بعد الاهتمام العربي المفاجئ بالقضية اللبنانية: لا حلَّ بدون خريطة الطريق التي رسمتها ثورة الشباب


حسن خليل غريب
2021 / 4 / 10 - 10:44     

لا حلَّ بدون خريطة الطريق التي رسمتها ثورة الشباب
بعد أكثر من ثلاثين عاماً مضت، كانت فيها المؤسسات الرسمية العربية مسلوبة القرار، فاجأتنا حركة رسمية عربية جال فيها بعض المسؤولين العرب، وزراء أو سفراء، على عدد من الهيئات الرسمية اللبنانية، وكان الغرض منها التحذير من مغبة استهتار أحزاب السلطة في لبنان في مواجهة كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية تأكل أخضر الفقراء ويباسهم. فتفاءلنا ببصيص نور من التعريب.
كانت جولة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في بداية الأسبوع الثاني من شهر نيسان الجاري، ذات دلالة لا يجوز إهمالها، بل اعتبرنا من جانبنا، وكأنها دليل صحوة ألمَّت فجأة في جسد الجامعة العربية التي نامت دهراً، والتي نرجو أن لا تولد فأراً. حصل هذا في ظل غياب واجب تعريب القضية اللبنانية، التي كان من الواجب لملمتها من شوارع التدخلات الدولية والإقليمية. تلك التدخلات التي لا تكترث بـ(لبننة) أو بـ(تعريب). وكيف لا تفعلها تلك القوى وغياب العرب واللبنانيين ضارب أطنابه؟
تعريب القضايا العربية الساخنة واجب عربي:
وكمدخل لاستشراف آفاق تلك الصحوة، نرى أن تعريب أية قضية عربية حاجة استراتيجية لا بُدَّ منها للحصول على نتائج تكون أقرب للصحة والسلامة من محاولات التدويل. إن القاعدة المبدئية في تعريب القضايا الخلافية بين دولتين عربيتين هو العمل على حلها سلمياً بينهما. ولكن هذه القاعدة تمَّ خرقها في مؤتمر القمة العربية الثامن الذي انعقد في القاهرة، في 9 – 10/ 8/ 1990، لمعالجة الدخول العراقي للكويت. وإنه علماً بأن انعقاد القمة كانت بأوامر أميركية، وخلافاً للقواعد والقوانين المتفق عليها، فقد عسكرت القمة الثامنة الخلاف بديلاً للعمل على حله سلمياً، وهو القرار الذي سمح بتدويل الخلاف، وأدى إلى تدخل عسكري دولي ثلاثيني ضد العراق. وبهذه النقلة الجديدة، وعلى الرغم من اتخاذ قرار عسكرة القضية بأكثرية هزيلة، إلى أنها كانت ذات دلالة على بداية التنازل عن القرار السيادي العربي لأوامر التدخل الأجنبي الغربي ونواهيه.
لقد قمنا بالتذكير بتلك المحطة من أجل توضيح مسألتين، لهما علاقة بالحلول الخارجية التي يتم ترسيمها لحل القضية اللبنانية، وهما:
1-لكي نؤرِّخ لأول انحراف عربي رسمي كانت أهم دلالالته التنازل عن القرار السيادي العربي. ولأنه على الرغم من المصالحة العربية في مؤتمر بيروت في العام 2002، فقد انحدرت مهمة مؤسسة القمة العربية في المؤتمرات التي أعقبته إلى متاهات التنازل الانحداري.
2-لنبرهن عن مخاوفنا من أن تكون الصحوة العربية الرسمية الراهنة، ذات خلفيات مقيَّدة بأوامر خارجية تعمل على قاعدة التنافس في معركة تجميع أوراق القوة بين أميركا وإيران على أبواب المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، التي بدأت جولتها الأولى في فيينا خلال الأسبوع الأول من نيسان الجاري.
منذ تلك القمة، كان من المؤكد أن المؤسسات العربية الرسمية، القمة العربية ومجلس جامعة الدول العربية، رهنت القرار العربي لإرادة دولية مشبوهة، كانت فيه الإدارات الأميركية المتعاقبة، مستفيدة من انهيار الاتحاد السوفياتي، تستعدُّ لتأسيس قواعد بناء (عصر أميركي جديد).
