الفلسفة الماركسية هي الرؤيا المستقبلية لتطور المجتمع الانساني


خليل اندراوس
2021 / 4 / 10 - 08:56     


الماركسية ليست مذهبًا أو عقيدة جامدة، إنما مرشدًا للنضال والعمل الثوري، وهذه الصيغة الكلاسيكية عن الماركسية تغيب عن بال الكثيرين في عصرنا الحالي حتى اولئك الذين يكتبون في صحف وجرائد الأحزاب اليسارية، تغيب هذا المظهر عن الماركسية بوصفها مرشدًا للنضال والعمل الثوري وخاصة في عصرنا الحالي، عصر الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية يجعل من الماركسية شيئًا وحيد الطرف عديم الشكل، شيئًا جامدًا لا حياة فيه، وتفرغ الماركسية من روحها الجدلية الحية وتنسف أسسها النظرية الجوهرية – وتعني بها الديالكتيك، أي مذهب التطور التاريخي المتعدد الأشكال والحافل بالتناقضات، وتضعف صلتها بقضايا العصر العملية والدقيقة التي من شأنها أن تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ، وفي أيامنا هذه هناك الكثير من المهتمين بالعمل الصحافي والسياسي يغيب عن بالهم هذا المظهر الاساسي من الماركسية.


ويبرز في الفترة الأخيرة تأثير الفلسفة البرجوازية بشتى أنواعها المثالية في وباء "صراع الحضارات" ونهاية التاريخ وغيرها من الأوبئة التي تنتشر بين صفوف من يدعي بأنه يحمل أفكارًا يسارية ثورية تجعله يضع الماركسية على هامش التطور التاريخي المادي الجدلي للمجتمع، ولذلك مهم جدًا زيادة وتعميق انتشار الفلسفة الماركسية واتحاد جميع الماركسيين الذين يدركون عمق الأزمة التي تجتازها الماركسية في عصرنا الحالي، من أجل الدفاع عن مبادئها الأساسية التي تشوه من مختلف الجوانب بنشر التأثير البرجوازي الانتهازي بين مختلف "رفاق طريق" الماركسية. لا شك بأن هناك أوساط وفئات وشرائح مجتمع واسعة ما تزال اليوم في معظم الأحيان تخطو الخطوات الأولى للاطلاع على الفلسفة الماركسية. لذلك مهم جدًا تعميق الاطّلاع على الفلسفة الماركسية والتجمع لمكافحة كل من يريد تشويه او تفسيخ الماركسية بحزم ووضوح الرؤيا والممارسة الثورية الحقيقية، والعمل على تأمين الدور القيادي الثوري للأحزاب الماركسية في حياة المجتمع وترسيخ المكتسبات التي تم بلوغها لصالح الطبقة العاملة وشرائح المجتمع المضطهَدة، والفلسفة المادية الماركسية – اللينينية هي سلاح قوي للطبقة العاملة في النضال ضد الرجعية الامبريالية وخاصة في عصرنا الحالي، وهنا لا بد ان نؤكد بانه مهما اجتهد ايديولوجيو البرجوازية الامبريالية المعاصرة فانهم لن ينجحوا في دحض النظرية الماركسية اللينينية ولا في وقف تنامي نفوذها.

فالفلسفة الماركسية تستطيع الإجابة على قضايا وأسئلة عصرنا التي يطرحها التاريخ والحياة، لأن الماركسية لا تحلق فوق الأشياء وفوق البشر وتاريخهم بل هي فلسفة جدلية تهدف إلى أن تكون أداة احتياز الوعي ومحرك العمل الذي به يغير الانسان الأشياء ويغير نفسه ويبني بيده تاريخه.
كما أن الفلسفة الماركسية لا تشبه البدعة بشيء وليست مذهبًا أو عقيدة جامدة قامت بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور المدنية والحضارة الانسانية، بل بالعكس فإن عبقرية ماركس كلها تتجلى بالضبط في كونه أجاب عن الأسئلة التي طرحها الفكر الانساني التقدمي، فالفلسفة الماركسية اللينينية المادية الجدلية هي الفلسفة الوحيدة المنسجمة إلى النهاية والأمينة لجميع تعاليم العلوم الطبيعية والاجتماعية السياسية، ولذا يبذل أعداء الطبقة العاملة والشعوب المضطَهدة وأعداء الديمقراطية كل قواهم الاعلامية والسياسية والثقافية والفلسفية لدحض المادية الجدلية لتقويضها وللافتراء عليها وتهميشها، ويدافعون عن شتى أشكال الفلسفة المثالية وفلسفة طبقة رأس المال مثل طروحات "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ".

