أزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي البكتيريولوجي - وجهة نظر ماركسية لينينية - القسم الثاني - الجزء الثاني


موقع 30 عشت
2021 / 4 / 9 - 13:50     

بعد نشره للجزء الأول من القسم الثاني لدراسة "أزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي البكتيريولوجي (وجهة نظر ماركسية - لينينية)"، يقدم موقع 30 غشت الجزء الثاني من القسم الثاني. مع الإشارة إلى أن الفقرة الأولى من هذا النص، تتضمن تتمة للجزء الأول من القسم الثاني.
ـــ ـــ

القسم الثاني
الجزء الثاني
الاقتصاد السياسي

(تتمة القسم الثاني، الجزء الأول، الاقتصاد السياسي)
2 ــــ ردود فعل بعض قوى ومجموعات اليسار عبر العالم تجاه كوفيد
إن إطلالة سريعة على بعض المواقف الصادرة من منظمات وقوى يسارية، ذات تلاوين إيديولوجية مختلفة، تظهر أن هاته الأخيرة تتعامل مع الموضوع كما لو أن الأزمة الصحية الناتجة عن كورونا لا علاقة لها بالصراع الطبقي، ولا بنمط الإنتاج الرأسمالي، ولذلك نجد بعض هذه المنظمات قد أدان سياسة الحجر الصحي باعتبارها ممارسة قروسطوية، وتحت غطاء إيديولوجي تظهر الأزمة كمؤامرة إمبريالية تستغل الأزمة القائمة، وعلى هذا الأساس يتم رفضها وإدانتها، و نكاد نجد حتى بالنسبة لفترات الأزمة المختلفة 1990 – 1993، 1998 – 2002، 2008 – 2009، خطابا يستمد عناصره من نظرية المؤامرة، ومن ثمة فراغ هذا الخطاب من أي تحليل ملموس و موضوعي.
من جهة أخرى، اهتم التحريفيون بجوانب مختلفة من السياسات المرتبكة لحكومات اليمين في بلدانهم مؤكدين على أهمية التخطيط لمواجهة انتشار الوباء، كل هذا في إطار سياسات إصلاحية تتوخى الترقيع من داخل المنظومة الرأسمالية.
لقد بينا في الفصول السابقة، أن كوفيد 19 ليس وباء أتى من خارج نمط الإنتاج الرأسمالي، ذلك أن التناقض بين المدن والبوادي، الذي يتسع باستمرار مع تعمق نمط الإنتاج الرأسمالي يؤدي إلى أوضاع، أو إلى قطائع نوعية تتم في مجال الطبيعة كما هو الحال مع كوفيد 19، حيث هناك تحول لفيروس، وليس انبثاق لفيروس، انطلاقا من حيوانات كانت في السابق بعيدة عنا.
إن الأزمة الصحية ترتبط بالدولة، ونعلم جميعا أن الدولة هي تكثيف لعلاقات القوى بين الطبقات داخل مجتمع محدد، وبالنظر إلى واقعنا الحالي، يمكن الحديث عن دولة في حالة إفلاس تحت تأثير ما يسمى بالنيوليبيرالية وهيمنة الفئات الأكثر رجعية داخل الرأسمال، أو الفئات الكمبرادورية في البلدان التابعة.
إن الأزمة الصحية التي انفجرت مع انتشار كوفيد 19، تخضع بدورها لقانون التطور غير المتكافئ على الصعيد العالمي، الشيء الذي تثبته الحالات المختلفة للدول، فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، إسبانيا، ألمانيا، الولايات المتحدة، الصين ...
إن الدولة جهاز قمع وهيئة اجتماعية، والأزمة الصحية هي بطبيعتها ذات طابع سياسي، تعكس أزمة الدولة، وفي نفس الوقت، تعمق أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي.
عموما، فإن المظهر الرئيسي لأزمة صحية، يتمثل أساسا في مسألة الوسائل، ونعني، القدرات المادية للبنيات الصحية والبشرية، وارتباطها بالاختيارات والقرارات والتوجهات، وبمعنى آخر، ترتبط الأزمة الصحية بالوسائل المادية للقطاع الصحي، وبالقدرة على استباق الأزمة عن طريق توفير خطط جوابية عنها، وكذلك تنظيم القطاعات عن طريق القرارات ذات الصلة.
ولعلنا نتذكر وزيرة الصحة الفرنسية السابقة في حكومة ماكرون آنييس بوزين، التي قدمت شرحا يوم 24يناير 2020 قالت فيه أن "خطر استيراد كوفيد 19 انطلاقا من ووهان هو في الحقيقة منعدم" "إن خطر الانتشار ضعيف جدا".
ولعلنا كذلك نتذكر ذهاب الرئيس الفرنسي إلى المسرح لحث الفرنسيين على الخروج (مارس 2020، حسب ب ف م تيفي).
ولعل القارئ يدرك، أنه منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة تحت الجسر (جسر نهر السين! حتى لا نضيف أي تعليق).