لقد ترك الغياب العربي الرسمي عن البيدر العربي فراغاً كبيراً، راحت الدول الخارجية تملآ الفراغ الحاصل فيه، وترسم خرائط طريق لتمرير مصالحها في القضايا العربية الساخنة. ومن تلك الخرائط كانت خارطة طريق الاستيلاء على لبنان، دولة ومؤسسات رسمية وشعباً.
هل الصحوة العربية الراهنة مشوبة بخدعة أميركية؟
إن أشدَّ ما نخشاه أن تكون الصحوة الجديدة أحد فصول مسرحية الصراع الدولي والإقليمي على تجميع أوراق القوة في الساحات المتنازع عليها، في العراق وسورية واليمن ولبنان. ولعلَّ أبرز اللاعبين فيها هما أميركا وإيران. وتجميع أوراق القوة يجري على قدم وساق بينهما على أعتاب بدء المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. ولأن لبنان أحد أهم تلك الأوراق، يُخشى أن تكون الخركة العربية الأخيرة تجاهه تدعيماً لرغبة أميركية – أوروبية تقف أهدافها عند حدود الضغط المرحلي على النظام الإيراني من دون أن تدخل في بوابة وضع الحلول السليمة للأزمة اللبنانية.
إن ما يثير شكوكنا هو أنه في مسرحية المفاوضات يغيب ممثلان عن مسرحها، وهما الممثل الأميركي، والممثل العربي. وإذا كان غياب الممثل الأميركي يحصل بذريعة الضغط على الممثل الإيراني، فإن غياب الممثل العربي يثير الكثير من الشبهات والتساؤلات.
إن معالجتنا لجانب الغياب العربي، أهمية ودلالات مريبة. تلك الدلالات التي تؤشِّر عليها ما كان منتظراً من وعود أميركية وأوروبية في أنها حينما تُفتتح المفاوضات حول الملف النووي، لن تقتصر على نواحيه الفنية، بل لا بُدَّ من أن ترتبط بملفين آخرين، وهما: مسألة الصواريخ البعيدة المدى، والتهديد الإيراني للأمن القومي العربي. ولذلك كانت التقارير والتصريحات العلنية تؤكِّد ضرورة مشاركة الطرف العربي في أية مفاوضات قادمة.
لكل ذلك، فقد انعقدت طاولة المفاوضات، وغاب عنها حتى الآن، البحث بقضية الصواريخ والأمن القومي العربي من جهة، ومشاركة الطرف العربي من جهة أخرى.
إن الغيابين، يثيران الشك والريبة بما يتم التفاوض حوله، وبما قد ينجم عنه من نتائج. وبناء عليه، قد يقع النظام العربي الرسمي في فخاخ خديعة أمبريالية أخرى. وتبدأ من تلك النتائج المحتملة مسيرة تآمر جديد على القضايا العربية الساخنة لعلَّ من أكثرها خطورة هو تسوية النزاع مع النظام الإيراني حول الملف النووي من دون نزع أنياب أطماعه في الوطن العربي. وعليه سيكون رهاننا على حركة تعريب القضية اللبنانية سراباً، بحيث تكون الدول الغربية قد استفادت من تلك الصحوة العربية المفاجئة، بأنها لم تكن أكثر من أداة لتجميع أوراق القوة لمصلحة الدول الغربية من جهة، وإضعاف أوراق القوة الإيرانية من جهة أخرى.
كي لا تصب صحوة الحركة العربية في المجرى الخاطئ:
إذا تأكد وجود فخِّ مفترض منصوب من استنهاض الحركة الديبلوماسية العربية الراهنة، على القائمين بتلك الحركة، أو المشجعين عليها من الأنظمة الرسمية العربية، أن يأخذوا الحذر الشديد، وذلك بالإصرار على تنفيذ الوعدين الاستراتيجيين التاليين:
-الوعد الأول: أن يكون على جدول أعمال مفاوضات (الملف النووي الإيراني)، بند بحث الصواريخ البعيدة المدى لأنها لم، ولن، تستخدم ضد العدو الصهيوني كما أثبتت الأحداث والنوايا من جهة، بل تم استخدامها ضد الأمن القومي العربي من جهة أخرى.
