الموقف من الورقة البيضاء (5/5) إستنتاجات


فلاح علوان
2021 / 4 / 12 - 23:13     

إن برامج التعديل والتكييف الهيكلي، لم تحل الأزمات الإقتصادية في البلدان التي طبقت فيها. إنها تنقل الأعباء المالية على كاهل الطبقات الكادحة، لغرض تأمين موارد مالية للقطاع الخاص، وبالتالي فهي لا تقدم حلاً في العراق ايضاً.
إن برامج التعديل الهيكلي، هي سياسة إقتصادية ترمي الى تكوين فئة ضيقة من الرأسماليين، وتحويل الملايين الى معدمين. وقد شرع صندوق النقد بتقديمها وفرضها، ضمن تقديم قروض مشروطة. وقد جاءت هذه السياسة كنتيجة لأزمة المديونية التي إنفجرت عام 1982 في المكسيك وبلدان أمريكا اللاتينية، والتي كانت مرتبطة بصورة مباشرة بصعود الليبرالية الجديدة ممثلة بـ الثاتشرية والريغانية، وهي نتاج وإمتداد للازمة الرأسمالية العالمية. إنها جزء من الأزمة المتواصلة، التي تنجم عن ميل معدل الربح للانخفاض، ثم تقلص المشاريع الصناعية ومعها تقلص فرص العمل وحصول البطالة المليونية، ثم الإنكماش، فالركود، وتوجه الرساميل الى قطاع الخدمات والقطاع المالي، أي إنها دائرة من العوامل المتداخلة التي تقود الى الأزمة.
أما رأسمالية الدولة فقد تراجعت، ولم يعد الإقتصاد المخطط الذي كان يعرف بالنظام الإشتراكي في العراق وبعض الدول، قادراً على تأمين النمو ومواجهة الإحتكارات العالمية، وتأمين فرص العمل. وقد شرع النظام السابق منذ نهاية الثمانينيات بالتوجه لإقتصاد السوق. ولكن على الرغم من تراجع القطاع العام، الّا أن العمال لا يعانون فيه من الطرد التعسفي كما في القطاع الخاص، ويمكن مطالبته مباشرة بتأمين التعليم والصحة والخدمات. وبوجود القطاع العام يمكن المطالبة بتوسيع المسؤولية الإجتماعية للدولة، وكل هذا غير ممكن في إقتصاد السوق وخاصة شكله النيوليبرالي. كما إن وجود قطاع عام متطور ومتكامل على صعيد البلاد، يشكل إمكانية بيد الطبقة العاملة للتحويل الإشتراكي للمجتمع.
إذن لم تعد مشاريع الرأسمالية تقدم حلولاً، وكل ما تقوم به هو تأمين الإيرادات والأرباح للشركات وللرأسماليين. في حين إن الأزمة تتفاقم، والبطالة تتصاعد، والفقر يزداد، ويشتد الصراع الدولي حول الأسواق، وتقوم الحروب بلا توقف في العديد من البلدان، وتتحول بلدان بكاملها الى مخيمات لاجئين. ويصار الى تحطيم وتدمير مدن مليونية بكاملها، وتنتشر الأوبئة والأمراض، وتعجز بلدان رأسمالية كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن إيجاد حلول، أو تأمين العلاج لمواطنيها.
ويصبح الوضع الناجم عن الأزمات هو الشكل السائد وليس المؤقت أو العابر. وتصبح أجواء الحرب والأزمة والمجاعة مألوفةً، وتتناقل وسائل الإعلام صور المجازر والمجاعات والمخيمات والانتهاكات، وجثث الغرقى الهاربين من بلدانهم، كأخبار روتينية.
ويصبح منظر الأطفال الذين يتسابقون مع السيارات لبيع قناني الماء أو ورق الكلينيكس، أو العلكة جزءاً من مشهد الشارع اليومي.
يستنتج من عرض الورقة البيضاء وورقة الإصلاح السابقة، وكلاهما مشتق من شروط وتوصيات صندوق النقد الدولي، إن النظام في العراق ليس لديه أي حل للمعضلة الإقتصادية. وفي الحقيقة فإن النظام هو من تسبب بالأزمة، والتي ستودي به لا محالة، ببساطة لأنها ستقود على ضوء المعطيات الراهنة، الى كوارث إجتماعية تتجاوز آثارها ما يقع في الحروب.
وفي نفس الوقت، فإن الأزمة التي تمر بها العملية السياسية أو النظام السياسي القائم في العراق، هي إمتداد لأزمة الرأسمالية العالمية، والتي يمثل سياساتها النقدية والمالية، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ورغم تباين الشدة التي تبرز بها الأزمة في هذا البلد أو ذاك، وحسب الخصائص المحلية لكل بلد، الاّ أنها ستلقي بأعباء خطيرة جداً على الجماهير في العراق، خاصة وإن البنى الأساسية والمرتكزات الإقتصادية لحياة المجتمع، قد تم تدميرها خلال ما يقرب من عقدين.
تلقي الرأسمالية عبء أزماتها على الطبقة العاملة والكادحين دوماً، أما بسياسات التعديل والتكييف، أو بالتقشف، أو بالحروب. لم يبق أمام جموع العمال والكادحين الذين تقع على كاهلهم أعباء الأزمات، الّا أن يتصدوا لحسم لمصيرهم، الذي هو مصير البشرية. وهذا ممكن التحقيق، من خلال تغيير الشكل الحالي للانتاج والملكية، والذي يجري بواسطته التحكم بحياة الملايين أو المليارات من البشر، أي عن طريق تملك وسائل الحياة والمعيشة والتحكم بها كوسائل إنتاج رأسمالية. وبالتالي التحكم بالإنسان واستعباده على وفق مصالح أصحاب المليارات. وبكلمة تغيير نظام الملكية والحكم الرأسمالي عبر تشريك وسائل الإنتاج، وهذا يتحقق بإنتزاع سلطة المالكين والمتسلطين من قبل الطبقة العاملة.
إن حل هذه المسألة هي قضية سياسية، وهي تقع على عاتق الطبقات المحرومة، وتتطلب الإستعداد وبناء منظور شامل للمجتمع وبديل إقتصادي وسياسي. إن الصورة العامة الأبرز للمشهد في العالم اليوم، هي التظاهرات والإحتجاجات ضد السياسات الإقتصادية النيوليبرالية ، مثل التقشف ،الخصخصة. وهذا يعكس بوضوح تصاعد النضال بإتجاه إنهاء الإستغلال الرأسمالي. وهذا الأمر ينطبق على الأوضاع في العراق الى حد بعيد.