تونس: -مخزن مسكر ولا كرية مشومة- مرة أخرى حول أوضاع قطاع التعليم الإبتدائي


بشير الحامدي
2021 / 4 / 13 - 01:47     

سأعود لنقاش فكرة عبرت عنها منذ أيام متعلقة بالعمل النقابي في قطاع التعليم الابتدائي وبإضراب اليومين الذي نفذ مند أيام وهي فكرة مخز ن مسكر ولا كرية مشومة (1)
الفكرة في مجملها كانت: لماذا تسود المواقف الوسطية لدى من ينسبون أنفسهم لمعارضة السياسة البيروقراطية المهيمنة اليوم في القطاع وفي سلطات القرار فيه؟
لماذا يتشبثون بصيغ بالية أثبتت عديد المحطات أنها لا تقود سوى لتقوية جانب الهياكل البيروقراطية وتأبيد هيمنتها وتسيّدها على القطاع؟
لماذا مازالت تسود داخل هذه الأوساط التي تقول عن نفسها مناضلة ومعارضة للخط البيروقراطي سواء في القطاع أو في الاتحاد عموما مقولات مثل أن الاتحاد ليس قيادته في حين أن الواقع يثبت يوما بعد آخر أن الاتحاد ليس إلا قيادته في وضعه الراهن ومنذ عشريات وأن هذا الذي ليس قيادته هو مجرد قطيع وغبار لا تأثير له فعليا ولا تمايز له عمليا على سياسة هذه القيادة؟
لماذا يتنبنى هؤلاء المعارضون للبيروقراطية القطاعية أو المركزية نهجا تبريريا توفيقا إنتهازيا هو أيضا حين يسلّمون بسياسة وخطط الهياكل التي يعارضونها باسم الانضباط لقرار الهياكل خصوصا وهي قرارات معلومة النتائج كما معروفة الأوضاع التي حتمت إقرارها ؟
في المقال السابق المشار إليه والذي نشرناه قلنا أن لا معنى لإضراب اليومين وأنه مجرد تحريك لأشرعة مثقوبة لسفينة بلا محركات سفينة راسية منذ سنوات في نفس المكان وبلا وجهة وأنه إضراب لا يرتقي حتى للإضراب الذي تكون غايته "التسخين" والذي دأبت البيروقراطية القطاعية والمركزية على المناورة به وأنه مطلوب من كل معارضي البيروقراطية إعلان عدم تنفيذه بما يعني الشروع في عملية عصيان في وجه هذه الهياكل، عملية لا تتوقف عند العصيان، بل تتعداه إلى العمل مع منتسبي هذا القطاع من أجل مناقشة خطة للمقاومة، مقاومة السياسة الفاسدة للوزارة وللنقابة، والانخراط في تنفيذها. والهدف هو نقابة مستقلة لمنتسبيها سيادتهم على قرارهم، خطة تدفع في اتجاه تكريس تصور نظري وعملي لعمل نقابي يقطع مع التصور البيروقراطي الذي ساد عشريات داخل القطاع وداخل هذا الاتحاد عموما. ولكن للأسف كثير من منتسبي القطاع قد يكونوا فهموا القصد بشكل مشوه. ورأوا في الدعوة مجرد دعوة لكسر الإضراب. وهناك حتى من رأى أن لا إمكانية لمعارضة وعصيان ورفض قرار الهيكل القطاعي البيروقراطي لأن الرابح من ذلك ستكون أنصار حزب النهضة والحاكم وكأن مجرد تنفيذهم لقرار هيكل قطاعي بيروقراطي ميّت ومنفصل عن قاعدته سيجعلهم متمايزون عنه وسيمكن القاعدة الواسعة من أن تكون بالفعل متمايزة عن أنصار "حزب الحاكم".
طبيعي أن القطاع كمنتسبين قطاع هش، قطاع محافظ، السمة الغالبة لمنسبيه المسايرة والتسليم بالأمر الواقع. ولكن كل ذلك ما كان يجب أن يدفع وعلى الأقل المتقدمين داخله من الذين يمتلكون وعيا مناهضا للهيمنة البيروقراطية، وممن يقولون عن أنفسهم معارضون للسياسات البيروقراطية، وممن يناضلون من أجل بدائل مقاومة، أن يستبدلوا كل ذلك ويتبنوا موقف الالتزام بقرار الهياكل الفاسدة ويعملوا على إنجاح قرارها المفرغ من أي محتوى والذي لم يكسب منه القطاع شيئا لا من حيث تحقيق المطالب ولا من حيث المراكمة لتحقيقيها.
وها أن الإضراب قد نفذ ألا نتساءل عما كسب القطاع من وراء ذلك؟
ألا نتساءل اليوم عما يمكن أن يكون قد كسبه القطاع لو مورست خطة عصيان الهياكل ورفض قرارها، وتقدمنا ولو خطوة قصيرة في اتجاه تجسيم المواقف التي ذكرت سابقا ـ أترك الإجابة للمعنيين ـ .
لقد كان معلوما منذ البداية أن هياكل القرار القطاعية اتخذت قرار الإضراب بيومين للمزايدة. فهي تعرف أنه قرار مسقط، وخارج كل خطة نضالية تجعل منه بداية مسار نضالي فعلي يحقق بعض المطالب. وبرعم إدراكها لذلك فهي لم تخطط لتلافي المأزق الذي سيكون فيه القطاع بعد تنفيذ يومي الاضراب بأن تقرر في نفس الاجتماع الذي اتخذ قرار الإضراب المرحلة النضالية الموالية في صورة توقف المفاوضات مع الوزارة وفشلها، خاصة وهي تعلم أن المكتب البيروقراطي المركزي سيجد ألف تعلة وتعلة ليرفض إقامة هيئة إدارية قطاعية ثانية تقيم المفاوضات، وتتخذ ما يناسب من القرارات لمواصلة النضال.
المكتب التنفيذي القطاعي يعرف كل ذلك ولكنه لم يفعل شيئا لتفادي هذه المآلات.
ألم يكن باستطاعته مثلا أن يكون قرار إضراب اليومين مرفقا بقرار آخر للممارسة حين تنتهي المفاوضات إلى الفشل؟
ألا يعلم المكتب التنفيذي القطاعي أنه بإمكانه أن يجتمع عن بعد ويقرر ما يريد أن يقرر؟
ألم يكن بمقدور المكتب التنفيذي القطاعي التنصيص على أن الهيئة الإدارية التي يطالب بها ستكون منظمة عن بعد ويقطع طريق الحجج الواهية التي تعلل بها المكتب البيروقراطي المركزي في بيانه يوم 12 أفريل 2021 .
الحاصل من كل هذا أن لا مكتب القطاع مهتم بمواصلة الدفاع عن مطالب منتسبي القطاع، فيكفيه أنه سجل العام 2021 إضرابا بيومين وكفى المؤمنين شر القتال، ولا المكتب البيروقراطي المركزي في حاجة لقطاع يقاوم في مثل الأوضاع الراهنة يمكن أن يعكر عليه صفو توافقاته القادمة مع الدولة والأعراف والحكومة.
أخيرا أليس أجدر اليوم بالقطاع ومن يقولون عن أنفسهم متقدمون داخله ترديد المثل الشعبي البليغ الذي قلنا: "مخزن مسكر ولا كرية مشومة"
( 1 ) رابط التدوينة https://www.facebook.com/hamdibechir/posts/10221865652044212