى المجتمع الرأسمالي وهو شيء لا يراه الناس يوميّا ، و حتّى الكثير من الشيوعيين لا يفهمونه بالعمق الكافى . لمّا نتبادل السلع ، ماذا يحدث عمليّا ؟ نقوم بذلك يوميّا ، أليس كذلك ؟ نذهب إلى متجر و فى أيّامنا هذه لا نخرج المال من جيبنا بل بطاقة إئتمان لنشتري شيئا . و هذا الشيء سلعة أنتجها أناس فى مكان ما و على الأرجح أن يكون ذلك الإنتاج قد تمّ على مراحل. و لنفترض أنّها سيّارة : يجب جمع المواد الأوّليّة التى تمرّ عبر سلسلة من الآلات و كلّ تلك الآلات و المواد الأوّليّة يجب نقلها هي و المنتوج النهائي . و هناك كلّ العمل الذى يبذل فى كلّ مرحلة من مراحل تلك السيرورة إلى أن نحصل على سيّارة تترقّب أن نقتنيها . و هذا صحيح بالنسبة إلى السلع بشكل عام – و السيّارات مثال لا أكثر . و إذن ما الذى يجرى هنا حقيقة ، ما هو الشيء الأهمّ الذى يجرى هنا ؟ نأخذ هذه السلعة ، المال ، الذى حزناها بالقيام ببعض العمل – أعنى ربّما إقترفت جريمة وهي طريقة من طرق الحصول على المال ، لكن فى هذه الحال ، لنا نقطة صاغها ماركس هي أنّه حتّى و إن حصل الناس على ثروتهم من نهب الغير ، سيظلّ دائما هناك إنتاج كامن فيه . على شخص ما أن يقوم بالعمل لإنتاج ما سينهبه آخرون . أترون ؟ و إن لم تقترف جريمة ، تكون قمت ببعض العمل . و هذا أيضا يتضمّن العلاقات السلعيّة ، العمل الذى قمت به : إنّك تبيع قوّة عملك لبعض الرأسماليين و بالمقابل تحصل على سلعة مال و تشترى غذاءا و ثيابا و تدفع للسكن و تقتنى سيّارة إن أمكنك ذلك ( أو تتنقّل بواسطة المترو أو صنف آخر من النقل السريع ) ، و هكذا . ما يجرى هنا ، فى أساس كلّ هذا ، هو أنّ كمّيات متباينة من العمل يقع تبادلها . عمليّا ، أنت تنخرط فى علاقة تبادل مع شخص ما ، فى المكسيك أو فى البنغلاداش أو فى الهندوراس أو مكان آخر يصنع الشيء الذى تشتريه أنت . تنخرط عمليّا فى تبادل عمل معهم ، و ربّما تبادل غير متساوي أو مهما كان ، لكن هذا هو ما تقوم به – تتمّ عمليّة تبادل عمل . و فى أصل كلّ هذا ، عندما تمزّق كلّ الطبقات الخارجيّة ، ما يجدّ هو تبادل عمل . مهما كان العمل الذى تضعه فيه للحصول على ذلك المال و مهما كان العمل الذى يبذلونه فيه لصناعة ذلك الشيء ، يتمّ تبادله . إلاّ أنّ عمليّة التبادل ليست عمليّة مباشرة . ليست كما لو أنّك تقوم بمقايضة مع شخص من الهندوراس أو البنغلاداش أوالباكستان . يجرى تبادل الأشياء عبر سيرورة شديدة التعقيد تعرف الكثير من المراحل – و فى كلّ مرحلة هامة من هذا ، هناك الرأسماليّون الذين يتملّكون ( يحوزون ) كربح جزءا ممّا أنتج ، جزءا من القيمة التى أُنتجت . و لأجل بلوغ الشيوعيّة ، علينا أن نتخلّص من كلّ ذلك الركام و نبعده عن طريقنا – أن نتجاوز كلّ ذلك الركام كي يصبح ما نقوم به مجرّد تبادل أشياء بين البشر ، دون كلّ هذه العلاقات الإستغلاليّة التى تكون فى نظام إستغلالي موجودة فى كلّ مرحلة من مراحل السيرورة .
و الآن ، ثمّة المزيد والمزيد لفهمه و فى المستقبل لكشفه بالملموس حول كيفيّة إجراء التبادل فى ظلّ الشيوعيّة دون اللجوء إلى المال . هل سنحصل على شهادات تخوّل لنا إقتناء بعض الأشياء ؟ حسنا ، حينئذ ، كيف يتمّ منع حتّى هذه الشهادات من تحويلها إلى رأسمال و أساس لإستغلال الناس ؟ كما تعلمون ، فى السجن ، لا تملكون مالا بل كلّ أنواع الأشياء ، السجائر و غيرها ، يمكن أن تصبح سلعا تستعمل للحصول على ميزة ما نسبة للآخرين . و عليه ، سيجب القيام بالكثير من العمل لإدراك كيفيّة القيام بالتبادل دون إعادة إنتاج أساس الإستغلال . لكن المسألة هي إذا لم نتجاوز هذا النظام للتبادل السلعي و قانون القيمة الذى يحكمه ، لن نستطيع أبدا تكريس شعار الشيوعية بالمعنى التام للكلمة . و ما هو ذلك الشعار ؟ إنّه " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب حاجياته ". و هذا يعنى أنّنا لم نعد نحسب بواسطة المال . المجتمع الشيوعي – لن نبلغه إلى أن يكون الناس قد تجاوزوا فكرة أنّهم يحتاجون أكثر من غيرهم ، لمجرّد الحصول على أكثر ممّا يحصل عليه غيرهم. ولهذا صلة بالنقطة الرابعة من " الكلّ الأربعة " ، أليس كذلك ؟ - تثوير كافة الأفكار التى تتناسب مع العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة و الإستغلاليّة . لكن فى أساس كلّ هذا يوجد نظام علاقات الإنتاج ، النظام الإقتصادي ، نمط الإنتاج و يمكنكم رؤية مدى تعقيد هذا.
و الآن ، المسألة ليست قول " تبّا ! هذا غاية فى التعقيد و لن نقدر على التعاطى معه ، لذا لماذا لا نؤجّل الأمر و نمضى للقيام بشيء آخر ؟ " لا، ليست هذه هي المسألة فالمسألة هي أنّه علينا فهم أسس ما يجرى هنا و أجل ، ما هو التعقيد فيه . إذا أردنا أن نقود هذا ، يجب أن نعوّل بإستمرار على فهم جميع التناقضات المعنيّة . ليس جميعها مرّة واحدة- لا نفهم كلّ شيء مرّة واحدة . إن لم نكن قرأنا أي إقتصاد سياسي ، أو لم نستمع قط إلى أناس يشرحون الإقتصاد السياسي – عندئذ لن نفهم هذا . لكن بوسعنا التعلّم . و قد رويت هذه الحادثة سابقا : عند نقطة معيّنة ، فى بدايات السبعينات ، رأيت " حسنا، ليس بوسعنا حقّا القيام بهذا الشيء الشيوعي إن لم نكن نفهم أي إقتصاد سياسي ، لذا أعتقد أنّه يترتّب عليّ التوجّه إلى كتاب ماركس ، رأس المال " . لم أكن بوجه خاص أخشى الإنطلاق فى ذلك فقد كنت محظوظا لإمتلاكى مستوى معيّنا من التعليم و لمعرفتى لكيفيّة قراءة حتّى الأشياء المعقّدة للغاية . كنت أوفر إمتيازا من الكثيرين على ذلك النحو . فتحت الكتاب ، المجلّد الأوّل و شرعت فى القراءة بخصوص السلع و ما إلى ذلك – و لثلاث أو أربع مرّات أمسكت الكتاب و قذفت به عبر الغرفة قائلا : " تبّا ، لماذا لا يستطيع ماركس هذا أن يكتب بصيغة أبسط ؟! " . لكنّى عدت إليه و قرأته بعناد ثمّ بعد فترة ، " آه ، أدركت الأمر الآن " . و تحدّثت مع أناس آخرين قرأوا أكثر و كانوا أوسع إطّلاعا بهذا الشأن . و لم يكن بعضهم فهمه جيّدا جدّا إلاّ أنّهم فهموا بعض المسائل ، لذلك كنت أتطلّع إلى التعلّم . يجب أن تتطلّعوا الى التعلّم ، حتّى من أناس ليسوا بالضرورة جيّدين جدّا ، إن كان لديهم شيء يعلّمونكم إيّاه . و تشقّون طريقكم عبر ذلك . والآن لنكن واضحين ، لست بصدد قول إنّه على كلّ إمرء أن يقرأ كتاب رأس المال . فهناك عدّة مجلّدات وهي طويلة ونعم معقّدة . بيد أنّه علينا أن نظلّ نجتهد و نعمل على فهم العالم . إذا أردنا تغييره ، إذا أردنا تجاوز هذا الكابوس الجنوني ، علينا الإنكباب على العمل .
و من هنا هذه " الكلّ الأربعة " ليست مجرّد صيغة ذكيّة أتوا بها خلال الثورة الثقافيّة فى الصين . إنّها تُكثّف قدرا كبيرا ، بما فى ذلك الحاجة إلى إجتثاث و تجاوز هذه العلاقات الإجتماعيّة المختلفة المرتبطة مباشرة بالإقتصاد – إنّها مرتبطة بالإقتصاد ، إلاّ أنّها ليست إمتدادا مباشرا له – و إضطهاد أمم و شعوب شتّى وإضطهاد النساء و ما نشير إليه على أنّه تناقض عمل فكري / عمل يدوي و ما إلى ذلك . كافة هذه الأشياء متّصلة بنمط الإنتاج ، النظام الإقتصادي ، حتّى وهي تتمتّع بحياتها الخاصة . لها واقعها الخاص و علينا كذلك التعاطى معه ، فى علاقة جدليّة مع تغيير الإقتصاد و تغيير فكر الناس و تجاوز هذه الإختلافات .
إذن المسألة هنا هي أنّ صيغة " الكلّ الأربعة " هذه تمسك بشيء هام للغاية ألا وهو ما نسعى إليه – هدفنا الأساسي ، العالم الذى نعمل على بلوغه – حيث يكون بإمكاننا فعلا تكريس الشعار التالى و يمكن حقّا رفع راية : " من كلّ حسب قدراته إلى كلّ حسب حاجياته " . و إلى أن نبلغ ما تمثّله " الكلّ الأربعة " ، ليس بمستطاعنا بلوغ عالم يتخطّى الإستغلال و الإضطهاد و تحطيم البيئة . هذا إذن الهدف الأسمى ، الهدف الذى نناضل من أجله . و سأعود إلى ذلك لاحقا ، لكنّى أؤكّد هنا على أنّه علينا أن ننظر إلى أعمق من السطح . حينما تسمعون عدّة صيغ متنوّعة – " الكلّ الأربعة " ، " فريق علماء " و ما شابه – نعم هذه الصيغ هامة لأنّها تمسك بشيء ما ، ليس أنّها سيّئة أو لا أهمّية لها ، هي مهمّة ، هي تكثّف أشياءا مهمّة . غير أنّه علينا أن نتعمّق فيها و نظلّ نتعلّم بشأن ما تكثّفه و إلاّ لن نستطيع القيام باللازم . و على كلّ فرد القيام بذلك مهما كان المستوى الذى يقدر على القيام به فى أي زمن معطى . بوسع كلّ إمرء أن يغوص فى المسألة ، بوسع كلّ إمرء أن يتعلّم . وتعود قدرة كلّ إمرء على التعلّم إلى أنّ لهذا صلة بالحياة الحقيقيّة فى العالم الواقعي . ليس مجرّد حديث و قفز ميتافيزيقي فى الهواء لسحرة لا علاقة لهم بالعالم الحقيقي .
لكن ، نكرّر ، العالم الحقيقي معقّد . ولا يجب أن نخشى التعقيد ، لا يجب أن يبعث فينا الخوف ؛ يجب أن نعترف به ونتعاطى معه تمام التعاطي . و مثلما قلت سابقا – و هي نقطة أثيرت فى الحوار الصحفي مع أرديا سكايبراك – فى كلّ ظاهرة هناك معا تعقيد و تبسيط . هناك جوهر يجب المسك به وإلى جانب ذلك ثمّة جميع التناقضات المتّصلة به ؛ و يجب علينا إدراك هذا الجوهر ، وهو نوع من المكوّن الأساسي البسيط ، ثمّ علينا أن نخوض بإستمرار فى تعقيده .
تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي
و بهذا نصل إلى نقطة أخرى فى منتهى الأهمّية : تجاوز أفق الحقّ البرجوازي – و هذه صيغة أخرى من تلك الصيغ . " لماذا لا يكفّ عن الحديث عن تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي ؟ ما علاقة ذلك بما نقوم به الآن ؟ " حسنا ، إن لم نملك فهما واضحا لما هي غايتنا ، سنتّجه إلى المضيّ نحو إطار ما نقوم به فى زمن معطى . و التناقض هو أنّه يجب علينا فعل ما نفعل فى زمن معطى – علينا أن نقاوم السلطة ، علينا أن نتوحّد مع الناس لمقاومة الإضطهاد . ليس بوسعنا الوقوف بعيدا كما لو أنّنا طائفة من الدينيين الدغمائيّين و نقول " حسنا ، كما تعلمون ، هذا النضال لن يفرز شيئا إيجابيّا ، نحتاج إلى ثورة ، لذا عندما تعون ذلك ، تعالوا إلينا و سنلقى عليكم محاضرة " . لا ! ينبغى أن نستنهض الجماهير للنضال ضد هذه الفظائع . لا يمكن السماح بتمادى هذا . ما يفعلونه بالشعوب عبر العالم و ما يفعلونه بالناس هنا حولنا بالذات – لا يمكن السماح بتماديه – يجب على الناس أن يناضلوا ضدّه ، يجب أن يردّوا الفعل ، يجب أن يدفعوا الطبقة الحاكمة إلى الركوع. وحتّى لأجل القيام بالثورة ، يمثّل هذا أمرا حيويّا مثلما هو حيويّ أن لا يسحق الشعب و ييأس بالمعنى المباشر . ما قاله ماركس صحيح : لا يستطيع الناس النهوض من أجل أشياء أكبر إذا ما سحقوا إلى حدّ التحوّل إلى تعساء منكسرين.
و كثيرا ما يحدث هذا للجماهير الشعبيّة – تشعر عديد المرّات بأنّها كالتعساء المنكسرين . عمليّا تستبطن فكرة أنّ هناك شيء خاطئ فيها ذلك أنّ الفكرة تنصبّ على رؤوسها صبّا و بلا إنقطاع . لقد كنت أتحدّث فى المدّة الأخيرة مع بعض الأشحاص و كانوا يعرضون مسألة : حتّى الشيء الخاص بالإلاه ، بالنسبة للمضطهَدين ، إن كنتم تعيشون بصفة مستمرّة وسط مجتمع حيث تشعرون بالإهانة – و ليس بالإهانة الخارجيّة فقط ، بل إستبطنتم هذه الإهانة – تشعرون بأنّكم أقلّ من إنسان لأنّهم يجعلونكم بلا هوادة تشعرون بهكذا شعور ، يجب أن يكون شيئا خاطئا فيكم أو يجب أن يكون هناك شيء خاطئ فى الناس حولكم ، أنظروا ما قومون به دائما ، كلّ مرّة يبدو أنّ شيئا جيّدا سيحصل ، يشرع الناس فى الصراع مع بعضهم البعض . " يجب أن يكون هناك شيئا خاطئا فينا " . هذا كثير ممّا إستبطنه الناس و هذه جريمة أخرى للنظام . و أثار رفيق مسألة : " أنظروا حتّى الإعتقاد فى الإلاه ، إذا شعرت أنّك تعيسا منكسرا – ليس محبطا فحسب ، بل تشعر كما لو أنّ فيك شيء خطأ- عندئذ ربّما لا تزال لديك بعدُ بعض القيمة لأنّ هذا الإلاه يُحبّك على أي حال ، رغم ما أنت عليه " . هناك عدّة تيّارات قويّة مثل هذا صلب الجماهير الشعبيّة. وعندما نصارع الناس نقوم بذلك ليس لأنّنا نزدريهم و نحتقرهم؛ و بالتأكيد ليس لأنّنا نرغب فى إستبعاد حسّهم بقيمتهم ، و إنّما لأنّنا نرغب فى تمكينهم من فهم أنّ ذلك لا يجب أن يكون كذلك . لكن إن أردنا الخروج من نير هذا ، ينبغى أن تكون لدينا مقاربة علمية للواقع كما هو فعلا ، وكما هو مليء تناقضات و حركة و تغيّر .
لهذا من المهمّ جدّا التعمّق فى هذه الأشياء – لأنّنا عمليّا يجب أن نكون طليعة الجماهير الشعبيّة . و الطليعة لا تعنى التوجّه إلى الجماهير و سلوك سلوك الأعراف تجاهها ، الأمر ليس كذلك . إنّها تعنى أنّنا نفهم المخرج من هذا النفق و نصارع بما أوتينا من قوّة الناس لنمكّنهم من رؤية ذلك ، حتّى يقدروا على القتال بوعي أكبر و دفع أكبر فأكبر من الناس للقيام بذلك . هذه هي المسؤوليّة التى تقع على عاتقنا . هذه هي المسؤوليّة التى ألقينا على عاتقنا نظرا لوجود حاجة إليها – لأنّ الجماهير الشعبيّة لوحدها تغرق جسديّا وذهنيّا - و لنستعمل ذلك المصطلح دون إعطائه أي نوع من المعنى الديني، تغرق " روحيّا " بقعل سير هذا النظام والطريقة التى يستبطن بها الناس الكثير ممّا ينفثه فى وجوههم هذا النظام ، و الكثير ممّا يفرض عليهم فعله .
هذا فى ما يتعلّق بالعلاقات السلعيّة . و قد أشرت قبلا إلى فكرة لينين الخاصة بالعلاقات السلعيّة و مفادها أنّ الرأسماليّة – التى هي أرقى شكل من أشكال العلاقات السلعيّة و تعميمها – تملى على الجميع أن يحسبوا حساب البخلاء . و الآن فكّروا فى ذلك مجدّدا . هذا ما نعرفه كلّ الوقت . سيقول الناس : " على ماذا سأحصل ، هل سيدرّ علي هذا المال ؟ و ليس مجرّد أنّ الناس جشعين – طبعا هناك الكثير من الجشعين فى هذا المجتمع فالجشع يشجّع عليه النظام بلا هوادة – لكن بالنسبة للعديد من الناس هذه مسألة ضرورة . " كيف سأغذّى أطفالى ؟ هل سأدفع هذه الفاتورة كي لا يقطعوا عنّا الكهرباء أم سأشترى هذا الغذاء ؟ و أي غذاء يمكن لى أن أشترى بالمال القليل الذى حصلت عليه ؟ و نعم ، شاهدت ذلك البرنامج حيث قالوا لى كيف آكل أكلا صحّيا لكن هل بوسعى شراء هذا الغذاء الذى يقولون إنّه صحّي ؟ " و كلّ هذا الصنف من المسائل . يضطرّ الناس إلى التفكير و الحساب على هذا النحو ، هذا ما يفرزه النظام السلعي الرأسمالي .
و بالعودة إلى شيء مهمّ آخر قاله لينين - إنّ الرأسماليّة تضع بيد أفراد ما ينتجه المجتمع بأسره ( فى الواقع ، العالم بأسره، و قد فهم لينين ذلك أيضا ) : تضع الرأسماليّة بيد أفراد ما ينتجه نظام – نظام إستغلالي – يشمل العالم قاطبة . هذا ما أوضحته قبلا عند الحديث عن تبادل العمل . إنّكم لا تصنعون كافة الأشياء التى تستعملونها . إنّها سيرورة إجتماعيّة كاملة ، سيرورة جماعيّة ، سيرورة إنتاج درجة عولمته الآن عالية . بوسعكم العودة إلى المنزل و النظر إلى ملابسكم و إن وجدتم أيّا منها صنع فى أمريكا ، أخبرونى . و هذا صحيح بالنسبة لعديد الأشياء التى نستهلكها . هذه سيرورة معولمة إلاّ أنّها تنتهى إلى وضع الأشياء التى ينتجها المجتمع وهي تنتج الآن عبر العالم قاطبة بين يد أفراد . و طبعا لا يعنى هذا أنّنا لا نريد أن تكون للأشخاص أشياء خاصّة ، لا يعنى هذا . المسألة هي أنّ هناك سيرورة إجتماعيّة و هناك رأسماليّون راكموا رأسمالا من كلّ هذا الإنتاج الإجتماعي و يستمرّون فى إستخدامه كقاعدة لمزيد الإستغلال . هذا هو النظام الذى نعيش فى ظلّه و لن يفهم الناس عفويّا هذا لأنّهم واقعين تماما فى أسره . ماديّا و فكريّا هم أسرى هذا النظام . و مهما كان بائسا بالنسبة للعديدين و مهما كان فظيعا لآخرين ، لن يتوصّلوا لوحدهم إلى رؤية جوهر هذا و المخرج من النفق .