وقد دافع ماركس وانجلز بكل حزم عن المادية الفلسفية الجدلية ووجهات نظرهما معروضة بأكثر ما يكون من الوضوح والتفاصيل في مؤلفي انجلز: "لودفيغ فورباخ" و"دحض دوهرينغ"، اللذين هما على غرار البيان الشيوعي من عداد الكتب التي يجب أن تكون بين يدي كل عامل واع، فماركس دفع الفلسفة خطوات كبيرة إلى الأمام من خلال الديالكتيك أي الجدل، أي نظرية التطور بأكمل مظاهرها وأشدها عمقًا واكثرها بعدًا عن أحادية الجانب نظرية نسبية المعارف الانسانية التي تعكس المادة في تطورها الدائم" (كما كتب لينين في كتابه – بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي ص 15 – 16)، وماركس عمّق المادية الفلسفية وطوّرها ووسّع نطاقها من معرفة الطبيعة الى معرفة المجتمع البشري.

إنّ المادية التاريخية الماركسية تعتبر أكبر انتصار أحرزه الفكر العلمي الفلسفي، والمادية التاريخية تؤكد بأنّ الشعوب تصنع التاريخ ولكنها تصنعه ليس على هواها بل تبعًا للظروف الموضوعية وقبل كل شيء تبعًا لأسلوب انتاج الخيرات المادية المحدد تاريخيًا، وبما أن الانتاج المادي يتحسن دائمًا ويتطوّر من أدنى إلى أعلى فإنّ دور الشعوب في العملية التاريخية يتغير هو الآخر، ودور الشعوب في التاريخ يزداد مع تطوّر البشرية التقدمي، وأثبتت الماركسية انه كلّما ازدادت التحولات الاجتماعية عمقًا كانت المهام التي تواجه المجتمع أكبر شأنًا، وكلما ازدادت أعداد الناس المشتركين في العملية التاريخية تعاظم نشاط الجماهير الشعبية، وكتب ماركس وانجلز: "مع ازدياد الفعل التاريخي جدية سيزداد كذلك.. حجم الجماهير التي يكون هذا الفعل من صنعها". (ماركس انجلز المؤلفات المجلد – 2 ص 90)، ولقد اكتشف ماركس قوانين تطور الرأسمالية وشرح دور الطبقة العاملة كقوّة اجتماعية قادرة على أن تغدو خالقة للمجتمع الجديد. وشرح بوضوح أساس كلّ التطور الاجتماعي وقوّته المحركة وهو الصراع بين الطبقات.