-الوعد الثاني: مشاركة الطرف العربي في أية مفاوضات مشاركة فعَّالة، على أن يكون للطرف العربي (فعلاً معطِّلاً) لأي اتفاق لا يضمن حماية الأمن القومي العربي من التهديدات الإيرانية.
تعريب القضية اللبنانية حق لبناني ذو عمقين خارجي وداخلي:
وأما عن العمق الخارجي: وإذا حصل الحل المفترض أن يصدر من مفاوضات جنيف، على قواعد تضمن الأمن القومي العربي كما قمنا بتحديد شروطه أعلاه، فإن القضية اللبنانية تكون قد قطعت شوطاً طويلاً على طريق الحل العربي. وهنا، وكي لا يتم تعريب جزء من القضية بإقصاء العامل الإيراني عن التأثير، يجب أن لا يعني ذلك السماح باستباحته من تأثير العوامل الدولية الأخرى لأنها لا تقل خطورة عن التأثير الإيراني. ولذلك لا نفهم تعريب القضية اللبنانية تعريباً سليماً من دون إقصاء لبنان عن كل التدخلات والتداخلات الأجنبية، سواءٌ أكانت شرقية أم كانت غربية.
وأما عن العمق الداخلي: وإذا كانت القاعدة التوافقية في ميثاق العام 1943، والتي تنص على (أن لا يكون لبنان ممراً للاستعمار ولا مستقراً له) قد مرَّت بسلام ووعي لبناني وعربي سليم، فإن لجوانب الحلول الإصلاحية الداخلية أهمية كبرى، إذ بدونها لن يتم إنقاذ شعب لبنان من مفاسد منهج النظام النيومبليشياوي الطائفي في لبنان.
وكي لا تذهب نضالات الشعب اللبناني سدى، عبر الانتفاضات المتتالية للحراك المدني، ولأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، التي أخذت تشق طريقاً ثورياً، منذ 17 تشرين الأول من العام 2019، يمكن لحركة التعريب الجارية الآن أن تصغي بشكل جيد وجدي، وأن تقرأ أهداف الحراك الثوري لأنها خارطة الطريق الوحيدة التي تحمل شبكة الخلاص لإنقاذ لبنان من أزمته الحادة.
وعليه، ومن أجل مقاربة سليمة لـ(تعريب) القضية اللبنانية أو (لبننتها)، على الصحوة العربية المتحركة الراهنة أن تأخذ بعين الاعتبار، الملاحظات التالية:
1-الخروج من منهج التسويات القائمة على قواعد (لا غالب ولا مغلوب) بين أحزاب السلطة الفاسدة، وأطراف الحراك المدني. بل لأن الشعب الذي يمثِّله الحراك المدني ظلَّ مغلوباً على أمره طوال عشرات السنين، ومن حقه أن يكون غالباً بانتصار أهدافه التي بدونها ستؤسس حركة التعريب المدعومة دوليا لأزمة جديدة لن تتأخر في الظهور طويلاً.
2-من غير الملزم أن تُغرق حركة التعريب نفسها، وأن تُغرق الحراك المدني بمسألة تمثيلها، وإنما في الوقت الذي لم تنضج ظروف توحيد صفوفها بعد، فإن أهداف الحراك الثوري، أصبحت أكثر من واضحة ومحددة تحديداً دقيقاً، ولعلَّ المبادرات الدولية، ومنها المبادرة الفرنسية التي نالت تأييداً غربياً وشرقياً، تشكل بداية جدية لوضع خارطة تنفيذية تشكل بوابة الدخول لبداية حل تنفيذي للأزمة اللبنانية.
3-في أية مرحلة انتقالية بصدد بداية وضع لبنان على سكة الحلول، أن تبقى شتى أطراف الحراك المدني الثورية العين المراقبة والمواكبة والساهرة على حسن سير التنفيذ، مستفيدة من الحق الديموقراطي في التعبير والتظاهر والاعتصام بأشكالها السلمية لأنها تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً خاصة أنها انتزعت الشرعية من المؤسسات الرسمية وفي المقدمة منها مجلس النواب الذي هو أكثر من تواطأ على حقوق الشعب الذي يزعم أنه يمثله.