لهذا نتكلّم عن تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي ّ. و فى الجزء الأوّل من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " ، شرعت فى الحديث عن هذا : عقب مشاهدة شريط سنة 2003 ، " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة ،و ما الذى يشمله ذلك " ، أعرب أحد الطلبة عن إعجابه حقّا قائلا : أنا موافق على كلّ شيء فيه و أعجبتنى حقّا رؤية المجتمع المستقبلي " – ثمّ إستطرد : " إذا إخترعت شيئا ، أودّ أن أحصل على أكثر مقابل إختراعي هذا ". و ها نحن خارج السباق فكي يكون ذلك صحيحا ، ينبغى أن توجد جملة كاملة من العلاقات التى تقول إنّها لا تعجبك . لكنّ الناس لن يتوصّلوا إلى فهم أنّ هذا كلّه مرتبط بنظام الإستغلال و كلّ ما تمّ الحديث عنه بشأن " الكلّ الأربعة " ، إلاّ إذا مدّهم به شخص إستطاع التوصّل إلى ذلك الفهم و صارعهم بصدده . و هذه المسألة ، مسألة أنّنا نفكّر فى الحقّ البرجوازي أو نفكّر متجاوزينه ، ليست مجرّد مسألة تخصّ المراحل البعيدة من الإشتراكيّة ؛ لها صلة وثيقة بتوجّه الناس الآن . لو كان توجّهنا " نريد الحصول على أكثر " عندئذ لن نمضي إلى أي مكان فى يتجاوز هذا التفكيرهم . نظام . و هذا لا يعنى أنّ على كلّ فرد أن يتخلّى عن كلّ مظهر لذلك قبل القيام بالثورة – إن إعتقدنا ذلك ، لن ننجز أبدا ثورة . سيوجد الكثير من الناس الذين سيقاتلون من أجل هذه الثورة و سيظلّون بعدُ أسرى لطرق متباينة من التفكير البرجوازي بما فى ذلك فكرة إرادتهم الحصول على أكثر . لكن يجب أن توجد قوّة فى اللبّ ، قوّة نامية – الآلاف و فى نهاية المطاف الملايين – يتجاوزون تلك الطريقة فى مقاربة العالم ، يتجاوزون الحسابات القائمة على حساب البخلاء ، حسابات الحقّ البرجوازي . وإعتبارا لأنّ الحقّ البرجوازي ، كما أشرت إلى ذلك فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " الجزء الأوّل ، هو طريقة فى التفكير – أو علينا هو جملة من العلاقات و كذلك الأفكار – تتناسب فى آخر المطاف مع الإنتاج السلعي و العلاقات السلعيّة . و يجب علينا تجاوز السلع ، فى العلاقات بين الناس و فى تفكريهم .
و فى إرتباط بهذا ، أريد أن أقتبس شيئا من كتاب صدر حديثا . إنّه من " توطئة " " طريقة الفقر الأمريكيّة : كيف لا يزال يعيش النصف الآخر " (36) لساشا آبرامسكي ، نوع ليبرالي جيّد فى الكتابة عن كيف أنّه لا يزال هناك الكثير من الفقر فى أمريكا . لكنّه شعر بأنّه مضطرّ فى بداية هذا الكتاب إلى تأكيد التالى : " فى الأخير ، لم ينجح أي مجتمع فى تاريخ الإنسانيّة قط فى القضاء على الفقر ؛ و لم ينكر تماما و لا نظام واحد له القليل من إحترام الحرّية الفرديّة وجود هذه اللامساواة " . و الآن لنحلّل هذا . أوّلا ، إستعارة جملة لماركس ( و ربّما فى الوقت نفسه إستعارة جملة من شريط " يد لوقا الباردة " ) : ما لدينا هنا هو فقر فى الفلسفة – فقر فى التصوّر و فى الفهم . صحيح أنّه لم يحدث فى أيّ مكان ،لا فى الإتّحاد السوفياتي و لا فى الصين عندما كانا إشتراكيين ، أن قضيا على الفقر قضاءا مبرما . لقد إنطلقا من أوضاع جماهير شعبيّة مفقّرة للغاية بيد أنّهما بذلا جهودا جبّارة بإتّجاه القضاء على الفقر . و فى نهاية حياته ، كان ماو يقاتل – وهو طريح الفراش ، بالأساس التحريفيين الذين صعدوا بعد وفاته إلى السلطة و أعادوا تركيز الرأسماليّة ، و كان ذلك جزءا كبيرا من الصراع . كان التحريفيّون يحاججون – و الآن قد كرّسوا ذلك و هم يحتفلون به – بأنّه إذا مضينا على الطريق الرأسمالي ، يمكن أن نخرج فئات من السكّان من الفقر . و هم يصرّحون الآن أنّهم أخرجوا عدّة مئات الملايين من الفقر . غير أنّ ما قاموا به فعلا و جوهريّا هو خلق أكثر المجتمعات قساوة و فظاعة ، أكثر أنواع العلاقات السلعيّة الجلفة حيث لديهم هؤلاء المقاولين الحديثي العهد – بكلمات أخرى مستغلّون حديثي العهد ( بعض أصحاب الملايين و حتّى بعض أصحاب المليارات ) – إلاّ أنّ الجماهير الشعبيّة لا تزال غارقة فى ظروف فقر مدقع ، مئات ومئات ملايين البشر ، و قد عادت كلّ العلاقات الإجتماعيّة القديمة – الدعارة و كافة أنواع الأشياء الفظيعة الأخرى – عادت بشكل ثأري . و ما كان ماو يحاجج من أجله هو أنّه يجب أن نظلّ على الطريق الإشتراكي ؛ يجب أن نرفع من مستوى معيشة الشعب بأسره خطوة خطوة ، لنخرجه من الفقر ، بدلا من المضيّ نحو " تحقيق الثراء السريع " لجعل الصين بلدا عصريّا قويّا و صعود طبقة برجوازيّة طفيليّة ما و طبقة برجوازيّة صغيرة ذات إمتيازات ، بينما تواصل الجماهير الشعبيّة حياة العذاب .و لسوء الحظّ ، كسب الجانب الخطأ هذا الصراع . لكن قبل ذلك ، مع النظام الإشتراكي ، حقّقوا مكاسبا هائلة على طريق القضاء على الفقر ، و يمكنكم الإطّلاع على ذلك فى العدد الخاص من جريدة " الثورة " – الحوار الصحفي مع ريموند لوتا – (37) حول تاريخ الشيوعيّة و دروسه بالنسبة لمستقبل الإنسانيّة . فهناك تتمّ الإشارة مثلا إلى أنّه عندما نجحت الثورة فى الصين ، حوالي 1950 ، كان معدّل أمل الحياة يناهز ال32 سنة وهو معدّل مدّة حياة الناس هناك حينها. و زمن إعادة تركيز الرأسماليّة ( أو حوالي 1975 ، بالضبط قبل إعادة تركيز الرأسماليّة ) ، قد تضاعف أمل الحياة فى الصين ليصبح حوالي 65 سنة . وكان ذلك قريبا جدّا من المعايير العالمية حينها . و منطلقين من هذه الخلفيّة الهائلة و وضع إستشراء الفقر ، مثّل ذلك تغييرا ضخما ، من خلاله جرى إنتشال الكثيرين من الفقر المدقع . ومن ثمّة ما يفعله هذا الشخص أبرامسكى لا يعدو أن يكون سوى محو لكامل هذه التجربة أو تجاهل لها .
ثمّ لدينا الجزء الثاني ، موضوع بلغة علينا أن نفكّكها قليلا : يقول " لم ينكر تماما و لا نظام واحد له القليل من إحترام الحرّية الفرديّة وجود هذه اللامساواة " . و إنعكاس ما يقوله ليس مجرّد أنّ هذا لم يحدث بل لا يتعيّن القيام به – أنّه إن حاولتم إلغاء كلّ اللامساواة ، ستنزعون إلى دوس حقوق الناس ، ستنزعون إلى دوس الحرّيات المدنيّة . و بكلمات أخرى، لن تستطيعوا فعل ذلك إلاّ عبر الوسائل " الكليانيّة " . هذا جوهريّا ما يقوله . و هنا مرّة أخرى ، ترون الغياب التام لشيء ما ، ما هو هذا الشيء ؟ إنّه القدرة على رؤية أبعد من الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي . رؤية تتجاوز هذا إلى حيث يسير المجتمع عمليّا وفق مبدأ "من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب حاجياته " .
و إليكم أمر آخر بصدد الشيوعيّة : يحاجج آلان باديو و إنتهازيّون آخرون ، بعد تفكير طويل بأنّ الشيوعية مجرّد حثّ نحو المساواة . لا . الشيوعية تعنى تجاوز المساواة . هي تجاوز لمسألة المساواة . لماذا ؟ لأنّنا نريد اللامساواة الفجّة ؟ لا . لأنّه عندما نمضى إلى الشيوعيّة و نتخطّى الإنتاج السلعي ، مثلما يعبّر عنه ذلك الشعار – متجاوزين قانون القيمة نطبّق القدرة و الحاجة – عندها نكون قد بلغنا عمليّا نقطة لا تشمل المساواة . لقد أشار ماركس – وهو شيء وقع إبرازه أيضا أثناء الثورة الثقافيّة فى الصين – إلى أنّ كلّ مساواة تعنى كذلك لامساواة . و على سبيل المثال ، إن كنّا نعمل معا و أنت أمّ تعيش لوحدها مع ثلاثة أطفال و أنا مجرّد إنسان يعيل نفسه ، و نتقاضى الأجر نفسه ، لا يكون ذلك متساويا حقّا . إنّه متساوى و مع ذلك لامتساوى فلديك حاجيات أكبر والأجر الذى تحصلين عليه لا يوفّر لك مساواة معى بالمعنى الحقيقي لعدم وجود أناس أعيلهم . ثمّ هناك أيضا واقع أنّ الأشخاص ليسوا متساوين كما هي غير متساوية قدراتهم . و هذا شيء وضعت تحته سطرا أرديا سكايبراك بقوّة فى حوارها الصحفي . و ماذا عن فكرة أن يكون الجميع متساوين ؟ تجيب ، لماذا يقول الناس مثل هذه الأشياء الغبيّة ؟ّ! و تمضى إلى القول إنّه ليس للجميع ذات الميولات ، ذات نقاط القوّة و لا يستطيعون القيام جميعهم بالأشياء نفسها بذات نوعيّة العمل و هكذا . و أنا لا أشعر شعورا سيّئا ، قالت ، إن كان بعض الناس بوسعهم القيام بأشياء أفضل منّى – لو كان لإمرء مستوى فنّي أعلى وهو يقف على ركح عرض موسيقي ، لا أعتقد أنّه عليّ أن أصعد إلى الركح و أحاول مجاراته فى ما يفعله.
والأمر يشبه ذلك الإعلان الذى ربّما شاهدتموه حيث يقولون حسنا اليوم لتقديم السنفونيّة ، عوضا عن عازف الكمنجة العالمي إسحاق برلمان ، لدينا الممثّلة الكوميديّة رحا برلمان لتعزف على الكمنجة . و تصعد الممثّلة و ما نحصل عليه هو أصوات مزعجة و فظيعة. لا ، ليس كلّ الناس سواسية فى كلّ شيء . لذا إن كنّا أنا و أنت نقوم بالعمل نفسه ، ما نقوم به و ما نضعه فيه قد لا يكون متساويا بمعنى نوعيّة عملنا . و إذن ، عندما نحصل على الأجر ذاته ، يكون متساوي و لامتساوي فأنت عمليّا تساهمين أكثر بعملك ونوع عملك أفضل . و حينما نتجاوز العلاقات السلعيّة ، سنعالج الحاجيات و سيساهم الناس بما يقدرون عليه و ينالون أشياء على قاعدة حاجياتهم – نكون طرحنا جانبا مسألة المساواة و اللامساواة من المشهد . و صرنا نسير وفق قدرات الناس و حاجياتهم فحسب.
و مجدّدا ، إن لم نستطع الرؤية أبعد من الأفق الضيّق للعلاقات السلعيّة ، لن نستطيع رؤية كيف يمكن إيجاد مجتمع لا يكون فيه فقر وفى الوقت نفسه ، يكون مزدهرا فكريّا و ثقافيّا و حياة إجتماعيّة و حتّى مسألة الحقوق لن تعني أي شيء ممّا هو سائد اليوم.
و على كلّ حال ، الحقوق أشياء متناقضة دائما . الحقوق مسألة متناقضة دائما – حقوق أناس معيّنين فى تناقض دائما مع حقوق أناس آخرين ، و للحقوق دائما قيود . فكّروا فى هذا – من المرجّح أنّكم سمعتم عن هذا رغم التشويه الدائم للإستشهاد به – سمعتم الناس يقولون : " حرّية التعبير ليست مطلقة ؛ لا يمكنك أن تصرخ " نار! " فى مسرح مكتضّ بالناس " . و غالبا لا يضعون الأمر بصيغة صحيحة : لا يمكنك أن تصرخ " نار! " فى مسرح مكتضّ ، إن لم تكن هناك نار . لكن ، على أيّ حال، هذه قيود لحرّية التعبير . و الآن ، فى هذا المجتمع – و هذا تناقض آخر – يتحدّثون كما لو أنّ الأشياء تتنزّل فى إطار الفرد و الحقوق الفرديّة إلاّ أنّها جوهريّا تتنزّل فى إطار العلاقات الإجتماعية . و يصحّ هذا بشأن التعبير و حدود التعبير . الصراخ " نار! " فى مسرح مكتضّ حينما لا تكون هناك نار ، يضرّ إجتماعيّا ، و بالأخصّ ، يضرّ بمصالح الطبقة الحاكمة إذ هو يقوّض قدرتها على الحفاظ على النظام و الإستقرار و جعل الناس يعتقدون أنّه بوسعهم تسيير مجتمع حسن التنظيم . و طبعا ، قد يضرّ أيضا الأشخاص الذين قد يوجدون فى مثل هذا الوضع إلاّ أنّ هذا ليس السبب الجوهري و الأساسي لوجود هذه القيود على حرّية التعبير . إنّه التأثير الإجتماعي- وبالأخصّ ، الطريقة التى سيؤثّر بها على مصالح الطبقة الحاكمة – هو الحيويّ و المحدّد .
ولمزيد إيضاح هذا نضرب مثلا جريمة قتل . لماذا لا تستطيع أن تقتل شخصا ؟ لأنّ ذلك ضار بالشخص الذى تقتله ؟ لا ، هذا ليس السبب الأساسي . بطبيعة الحال أنّه من الصحيح أنّ ذلك بداهة يضرّ بالشخص الذى قتل إلاّ أنّ هذا ليس السبب الجوهريّ. فالسبب الجوهري هو حكم أنّه يلحق الضرر بالمجتمع ، حكم يصدره الذين يحكمون هذا المجتمع بأنّه يلحق الضرر بنوع المجتمع الذى يسعون إلى الحفاظ عليه و فرضه . و فى الوقت ذاته ، هناك عدّة أوضاع تعيّن فيها الطبقة الحاكمة و ممثّلوها السياسيّون أنّ قتل الناس فى النهاية فى مصلحتها ، و فى مثل هذه الأوضاع لا يسمحون بقتل الناس فحسب بل يشجّعون و يشدّدون عليه : إنّهم يدافعون و " يصبغون الشرعيّة " على أشياء كالقتل المستمرّ خاصة للسود و اللاتينيين على يد الشرطة و لا يدافعون فقط بل يحتفلون بالقتل الجماعي الذى يقتره الجيش الأمريكي على أنّه " عمل بطولي " .
أو لنأخذ مثالا آخر ، مثالا لا يشمل العنف الجسدي : إنّهم لا يجعلون من شتم الناس فعلا يعاقب عليه القانون ، عند هذا الحدّ . ( و العديد من الناس على الأنترنت يجب أن يشعروا بالإمتنان لذلك ) . و مع ذلك توجيه الشتائم ضار بشكل واضح – يمكنك أن تجرح حقّا الناس بشمهم . غير أنّ ذلك لا يعتبر من قبل الطبقة الحاكمة للمجتمع و ممثّليها السياسيين إجتماعيّا ضارا بما فيه الكفاية – ليس ضارا بما فيه الكفاية لمصالح تلك الطبقة الحاكمة – و أنّه يجب أن يجعل منه فعلا يعاقب عليه القانون . أجل ، ثمّة قوانين مدنيّة بخصوص الطعن و القتل . لكن كلّ يوم تتوالى الشتائم و لا وجود لقانون مدني أو إجرامي يحاكم ذلك. و متى فكّرتم فى ذلك ، قانونيّا بإمكانكم فعل كافة أنواع الأشياء لمن يعتبرونهم هم سيّئين . إن كنت رأسماليّا ، يُسمح لك بإستغلالهم و طردهم و لا يهمّ إن لم يستطيعوا العيش أو توفير الغذاء لأطفالهم . وهذا سيّئ جدّا بالنسبة لهم . بيد أنّه مقبول إجتماعيّا لأنّه منسجم و سير النظام السائد و منسجم و مصالح طبقة مهيمنة تقرّر ما هو مفيد للمجتمع .
المسألة هي : إذا أردنا أن نتجاوز الوضع الذى تقرّر فيه طبقة حاكمة و ممثّلوها الأشياء – و فيه تتحدّد مصالح تلك الطبقة الحاكمة و يصرّح بها على أنّها مصالح المجتمع بأرسه – مرّة أخرى ، علينا تخطّى " الكلّ الأربعة " ، علينا تخطّى العلاقات السلعيّة ، علينا بلوغ الشيوعيّة . و هذا لا يعنى أنّ فى مثل هذا المستقبل الشيوعي ، لن يكون للناس أي معنى للمسؤوليّة تجاه المجتمع أو تجاه الغير ؛ فى الواقع سيكون هذا محرّكا أكبر للناس غير أنّه لن تحدّده ولن تشكّله - أو لنضع ذلك على هذا النحو، لن " يمرّ عبر " – العلاقات الطبقيّة و الإجتماعيّة التى تجسّد الإستغلال و الإضطهاد .
و كلّ هذا وثيق الإرتباط برؤية ثاقبة لماركس – أنّه كما وضع ذلك : لا يمكن للحقّ أبدا أن يكون أعلى من الهيكلة الإقتصاديّة للمجتمع و الثقافة المحدّدة به . و هذه طريقة أخرى لقول إنّ الحقوق و تتحدّد بالنظام السائد فى المجتمع – النظام الإقتصادي ، نمط الإنتاج ، و البنية الفوقيّة السياسيّة و القانونيّة و كذلك الأفكار و الثقافة القائمتين على نمط الإنتاج إيّاه و المعزّزون له . و لهذا صلة أكيدة بما شدّدنا عليه فى كتاب " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا القيام بأفضل من ذلك ؟ " (38) من أنّ الشيوعيّة تعنى تجاوز الديمقراطية . و قد كان هذا من المسائل الكبرى للصراع صلب الحركة الشيوعيّة . الكثير و الكثير ممّن يعدّون أنفسهم " شيوعيين " يرغبون فى إعادة إخراج الشيوعيّة فى شكل آخر من الديمقراطيّة البرجوازية . لا يرون أبعد من الأفق الضيّق للمجتمع البرجوازي و الحقّ البرجوازي ، نحو عالم بأكمله مغاير نوعيّا . ومن المهمّ للغاية أنّه أعيدت طباعة هذا الكتاب ، " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا القيام بأفضل من ذلك ؟ " ، حديثا فى الهند و أثير صراع : " ألا يمكن أن نسمّيه " الديمقراطية : أليس بوسعنا جعلها أفضل ؟ "ما سيجعل من جوهر المسألة فى الكتاب يتبخّر ! و بدلا من مزيد التعمّق فى ذلك ، سأثير هذه المسائل كأمور يترتّب علينا البحث فيها و نحن نتقدّم هنا و بصفة عامّة : ما علاقة تجاوز الديمقراطية و المساواة بموقف ماركس القائل بأنّ الحقّ ليس بوسعه أن يكون أعلى من البنية الإقتصادية للمجتمع و الثقافة المحدّدة به ؟ و ما علاقة ذلك بتجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي ؟
و مجدّدا ، ليس بإمكاننا التوجّه إلى الناس بقول : " إسمعوا ، قبل مقاومة الهجمات على حقّ الإجهاض و قبل خوض معارك كبرى ضد هذه البرنوغرافيا ، أوّل ما علينا فعله هو نقاش " الكلّ الأربعة " . و هكذا علينا أن ننظّم دروسا و خلال الأشهر الستّة القادمة سنناقش هذا لأنّه معقّد جدّا " . لا . علينا أن نقاوم السلطة و نغيّر تفكير الناس . إنّنا فى حاجة إلى التعمّق فى هذه الأشياء مع الناس لكن ليس بطريقة سكولستيكيّة . هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، بينما لا ينبغى أن نقوم بذلك ، يجب أن نفهم أنّه كي يصبح الناس عمليّا واعين بلماذا هو فى الوضع الذى هم فيه و ما هو وضع الجماهير الشعبيّة عبر العالم – وما هو سبيل الخروج من كلّ هذا – يجب علينا أن نناقش هذه الأمور مع الناس . لكن علينا القيان بذلك بطريقة حيويّة . و يعيدنا هذا إلى نقطة أنّه علينا القيام بالعمل بأنفسنا إذ أنّه إذا أردنا تفكيك هذا للناس ، علينا حقّا أن نتعمّق فيه و نظلّ عمل للتعمّق أكثر فأكثر . لدى الناس أسئلة و أحيانا تكون أسئلتهم صعبة للغاية لأنّهم يفكّرون فى الحياة و لمّا تعرض عليهم أشياء لديهم ما يقولون حولها و يطرحون أسئلة . و هذا هام جدّا لتحرّرهم – لفهم الديناميكيّة الأساسيّة لما يجرى ، لإستيعاب مفاهيم مثل الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي ، و لماذا و كيف ينبغى تجاوزه . و من جديد ، و نحن نتوجّه إلى الناس حينما يقولون :" لا أستطيع أن أهتمّ بذلك ، عليّ أن أجد غذاءا لأبنائي " ، لا نستطيع مجرّد الإجابة : " إسمع ، علينا ببساطة تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي ". لا ، بديهيّا ، ليس هكذا يجب علينا أن نجيب . لكن يجب أن نتعمّق فى هذا مع الناس :" لنمضي إلى مجتمع حيث لن تطرح بعدُ مسألة تغذية أطفالك . لماذا علينا أن نحيى فى عالم حيث على كلّ شخص أن يفكّر فى كيفيّة تغذية الأطفال؟ " نهائيّا ، يجب أن نتعمّق فى هذه المسائل لكن بطريقة حيويّة .
الإشتراكية كنظام إقتصادي و نظام سياسي - ومرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة :
عند الحديث عن البديل الجذري و الطريق إلى الشيوعيّة ، وقعت الإشارة إلى أنّ الإشتراكية أشياء ثلاثة : إنّها نظام إقتصادي إشتراكي مختلف جذريّا و نظام سياسي مختلف جذريّا ، دكتاتوريّة البروليتاريا ؛ و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعية . هذا شيء يعرضه بوضوح كبير" دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا ". ومرّة أخرى ، ما الذى يواجهنا ؟ تناقض . هذا تناقض تام : كلّ من هذه العناصر الثلاثة – نظام إقتصادي مختلف جذريّا و نظام سياسي مختلف جذريّا و مرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة – كلّ منها مليء تناقضات ، و هناك تناقضات بين الثلاثة جميعها . و يمكن لهذا أن يكون ملموسا للغاية و قد كان كذلك تاريخيّا فى البلدان الإشتراكية التى وُجدت إلى حدّ الآن . مثلا ، أنتكون قاعدة إرتكاز للثورة العالميّة قد يدخل و بحدّة فى تناقض مع الدفاع عن الدولة الإشتراكية ضد الهجمات من كلّ من الداخل – المستغِلّون و الرجعيّون داخل الدولة الإشتراكيّة الذين يرغبون فى إعادة النظام القديم – و من الخارج ، من الإمبرياليّين والقوى العاتية الأخرى . و فى أي زمن نبلغ فيه نقطة يغدو فيها إفتكاك السلطة على جدول الأعمال ، ستشرع كلّ هذه التناقضات فى طرح نفسها بحدّة كبيرة عندما نبلغ عتبة المضيّ لإفتكاك السلطة . ( سأعود للموضوع و أتعمّق فيه شيئا ما ، لاحقا ).
و نظام إقتصادي مغاير راديكاليّا يعنى نظام إقتصادي مليئ تناقضات . ففى المجتمع الإشتراكي ، لا نزال نتعاطى وفق العلاقات السلعيّة ، و إلى درجة هامة و لمدّة زمنيّة مديدة . و لا يزال علينا أن نأخذ بعين الإعتبار قانون القيمة حتّى بينما لا نستطيع أن ندعه يكون المعدّل للإقتصاد . و الآن ، بعض الناس ، مثل الفوضويين و غيرهم ، لا يفهمون لماذا إذا أردنا الحصول على مجتمع مختلف ، علينا القيام بأشياء مثل دفع أجر أعلى لعالم فيزيائي أو طبي ب نسبة لأجر عامل مصنع . و مردّ ذلك هو أنّ قانون القيمة لا يزال ساري المفعول . ما المقصود بذلك ؟ هناك كمّية معيّنة من العمل الضروري إجتماعيّا يُضمّن فى عمليّة تمكين شخص من تطوير القدرة على أن يكون طبيبا أو عالما فيزيائيّا وهو بصفة هامة أكبر من كمّة العمل التى تُضمّن فى تمكين شخص من العمل فى مصنع أو مستودع أو ما شابه . هذا مجرّد واقع . يمكن أن نقلّص ذلك لكن إن لم نقرّ بذلك و نحاول أن ندفع للعالم الفيزيائي أو الطبيب نفس أجر عامل المصنع أو شخصا يعمل فى مستشفى لنقل كممرّض ، ستمون لدينا مشاكل حقيقيّة فى الإقتصاد . و لنعد إلى ما تحدّثت عنه سابقا : ما الذى يجرى فى هذه المبادلات السلعيّة ؟ يجرى تبادل العمل ، فى نهاية المطاف . حسنا ، إذا حاولنا أنندفع للعالم الفيزيائي أو الطبيب نفس أجر عامل المص نع أو الممرّض فى مستشفى ، فإنّ نظامنا سيتداعى إقتصاديّا ، لأنّنا سنكون بصدد إنجاز مبادلات إقتصاديّة غير متكافئة – و عمليّا يجب أن ننشأ إقتصادا فعّالا . لا يفكّر أناس مثل الفوضويّين فى هكذا أشياء – يفكّرون ببساطة فى أنّه بوسعنا القيام بذلك بعصا سحريّة أو بالأساس عفويّا . " لندع العمّال فى كلّ مصنع يسيّرون مصنعهم الخاص " – هذه فكرة شائعة بين المصانع ، بأيّة وسائل سيفعلون ذلك ؟ لو حاولنا إلغاء المال إلغاءا تاما سنقع فى ما وقعت فيه كمبوديا فى ظلّ الخمير الحمر ، و لا نريد ذلك . و بكلمات أخرى ، سيكون علينا أن نفرض العديد من الأشياء ، و لن ينجح الأمر – سيتمرّد الناس ضدّنا . و هكذا لمحاولة فرض هذا ، سنلجأ إلى إستعمال كافة أنواع الدكتاتوريّة ضد الناس الذين لا يجب أن نمارس عليهم الدكتاتوريّة – سيتحوّل ذلك إلى شيء سيّئ ، دكتااتوريّة رجعيّة . ( بعد قليل ، سيكون لديّ ما أقوله عن تجربة الخمير الحمر فى كمبوديا المسمّون بالشيوعيّين وهم ليسوا كذلك).
و إذن حتّى فى تطوير إقتصاد إشتراكي ، بينما نمسك بسرعة بملكيّة أهمّ وسائل الإنتاج – المصانع و الأراضي و ما إلى ذلك – و فى النهاية تصادر كافة وسائل الإنتاج من يد أفراد و تتحوّل إلى ملكيّة إجتماعيّة للمجتمع بأسره – و ينسجم هذا مع كيفيّة إنتاجها عمليّا ، إجتماعيّا – سيستغرق تحقيق حتّى ذلك بعض الوقت . و حتّى و نحن نقوم بذلك ، تظلّ هناك لفترة طويلة كافة هذه العلاقات السلعيّة ، يظلّ هناك إستخدام للمال و تظلّ هناك بقايا هامة من التقسيم القديم للعمل – بصورة خاصة التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي الذى تحدّثنا عنه ( يشتغل البعض بالفكر و آخرون يقمون بعمل يدوي ) . و هذه تناقضات كُبرى لا يمكن إلغاؤها بين ليلة و ضحاها وهي مرتبطة بتجاوز الإنتاج السلعي . لدينا تبادل سلعيّ بين مختلف وحدات الإقتصاد – مثلا ، مختلف قطاعات الإقتصاد تبيع الآلات لبعضها البعض أو أجزاء من الآلات لبعضها البعض – ثمّ لدينا العلاقات السلعيّة فى الإستهلاك الفردي لشتّى الحاجيات و السلع الشخصيّة و هلمّجرّا .
و هذا مختلف تماما عن ما يجرى فى المجتمع الرأسمالي . أذكر أنّي عندما كنت فى الصين فى 1971 ، و كان ضمن بعثتنا شخص من حزب شباب اللوردات ، و كنّا فى قسم من مغازة و أراد أن يحصل على شيء يطلق عليه سترة ماو ، يرتديه الكثير من الصينيين . فتحدّث إلى المسؤولة العاملة بالمغازة قائلا : كم سعر هذا ؟ فأجابت : خمسة يوان ( العملة الصينيّة ) . ثمّ دون تفكير سألها : هل هذا السعر مناسب ؟ فحدّق فيه الجميع و أجابت بأنّه نفس السعر فى كلّ مكان .
كان ذلك هو السعر – ليس لدينا رأسماليّة أين مختلف وحدات رأس المال تتنافس مع بعضها البعض . ذلك هو السعر ، خمسة يوان . أقصدوا مغازة أخرى و ستجدون سعر خمسة يوان . لذا هذا مختلف . لدينا إقتصاد مخطّط يستخدم الموارد للصالح العام و تلبية حاجيات الشعب – الحاجيات المادية المباشرة منها و الحاجيات الفكريّة و الثقافيّة – لكن لا تزال لدينا علاقات سلعيّة ، لا يزال علينا دفع خمسة يوان .
وبالتالى ثمّة جميع هذه التناقضات فى النظام الإقتصادي .
و ثمّة تناقضات فى النظام السياسي .لدينا دكتاتوريّة البروليتاريا . و الآن تذكّروا أنّ سكايبراك قالت فى حوارها الصحفي : دكتاتوريّة البروليتاريا ، تخطّوا ذلك ، إنّكم تعيشون فى ظلّ دكتاتوريّة البرجوازية الآن بالذات – و بالمناسبة ، دكتاتوريّة البروليتاريا شيء جيّد جدّا .
تعنى دكتاتوريّة البروليتاريا مثلما وقع عرضها فى " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة ..." أنّ مؤسّسات المجتمع ، المؤسسات السياسيّة و غيرها يجب أن تكون أدوات للثورة الشيوعيّة . و هذا شيء جيّد . لكن هناك الكثير من التناقضات المرتبطة بهذا أيضا ، من ناحية ، ما هي الأداة أو المؤسّسة المناسبة للتقدّم بالثورة فى مرحلة ما تغدو غير مناسبة أو معرقلة لتلك الثورة فى مرحلة أخرى . و عندئذ علينا أن نغيّر تلك المؤسسة . هذا إضافة إلى أنّه ليس لدينا البروليتاريا فقط ، بل لدينا كلّ هذه الطبقات المختلفة و لدينا تناقضات فى صفوف الذين يشكّلون البروليتاريا . لمّا نبلغ " نقطة المظلّة " سنتحدّث عن ذلك – أنّ لدينا كلّ هذه القوى المتباينة و الطبقات و الفئات الإجتماعية المتباينة فى المجتمع الإشتراكي و لا يمكننا التخلّص منها إلى أن يتمّ التخلّص من قاعدتها الماديّة – ليس حسب نموذج الخمير الحمر لسحق الجميع إلى مستوى متساوي بل بتجاوز العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التى تكمن وراء هذه الطبقات و الإختلافات الإجتماعية . ( و مرّة أخرى ، بعد قليل ، سأعود إلى الخمير الحمر، وضعهم و مشاكلهم الحقيقيّة ).
و تاليا ، ثمّة تناقض الحاجة إلى حزب طليعي لممارسة دكتاتوريّة البروليتاريا ، لكن الحزب نفسه يمكن أن يتحوّل إلى نقيضه، إلى أداة لإعادة تركيزا لرأسماليّة و فرض الإستغلال و الإضطهاد على الجماهير الشعبيّة . و الحزب لا يوجد فى فراغ . يوجد وسط المجتمع الأوسع و فى إطار الصراع الطبقي الدائر فى المجتمع ؛ و تأثير العلاقات الإجتماعيّة و العلاقات الإقتصاديّة و الأفكار المنتشرة فى المجتمع ككلّ توجد صلب الحزب كذلك . و بطرق هامة يتكثّف التعبير عن هذا صلب الحزب . و إلى جانب هذا ، لدينا تأثير العالم الأوسع على الحزب ، تأثير الوضع العالمي الذى سيظلّ على الأرجح لفترة زمنيّة تحت هيمنة الإمبرياليّين و المستغِلّين الآخرين . لذا من جهة ، نحتاج إلى طليعة إلاّ أنّه فى صفوف الطليعة نفسها سيوجد صراع شديد حول بقاء تلك الطليعة على الطريق الإشتراكي بإتّجاه الشيوعيّة أم الإنقلاب و التحوّل إلى أداة لإعادة تركيز الرأسماليّة ، و لبعض الوقت بإسم الشيوعية . ومن جديد ، هذا معقّد . لم أفتأ أقول معقّد – و معقّد كلمة ما ينبغى أن نبعث فيها الخوف . معقّد تستدعى منّا العمل و مواصلة العمل مع تقدّمنا .
لكن هذا ليس كلّ شيء . من هذه العناصر الثلاثة ، النظام الإقتصادي المختلف جذريّا و النظام السياسي المختلف جذريّا و المرحلة الإنتقاليّة إلى الشيوعيّة - يجب أن تكون المرحلة الإنتقاليّة هي الرئيسيّة ، الأساسيّة . و هذا مليء تناقضات أيضا لأنّه ينبغى أن يكون لدينا نظام إشتراكي فعّال - إقتصاديّا و سياسيّا و إجتماعيّا إلخ - حتّى و نحن نتحرّك على الطريق إلى الشيوعيّة و نغيّر النظام الإشتراكي القائم عبر النضال الثوري المستمرّ . و مجدّدا هناك عالم بأكمله و عندما توجد بلدان إشتراكيّة هنا و هناك ، على الأقلّ لفترة زمنيّة طويلة من المرجّح جدّا أن تظلّ غالبيّة العالم تحت حكم الإمبرياليّين والمستغٍلّين الآخرين. و لن يعجبهم ما تحاولون القيام به ، و هذا أقلّ ما يقال . سيحاولن التدخّل لكافة أنواع الطرق – عبر المخابرات و تخريب الإقتصاد و كذلك عبر المؤامرات السياسيّة و عبر الهجوم العسكري السافر ، إن إستطاعوا إلى ذلك سبيلا . لذا هذا مليء تناقضات – و المرحلة الإنتقاليّة إلى الشيوعيّة فى حدّ ذاتها مليئة تناقضات ، وهي فى تناقض حاد مع هذه المظاهر الأخرى للمجتمع الإشتراكي .
و المسألة ، مرّة أخرى ، ليست : " يا إلاهى ، إن قلتم لى قبلا ، عندما إنخرطت فى البداية فى هذا الأمر أنّه سيشمل كلّ هذه المشاكل المعقّدة ، كنت ذهبت لعمل شيئ آخر " . لا ، ليست هذه هي المسألة . أنظروا ، لا أحد منّا ، عندما إنخرط فى البداية فهم كلّ هذا التعقيد – و ربّما هذا شيء جيّد ! إلاّ أنّه مع ذلك ، يجب علينا أن نخوض فيه . هكذا هو الأمر . و هذا لا يعنى أنّه لا وجود لحلول لهه الأشياء لكن لن تتمكّنوا من قيادة الناس عبر هذا إذا لم تعملوا حقّا على إستيعاب التعقيد و التناقض المعنيّ ثمّ تناضلوا لتغيير هذا الإتّجاه الذى يحتاج أن يمضي فيه . هذا ما يتعلّق به الأمر . ليس لتشجيع معنى الإنهزاميّة - بالعكس تماما. و بقدر ما يزداد فهمنا لهذا بقدر ما نملك قاعدة للمضيّ للإشتغال عليه . وثمّة قاعدة ماديّة ، قاعدة فى العالم الواقعي ، للمضيّ للإشتغال عليه . هناك الكثير من الأشياء العاملة ضدّه ، لكن هناك أيضا الواقع الجوهريّ لكونه دون هذه الثورة ، لا يمكن معالجة هذه التناقضات على نحو يكون عمليّا فى مصلحة أوسع جماهير الإنسانيّة . هذا جوهريّا ما يواجهنا – و تاليا علينا القيام بالعمل .
الأمميّة
ونصل مع هذا مجدّدا إلى قضيّة الأمميّة فالدولة الإشتراكية حقّا يجب أن تكون قبل كلّ شيء قاعدة إرتكاز للثورة العالميّة ، لجماهير الإنسانيّة فى القتال لتجاوز الإستغلال و الإضطهاد . قاعدة إرتكاز للثورة العالمية ، شيء له رنين جميل آخر ، أليس كذلك ؟ غير أنّه مليء تناقضات و صعوبات و قد رأينا هذا فى تاريخ الحركة الشيوعيّة و الدول الإشتراكية السابقة . فى كلّ من الإتحاد السوفياتي و الصين ، واجهوا تناقضات ضخمة . وهذه ليست دعابة . فى أواخر ستّينات القرن الماضي و أوائل سبعيناته، لمّا كانت الصين بلدا إشتراكيّا ، كانت تواجه الإتحاد السوفياتي أين تمّت إعادة تركيز الرأسماليّة – و كان الإتحاد السوفياتي نفسه صار إمبرياليّا و عدوانيّا . و كان يملك ذخيرة هائلة من الأسلحة النوويّة و كان يهدّد الصين و عمليّا رسم مخطّطات للإستخدام الممكن لبعض الأسلحة النوويّة التكتيكيّة ضد الصين . لذا كان هذا مسألة كبرى . كيف تعالجون هذا ؟ و بخاصة ، كيف تعالجون هذا فى علاقة بالصراع الطبقي داخل البلد الإشتراكي لمواصلة التقدّم و تغيير المجتمع على الطريق الإشتراكي و كيف تعالجون هذا فى إطار العالم ككلّ ؟
حسنا ، واجهوا صعوبة كبيرة و ضرورة كبيرة إلاّ أنّهم لم يعالجوها كلّها معالجة جيّدة . لقد سعوا أساسا إلى التكرار الآلي لسياسة ومقاربة كانت صحيحة فى مرحلة سابقة من الثورة فى الصين إلاّ أنّها لم تكن تتناسب مع التقدّم بالثورة فى المرحلة الجديدة حينها . و لشرح هذا وتوفير القليل من الخلفيّة نقول : فى المراحل الأولى من الثورة الصينيّة ، فى ثلاثينات القرن الماضي ، غزت اليابان الصين و إحتلّت جيوشها جزءا هاما من الصين . و بشكل واضح كانت اليابان تسعى إلى أن تلحق الصين ككلّ بها و تجعل منها فى الأساس مستعمرة لها و كانت تسلك هذا الطريق . و بالمناسبة نقول شيئا إلى القوميّين : عندما قامت اليابان بذلك ، فعلت ما فعلت تحت شعار قومي كبير – آسيا للآسياويّين . ذلك هو شعارهم – آسيا للآسياويّين و مفاده ليخرج هؤلاء الإمبرياليّين البريطانيين و كافة الغربيين من هنا – يجب أن تكون آسيا للآسياويّين . و بطبيعة الحال ، ما كانوا يقصدونه هو أنّه إعتبارا لأنّ اليابان أفضل الآسيويين و أكثرهم تطوّرا ، لماذا عليهم التحكّم فى آسيا مع ما كانوا يسمّونه ب " مجال الإزدهار المشترك " ؟ لذا هناك ما نتعلّمه من هذا أيضا . و لا أودّ المضيّ بعيدا فى هذا هنا غير أنّه ثمّة أشياء نتعلّمها من هذا – دروس للقوميين بوجه خاص ،و لكن أيضا دروس بصفة أعمّ. لكن ، على كلّ حال ، فى تلك الفترة ، كان الحزب الشيوعي الصيني قد أجرى تحليلا صحيحا بأنّ اليابان كانت العدوّ الأساسي المباشر و أنّه من الممكن و الضروري عقد تحالف مع القوى التى كانت تقاتل ضدّها إلى وقتها – القوى السياسيّة و العسكريّة الممثّلة للرأسماليين و الملاّكين العقّاريين الكبار فى الصين ، ما كان يسمّى بالكيومنتانغ ، الحزب الذى كان يتراسه تشان كاي تشاك و الذى كان يمثّل الرأسماليين و الملاّكين العقّاريين الكبار فى الصين و الذى كان الشيوعيّون يقاتلون ضدّه . لقد كانوا يخوضون حربا أهليّة ضد الكيومنتانغ لعدّة سنوات، لكن عند هذه النقطة ، قالوا حسنا سنضع هذه الحرب الأهليّة جانبا و سنمضى حتّى إلى الوحدة مع هذه القوى قدر طاقتنا ، من أجل القتال لطرد اليابان من الصين . و قد كان عليهم أن يقاتلوا الكيومنتانغ أحيانا خلال فترة الجبهة المتحدة ضد اليابان فالكيومنتانغ لم يتخلّى قط عن محاولة سحق الشيوعيين - و عمليّا كان مهتمّا أكثر بقتال الشيوعيين من قتال اليابان . و نجم عن ذلك وضعا معقّدا آخر كان عليهم معالجته . لكن عندها كان ماو واضحا جدّا و صريحا جدّا فقال إنّ الكيومنتانغ ، قوات تشان كاي تشاك ، هي فعلا القوّة الحاكمة فى الصين إلاّ أنّها قوّة مرتبطة أساسا بالإمبرياليّة البريطانيّة و الأمريكيّة و ستفعل ما يطلبه منها البريطانيّون و الأمريكيون فعله لذلك بوسعنا أن ننشأ جبهة متّحدة معهم و نتحالف لقتال اليابان فهؤلاء الإمبرياليون سيرغبون فى أن يقوم الكيومنتانغ بذلك . كان ما واضحا بخصوص لماذا يقومون بما يقومون به و كيف يحتاجون فعل ذلك . و فى تلك المرحلة ، كانوا قادرين فى النهاية على إلحاق الهزيمة باليابان فى إطار حرب شاملة ، الحرب العالميّة الثانية التى كانت جارية ثمّ إستطاعوا السير نحو هزم الكيومنتانغ بعدئذ عندما ظهر إلى السطح مرّة أخرى كتناقض رئيسي يواجه الثورة.
و نقفز إلى فترة سبعينات القرن العشرين عندما كانت الصين دولة إشتراكيّة حيث حاولوا تطبيق نوع المقاربة نفسه – واضعين الإتّحاد السوفياتي مكان اليابان و قائلين إنّه العدوّ الأساسي ، الإمبريالية الأكثر عدوانيّة - أجل هناك القوّتان الأعظم، الولايات المتّحدة و الإتّحاد السوفياتي لكن هذا الأخير هو العدوّ الأساسي – كانوا ينظرون إلى ما كان يمثّل خطرا مباشرا على الصين وهو عمليّا أكثر الإتّحاد السوفياتي من الولايات المتحدة زمنها . إلاّ أنّهم سعوا إلى تعميم ذلك إلى إستراتيجيا للحركة الشيوعيّة العالميّة بأسرها والنضال العالمي بأسره ، و لم ينجح ذلك لأنّ الإتحاد السوفياتي لم يكن عدوّا أكبر لشعوب العالم ممّا كانت عليه الولايات المتّحدة . و بالتالى ، كانت هذه محاولة تطبيق ميكانيكي لشيء كان صحيحا قبلا غير أنّه لم يعد سنسحب على الوضع العالمي الجديد. وليس بوسعى التعمّق فى كلّ هذا هنا إلاّ أنّنى أعتقد أنّه من المهمّ أن نلمس شيئا منه . فقد أدّت هذه المقاربة إلى أشياء سيّئة جدّا حيث كانت الحكومة الصينيّة تشجّع مضطهَدين و عملاء كبار للإمبرياليّة فى بلدان العالم الثالث على أنّهم قادة للشعوب . شاه إيران ، هيلاسي لاسى فى أثيوبيا ( وهو من يعتقد الرستفاريّون أنّه المسيح – لكن دون إعتذارات من الرستفاريّين، كان عمليّا عميلا للإمبرياليّة الغربيّة ) ، وماركوس فى الفليبين الذى كان دكتاتورا طاغية يجلس على العرش الفليبيني و دمية بيد الإمبرياليّين الأمريكان – و جلبوا حكّاما مضطهِدين أمثال هؤلاء إلى الصين كجزء من بناء جبهة متّحدة ضد الإتحاد السوفياتي ، ومدحوهم كقادة كبار للعالم الثالث أو لبلدانهم أو ما شابه . و قد تسبّب هذا فى إضطراب داخل الحركة الشيوعيّة العالميّة بأكملها . وأذكر أنّي كنت فى الصين سنة 1974 و لم نقم عدّة صداقات هناك لأنّنا ذهبنا إلى هناك و قلنا بالأساس : " ما هذا ؟ ما الذى تفعلونه ؟ لا نوافقكم على هذا . لا يمكنكم تقديم مضطهِدين طغاة كهؤلاء على أنّهم أبطال الشعوب ". و يمكنكم الشعور بسقوط الحرارة فى الغرفة سقوطا بثلاثين درجة . إلاّ أنه كان من واجبنا القيام بما قمنا به. لم نفعل ذلك بحماقة – لم نشتمهم ، قلنا ببساطة " لا نعتقد أنّ هذا صحيح ، إنّه ضار " . و من ثمّة كما قلت لن نحصل على عدّة صداقات . لكن المسألة لا تكمن هناك بل فى تذكّر المصالح الأوسع نطاقا .
و دون مزيد التوسّع ، هذا مثال لمدى تعقيد إمكانيّة معالجة التناقض بين التقدّم بالثورة العالميّة والدفاع عن الدولة الإشتراكيّة و كلاهما فى منتهى الأهمّية . و ليس جيّدا للثورة العالميّة أن تخسر دولة إشتراكيّة كما حصل لنا بخسارة الصين فى سبعينات القرن العشرين ، عقب خسارة الإتّحاد السوفياتي بإعادة تركيز الرأسماليّة هناك فى خمسينات القرن الماضي . لقد شعرنا و لا نزال نشعر بالإنعكاسات السلبيّة لهذا طوال عقود الآن ، على العلاقات العالمية و على تفكير الناس و على الحرّية التى منحها للإمبرياليّين والرجعيّين ليدوسوا ببساطة كلّ شيء نحن بصدده و كلّ الحاجيات العمليّة للجماهير الشعبيّة . هذا إذن تناقض حاد للغاية . و ستكون لدينا فرصة – ستكون لدينا فقط قاعدة النضال الصحيح لإيجاد الحلّ الصحيح لهذه التناقضات – إذا كان لدينا فهم صحيح للمسائل الماديّة و الإيديولوجيّة و التناقضات المعنيّة . و يحيلنا هذا على الفقرة 2: 12 من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان وكتاباته " . ففى مقال جدال منظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك ، " الشيوعيّة أم القوميّة ؟ " (39) يستشهدون بالمقتطف 2: 12 من " الأساسي ..." و يحلّلون لماذا هو مهمّ . وأودّ أن ألمس بعض هذا . يضع المقتطف الأساس الجوهري والمبادئ المفاتيح التى ينبغى أن ترسى عليها الأممية . و هذا أيضا أمر يستحقّ العودة إليه و الخوض فيه بإستمرار: ما يقوله و ما يعنيه و أيضا كيف يمكن تطبيقه – أو كيف يُطبّق – على أوضاع مختلفة فى أوقات مختلفة من تطوّر الأمور . و إليكم ما يقوله :
" بلوغ [ الظروف الضرورية للشيوعية ] يجب أن يتمّ على نطاق عالمي من خلال سيرورة مديدة و متعرّجة من التغيير الثوري يكون فيها تطوّر غير متكافئ و إفتكاك للسلطة فى بلدان و أوقات مختلفة و تداخل جدلي معقّد بين النضالات الثوريّة و تثوير المجتمع فى مختلف هذه البلدان ... [ علاقة جدلية ] فيها المجال العالمي هو الحاسم جوهريّا وفى آخر المطاف ، بينما يمثّل التفاعل المتبادل و الدعم المتبادل بين نضالات البروليتاريين فى بلدان مختلفة العلاقة المفتاح فى التغيير الجوهري للعالم قاطبة ."
الكثير من المعلومات مكثّفة هنا . ما يتمّ الإعراب عنه أساسا هو أنّ هناك نظام عالمي ، نظام رأسمالي – إمبريالي عالمي وهو يحدّد المرحلة ككلّ بما فيها ما يجدّ فى البلدان الخاصة . و فى الوقت نفسه ، هناك بداهة بلدان مختلفة و للبلدان المختلفة تناقضاتها و صراعاتها الداخليّة الخاصّة التى تتفاعل مع ما يحصل فى بلدان أخرى وتتفاعل كذلك مع الوضع فى العالم ككلّ .
و يحيل ذلك المقتطف على سيرورة مديدة و ملتوية ، و بكلمات أخرى مليئة إلتواءات و منعرجات .و هذه ال مفاهيم متباينة مع المفاهيم المثاليّة للتروتسكيّين و الإنتهازيّين الآخرين الذين يفكّرون فى أنّه يجب أن تحدث ثورة فى قسم كامل من البلدان فى وقت واحد وإلاّ لن نتمكّن من بناء إقتصاد إشتراكي و مجتمع إشتراكي ؛ و بصورة خاصة يجب أن تحدث ثورة إشتراكية فى البلدان المتطوّرة صناعيّا – و بكلمات أخرى ، البلدان الإمبرياليّة – و إلاّ سيحكم عليها بالفشل ، هذا ما يؤكّدون عليه . و فى الواقع ، يمكن أن يحدث إختراق فعليّ و القيام بثورة تمضى على الطريق الإشتراكي فى بلد " متخلّف " إقتصاديّا كما جدّ ذلك فعلا إلى الآن . لكن ، على أيّ حال ، لن نكسب العالم بضربة واحدة . لذا كيف نتعاطى مع العلاقات بين الإختراقات التى ننجزها و تثوير المجتمع هناك حيث يتمّ تركيز دولة إشتراكيّة من جهة و النضالات الثوريّة الأخرى فى العالم من الجهة الأخرى – كيف نقوم بذلك فى إطار إقرارنا بأنّ الوضع العالمي العام هو الأكثر تحديدا للمرحلة الموضوعيّة التى نشتغل عليها ؟
هذه نقطة من النقاط – نقطة جوهريّة و نقطة توجّه ومنهج – التى وقع التشديد عليها أيضا فى الجدال الذى صاغه ريموند لوتا حول كيف أنّ الفوضى هي الشكل الرئيسي للحركة و القوّة المحرّكة للعلاقات الرأسماليّة : هل سنشتغل كما أعرب عن ذلك لينين ، على قاعدة التحليل الملموس و التقييم الملموس لما يجرى عمليّا فى العالم و ما يحدّد المرحلة التى نشتغل عليها أم سننطلق ببساطة من مجموعة من الأمانى ، كقاعدة . " الجماهير مضطهَدة و ستردّ الفعل ضد إضطهادها ، لذا سنقوم بثورة ". أجل ، بالطبع ، النضال الثوري للجماهير أمر حيويّ – و هنا الدلالة التامة لقول إنّ التفاعل المتبادل و المساندة المتبادلة لنضالات البروليتاريّين فى مختلف البلدان يمثّل الرابط المفتاح فى تغيير العالم. و لن نقوم بالثورة ببساطة عبر إنهيار النظام الرأسمالي عند نقطة ما ، وثمّ يقول الناس " آه ، نعتقد أنّنا نحتاج إلى مجتمع مختلف ". إنّه نضال الشعب هو الذى سيصنع الإختراقات - هذا هو الرابط المفتاح ، إنّه ما يجب التمسّك به لتغيير العالم .لكن بالمقابل ، إذا لم ننطلق من قاعدة الظروف الماديّة الفعليّة التى نناضل ضمنها ، لن نقدر على القيام بذلك . و مرّة أخرى ، هي مسألة : هل سنكون علميّين ، ماديّين جدليّين ، أم سنكون مجرّد ذاتيين على قاعدة الأمانى و الأفكار التى تدور فى رؤوسنا أوالرومنسيّة تجاه الجماهير؟ " الجماهير مضطهَدَة ، الجماهير ستصنع الثورة ، إنتهى النقاش " – لن يفلح هذا .
و تتمّ الإشارة فى جدال منظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك " الشيوعية أم القوميّة ؟ " إلى التالى : أنظروا إلى الأزمة الماليّة والإقتصاديّة الأخيرة التى إنفجرت فى 2007 و 2008 : لم يحدث ذلك فى بلد واحد وتاليا إمتدّ إلى بلد آخر فآخر . وتعزى تلك الأزمة إلى ديناميكيّة النظام الرأسمالي على الصعيد العالمي . أجل ، وجدت خصوصيّات فى مختلف البلدان و فى التفاعلات بين ما حدث فى مختلف البلدان بيد أنّ هذه الأزمة ناجمة عن التناقضات و الديناميكيّة الداخليّة للنظام الرأسمالي على الصعيد العالمي . و أشير كذلك فى ذلك الجدال إلى أنّ شيئا كالحرب العالميّة الأولى – شيء لم يكن داخليّا فى بلد معيّن حدث ببساطة أن إمتدّ إلى بلدان أخرى . كان ذلك تطاحنا بين الإمبرياليّين على نطاق العالم – وهذا ما أدّى إلى تلك الحرب و ما يحدّدها جوهريّا و رئيسيّا . و قد شهدت تلك الحرب تقريبا كافة بلدان العالم المختلفة – و كان ذلك كذلك و حتّى أكثر خلال الحرب العالميّة الثانية التى كان نطاقها أوسع حتّى . لذا التطوّر العام للأشياء على النطاق العالمي هو الذى يحدّد المرحلة . و لكن هناك أيضا و فى نفس الوقت ، التناقضات و العلاقات الخصوصيّة صلب مختلف البلدان و بينها . ثمّ هناك المبادرة الواعية للقيادة الشيوعيّة للجماهير الشعبيّة على أساس التحليل العلمي و التعاطى العلمي مع كلّ هذا وهو ما يوفّر الرابط المفتاح ، أساس إنجاز الإختراقات أو القيام بالثورة .
و من جديد ، ليس بوسعى إلاّ التعرّض لهذا هنا بإيجاز لكنّه شيء يتعيّن علينا بإستمرار العودة إليه ، لفهم الديناميكيّة الجوهريّة و الأساسيّة المعنيّة التى علينا حقّا الخوض فيها بلا توقّف لفهمها بعمق أكبر وفهمها فى تغيّرها ، لأجل القدرة على القيادة الصحيحة للشعب للخروج من نير هذا النظام الفظيع مصدر الكثير من العذابات غير الضروريّة .
وفى الجدال إيّاه الذى صاغته منظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك و المتوفّر فى مجلّة " تمايزات " عدد 4 ، يقع نقاش كلاّ من القاعدة الماديّة و القاعدة الإيديولوجيّة للأمميّة . و الواقع المادي هو واقع وجود نظام عالمي بأسره و ليس فقط مجموعة من الأنظمة المختلفة داخل بلدان معيّنة مختلفة كلّها منغلقة على نفسها تتفاعل بشكل ما مع بعضها البعض على قاعدة إنغلاقها على نفسها بالأساس . هذه هي القاعدة الماديّة للأمميّة . سير النظام الإمبريالي على الصعيد العالمي . إنّه يسير إقتصاديّا و له تداعيات حقيقيّة على الناس وهو أحيانا يدفع الناس بالملايين إلى الهجرة من بلاد إلى أنحاء أخرى من العالم ( آتين من النيبال أو مكان آخر لينتهوا إلى العمل فى البحرين ، فى حرارة 120 درجة فارنهايت ممّا يتسبّب لهم فى الموت ). و يسير هذا النظام العالمي ليس إقتصاديّا فقط بل كذلك سياسيّا و دبلوماسيّا و عسكريّا. و هذا كلّه على الصعيد العالمي بالمعنى العام والجوهريّ، هو ما يحدّد إطار ما علينا القيام به – معيّنا الإطار كمظهر رئيسي فى علاقة جدليّة بأنواع متباينة من النضالات التى يفرزها ذلك – و فوق كلّ شيء النضالات الثوريّة للجماهير الشعبيّة ، لا سيما عندما تقودها القوى الشيوعيّة الواعية و المنظّمة .
و يتناول جدال منظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك بالتحليل القاعدة الإيديولوجيّة للأمميّة ( و القاعدة الإيديولوجيّة تعنى طريقة أو منهج التفكير ) . و قد شرح ماو فى عمل من أهمّ أعماله الفلسفيّة ، " فى التناقض " (40) ، مسألة أنّ التناقضات الداخليّة فى الشيء توفّر قاعدة تغييره . وضرب مثالا على ذلك البيضة و الدجاجة . يمكن للبيضة فى حرارة مناسبة أن تنتج كائنا حيّا لكن الصخرة لا تفعل ذلك . لماذا ؟ يعود ذلك إلى التناقضات و الديناميكيّة الداخليين صلب هذه و تلك . لطبيعتها الداخليّة ، لا تملك الصخرة قاعدة لإنتاج كائن حيّ ومهما كانت كمّية الحرارة التى تتعرّض لها ، لن تنتج كائنا حيّا . و قد إستخدم ماو هذا كمثال يجسّد أنّ التناقضات الداخليّة هي قاعدة التغيّر فى كلّ شيء . و مستخدما المثال عينه ، أوضح أنّ الحرارة التى يمكن أن تتعرّض لها بيضة يمكن أن تكون السبب المباشر للتغيّر ، إنّها الشرط الخارجي الذى يمكن أن يكون وراء التغيّر لكنّها لا تمثّل القاعدة الجوهريّة للتغيّر . ويشبه الأمر عمليّة تسحين الماء . مردّ إمكانيّة تحوّل الماء إلى بخار هو طبيعته الداخليّة ، التناقض الداخلي صلبه . عمليّة التسخين هذه هي السبب المباشر للتغيّر بينما الطبيعة الداخليّة للماء هي قاعدة هذا التغيّر . هذه نقطة هامة صاغها ماو . و لسوء الحظّ إستخدمها أحيانا بنوع من الطريقة الإحادية الجانب متجاوزا نقطة كانت فيها صحيحة . و لنضع الأمر على النحو التالى : حتّى بينما كان ماو أمميّا جوهريّا ، وُجدت لديه نزعة نحو قول إنّ لكلّ بلد تناقضاته الداخليّة الخاصّة و هذا هو القاعدة الأساسيّة للثورة فى ذلك البلد . فكان يطبّق مبدأ التناقضات الداخليّة هي قاعدة التغيّر – وهو مبدأ صحيح و غاية فى الأهمّية لم يقع إستيعابه بوضوح و الإنطلاق منه داخل الحركة الشيوعيّة إلى حينها ( و هذا لا يعنى أنّه لم يوجد فهم لهذا لكن ظلّت هناك ضبابيّة كبيرة بشأنه ). و المشكل يكمن فى أنّه فى عصر الرأسماليّة الإمبرياليّة ، يطبّق التناقض الداخلي على نحو مغاير .
و هذه واحدة من التعقيدات الإضافيّة – مستويات متباينة من تنظيم المادّة . و لنبسّط ذلك : يعدّ بلد ما مستوى من مستويات تنظيم المادّة – البلدان و الناس ( وكلّ ما فيها ) مكوّن مادة فى حركة ، بأشكال متنوّعة . و المجال العالمي ، العالم ككلّ ، مستوى آخر من مستويات تنظيم المادة . و بالتالى بمعنى ما ، التناقضات الداخليّة فى بلد هي قاعدة تغيّره لكن بالمقابل البلد جزء من كلّ أوسع ، عالم أرحب ، و التناقضات الداخليّة لهذا العالم الأرحب ككلّ هي فى نهاية التحليل أكثر تحديدا حتّى ممّا يحدث فى ذلك البلد المعيّن .
و لشرح هذا يلجأ جدال منظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك إلى مثال جسد الإنسان و مختلف مستويات تنظيم المادّة فيه ( و قد إستخدمت المثال عينه فى مقالي " أزمة الفيزياء ، أزمة فى الفلسفة و السياسة " ( 41) وهو متوفّر فى مجلّة " تمايزات " عدد 1 ) . يتكوّن جسد الإنسان من العديد من الخلايا المتنوّعة و من عدّة أجهزة – الكبد و الكلى و القلب هلمّجرّا . و لكلّ من هذه المستويات من تنظيم المادة تناقضاته الداخليّة الخاصة – للكبد تناقضاته الداخليّة الخاصة و للكلى تناقضاتها الداخليّة الخاصة و الشيء نفسه للقلب و هكذا . لكن بالمقابل ، هي جزء من جسم أوسع وما يحدث لذلك الجسم الأوسع ( أو الشخص ككلّ ) بالمعنى العام ، أكثر تحديدا ممّا يحدث حتّى فى هذه الأجهزة الداخليّة من مجرّد التناقضات الداخليّة لهذه الأجهزة الداخليّة ذاتها . وإليكم تعقيد المسألة ، مرّة أخرى : لا يعنى هذا أنّ الأجهزة الداخليّة لا تؤثّر فى الجسد ككلّ . إن وجدت تناقضات تسبّب فى مشاكل للقلب ، من البديهي أنّ ذلك سيؤثّر على الجسد برمّته . و الشيء نفسه بالنسبة للأجهزة الأخرى مثل الكبد أو الكلى . لذا هذه علاقة تناقض ، علاقة جدليّة . إلاّ أنّ الكلّ ، الجسد، الشخص ككلّ – متفاعلا مع البيئة الأوسع ، هو الكيان الأكثر تحديدا ، التناقضات فى ذلك الجسد هي التى تحدّد أساسا ما يحدث للجسد ككلّ ، حتّى إن كان فى وقت معيّن ما يحصل لجهاز معيّن من الجسد – بحكم التناقضات الداخليّة ، فى تفاعل مع بقيّة الجسد ومع البيئة الأوسع – يمكن أن يصبح بؤرة تركيز لما يحدث للجسد ككلّ بالضبط مثلما يمكن لبلد معيّن فى العالم أن يمسي بؤرة تتركّز فيها التناقضات العالمية .
ولقد إتّخذ ستالين بعض المواقف الخاطئة و كان يشكو من بعض المشاكل فى منهجه لكن فى واحد من مواقفه الأصحّ قال عن الثورة الرويّة لسنة 1917 : سبب تمكّنهم من إنجاز إختراق و القيام بالثورة الإشتراكية فى روسيا زمنها ، خلال الحرب العالمية الأولى ، هو أنّ تناقضات النظام العالمي إحتدّت و صارت مركّزة بشدّة فى روسيا حينها . لقد كانت هذه التناقضات العالمية المتفاعلة مع التناقضات الخاصة داخل روسيا هي التى أدّت إلى تحوّل روسيا إلى نقطة تمركز حيث تمّ إنجاز الإختراق . و ينسحب المبدأ الأساسي نفسه على الواقع الآن إلاّ أنّه ينسحب حتّى أكثر الآن لوجود نظام عالمي أكثر تطوّرا بكثير بما فى ذلك إقتصاديّا .
ومن الأشياء الخرى المشار إليها فى جدال منظّمة الشيوعيين الثوريين هو أنّ الكثير من السلع المتنوّعة التى نستهلكها ليست مصنوعة فى البلد الذى نحن فيه . و إليكم مرّة أخرى مثال السيّارات فأجزاء متباينة تصنع فى بلدان متباينة و تاليا تركّب فى بلد آخر . و هذا مرتبط بكامل " ثورة المعلوماتيّة " إلخ التى شدّدت من هذه العولمة . كما تقع الإشارة فى ذلك الجدال إلى أنّ هناك مظهر هام لعولمة الخدمات أيضا – و مثال ذلك عطب فى الحاسوب يستدعى إتّصالا بالهاتف بمركز للمكالمات الهاتفيّة فى الهند للحديث عن ذلك العطب . و هذا تعبير آخر عن مدى عولمة الأشياء .
إذا إستوعبنا هذا – هذه العلاقة بين مختلف مستويات تنظيم المادة ، و كيف تفاعل التناقضات مع بعضها البعض صلب هذه المستويات المختلفة – نكون إستوعبنا أنّ هذه هي القاعدة الإيديولوجيّة لإمتلاك مقاربة صحيحة للأمميّة . إنّها مسألة تطبيق للمنهج العلمي وخاصّة كيف نفهم التناقض داخلي / خارجي . هل نفهمه بالمعنى الحيوي حيث هناك مستويات مختلفة من تنظيم المادة أم نفهمه بمعنى ستاتيكي جامد حيث ننظر فقط إلى جزء خاص من الواقع – ما هي التناقضات الداخليّة هناك - ونستنتج أنّ هذا على صلة بتشكّل ما يحدث فى ذلك الجزء من الواقع ؟ أجل ، نحتاج إلى النظر فى خصوصيّات الأشياء المعنيّة ( بلدا ، مثلا ) لكن بالمقابل نضع ذلك فى إطار الواقع الأوسع و ننظر غلى المستوى الأوسع لتنظيم المادة ، مستوى النظام العالمي ككلّ .
ومجدّدا ، أنصح نهائيّا بقراءة ذلك المقال ، الجدال لمنظّمة الشيوعيين الثوريين – المكسيك ، " الشيوعية أم القوميّة ؟ " . إنّ ما يتطرّق إلي ه معقّد – مرّة أخرى هذه الكلمة – و معناه أنّه عسير الفهم . هذا صحيح لكنّه أيضا ثريّ جدّا وهو ينكبّ على نقاش عدد من المسائل الهامة للغاية . ومن جديد، ليست المسألة أنّه على كلّ إمرء أن يسرع ويقرأ كلّ شيء ضربة واحدة . هنا أشدّد على أشياء على الناس التعمّق فيها مع الوقت و مع المدّو الجزر ، مع الإنخراط العملي فى العمل الثوري و النضال الثوري – مقاومة السلطة و فى الوقت نفسه خوض النضال لتغيير تفكير الناس بينما نواصل تعميق أساسنا ذاته للتمكّن من القيام بذلك ، على كلّ من النطاق الفردي و فوق كلّ شيء جماعيّا . المسألة تعلّق بنا نحن جميعا ، نعمل معا ونساعد بعضنا البعض بالمعنى الحقيقي بما فى ذلك الكثير من الصراع لإستيعاب هذه الأشياء و القدرة على تطبيقها و نحن نمضى قدما .
الوفرة و الثورة و التقدّم نحو الشيوعيّة – فهم مادي جدلي
و تاليا ، أودّ أن أتحدّث بإيجاز عن هذه المسألة أو التناقض ، مسألة الوفرة و الثورة أثناء المرحلة الإنتقاليّة إلى الشيوعيّة . و قد ناقشت هذا مع نهاية الجزء الأوّل من " العصافير و التماسيح " . و قد أوضحت فى " الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! " (42) أنّه لو ألقينا نظرة فحسب على العالم ككلّ ، سنجد تكنولوجيا كافية تماما لتلبية الحاجيات الماديّة – و نعم الثقافيّة- لشعوب العالم . غير أنّنا نحيا فى عالم غير متكافئ فيه تفقير مستشرى للشعوب ، لا سيما فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث . نحيا فى عالم يُهيمن عليه نظام رأسمالي – إمبريالي و طبقات إستغلاليّة . و بالتالى ليس الحال أنّ إمكانيّة تلبيّة حاجيات الشعوب يمكن أن تتحقّق فى ظلّ العلاقات الحاليّة التى تسيطر على إستعمال الظروف الماديّة للحياة فى عالم اليوم .
يمكنكم النظر إلى العالم و قول إنّه فظيع تماما أن يعاني أيّ أطفال الجوع فى أفريقيا أو أي مكان آخر ، أو أن يعرف الناس الجوع هنا بالذات فى الشوارع أو أن لا يتلقّى الناس الرعاية الصحّية اللائقة أو أن يضطرّوا إلى أكل غذاء غير صحّي لعدم إمتلاكهم المال لشراء غذاء يكون صحّيا أكثر ، أو أن لا يستطيعوا بلوغ المعرفة لتحديد ما يكون صحّيا أكثر وكلّ أنواع هذه الأشياء فظيعة مطلقا و غير ضروريّة مطلقا . إلاّ أن الأمر ليس مجرّد قول : " حسنا ، لنتمنّى فقط أن تبتعد كلّ القوى الرجعيّة فى العالم عن الطريق ثمّ سنتولّى الأمر و نقوم بالأشياء الصحيحة " . لأجل إستخدام هذه الإمكانيّات و لمزيد تنميتها ، يجب علينا إنجاز ثورة للإطاحة بالطبقات الحاكمة القائمة و الأنظمة القائمة و علاقاتها الإقتصاديّة و الإجتماعيّة حتّى نتمكّن من التطرّق و الإستعمال العمليين للموارد الموجودة بطريقة تلبّى أكثر فأكثر حاجيات الشعوب و الأجيال القادمة فيما نعالج البيئة على نحو ليس مجرّد نهبها ما يجعل إمكانيّة حياة الإنسان على هذا الكوكب فى خطر متعاظم . و هذا يبيّن ، مجدّدا ، أنّ هناك تناقض حاد بين الوفرة الماديّة الموجودة موضوعيّا هناك و الحاجة إلى الثورة للتمكّن من وضع اليد على هذه الوفرة و كذلك تنميتها بطريقة تمكّن من إستخدامها لتلبية حاجيات الشعوب – كلّ من الحاجيات الماديّة و الأوسع ، الثقافيّة و الإجتماعيّة و الفكريّة وما إلى ذلك .
نحتاج الوفرة ليس لتلبية حاجيات الشعوب بالمعنى العام فحسب بل نحتاج أيضا وفرة كافية للقدرة على تخطّى العلاقات التى هي إمّا إستغلاليّة و إضطهاديّة أو تتضمّن بذور الإستغلال و الإضطهاد . مثلا ، لنأخذ تقسيم العمل فى المجتمع . فى عالم اليوم، معظم الناس لا يشتغلون فى المجال الفكري ، لا يشتغلون بالأفكار . إنّهم يقومون بعمل جسدي قاصم للظهر هذا إذا تمكّنوا أبدا من إيجاد شغل . و من أجل تجاوز ذلك ، علينا ليس الإشتغال على هذا التناقض و حسب بل علينا كذلك ، فى الوقت نفسه ، أن نوجد وفرة كافية فى المجتمع ، و فى النهاية فى العالم ككلّ لكي ننتج ونعيد إنتاج المتطلّبات الماديّة للحياة الإنسانيّة . و لتوسيع قاعدة القيام بذلك ، يحتاج الناس إلى العمل لبضعة ساعات فى اليوم لا أكثر . و لئن كان على كلّ فرد ، أو غالبيّة الناس فى العالم فى العالم أن يقضوا معظم ساعات اليقظة فى عمل جسديّ ، لن يستطيعوا الحصول على ظروف أو تطوير قدرات للتمكّن من الإنخراط فى شتّى المجالات المختلفة الأخرى كالتعاطى مع سياسة المجتمع و الإنخراط فى النشاط الثقافي و الفكري و ما إلى ذلك . و فضلا عن هذا ، لن يكون لديهم الوقت و الموارد الضروريين لذلك .
و بالتالى ، حتّى لأجل تخطّى هذه الضروب من الإنقسامات الإضطهاديّة ، بين الذين كانت لديهم القدرة على الحصول على المؤهّلات فى المجال الفكري و المجال الثقافي من جهة و المضطرّين للقيام بالعمل الجسدي طوال اليوم تقريبا من الجهة الأخرى ، لا يجب علينا العمل على تغيير هذا التناقض فقط و إنّما علينا أيضا و فى الوقت نفسه أن ننمّى وفرة المجتمع و وسائل إيجاد المزيد من الوفرة حتّى يتمكّن الناس من العمل لبضعة ساعات لا غير يوميّا فى العمل الجسدي و تكون لديهم عدّة ساعات أخرى فى اليوم لتعلّم كيفيّة القيام بعدّة أشياء أخرى. إذا لم ننجز هذا ، لن نتمكّن من تخطّى العلاقات الإضطهاديّة.
و هذا – سأقاوم إستخدام كلمة معقّد مرّة أخرى ( رغم قيامى بعدُ بذلك ) لكن هذا تناقض من التناقضات الأخرى أو من عدد من التناقضات المترابطة على مستويات مختلفة و يتعيّن علينا الخوض فيها . يجب علينا أن ندرك أنّنا نعيش فى عالم غير متكافئ إلى درجة كبيرة و سأعود لهذا بتفاصيل أكبر لاحقا : قرأت كتابا عن أفريقيا و عنوانه " آلة نهب " - و للكتاب نقائصه إلاّ أنّه يكشف الكثير من الحقائق . إنّه يتحدّث عن الظروف الغريبة حيث حفنة من الحكّام فى عديد بلدان أفريقيا متحالفة مع ما يعدّه الكاتب فقط شركات وما شابه لكنّ هؤلاء الحكّام المحلّيين فى أفريقيا متحالفين مع الرأسمال الأجنبي و الإمبرياليّة . و تكدّس هذه الزمرة من الفاسدين و النخب الحاكمة الخادمة لنفسها تماما مليارات الدولارات ، فى بلدان لها ثروات ماديّة طائلة ( الذهب و النفط و مواد أوّليّة أخرى ذات قيمة ). و أفريقيا واحدة من أغنى القارات إن لم تكن القارة الأغنى فى العالم بأسره ، ماديّا أو فى ما يتّصل بهذه الأنواع من المواد . لكن الجماهير الشعبيّة تعيش فى هذه الظروف البائسة اليائسة مطلقا . هذا مثال مصغّر للعالم ككلّ . ونواجه حقّا واقع أنّه فقط بالإطاحة بالنظام القائم – و المضيّ إلى الإطاحة بالعلاقات التى أمسكت بها صيغة " الكلّ الأربعة " و تغييرها – بهذة الطريقة فحسب يمكننا بالمعنى الحقيقي بلوغ تلك الإمكانيّات لتلبية حاجيات الناس و إستخدامها على نحو يلبّى حقّا حاجيات الناس بينما كذلك نعالج بطريقة صحيحة الوضع الإستعجالي للبيئة .
هذا شيء علينا أن نخوض فيه حقّا و ، فى الوقت نفسه ، نحتاج إلى أن نفضح هذا فضحا يصيب هدف عدم التكافئ فى هذا العالم و كيف أنّه مفروض من قبل النظام القائم . نحتاج أن نقدّم إلى الناس بطريقة جريئة : إن كنتم تفهمون هذا حقّ الفهم ، إن كنتم تنظرون إلى العالم كما هو ،هذا شيء آخر يصرخ من أجل التغيير الجذري للعالم . بيد أنّ هذا التغيير الجذري لا يمكن أن يحدث إلاّ مع ثورة . لا يتعلّق الأمر ببساطة بإعادة توزيع الثروة كما هي الآن ، ضمن النظام القائم حاليّا . أحيانا تعثرون على هؤلاء الشعبويّين – لاحظت بارنى سندرارس الذى يتسابق من أجل الرئاسة وهو يعتمد على الإقتصادويّة الإشتراكيّة – الديمقراطية .يقول إنّ لدينا أناس فاحشي الثراء و لديهم مال أكثر من اللازم و هناك دخل غير متساوى بصفة هائلة و نحتاج إلى شيء من إعادة توزيع الثروة . حسنا ، المسألة ليست مسألة إعادة توزيع ما يوجد ، المسألة مسألة تغيير العلاقات الأساسيّة فى المجتمع، و جوهريّا فى العالم قاطبة . و قبل كلّ شيء ، صلب هذا النظام هناك حدود حقيقيّة لمدى إمكانيّة إعادة توزيع الثروة دون تقويض النظام بأكمله و ذلك لأنّ الأمر لا يتعلّق ببساطة بأماس جشعين أو هذه الشركات القويّة جدّا و ما إلى ذلك . و من المهمّ عند الحديث عن الشركات و أصحاب المليارات و ما إلى ذلك من الشركات التى تتحكّم فى مليارات و مليارات الدولارات ، أن نفهم أنّها جميعا مدفوعة إلى المنافسة مع بعضها البعض و إلاّ ستسقط كما شرحت ذلك سابقا . إذا أمليتم عليها أداءات ثقيلة لإعادة توزيع بعض الثروة ، عمليّا ستضعونها فى موقع سيّء فى المنافسة على النطاق العالمي و سيتداعى النظام الإقتصادي أو يشهد أزمة عميقة جدّا . لذا ، حتّى بهذا المعنى ، هناك حدود لمدى قدرتكم على إعادة توزيع الثروة .
و حتّى أكثر جوهريّة ، لا يتّصل الأمر بإعادة توزيع ما يوجد بل بتغيير العالم بأسره . لنقل إنّكم صادرتم كلّ الثروة القائمة و أعدتم توزيعها تقريبا بالتساوى على الجميع فى العالم . حسنا ، سرعان ما سيعود العالم إلى سالف وضعه – وضعه الحالى سيعود لأنّكم لم تغيّروا أي شيء من الأشياء التى تتناسب مع " الكلّ الأربعة " . لم تغيّروا العلاقات الإقتصاديّة و النظام الإقتصادي ؛ لم تغيّروا العلاقات الإجتماعيّة ؛ لم تغيّروا العلاقات الطبقيّة ؛ و لم تغيّروا تفكير الناس . و مرّة أخرى ، نتعاطى مع نقطة أساسيّة فى الماديّة ، المادية الجدليّة . إن كان المجتمع الإنساني سيسير و سيبقى البشر على قيد الحياة و يعيدوا إنتاج أنفسم ، يجب على المجتمع أن يتفاعل مع الطبيعة ، مع بقيّة الواقع الطبيعي بطريقة أو بأخرى . ونعود إلى : عبر أي نمط إنتاج سيفعل كلّ هذا ؟ل مع نمط الإنتاج الرأسمالي – الإمبريالي هذا ، حتّى إذا أخذنا كلّ الثروة و اعدنا توزيعها ، بسرعة كبيرة سنعود إلى الوضع السابق ، طالما أنّنا تركنا كلّ هذه الأشياء التى تمثّلها " الكلّ الأربعة " كما هي و تسير كما هو الحال الآن . و هذا لا يفهمه الناس عفويّا . والعديد منهم يمكن أن يحوموا حول " لبعض الناس مال أكثر من اللازم فلنأخذ جزءا منه و نعطيه للمحتاجين " . أحيانا يأتى هذا من منبع جيّد ، من شعور إيجابي . لكن لو لم تفهموا الديناميكيّة الأعمق هنا ، التناقضات التى نتعاطى معها و واقع أنّ الأنظمة تسير وفق بعض المبادئ الجوهريّة المتجذّرة فى تناقضاتها الفعليّة ، لن تفهموا المخرج من هذه الفوضى الفظيعة التى تقع فيها الإنسانيّة نتيجة النظام الذى نعيش فى ظلّه .
أهمّية " نقطة مظلّة الطيران " – حتّى الآن و أكثر حتّى مع ثورة فعليّة
والآن ، أرغب فى العودة إلى " نقطة المظلّة " التى أشرت إليها قبلا و التى ناقشتها فى " أسس الثورة الشيوعيّة و أهدافها و مناهجها " (44) . و يشمل هذا جملة أخرى من التناقضات التى علينا أن نتعاطى معها ، و يمكن أن نرى ذلك بعدُ اليوم فى نضالات معيّنة / يتّحد الناس معنا ثمّ ربّما تراجع النضال و إنفضّ الجميع فى إتّجاهات متباينة و أرادوا التقدّم ببرامج مختلفة و ما إلى ذلك – أو ربّما إشتدّ النضال و أراد أشخاص مختلفون و أرادت قوى متباينة أن تستعمل ذلك من أجل برامج مختلفة ، و أحيانا لتسمّم النضال . إنّ هذا سيتضخّم ، سيتضخّم بشكل كبير ، مع الإفتكاك الفعلي للسلطة و ظهور مجتمع جديد . و قد ناقش لينين الظروف المختلفة للثورة لا سيما فى بلد إمبريالي مثل هذا البلد : قال إنّه لا يجب أن تكون الطبقة الحاكمة فى وضع يائس حقّا فحسب ، تنخرها الصراعات الداخليّة و عمليّا غير قادرة على الحكم بالطريقة التى حكمت بها تقليديّا ؛ و لا يجب على الجماهير أن تنوي عدم متواصلة الحياة بالطريقة التى تخضع فيها عاديّا و بصفة عاديّة تتأقلم معها تقريبا ؛ بل يجب كذلك من أجل وجود وضع ثوريّ ، أن يُشلّ سياسيّا أصدقاء الثورة الضعفاء و نصف الجريئين و المتردّدين ؛ بكلمات أخرى ، أنواع البرامج الشبيهة بما تسمعونه الآن – لنضع كاميرات على أجساد الشرطة أو لنضع المزيد من الديمقراطيين فى مواقع المسؤوليّة لحماية حقّ الإجهاض أو أي شيء – كافة هذه الضروب من المشاريع الإصلاحيّة و الجهود الفاترة التى تعوزها الحماسة يجب أن تفقد مصداقيّتها ، فى صفوف من ؟ فى صفوف الجماهير الشعبيّة ، و ليس فى صفوف قلّة قليلة فحسب . نحن بصدد التعاطى مع تناقضات حادة فى وضع ثوريّ ، و كعنصر هام لما ينطوى عليه الوضع الثوري ، يجب أن تصبح هذه الأنواع من البرامج الإصلاحيّة مفضوحة بصفة متصاعدة و تعرف الجماهير أنّها فاسدة و لا تعالج المشكل . و تشاهدون ذلك أو أجزاءا منه فى وضع اليوم – فى عدّة مناسبات قال لنا الناس : " حسنا ، لا أتّفق حقّا معكم لكن لا أحد آخر يقوم بأيّ شيء ، لذا أعتقد أنّه عليّ أن أغلق أنفي و أتّحد معكم " . و هناك البعض الأكثر إيجابيّة لكنّنا سمعنا هذا على ذلك الشكل جوهريّا . و ستتعاظم أشياء من هذا الصنف عندما تعترف الجماهير الشعبيّة بأنّ النظام الراهن فاسد تماما و غير شرعي و يجب أن يرحل – أو أنّ شيئا جذريّا يجب أن يحدث فى المجتمع ، على كلّ حال – و قد دلّلت كلّ هذه البرامج الأخرى ، و ليس فقط لحفنة من الناس أو لعدد كبير منهم ، على عدم القدرة التامة على التعاطى مع ما يقرّ الناس أنفسهم بأنّها مشاكل تتطلّب بصفة إستعجاليّة نوعا من الحلّ .
و بالنسبة إلى طليعة الثورة – التى تكون فى مثل ذلك الوقت قد نمت من آلاف إلى عشرات الآلاف و ربّما إلى مئات الآلاف لكنّها لا تزال جزءا صغيرا من المجتمع ككلّ – يُخوّ ل لها هذا الوضع توحيد الملايين و عشرات الملايين حول رايتها ، للقتال فى سبيل الثورة . لكن بعدئذ تتضح الرؤية ، إن أمكن القول – نقاتل و مهما كان الطابع الطويل الأمد ، نخرج عمليّا إلى النهاية الأخرى و قد هزمنا قوى النظام القديم و أرسينا مجتمعا جديدا و دولة جديدة – ثمّ إنّ الإختلافات التى لدي الناس مع ما تمثّلونه بساطة لن تتبخّر بين ليلة و ضحاها . و مثّل عدم الإقرار بذلك أو عدم فهم الأبعاد التامة له نوعا من المشاكل فى تاريخ الحركة الشيوعية . و لا يعنى هذا أنّ أناسا مثل ماو لم يعترفوا بهذا النوع من التعقيد – قول ذلك سيكون سخيفا. فقد تحدّث ماو طوال الوقت عن هذه الضروب من التعقيدات . و مع ذلك ، فى تاريخ الحركة الشيوعية عامة ، وُجدت نزعة للإعتقاد بأنّه إذا كان الناس معكم زمنها ، زمن بلوغ الأشياء ذروتها و إفتكاك السلطة ، يمكن أن و يجب أن ينجز ، فإنّهم سيظلّون معكم على طول الطريق إلى الشيوعيّة . غير أنّ الأمور ليست كذلك . قبل كلّ شيء ، تظهر تناقضات جديدة عندما ينشأ مجتمع جديد – ما يعنى أنّ الناس الذين كانوا معكم يندفعون تاليا فى إتجاهات مختلفة جرّاء كيفيّة ظهور التناقضات الجديدة ، أو إتّخاذ التناقضات القديمة أشكالا جديدة . و ثانيا ، هناك واقع أنّ الذين إتّحدوا حول رايتكم عندما لّما كان يبدو لهم أنّه لا مخرج آخر ، لا ينظرون الآن للأشياء تماما بنفس النظرة . و مجرّد انّهم كانوا معكم فى لحظة حاسمة عندما نضج الوضع الثوريّ ، لا يعنى أنّهم سيبقون معكم على خطّ مستقيم عندما تكون الأزمة قد حُلّت ، حتّى إن وقع حلّها بوسائل ثوريّة و وُلد مجتمع جديد . لذا ، هذه الإستعارة ل " المظلّة " مفيدة فى إيضاح أنّه زمن وضع ثوريّ و نضال فعلي من أجل السلطة ، ترون " إنغلاق " التناقضات، إن أمكن القول ، كالمظلّة عند جمعها . يتوحّد الناس بقوّة حول اللبّ الصلب للثورة . لكن تاليا ، نلج المجتمع الجديد و كالمظلّة تنفتح الأشياء كما فى السابق و تؤكّد التناقضات نفسها مجدّدا ، بأشكال قديمة و بعديد الأشكال الجديدة أيضا. و أن يكون لدينا إدراك علميّ لهذا يعدّ جزءا هاما من فهم كيفيّة قيادة ثورة عبر كلّ هذه التناقضات ، في آن معا الآن و بطريقة أشدّ و أضخم بكثير عندما يتّصل الأمر بإفتكاك السلطة و تاليا بالبناء العملي لمجتمع جديد و جعله قاعدة إرتكاز للثورة العالمية ، فوق كلّ شيء ، بينما نتعاطى مع كافة التناقضات المعقّدة جدّا و الحادة جدّا أحيانا ، تناقضات يجب علينا أن نواجهها حينما نقود دولة إشتراكيّة.
دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا – اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة ، على أساس اللبّ الصلب
لقد ذكرت عدّة مرّات " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " ويمكننا أن نرى الكثير من هذه التناقضات و هذه المبادئ تؤخذ بعين الإعتبار و تطّق فى ذلك الدستور . و أعتقد نهائيّا بأنّ الناس لم يدرسوا تقريبا بالعناية اللازمة هذا الدستور و لم يعودوا إليه كما يجب ؛ و لم يوظّفوه كما يجب فى علاقة بالآخرين . و لا أقول إنّ شيئا من ذلك لم يحصل بل قصدى هو أنّ هذا لم يحصل تقريبا بالطريقة وعلى النطاق اللازم . لهذا و بأكثر جوهريّة ، لأهمّية ما يكثّف فى هذا الدستور ، أودّ أن أتفحّص هنا بعض الطرق التى عولجت بها التناقضات فى هذا الدستور ، متوغّلا فى هذا كوسيلة لتوضيح بعض المسائل المنهجيّة و المبدئيّة و لتحفيز الناس على التعمّق فى هذا الدستور و إستغلاله على نحو أتمّ فى بناء الحركة من أجل الثورة .
لقد قيل فى عدّة مناسبات – و هذا شيء من جملة أشياء على غرار "فرقة علماء " و ما إلى ذلك ، التى يمكن أن تغدو تعبيرا ميّتا، لا معنى له – إنّ هذا الدستور هو تطبيق للخلاصة الجديدة للشيوعية . لكن ما معنى ذلك و كيف يبرز ذلك ؟ بالمعنى الأكثر أساسيّة ، مبدأ " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة ، على أساس إلى اللبّ الصلب " (45) جزء من أساس هذا الدستور. إنّه خيط ناظم لكامل الدستور ، و كذلك ، قد وقعت الإشارة إليه صراحة فى الدستور . و قبل كلّ شيء ، هناك العلاقة بين الحزب الطليعي و الدولة . و إليكم جملة أخرى من التناقضات . فهذه العلاقة لا ينبغى أن تفهم بمعنى ما ميكانيكي كما لو أنّ الحزب ذاته هو اللبّ الصلب بالمعنى التنظيمي . بالأحرى ، ما يمثّله الحزب بطريقة مكثّفة – الإقرار بما هو فى موقع القلب من هذا الدستور – أنّ مؤسسات المجتمع الإشتراكي يجب أن تخدم التقدّم بالثورة الشيوعيّة . هذا هو الأساس الذى يقوم عليه الحزب وهذا ما يعطى الحزب دوره كلبّ صلب . إنّه كلّ الأشياء التى تحدّثت عنها هنا بمعنى الحاجة إلى التقدّم نحو الشيوعيّة على النطاق العالمي ، و كيف أنّ هذا ينسحب على كلّ هذه الأبعاد المختلفة . إنّه الناس منطلق هذا النوع من الفهم و التوجّه و المقاربة الإستراتيجيّة . هذا هو اللبّ الصلب . وهو لا يساوى الحزب نفسه . يجب أن يشمل الحزب لكنّ الحزب ذاته مليئ وسيكون مليئا تناقضات . سيوجد البعض فى الحزب الذين لن يعملوا فى الواقع وفق ذلك التوجّه و هذا لا يعنى أنّنا نقول بأنّ ذلك أمر جيّد بل نقول إنّ ذلك واقع ينبغى الإقرار به و النضال ضدّه . وفى أيّ زمن معطى ،من الناحية الأخرى ، سيوجد أناس ليسوا شكليّا فى الحزب لكنّهم سيعملون – تقريبا أو بالمعنى الأساسي – وفق هذه المبادئ .
لذا الحزب و الدولة ليسا متماهيان . ليس مثلما يصوّر ذلك أنصار باديو (46 ) و أمثالهم – ليس " منظومة الحزب – الدولة " بمعنى أنّ الحزب والدولة نفس الشيء ؛ لا مجال لهذا مع هذا الدستور ، الدولة إمتداد مباشر للحزب بما فى ذلك مؤسّساتيّا . و بالأحرى يمثّل الحزب نظرة للعالم ومنهج ومقاربة و توجّه إستراتيجي و جملة من السياسات النابعة من ذلك ، وهو يناضل من أجل ذلك المجتمع و يعمل على كسب المزيد فالمزيد من الناس بالإشتغال من خلال التناقضات التى تحدّثنا عنها . لذا هناك تناقض بين الحزب و الدولة ، ليسا متماثلين . و هناك تناقض بين اللبّ الصلب لهذا الخطّ بكامله – فاهمين ذلك بالمعنى العام – و سير الدولة . ليس شيئا متجانسا ذى وحدة صمّاء و ليس إمتدادا خطّيا مباشرا حيث كلّ ما يقوله الحزب هو ما على الدولة فعله و تفعله. إذا قرأتم الدستور ، سترون الإشارة الصريحة إلى أنّ هذه ليست الطريقة التى يجب أن يجري عليها التى الأمر، ليست الطريقة ستعمل فى إنسجام مع هذا الدستور .
ثمّ هناك التناقض بين الحزب الطليعي و المجتمع الأوسع . و هذا يعود مجدّدا إلى " نقطة المظلّة " : ستكون لدينا الكثير من القوى المختلفة فى المجتمع الإشتراكي تعمل وفق خليط من الأفكار و أحيانا مختلفة مع و أحيانا حتّى معارضة للتوجّه الأساسي الذى يمثّله اللبّ الصلب – و يسمح الدستور بهذا . و فى الوقت نفسه ، لدينا الطليعة و لدينا جملة من المبادئ المتجسّدة فى الدستور . و هذا الأخير ليس شيئا يصنع به الفرد ما يريد صنعه . فهناك نهائيّا لبّ صلب فى هذا الدستور ، فى طريقة التقدّم بالأشياء – قبل كلّ شيء ، فى طريقة التقدّم بالأشياء فى توطئة الدستور وفى الطريقة التى يعبّر بها صراحة كبيرة عن أنّ مؤسّسات هذا المجتمع يجب أن تكون أدوات للمضيّ بالثورة الشيوعية قدما. وهذا أساسي بالنسبة للبّ الصلب . و هذا يعنى أنّه ليس بوسعنا قول ، " أنا منسجم مع هذا الدستور لكنّى أودّ إعادة تركيز الرأسماليّة ". و لنفكّك هذا أكثر . يمكننا قول ذلك لأنّ حقّ قول ذلك مضمّن فى هذا الدستور ؛ لذا إن قلنا ذلك ، نحن منسجمون معه ، مع هذا الدستور ، لنا حقّ قول ذلك ؛ لكن ليس هذا ما يقوله الدستور عن هدف المجتمع و غايته . و هذا تناقض آخر . للناس حقّ قول ذلك إلاّ أنّ هذا لا يمثّل اللبّ الصلب كما يعرض و يتجسّد بالذات فى الدستور .
و ينطبق هذا المبدأ " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة ، على أساس إلى اللبّ الصلب " ليس على جهاز الدولة فحسب ( الشرطة و الجيش و السلطة التنفيذيّة إلخ ) بل على الحكومة ككلّ : بالنظر إلى كافة مؤسسات الحكومة ، ثمّة معا اللبّ الصلب، كما وصفنا هنا ، و ثمّة المرونة إستنادا إلى اللبّ الصلب . وكما وضعت ذلك أرديا سكايبراك فى حوارها الصحفي، لا يتعلّق الأمر بمجرّد خليط كبير حيث لا تستند المرونة إلى اللبّ الصلب و تخرج على النطاق . و فى نفس الوقت ، مرّة أخرى ، ليس كلّ اللبّ الصلب ، بمعنى أنّ كلّ ما يصدر عن الحزب سيطبّق . و كمثال لذلك ، لننظر فى كيفيّة رؤية الإنتخابات فى هذا الدستور . لا أدرى كم عدد الذين إنتبهوا إلى هذا لكن قدرا كبيرا من التفكير و العمل بُذل فى النسب المائويّة المضبوطة و الدقيقة جدّا للإنتخاب الموجودة فى بداية الدستور حيث يتمّ الحديث عن السلطة التشريعيّة على الصعيد الوطني . ما كان التفكير المرشد و ما هي المبادئ المرشدة هنا ؟ لماذا يقال ، فى علاقة بنسب السيرورة الإنتخابيّة ، 20 بالمائة عوض 60 بالمائة أو شيئا آخر ؟ لما وقع الإختيار على هذه النسب الخاصّة فى الحديث عن إنتخاب السلطة التشريعيّة الوطنيّة . المبدأ المرشد – و هذا مثال آخر لللبّ الصلب و المرونة إستنادا للبّ الصلب ، و مثال آخر لمبدأ يشدّد عليه أحيانا على أنّه الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزّق ( إلى حدود التمزّق فى كلّ الإتّجاهات ) ، حتّى فى ظلّ الإشتراكيّة ، و حتّى و نحن نناضل للمضيّ بالأشياء بإستمرار على الطريق الشيوعي – المبدأ المرشد هو أنّ هذه النسب المائويّة في الإنتخاب حدّدت على هذا النحو كي حتّى وإن تحوّلت الغالبيّة الساحقة من الناس فى المجتمع إلى موقف معارضة كلّ شيء نحاول القيام به ، بوسعهم عمليّا أن يصوّتوا لقلب كلّ شيء . إذا تفحّصتم ما يوجد هناك – سأنزع إلى تكرار رهان أنّ عديد الناس لم يقاربوا المسألة على هذا النحو و لم ينظروا فيها حقّا على هذا النحو ، لكن إذا تفحّصتم ما يوجد هناك عمليّا ، فإنّه صيغ بقصد أنّه إذا قرّرت الغالبيّة الساحقة من الناس أنّهم لم يعودوا يرغبون فى هذا النظام ، يمكنهم عمليّا التصويت للإطاحة به . لكن من الناحية الأخرى ، يستدعى الأمر أن يكون الكثير من الناس يشعرون على هذا النحو .
لماذا فعلنا ذلك ؟ فقط لمجرّد جعل البرجوازيّة الصغيرة محايدة و إيقاف تذمّرها طوال الوقت ؟ لا. نظرا لكون الإنقلاب على الأمر يقتضى غالبيّة غالبة ( للإطاحة بالنظام الإشتراكي عبر التصويت ) ، فإنّه يعمل على أساس اللبّ الصلب لكلّ ما عليه كلّ هذا ؛ و فى نفس الوقت ، يمثّل كذلك ضرورة و تحدّيا للطليعة – التى تمثّل اللبّ الصلب بالمعنى العام ، و إن لم يكن ذلك فقط بالمعنى التنظيمي – إنّه يمثّل تحدّيا للطليعة لأنّه صيغ على هذا النحو كي لا تتصرّف الطليعة حسب مجرّد " حسنا ، نحن فى السلطة الآن ، بوسعنا القيام بما نريد ، و من يهتمّ بكيفيّة قيامنا به و بما تفكّر فيه الجماهير الشعبيّة " . عمليّا ليس علينا الخروج و العمل فى صفوف الجماهير لكسبها بإستمرار إلى جانب هذا . و كلّ هذا موزون بدقّة ، فى كيفيّة بناء الأشياء فى الدستور ، كتعبير و وسيلة لمعالجة ذلك التناقض على ذلك النحو ، من أجل الحفاظ على اللبّ الصلب ، لكنّنا عمليّا نمضى إلى إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزّق و خاصّة إن عرفنا منعطفا خاطئا ، فإنّ عددا كبيرا من الناس فى المجتمع سيكونون غير راضين عنّا .
و لا تفكّروا فى أنّ ذلك لن يحدث – حتّى مع الذين عانوا الأمرّين فى ظلّ المجتمع القديم . إنّه يحدث الآن . و مجدّدا أعود إلى أشياء مثل ما جدّ فى بلتيمور : نهض الناس ببطولة و ماذا يحدث الآن ؟ تستغلّ السلط واقع أنّ الجماهير ضد بعضها البعض لدعم فكرة أنّه على الشرطة أن تستخدم قوّة عنفها للحفاظ على النظام و إخضاع كلّ الجنون الذى يتّهمون الجماهير بالوقوع فيه . و هذا يذكّرنى بأشياء إعتدت عليها منذ زمن كنت فى شيكاغو حيث كنت أقطن فى سبعينات القرن العشرين . هناك ظاهرة تشمل بعض المصالح الكبرى للنظام القائم فى منطقة شيكاغو ( من النوع الذى إرتبط بها أوباما بعد ذلك بقليل ، لكنّى هنا أعود بالذكريات إلى فترة السبعينات من القرن الماضي ، قبل ظهور أوباما ) ، و عندما أرادت المصالح الكبرى للنظام القائم أن " تحوّل حيّا " كان سكّانه بالأساس من البيض ، و أرادوا أن يفرّ الناس من الحيّ حتّى يتمكّنوا من شراء المنازل بثمن زهيد ثمّ بيعها محقّقين أرباحا كبرى ، فإنّ مصالح هذه الشركات العقاريّة لجأت إلى التنسيق مع الشرطة . كانت لديهم وحدة كاملة فى صفوف شرطة شيكاغو مسؤولة عن التعاطي مع العصابات – و قد تسلّلت إلى العصابات – و كانت توصل الرسائل عبر علاقاتهم : إذا ذهبتم إلى هذا الحيّ و أحدثتم فوضى ، لن نتدخّل . و سرعان ما يستفيق حتّى الناس من البيض الذين لم يأتوا من مثل هذا المكان السيّئ على ذلك فيغادرون و يبيعون أملاكهم بثمن بخس لأنّ الحيّ صار غير محتمل ، ثمّ يسمح للسود و يتمّ تشجيعهم حتّى على إقتناء هذه المنازل لكنّهم يدفعون سعرا أعلى بكثير من سعر شراء تلك المنازل . لذا قامت مصالح الشركات العقّاريّة بجرائم قتل بهذه الطريقة . و هناك أمر أخذ الشرطة لأناس م ن عصابة أو من جماعة و إن أرادت إحداث بلبلة توقفهم أو يختطفهم الشرطة ثمّ ترمى بهم فى حيّ عصابة أخرى أو جماعة أخرى فتندلع البلبلة . و بعد فترة قصيرة ، تكون الأمور قد بلغت مداها الخاص ، و لا تحتاج الشرطة إلى القيام بأيّ شيء . و هذا الضرب من الأمور لا تزال الشرطة تلجأ إليه و ليس فى شيكاغو فحسب بل بصفة أعمّ – خاصة عندما تتمرّد الجماهير .
إذن ثمّة كلّ هذا التعقيد الذى من واجبنا التعاطى معه عندما نكون نعمل على بناء حركة من أجل الثورة . و تحدث الأشياء نفسها عندما نكون عمليّا أنجزنا إختراقا و أرسينا دولة إشتراكيّة و نكون على طريق بناء الإشتراكيّة و المضيّ قدما صوب الشيوعيّة . ستوجد قوى لا يعجبها ما نقوم به . فماذا ستفعل ؟ ستسعى إلى تخريب الإقتصاد . ستسعى إلى خلق مشاكل فى صفوف الجماهير و كذلك ضد الدولة الإشتراكيّة . قد لا تظهر على الملأ لتقول : " لنعد تركيز الرأسماليّة " لمّا يكون ذلك غير شعبيّ . لكن إن أمكن لهم إفساد الأمور و خلق ما يكفى من الفوضى ، عندئذ سيقول الناس : " ربّما نحتاج إلى عودة النظام القديم لأنّه على الأقلّ كنّا نتمتّع بالأمن ، على الأقلّ كانت الأمور تسير " . و مجدّدا ، يحدث مثل هذا الآن لمّا ينهض الشعب و يناضل . ثمّ سرعان ما تقول الجماهير : " تبّا ، نعتقد أنّنا فى حاجة إلى الشرطة لأنّه يجب الحفاظ على النظام هنا ". علينا أن نعالج هذا التناقض ، بالمناسبة . هذه هي مسؤوليّتنا . إن كانت إثارة هذا القرف أو وقعت الجماهير لوحدها فى أسر هذا الهراء ، يكون تغيير هذا الوضع فى الإتّجاه الصحيح مسؤوليّتنا . لا يمكننا أن نقوم بدور الشرطة فى صفوف الشعب – ومن الأكيد أنّه ليس بوسعنا التحرّك مثل شرطة الدولة البرجوازيّة الإضطهاديّة – لكن هذه مسؤوليّتنا ، تغيير ذلك الوضع و من خلال قدر كبير من الصراع ، وضع الجماهير الشعبيّة على الطريق الذى تحتاج أن تكون عليه . لن ننجز أبدا ثورة إذا لم نتحمّل مسؤوليّة كلّ هذا بما فيها التعاطى مع حاجيات الجماهير فى كهذا نوع من الأوضاع . إن لم نقم بذلك ، ستتّجه الجماهير إلى القبول بفكرة أنّه " ربّما نحتاج إلى عودة الشرطة إلى هنا ، مهما أساءت إلينا و عنّفتنا و قتّلتنا ، لأنّه دونها ببساطة الأمور جنونيّة جدّا ". إن لم نعالج ذلك ، حتّى عندما تنهض ، ستقع الجماهير فى أسر النظام القمعي القائم ، مرّة أخرى . والآن ، بوضوح ، هذا ليس هيّنا ، و لست أقول إنّه هيّن – إنّه عسير . لكن علينا أن ننكبّ على ذلك و نعمل لتصوّر كيفيّة معالجة هذه التناقضات ، حتّى الآن ، لأنّنا لا نستطيع أن نترك النظام يعود إلى الجماهير بهذه الطريقة . يعودون بكافة أصناف الوسائل – يعودون بالقمع العنيف المفضوح كما يعودون بواسطة جعل الجماهير تتصادم مع بعضها البعض و تشرع فى الشكّ فى نفسها: " لعلّنا كنّا فى وضع أفضل رغم قيام الشرطة بهذا القرف ، لعلّه عليهم القيام بالقرف الذى يقومون به " . إنّ تغيير هذا الوضع مسؤوليّة من مسؤوليّاتنا.
تصوّروا إن حصلنا على دولة إشتراكية – سيكون لدينا نفس هذا الضرب من التناقضات : يسعى أناس إلى تخريب إقتصادنا و تقويضه و جعل الجماهير فى صدام فيما بينها . و ستوجد قوى تعارض ما نقوم به – الإمبرياليّون الباقون و رجعيّون آخرون فى العالم و داخل البلاد ذاتها – و يمكن أن يكونوا ماهرين جدّا فى إيجاد سُبل إثارة الناس ضدّنا بخلق صعوبات لهم . و عندئذ يقول الناس : " أحبّكم أنتم الثوريّون ، لكن تبّا ، على الأقلّ كنّا نستطيع القيام بشيء للحصول على ما نأكله فى المجتمع القديم و الآن إقتصادكم منهار تماما . آسف ، لكن يجب أن نطيح بكم ونضع موضعكم أناسا يستطيعون على الأقلّ الحصول على ما نأكله و على سقف يأوينا " . و بالمناسبة ، إن جدّت ثورة إشتراكيّة ، مثلما أشرت قبلا ، سنكون عندها مسؤولين عن حاجيات الشعب . لا أقصد أن نكون كالعمّال الإجتماعيّين ، لكنّنا مسؤولون ، الطليعة مسؤولة ، على قيادة المجتمع نحو تلبية حاجيات الشعب . و هناك الكثير من القوى التى ستعمل على إثارة الشعب ضدّنا على أساس أنّنا لا نلبّى حاجيات الشعب .
و قد أثار أحدهم نقدا لهذا " الدستور للجمهوريّة الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " ، و بصفة أعمّ لخطّ حزبنا : أليس المشكل أنّ الثورات الإشتراكية التى جدّت إلى الآن جدّت فى بلدان كالصين حيث كان الناس فقراء بيأس و كانوا فى حاجة إلى شيء يأكلونه و كان يجب تولّى العناية بكافة بقيّة حاجياتهم المادية على الفور ، و لهذا لم يستطيعوا تطبيق مبدأ إيجاد الصراع الفكري و المعارضة الفكريّة ؟ هذه تناقضات حقيقيّة . لكن فكّروا فى هذه البلاد أين توجد كلّ هذه الفئات الوسطى و إنتظاراتها إزاء كلّ هذه الأشياء – مثل مصمّم قهوة بالكأس ، وما شابه – و كلّ هذا الركام الذى إعتادت عليه كجزء من حياتها اليوميّة و كنتيجة للدرجة العالية من الطفيليّة التى تنهض عليها أوضاعها . و لا نقوم بثورة ثمّ نجد كافة قوى الإنتاج المتقدّمة جدّا كما هي قبل الثورة . سيحدث دمار كبير – جزء منه نتيجة لا يمكن تفاديها للصراع و بعضه تحدثه عمدا قوى النظام القديم ، حتّى وهي تتّجه فى النهاية نحو الهزيمة . و بالتالى ، ستوجد تناقضات من هذا الجانب أيضا . و سيكون هناك بعض الذين كانوا فى فقر مدقع و لديهم حاجيات فوريّة و سيكون هناك كذلك أناس من فئات وسطى إعتادوا على مستوى معيّن من الحياة و يجب علينا أن نعالج هذه التنقاضات أيضا .
زمن الثورة الروسيّة ، نظرا لأنّه كان للطبقة العاملة الألمانيّة مستوى معيشة أرفع من مستوى معيشة الطبقة العاملة الروسيّة وقت الثورة فى روسيا ، قال لينين وهو يتوجّه إلى منظّمة شيوعيّة عالميّة : قد يتعيّن علينا أن نقول للعمّال فى ألمانيا إنّه إن حدثت ثورة هناك فإنّ الأجور ستنخفض لفترة من الزمن . و قد عارض ذلك عديد الناس : لا يمكننا قول ذلك . إلاّ أنّ لينين ألحّ بأنّه علينا قول ذلك إعتبارا لأنّ هذا هو الواقع المادي . من أجل تلبية كافة حاجيات المجتمع ، قد لا نستطيع أن نحافظ على مستوى المعيشة الذى إعتاد عليه العمّال الألمانيّون جرّاء الإمبريالية الألمانيّة .
هذه هي أنواع التناقضات التى علينا التعاطى معها . مثلا ، فى هذه البلاد هناك قسم من العمّال المنخرطين فى النقابات معتاد على مستوى عيش مرتفع نسبيّا . و الآن ، قد حطّموا إلى درجة كبيرة النقابات فى الفترة الأخيرة – المشهد مختلف تماما عن ما كان عليه قبل أربعين سنة لمّا كانت النقابات أقوى و كان لها تأثير أكبر بكثير . لكن ، مع ذلك ، هذا الصنف من التناقضات المتّصل بهذه الفئات الوسطى ، بصفة عامة ، سؤكّد نفسه فى المجتمع الإشتراكي الجديد .
لذا ، كلّ هذا أخذه دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديد بعين الإعتبار وهو مصاغ و محدّد بدقّة للتعبير – حتّى تماما و بمعنى الأرقام – عن التناقضات التى تفحّصتها .
و لنضرب مثلا آخر ، ما الذى يقوله هذا الدستور عمليّا و ما الذى لا يقوله بشأن إمتلاك الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة لفيالق عسكريّة ونحو ذلك فى بلدان أخرى ؟ لقد سمعت عن أناس يقولون و هم يروّجون لهذا الدستور ، " هذا الدستور يقول لن تكون للدولة الإشتراكية الجديدة فيالق عسكريّة فى بلدان أخرى " . لا ، لا يقول هذا . إذا قرأناه بإنتباه ، ما يقوله هو إنّ هذه الدولة " لن تركّز قواتها و لن تقيم قواعدا فى بلد آخر عدا فى ظروف حين يكون ذلك بوضوح فى إنسجام مع أمانى الجماهير الشعبيّة فى ذلك البلد و حيث يكون مثل هذا العمل فعلا تعبيرا عن التوجّه الأممي و مبادئ و أهداف جوهريّة أخرى حدّدت فى هذا الدستور و ستساهم فى تقدّم النضال الثوري فى العالم وفق هذه المبادئ و الأهداف " . هذه لغو مصاغة بدقّة – ليس لتكون أذكياء بل للتعاطى مع التناقضات الفعليّة . هل يجب أن نجعل من عدم تدخّل دولة إشتراكية أبدا لمساعدة ثورة فى بلد آخر ، حتّى عسكريّا ؟ لا أعتقد ذلك . و الآن إن أردتم تعويض الجماهير الشعبيّة هناك ، و فرض إرادتهم كقوّة عسكريّة لدولة آتية من الخارج ، هذا شأن آخر تماما و لن يؤدّي إلى نتيجة جيّدة . لقد قال ستالين مرّة ، مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، إنّه حيثما تقف أيّة ثوى عسكريّة ، تستطيع أن تفرض النظام الإجتماعي الذى تريد فرضه . حسنا ، هناك بعض الصحّة على المدى القصير لذلك لكن هناك الكثير من التناقضات و المشاكل المرتبطة بذلك برزت بحدّة شرقي أوروبا بعد مدّة طويلة من نهاية الحرب العالمية الثانية . لا نملك الوقت للتوسّع فى كلّ ذلك ، الآن تحديدا . لكن مرّة أخرى ، يمكن أن تكون هذه التناقضات حادة جدّا .
و ثمّة مبدأ أن لا نعامل البلدان الأخرى و شعوبها بالطريقة التى يعاملهم بها الإمبرياليّون لكن فى الوقت نفسه ، لان نجعل مبدأ أو شيئا مطلقا أنّنا لن نتخطّى أبدا حدّا ، لن نعبر حدودا لمساندة ثورة . سيكون ذلك خطأ . سيكون مناهضا للأمميّة . و إذن كيف نعالج هذا تناقض آخر ، نعم ، معقّد للغاية – و أحيانا حادا للغاية .
يجب على الناس العودة للنظر فى كيفيّة معالجة ذلك فى الدستور لأنّ المفردات منتقات بعناية كبيرة . لماذا ؟ لأنّه إن تجاوزنا عن نوع من الصيغة المبسّطة ، فهذا يعنى عمليّا أنّنا نخطّط للمجتمع الذى نهدف إليه . و بباطة ليس المقصود أن تكون جملة من الأفكار الجيّدة التى تشدّ الناس – " لنقل ذلك لهذه المجموعة ، و ذلك لمجموعة أخرى ، حتّى يحبّنا الجميع " . لا ، ليست هذه هي طريقة قيامنا بالأشياء . عمليّا ، المقصود هو أن نوضّح : هذه هي المناهج و المبادئ و الخطوط المرشدة و السياسات التى ينبغى أن نطبّق و نتّبع . و عندما نبلغ ذلك ، ربّما يتبيّن أنّ بعض الأشياء تحتاج إلى التغيير . لكن الآن ، هذا أفضل ما نستطيع القيام به ، وهو فعلا جيّد جدّا تماما فى الخوض فى هذه التناقضات و عرض المناهج و المبادئ و الخطوط المرشدة لكيفيّة التعاطى مع هذه التناقضات . و يجب على الناس أن ينظروا حقّا إلى ذلك الشيء لتقديم عملي لما نصبو إليه .
ينبغى أن ننشر هذا فى ص فوف الشعب بطريقة جريئة جدّا . و عادة ما يثير الناس نقدهم لنا قائلين : " عادة ما تقولون ما تقفون ضدّه – لكنّكم لا تقولون ما تناضلون من أجله " . حسنا ، نقوم بذلك – و إنتبهوا لسنا الحزب الديمقراطي ! و هذا ما نناضل من أجله – بالضبط هنا ، بالضبط فى هذا الدستور . خضنا فى الكثير من التناقضات و ينعكس هذا فى هذا الدستور. و مثلما قلت لم يكن الأمر أمرا مجرّدا : " لنخرج بأشياء تشدّ هذه المجموعة و أشياء تشدّ تلك المجموعة " . لم يكن منطلقنا ذلك قط . كان منطلقنا القيام بأفضل ما أمكن للتعاطى مع هذه التناقضات . و البعض منه مفصّل جدّا و دقيق جدّا . و يجب على الناس الخوض فيه و إستعمال تلك الوثيقة بهكذا طريقة و بهذا النوع من الفهم .
أو لنأخذ تناقضا آخر ؛ لماذ ا ينطوى مشروع الدستور على الحديث عن القوات المسلّحة للجمهوريّة الإشتراكية الجديدة فى هذا الدستور ؟ لماذا لا يُقال إنّنا يمكن أن نعوّل على تطوّع الناس فحسب ؟ حسنا ، إنّه يشرح نقطة أنّ تطوّع الناس هو المظهر الأساسي – الشيء الأساسي الذى يجب التعويل عليه – كسب الناس سياسيّا و إيديولوجيّا . و فى نقاش كان لى مع شخص ترعرع فى الصين ، قال إنّه لمّا كانت الصين بلدا إشتراكيّا ، كان الناس فى الصين – و الشباب على وجه الخصوص – يجدون إلهاما كبيرا للإلتحاق بجيش التحرير الشعبي ، للدفاع عن الدولة الإشتراكية و دعم الثورة فى العالم . كان الناس يرغبون فى القيام بذ لك ، كانوا يرغبون فى أن يكونوا مدافعين عن الثورة . لذا ثمّة الكثير من ذلك الشعور و ذلك التوجّه الذى يمكن التعويل عليه . هذا من جهة ، و من الجهة الأخرى ، ثمّة علاقة بين الضرورة و الحرّية هنا سنعاجلها . لماذا يقال فى هذا الدستور إنّه ليس بوسعكم تدريس فكر الخلق فى المدارس و المعاهد و إنّ علم التطوّر هو الذى سيدرّس كواقع ؟ لماذا لم نترك ببساطة ذلك ليقرّره الناس ، لماذا لا نرى إن كان أيّ شخص يرغب فى فكر الخلق و يريد أن يدرّس فى المدارس و المعاهد – لا ! يجب أن نحدّد بعض الأطر – هذه النقطة وقع التشديد على تكرارها و لسبب وجيه يجب أن نحدّد بعض الأطر . و من ثمّة نصارع حول الأشياء على هذا الأساس . و قد شُرحت هذه النقطة بإستخدام مثال فلم عُرض قبل عدّة سنوات ، " تذكّروا الجبابرة " . فى الوضع الذى كان ذلك الشريط يعالجه ، فى مدينة فى الجنوب قبل عدّة عقود ، أدمجوا المعاهد هناك و أدمجوا فرق كرة القدم فى ما كان فى الأساس معهدا للبيض كلّيا ، و حتّى عوّضوا المدرّب الأبيض السابق بمدرّب كرة قدم أسود . ثمّ قالوا : الآن ، لنعالج الصراع الذى ينبغا خوضه حول هذا . لم يمضوا إلى جميع البيض ليقولوا لهم: " هل تريدون - الإندماج فى المعهد و الإلتحاق بفرقة كرة القدم و على رأسها يكون مدرّب أسود ؟ " تصوّروا ما كانوا سيقولون ؟
هناك كافة أنواع الأشياء المماثلة فى هذا الدستور . لماذا يتحدّث عن مشركة ملكيّة وسائل الإنتاج ؟ لما لا يترك ذلك ببساطة ذلك ليصوّت الناس على كيف يريدون أن يسير الإقتصاد ؟ لأنّه ينبغى أن يكون لدينا لبّ صلب ، مبادئ جوهريّة معيّنة ، و يجب أن نحدّد الإطار و نخلق ضرورة معيّنة . و نحن لم نبلغ بعد النقطة و لن نكون فى المرحلة الأولى التى تحدّث عنها هذا الدستور . حيث نستطيع التعويل فحسب على تطوّع الناس للقوّات المسلّحة متى كان وجود جمهوريّتهم ذاته فى خطر . هناك ضرورة معيّنة نضعها على كاهل الشعب . والآن إن عوّلنا على ذلك، فإنّنا ننزلق شيئا فشيئا بإتّجاه أن نصبح كالدولة البرجوازية، و نحن نمارس السلطة أكثر فأكثر بتلك الطريقة . لكن لنضع الأمر على هذا النحو : هناك بعض القيمة و الأهمّية ، حينما تكون لدينا حرّة القيام بذلك ، لإرساء ضرورة ما ، لإرساء إطار ، ثمّ نصارع الأشياء إنطلاقا من هذا الموقف .