وعندما نتحدث عن دور الماركسية في القرن الواحد والعشرين علينا أن نذكر بأن الماركسية تحمل في ذاتها في مبدئها ذاته امكانات غير متناهية للتطور والتجدد، تفسح لها في كل لحظة من التاريخ سبيل وعي ما للفكر والعمل من ظروف جديدة. والحقيقة هي أن كل ما نبتغيه كحاملي الفكر الماركسي هو الا نقف عند حدود العقل المتكون وأن نضع أنفسنا على مستوى العقلانية الجدلية الجارية التكون باستمرار، فنكون دائمًا حيث يولد شيء جديد لم يتبلور بعد في مفهوم. ولذلك نقول بأن الماركسية كما أكّد انجلز تؤكد بأن المادية الجدلية عليها أن تتّخذ شكلاً جديدًا بالضرورة مع كل اكتشاف كبير ذي أثر بارز في تاريخ العلوم، ولطالما أكد لينين الحاجة إلى هذا التجدد المستمر حيث قال: "اننا لا نرى أبدًا في نظرية ماركس شيئًا مكتملاً لا يجوز مسّه بل نحن بعكس ذلك على قناعة بأنها لم تفعل أكثر من وضع أحجار الزاوية للعلم الذي ينبغي للماركسيين أن يدفعوه الى التقدم في كل الاتجاهات، اذا كانوا لا يريدون ان تسبقهم الحياة".
وفي عصرنا الحالي تسعى طبقة رأس المال في كثير من البلدان بما فيها البلدان الأكثر تطورًا "ترسل اليوم وسترسل الجواسيس الى صفوف الاحزاب الشيوعية، فان احدى وسائل مكافحة هذا الخطر هي الجمع بين العمل العلني وغير العلني بمهارة". (هذا ما قاله لينين في كتاب مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية – ص 29) "لذلك ينبغي ان نشير الى نزوع الامبريالية الى شق صفوف العمال والى تقوية الانتهازية بينهم والى افساد حركة العمال" (لينين في كتابه "حركة شعوب الشرق التحررية الوطنية ص 191)، لذلك مهم جدا بالنسبة للأحزاب الشيوعية مكافحة هذا الخطر الذي انتشر في فترة الحرب الباردة وفي فترة تفكك الاتحاد السوفييتي حيث كما يُقال كان أقرب المستشارين لغورباتشوف عميلاً لـCIA، وليس بالبعيد أن تكون أحزاب يسارية وماركسية في وقتنا الحاضر تعاني من هذا المرض السرطاني الخبيث، هذا المرض الذي يجب استئصاله والقضاء عليه لكي يبقى جسد الأحزاب الثورية قويًا ومتماسكًا ويقوم بدوره الثوري بفعالية ووحدة صف ونجاح، وفي عصرنا الحالي يتعاظم دور الجماهير الشعبية والطبقة العاملة بسبب ضخامة المهام والقضايا المعقدة التي يعاني منها المجتمع الرأسمالي وبسبب السياسات العدوانية لطبقة رأس المال على الساحة الدولية، لذلك مهم جدًا أن تتسلّح الطبقة العاملة بالفكر المادي الجدلي الماركسي لكي تستطيع ان تحدث الطفرة الجبارة في التطور الاجتماعي – لكي تُحدث الثورة الاجتماعية في جميع مجالات الحياة السياسية الاجتماعية.

وهنا نؤكد بأن فقط مادية ماركس الجدلية الفلسفية هي التي دلّت الطبقة العاملة على الطريق الواجب سلوكه للخروج من عبودية رأس المال ومن العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها حتى ذاك جميع الطبقات المظلومة، فقط نظرية ماركس أوضحت وضع البروليتاريا الحقيقي، دور الطبقة العاملة الحقيقي في مجمل النظام الرأسمالي، وستبقى الماركسية بوابة التفاؤل الانساني نحو بناء مجتمع المستقبل، وان ماركس سيكون دائمًا وشبح الماركسية سيبقى يطارد المجتمع الرأسمالي. وأن تكون شيوعيًا يعني الانخراط في النضال الطبقي بوعي وإدراك وممارسة ماركسية بهدف بناء مجتمع وعالم جديد ينتفي فيه الاستغلال الطبقي، مجتمع حرية الانسان، مملكة الحرية على الأرض.


وكما كتبت في مقال سابق "راهنية الماركسية"، "ان هذه الرؤيا المستقبلية لتطور المجتمع الانساني على أساس الفكر والفلسفة الماركسية جعل التأثير السياسي الثوري للماركسية أساسيًا، ولا يزال يصدح، وجعل من افكار ماركس راهنية إلى يومنا هذا.



الصورة:

مدخل معرض لذكرى وإرث كارل ماركس، ترير، ألمانيا 2018




•مراجع:


- لينين – حركة شعوب الشرق التحررية الوطنية
- ماركس انجلز – مختارات
- ماركسية القرن العشرين – روجيه غارودي
- لينين – بعض خصائص تطور الماركسية
- لينين – مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية