بعض تفاصيل أوضاع العمال من المهاجرين الأفارقة في تونس


أمين باشا
2021 / 4 / 11 - 15:51     

في الفرص المتفرّقة التي تسنّى لي فيها الحديث الى بعض المهاجرين الافارقة من دول جنوب الصحراء في تونس، وقفت على شيء من معاناتهم وبعض من حجم الاستغلال الفظيع الذي يتعرّضون اليه.
في البدء، استمعت الى شهادات حيّة من بعض المهاجرين عن كيفيّة هجرتهم من دولهم وهروبهم لاحقا من "جحيم" الجزائر على حدّ تعبير احدهم ، حيث انّ السّلطات الجزائرية قامت بإنشاء محتشد ( وربما محتشدات) في اقاصي جنوب الصّحراء الجزائرية بالقرب من مدينة تنمراست على الحدود مع النيجر، أين يتمّ تجميع المهاجرين الافارقة الهاربين شمالا من الفقر و البطالة و انعدام الافاق و الحروب و العنف بغرض اجبارهم على العودة نحو بلدانهم الاصلية . يجري في هذا المحتشد "تكديس" المهاجرين من طرف السلَط الجزائرية دون أدني مراعاة للظّرف الوبائي الحالي فضلا عن الظروف اللاإنسانية داخله/ها. حيث انّه و نقلا عن بعض ممّن تحدّث اليهم في تونس، تقع حالات وفاة عديدة ناجمة عن الإهمال الصّحي و الظروف المنافية لأدنى مقومات الكرامة الإنسانية و السلامة الصّحيّة فضلا عن التّعرّض للضرب و تسريحهم لاحقا في الصّحراء لإجبارهم على العودة من حيث اتوْا مشيا على الأقدام لمسافات طويلة عبر الكثبان الصحراوية.
امّا في تونس، فقد أطلعني أحد المهاجرين عن كيفيّة استغلالهم من طرف شركات المناولة السّرية. هذه "الشركات" التي يبدو انها قد صارت منتشرة كغيرها من اشكال التشغيل الهش في البلاد في ظل منظومة اقتصادية طفيلية هامشية و مافيوزية، ترعاها غالبا مصالح الفساد و دوائر التطبيع معه داخل أجهزة الدولة المفكّكة هي الأخرى في جوانب عديدة منها.
بمقتضى عقود شكليّة، تقوم شركات "النخاسة" هذه بانتداب المهاجرين الافارقة مستغلّة وضعهم "اللاقانوني" الهشّ من حيث الإقامة وخلاف ذلك، قصد تشغيلهم لدى الأعراف خاصّة في مجال الاعمال الزراعيّة و حضائر البناء بأشكال و في ظروف اقلّ ما يقال عنها انّها لا إنسانية و عبودية غير معلنة. من ذلك مثلا توقيعهم على عقود عمل مع شركات المناولة غير القانونية المذكورة و التي يتقاضون بموجبها من مؤجريهم شهريّا مبلغا لا يتجاوز ال 500 دينار تونسي مقابل العمل لثمان ساعات يوميّا مع التمتّع بيوم راحة اسبوعي ... أخبرني المهاجر (س.م) انّ عدد ساعات العمل الفعلية يتجاوز الحدّ المتّفق عليه في العقد بأربع ساعات على أقلّ تقدير ، ليصبح 12 ساعة في اليوم فأكثر. هذا فضلا عن ايقاظهم ليلا بعد قضاء أربع الى خمس ساعات نوم لاستئناف العمل خاصّة في المزارع. هذا مع تكليفهم غالبا اثناء يوم الرّاحة المفترض بأعمال إضافية أخرى .
يوجد الى جانب العملة الافارقة أيضا عملة تونسيون يخضعون لنفس ظروف الاستغلال الفاحش باستثناء الاعمال الليلية الإضافية التي لا يسخّر لها الا العملة الأفارقة كما ذُ ُكر. يضيف المهاجر (س.م) متحدّثا عن ظروف شحنهم من مكان توقيع العقد نحو موقع العمل في عربات الشاحنات المغلقة تماما و المعدّة في الأصل لنقل البضائع لا الأشخاص، انّه لا يمكنهم رؤية أي شيء او تمييز معالم الطّريق ذهابا و ايّابا بعد انتهاء مدة العمل سوى الظلام الدّامس طيلة الرّحلة. امّا عن ظروف الإقامة فهي بدورها لا تقلّ إهانة وامتهانا لكرامة الانسان عن ظروف العمل والنّقل كأن ينام عملة الفلاحة مثلا في براريك معدنية معدّة للغرض او في بيوت انتاج الباكورات غير المزروعة امّا صيفا فينامون في العراء.
يظلّ هذا الامر متواصلا دون اعتبار من لم "يحالفهم " الحظّ منهم في إيجاد فرص العمل و ظلّوا في مهب العطالة و الفاقة علما و انّ جلّهم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16-35 سنة و يحملون شهادات جامعيّة او مستوى تعليمي لابأس به ( جلّهم يتواصلون بلغة اجنبيّة واحدة على الاقلّ). و بالرّغم من قيام الاتحاد العام التونسي للشغل بفتح باب الانخراط للعمال الافارقة و بالرغم من تعهد وزير الشؤون الاجتماعية في اخر مساءلة له بالبرلمان بضمهم في منظومة التغطية الاجتماعية، يظل ما يفوق ال 700000 مهاجر افريقي حسب إحصاءات الاتحاد العام التونسي للشغل عرضة للاستغلال و الانتهاكات في ظل غياب أي مبادرة لتأطيرهم نقابيّا و في انعدام التشريعات التي تضمن حمايتهم و حقوقهم. هذا طبعا دون اعتبار أوضاعهم كفئة هشّة غير مصنفة في ظل الوضع الوبائي الحالي.