و بهذا الصدد ، هناك شيء هام نتعلّمه من تجربة النضال فى النيبال ، النضال الذى تحوّل إلى تجربة سلبيّة فى النهاية . تقريبا قبل سنوات عشر الآن ، و قد كان الحزب النيبالي يقترب من و يتفحّص أفق إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها ، نتيجة حرب الشعب التى كانوا يخوضونها ، و صراعات أخرى جارية فى ذلك المجتمع – و مع تحوّل هذا إلى مسألة مباشرة و ملحّة بصورة متصاعدة ، أثيرت نقطة لهم عندما كانوا يوجّهون كافة أنواع النداءات للطبقات الوسطى هناك على أساس الديمقراطية البرجوازية . ما وقع التشديد عليه هو التالى : أنتم الرفاق النيباليّون تواجهون ضرورة كبيرة لكن لا يجب أن تخلقوا ضرورة غير ضروريّة لأنفسكم . ما كان يقال هو : " أنظروا ، أنتم فى بلد صغير ، محاصر ببلدين رجعيين كبيرين ، الهند و الصين و كلاهما تحكمه طبقات إستغلاليّة برجوازيّة قويّة و حتّى على المدى القصير للمضيّ ل إفتكاك السلطة و كذلك محاولة إعادة هيكلة الإقتصاد و التغيير الجذري للمجتمع ، لديكم قدر كبير من الصعوبة أو الضرورة يجب عليكم التعاطى معه . و أجل ، يجب أن تكسبوا أقساما هامة من الطبقات الوسطى لأجل إتمام الثورة و من أجل المضيّ قدما نحو مجتمع جديد. هذه هي الضرورة التى تواجهونها موضوعيّا . لكن لا يجب أن تخلقوا ضرورة غير ضروريّة لأنفسكم ". و المقصود بذلك هو : لا تنادوا الطبقات الوسطى على أساس الديمقراطيّة البرجوازية توجّهوا إليها على أساس أنّكم تقومون بثورة ليست ثورة برجوازيّة، و لا تهدف إلى إرساء ديمقراطية برجوازيّة و إنّما هي بدلا من ذلك ثورة ديمقراطية جديدة ، تقودها البروليتاريا كمرحلة إنتقاليّة إلى الإشتراكيّة و كجزء من الثورة الشيوعيّة العالميّة و هناك مكان لكم ( الناس فى الطبقات الوسطى ) فى هذه الثورة . ثمّ إنطلقوا فى الصراع معهم على هذا الأساس . و على هذا النحو ، عوض خلق ضرورة غير ضروريّة لأنفسكم ، تخلقون ضرورة ضروريّة للطبقة الوسطى بتحديد الإطار على قاعدة صحيحة .
وهل هذا شيء عبثيّ حيث يمكن إختيار إرساء إطار كما يحلو لنا ؟ لا . لقد كسبوا الأساس لإرساء إطار بهذا الشكل بما قاموا به إلى حينها من تقدّم بالثورة . يملكون قاعدة ماديّة للقيام بذلك . و فى النقد الذى أثير ، لم تكن مسألة " لا تقوموا بالأمر على هذا النحو بل قوموا به على النحو التالى " ، فى المطلق – لم يتعلّق الأمر بمجرّد منافسة أفكار فى المطلق . بل كان ، لقد أرسيتم قاعدة ماديّة لوضع هذه الضرورة على كاهل الطبقات الوسطى . و طريقة أخرى لصياغة المسألة هي : هذا هو لبّكم الصلب تجاه الطبقات الوسطى ؛ حدّدوا الإطار على ذلك الأساس ، و على ذلك الأساس إفتحوا المرونة . لا تمضوا فى ندائكم على قاعدة أفكارها المسبّقة و ميولاتها الديمقراطية - البرجوازية ثمّ تدخلون فى صراعات من أجل لبّ صلب – و هذا لسوء الحظّ ما فعله تقريبا الحزب النيبالي و شاهدنا النتائج الوخيمة لذلك .
هذه إذن نقطة أخرى للماذا لدينا تقديم لمشروع فى " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " : أجل ، لا تريدون و لا يجب أن تعوّلوا على ذلك إستراتيجيّا ، لكن هناك المقاربة الصحيحة و الضروريّة ، على قاعدة مسك سلطة الدولة و إيجاد إطار معيّن . بالضبط مثلما فى فلم " تذكّروا الجبابرة " يوضع إطار معيّن هو اللبّ الصلب ثمّ يتمّ الإنطلاق من هناك . ويتمّ القيام بذلك على أساس الظروف الماديّة التى أوجدتموها بالنضال .
كلّ شيء مسألة تغيير الضرورة إلى حرّية ؛ ما كان قط و ليس مسألة حرّية مطلقة . هذه ليست فوضويّة – وهي فى نهاية المطاف بالأساس مثاليّة و ضرب من الديمقراطيّة البرجوازيّة و بالأخصّ واحدة مميّزة للبرجوازيّة الصغيرة التى لا ترغب فى أيّة قيود و حدود فى سعيها إلى ما تريد . فى العالم الحقيقيّ ، توجد دائما قيود و حدود و عراقيل أمام ما تريد كلّ قوّة إجتماعيّة القيام به ، وهي مسألة كيف نحوّل الضرورة إلى حرّية و كيف نتجاوز العراقيل ونقاتل عبر التناقضات فى إنسجام مع ما نهدف إليه . ونعلم أنّها ليست مجرّد قضيّة ما نهدف إليه فى المطلق – ليست مجرّد أنّنا نأتى بأفكار عن ما نودّ أن يكون هدفنا – نعرف أنّ هناك قاعدة ماديّة لهذا . لو لم توجد قاعدة ماديّة ، لن نقدر على تغيير الضرورة إلى حرّية على طريق الثورة الشيوعيّة ، سنكون غير قادرين على القيام بذلك .
لكن هذه هي طريقة فهم الأشياء : لا توجد أبدا حرّية مطلقة – حتّى فى ظلّ الشيوعيّة ، لا توجد حرّية مطلقة . و دعونى أقول لكم شيئا . نعيش على خطّ الصدع و ينفجر زلزال ، و ليست لديكم حرّية مطلقة ! هناك الكثير من الضرورات فجأة . فى عالم لا توجد فيه إختلافات طبقيّة ، نكون قد تجاوزنا " الكلّ الأربعة " – لكن لدينا زلازل . هناك الكثير من الضرورات ! و يمكننا أن نفكّر فى أشياء أخرى منبعها العالم الطبيعي ، أو ضرورات تنبع من التناقضات الإجتماعيّة . سيظلّ هذا موجودا على الدوام بما فى ذلك فى ظلّ الشيوعيّة . ما من موارد مطلقة ، لامحدودة عند أيّة نقطة . و على الدوام سيلزم إتّخاذ قرارات . حتّى حينما لا توجد إختلافات طبقيّة ، لا يوجد إستغلال ، ستظلّ هناك قيود و قرارات يلزم إتّخاذها : ماذا سنفعل بهذا الصدد مقابل ماذا سنفعل بصدد ذلك . و قد أوضحنا أنّفى المجتمع الإشتراكي ، سيفكّر بعض الناس فى زمن معيّن ، أنّه ينبغى بناء مصحّة بينما سيفكّر آخرون فى وجوب بناء حديقة . و قد يكون الأمران مرغوب فيهما . ما الصحيح فى ظلّ ظروف معيّنة ، أو كيف نمضى فى القيام بواحد و إرساء الأساس للقدرة على القيام بالثانى فى المسار ؟ كلّ هذه التناقضات فى المجتمع الإشتراكي و كذلك فى المجتمع الشيوعي يجب معالجتها . أبدا لا وجود لشيء إسمه حرّية مطلقة ، لا حدود لها ولا قيود ؛ على الدوامستفرض الضرورة نفسها و سيتعيّن علينا أن نتصوّر كيفيّة تغييرها بإتّجاه الحرّية لكسب المزيد من المبادرة – و تاليا سنواجه ضرورة جديدة يتعيّن علينا تغييرها . هذه سيرورة لا نهاية لها أبدا .
و ممّا يترتّب علينا فهمه حقّا بخصوص دستورالجمهورية الإشتراكية الجديدة هذا ، بالمعنى الأكثر جوهريّة ، هو أنّه يعالج تناقضا عميقا جدّا أو صعبا للغاية : تناقض من ناحية أنّ الإنسانيّة تحتاج حقيقة إلى الثورة و الشيوعيّة و من الناحية الأخرى ، ليست الإنسانيّة برمّتها تريد ذلك كلّ الوقت بما فى ذلك فى المجتمع الإشتراكي . لهذا صيغ الدستور لتوفير المناهج و الوسائل الأساسيّة لمعالجة هذا التناقض . ليس لدينا مجرّد إنتخاب شعبي كلّ بضعة سنوات يقام بطريقة تكون نتيجته أنّه فى يوم من الأيّام تكون لدينا إشتراكيّة و فى اليوم الموالى نعود إلى الرأسماليّة ثم نحاول إيجاد الإشتراكية من جديد – وهو ما سيكون غير ممكن لأنّنا عندها سنمرّ فى إتّجاه مختلف إلاّ أنّنا نملك الوسائل المؤسّساتيّة للحفاظ على تقدّم النظام الإشتراكي نحو الهدف الأسمى للشيوعيّة ، بإستثناء إذا كان معظم الشعب ضدّنا ، لكنّ هذا الدستور ، فى نفس الوقت ، صيغ بطريقة يتعيّن علينا تكرارا كسب الجماهير الشعبيّة للقتال من أجل البقاء على الطريق الإشتراكي . نحتاج بلوغ الشيوعيّة لكنّنا لن نبلغها بوضع البنادق فى ظهر الشعب و إجباره على التحرّك نحوها . يجب علينا بإستمرار أن نكسبها مناضلين عبر كلّ التناقضات التى تعترض سبيلها بما فى ذلك التناقضات التى يضعها الأعداء فى طريقنا أو يزيدونها حدّة لتعبئة الناس ضدّنا .
وهناك أمثلة أخرى من الدستور سألمسها لاحقا . لكن ما يناقش هنا هو الإقرار بهذا التناقض الأساسي الذى يعالجه هذا الدستور، و بالمناهج و المبادئ التى يشملها و التى تتخلّل كامل هذا الدستور و يجب أيضا أن تتخلّل كلّ ما نفعله ، فى قيادة الآخرين : فى قيادة الحزب ، إذا كانت تلك هي مسؤوليّتنا ؛ فى قيادة الجما هير ، إذا كانت تلك مسؤوليّتنا ؛ أو كلّ ذلك . مهما كان الشيء ، ينبغى تطبيق المبادئ و المناهج ذاتها و الخوض فيه . و ثمّة نقطة شرحتها أرديا سكايبراك فى حوارها الصحفي و أعتقد أنّها حقّا هامة و يجب التشديد عليها ، وهي أنّه ليس من الجيّد بتاتا و سيكون خاطئا جدّا لو كان لدينا وضع حيث يكون الناس حول و جزءا من شيء لسنوات و عقود و لا يتقدّمون . ما الذى يحدث ؟ ! و وضعت نقطة : لا يمكننا أن نحصل على هذا فى أيّة مؤسّسة أخرى فى المجتمع – سنطرد إن كنّا نعمل لدى رأسمالي ما و ظللنا ببساطة نقوم بالشيء عينه بالطريقة القديمة عينها و على المستوى القديم عينه – بعد فترة ، سنطرد ! حسنا نحن لا نعمل وفق هذه المبادئ إلاّ أنّه هناك شيء يجب تعلّمه ألا وهو أنّه يجب على الناس مواصلة التقدّم – ليس لكي نتمكّن من تحقيق المزيد من الربح لفائدة حفنة من الناس بل بالعكس تماما – لأنّ هناك حاجة كبرى ينبغى تلبيها بغية بناء الحركة من أجل ثورة فعليّة . يجب على كلّ فرد أن يتقدّم و يجب أن ننتدب على الدوام أناسا جددا .
محرّرو الإنسانيّة
وآخر ما أودّ الكلام عنه فى هذا القسم الثاني ، الخاص بالمجتمع الجديد ، هو نقطة تمّت الإشارة إليها فى الجدال ضد آجيث ( " آجيث – صورة لبقايا الماضي " فى مجلّة " تمايزات " عدد 4 ) ، حيث يجرى الحديث عن واقع أنّ هذه الصيغة "محرّرو الإنسانيّة " ليست مجرّد جملة ذات رنين جميل أو مجرّد تصريح أخلاقي- أنّه يجب أن نكون محرّري الإنسانيّة بالمعنى الأخلاقي المجرّد . ليس ببساطة أنّه من الأفضل أن نكون محرّري الإنسانيّة من أن نناضل من أجل الثأر . حسنا ، هذا أفضل و المسألة – و المسألة التى شرحت فى الجدال ضد آجيث – هي أنّ قدرا كبيرا من التعقيد ، قدرا كبيرا من تحليل التناقضات و تلخيصها مكثّف فى هذه الصيغة التى تبدو بسيطة ، "محرّرو الإنسانيّة ". و الهام و ذو دلالة فى الجدال ضد آجيث هو أنّ هذا يرد فى القسم الذى يحمل عنوان " مجرّد المشاعر الطبقيّة و الوعي الشيوعي " . يقدّم هذا التناقض موضوعيّا فى العالم الواقعي . و بكلمات أخرى ، مجرّد المشاعر الطبقيّة – كره الإضطهاد و إرادة التخلّص منه – ليست متماثلة و الوعي الشيوعي . و يحاجج أناس مثل آجيث بأنّه إنطلاقا من موقع الإضطهاد فى المجتمع و المشاعر الطبقيّة الأساسيّة ، سيظهر الوعي الذى تحتاجه الثورة ،ما ترتئيه كثورة شيوعيّة ، سيظهر تقريبا عقويّا – أو أنّه على أيّ حال ، للمضطهَدين قدرة خاصة و إستعداد خاص لإستيعاب الوعي الشيوعي . و فى الجدال ضد آجيث شُرحت مسألة أنّ هناك إختلاف نوعيّ و الأمر يشمل قفزة ، بين مجرّد المشاعر لطبقيّة و التحوّل عمليّا إلى محرّر أو محرّرة للإنسانيّة واعى متسلّح بوعي شيوعيّ . الناس مضطهَدون و نتيجة ذلك هي أنّ لهم مشاعر أساسيّة . و عديد الناس ليسوا ضيّقى الرؤية . سنستمع إلى من يقولون " يجب وضع حدّ لهذا ، ليس فقط هنا ، بل عبر العالم قاطبة " . للناس مشاعر تنبع من ظروفهم حيث يتماثلون مع المضطهَدين . و مثلما تمّ التشديد عليه فى هذا الجدال ، فإنّ هذه المشاعر الأساسيّة شيء هام جدّا ينبغى أن نتّحد معه ؛ لكن علينا أيضا أن نناضل من أجل أن يحقّق الناس قفزة أبعد ببساطة من مجرّد المشاعر الطبقيّة ، لأنّ ذلك ليس الشيء ذاته وفهم العالم كما هو و كما يتحرّك و يتغيّر ، و ما هي الوسائل الضروريّة لتجاوز العالم كما هو . ثمّة بون شاسع . و كلّ منمرّ بهذه السيرورة من القيام بقفزة أو هو فى معمعان سيرورة القيام بهذه القفزة ، يعلم أنّ الأمر مسألة كبرى و أنّها ليست ببساطة نفس الشيء و كيفيّة الشعور عندما نشرع فى الإعتراف بمدى فسادها أو كيف أفسدت أناس آخرين و يجب القيام بشيء ما حول هذا . و هذا شعور غاية فى الأهمّية بيد أنّه هناك قفزة كبرى إلى الفهم الحقيقي و العلمي لحاجة و إمكانيّة التغيير الجذري للعالم فى سبيل تحرير الإنسانيّة .
واقع وجود الكثير من التعقيد مركّز فى هذه الصيغة ، " محرّرو الإنسانيّة " – و هذا صحيح بالمعنيين : قبل كلّ شيء نحن محرّرو الإنسانيّة . و هذا مأخوذ جزئيّا من موقف ماركس القائل بأنّه ليس بوسع البروليتاريا أن تحرّر نفسها إلاّ بتحرير الإنسانيّة قاطبة . و بكلمات أخرى ، ينبغى أن نغيّر العالم بأسره . ينبغى ـن نبلغ " الكلّ الأربعة " – على النطاق العالمي – و إلاّ ستظلّ البروليتاريا كطبقة فى وضعها مستغَلّة لأنّه طالما بقي هذا النظام قائما و طالما هذه هي العلاقات الجوهريّة و سيرورة رأس المال تمثّل الديناميكيّة الكامنة و الجوهريّة التى تحدّد إطار الأشياء ، ستوجد بالضرورة طبقة مستغَلّة . و فقط بإلغاء كلّ هذا ، عبر العالم ، و بتحقيق " الكلّ الأربعة " . بهذا المعنى على الصعيد العالمي ، يمكن لهؤلاء الناس الذين يمثّلون الطبقة المضطهَدة من البروليتاريين أن يحرّروا أنفسهم . لا يمكن تحقيق الواحد دون الآخر. لهذا نجد هذا الابُعد ، وهو يشمل بديهيّا مجمل بعدُ الأمميّة كما تحدّثت عنه قبلا محيلا على المقتطف 2: 12 ( من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " و النقاط ذات الصلة ).
لكن ثمّة أيضا بُعدٌ آخر هو كامل مسألة ما ستشمله فعلا عمليّة تغيير المجتمع . و بكلمات أخرى ، تحقيق " الكلّ الأربعة " بذلك المعنى – و ليس فحسب بمعنى الأمميّة ، بل بمعنى ما سيشمله حقّا إجتثاث أساس الإستغلال و الإضطهاد – لنعبّر عن ذلك بهذه الصيغة . حين نتحدّث عن محرّرى الإنسانيّة ، هذا يكثّف كلّ شيء سيشمله إنجاز التغيير الجذري – و نعم ، يوضع هذا فى معارضة مجرّد الثأر . هذه واحدة من أهمّ الطرق التى تمّ بها تقديم هذه الصيغة ، الطريقة التى قدّمت بها مباشرة فى تعارض مع فكرة أنّ هذه الثورة تخصّ الثأر – الثأر من المستغِلّين الحاليين أو الثأر من أيّ شخص أفضل بقليل منّا و ما إلى ذلك . هذه الثورة لا تُعنى بهذا الشأن . إنّها تشمل عالما كاملا مختلفا أين كافة هذه الأشياء التى تستمرّ الآن لن تكون لها قاعدة و لن تستطيع الإستمرار فى الوجود . هذا فحوى الأمر و عندما نقول إنّنا ندعو الناس إلى أن يكونوا محرّرى الإنسانيّة ، ندعوهم إلى القتال من أجل بلوغ كلّ هذا وهو " الكلّ الأربعة " بهذا المعنى أيضا – لبلوغ كلّ ما هو مكثّف فى هذه " الكلّ الأربعة " . هذا هو ما نقصد بأن نكون محرّرى الإنسانيّة . و هذا يعنى أن نوجد عالما مغايرا تماما ، دون كلّ هذه العلاقات الإقتصاديّة الإستغلاليّة ، و دون كلّ هذه الإختلافات الطبقيّة و دون كلّ هذه العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة و دون كلّ الأفكار التى نبعت من و تعزّز علاقات الإستغلال و الإضطهاد هذه . و كلّ هذا ، علاوة على كامل البعد الأممي ، مكثّف فى الصيغة ، و دعوة الناس و الصراع معهم ليس للنضال للتخلّص من شكل خاص من الإضطهاد الذى يمكن أن يؤثّر عليك بشكل مباشر أكثر ، أو مجموعة الناس فى المجتمع التى تمثّلون بأكثر مباشرة جزءا منها و قد تكون عفويّا معنيّة بذلك أكثر ، بل لإجتثاث كلّ هذا و تجاوزه . هذا العالم ليس عالما ينبغى أن يعيش فيه أيّ إنسان . و هناك أساس للتحرّك لتخطّى كلّ هذا ؛ بيد أنّه هذا النضال نضال ضخم و هذا ما يجب علينا أن نكسب الشعب إلى رؤيته و إلى القتال من أجله .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------