القسم الثاني
الجزء الثاني

IV -كورونا فيروس ضد الرأسمالية
عندما انتشرت انفلوانزا موسمية في فرنسا سنة 2018 قتلت 12500 شخص، هذا العدد قوبل باللامبالاة، لكن الأمر سيتغير في كل بلدان العالم مع انتشار كوفيد 19، حيث بدا مفعول الانتشار واضحا، من خلال زعزعة الأسواق الرأسمالية وانهيار البورصات، وكذلك انهيار أسعار البترول وانخفاض الإنتاج العالمي وركود الاقتصاد، وبدت كذلك النتائج من خلال تراجع النمو وانحصار الاقتصاد وتباطؤ قوى الإنتاج.
بالمقابل، تولد عن انتشار كوفيد 19 مجموعة من النتائج الإيجابية، من بينها، كسر الروتين اليومي (مترو – بولو – كونسومسيون)، بطالة تقنية، انخفاض الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي للتلوث، تطور أشكال جديدة للعمل (العمل عن بعد) مقتصدة للوقت الذي كان يأخذه مشكل التنقل، انتشار الأسئلة حول ما يتبقى للناس من وقت يومي خارج العمل، كما كثر التساؤل حول حالة العلاقات الداخلية في الدائرة الخاصة (العائلة) ومع الجيران، وكذلك حول وسائل الترفيه في المجتمع الاستهلاكي من أجل ملء الفراغ، وعدم مواجهة الواقع ... إنها أسئلة كان قد طواها زمن المجتمع الاستهلاكي وتدخل فيما يمكن أن نسميه بالاستيلاب الرأسمالي. إنها أسئلة عادت إلى الحياة، لأن الناس تحرروا من إكراهات العمل الشاق، وما يرتبط بذلك من التزامات، إضافة إلى وسائل الترفيه المبلدة والتافهة، فقد شكل الحجر الصحي استعادة لاستعمال الزمن، وإعادة اكتشاف جوهر الحياة طالما طمسته العلاقات الرأسمالية القائمة على الربح والاستهلاك، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن النشاط النضالي، من حيث انطراح الأسئلة حول الأشكال النضالية التي أصبحت مجرد طقوس وشعائر فارغة من الحياة، وإعادة التفكير في إبداع أشكال جديدة للنضال والاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا حتى لا تؤدي الجماهير والشعوب ثمن الأزمة المالية وشلل الجهاز الإنتاجي المسبب لتراجع النمو والجمود الاقتصادي.
في ظل اقتصاد العولمة الامبريالي هناك ما نسميه الآن "تأثير الفراشة"، فعندما يعطس الصينيون يتوقف قطاع كامل لصناعة السيارات في فرنسا.
إن انحصار الاقتصاد خارج كل حركة اجتماعية، يولد "تأثير الركود" الجماعي.
لقد أظهرت التجربة المعاشة لحد الآن في الصين وفي أوروبا، باستثناء بريطانيا والسويد، أن مراقبة الناس في وضع تحت الإقامة الجبرية، واستعمال تكنولوجيا متطورة في مجال البولسة ومراقبة الناس، يشكل تمرينا عاما حول مراقبة الجماهير بالإمكان نمذجته في ظروف أخرى خارج الأزمة الصحية (تطبيقات الأندرويد).
إن وسائل الإعلام تلعب اللعبة بنشرها للخوف، بحيث يسير ذلك بسرعة تفوق سرعة انتشار الفيروس، وذلك عبر ترويع الناس وزرع الرعب وقطع قنوات الاتصال بينهم، وذلك بترسيخ الانكفاء على الذات والتباعد الاجتماعي. إن هذه العناصر تشكل حليفا للنظام القائم، لأنها تساهم في خدمة تحكمه الدكتاتوري المفروض على الناس.
V- إيبولا: الاحتباس الحراري، اجتثاث الغابات وفشل السوق
لقد تم عزل فيروس إيبولا لأول مرة سنة 1976، وذلك في جمهورية الكونغو الديموقراطية. ومنذ 1994، بدأ يتطور على شكل أوبئة صغيرة سنويا وسط جماعات قروية معزولة تعيش في الغابات. وفي سنة 2014، في الحدود بين ليبيريا وغينيا وسيراليون على بعد 3000 كلم من الكونغو، تطور وباء جديد بوجه مختلف حول غيكيدو وجبل نيمبا، ويظهر أن نوعا من الخفافيش تتغذى على الفواكه، هي الخزان الطبيعي لفيروس إيبولا. والسؤال المطروح، هو كيف انتقلت الخفافيش الحاملة لإيبولا إلى إفريقيا الغربية؟
إن الاحتباس الحراري ومواسم الجفاف وحرائق الغابات ساعدت على هجرة الخفافيش الموبوءة نحو إفريقيا الغربية. وفي منطقة جبل نيمبا كل شيء يدفع الناس نحو الخفافيش والعكس صحيح. ومن المعلوم أن الشركات المتعددة الجنسيات، نظمت، وخاضت حروبا مسلحة في ليبريا، وهو ما يسمى بالحرب الأهلية الليبيرية مما دفع الآلاف من الناس إلى اللجوء إلى الغابات هروبا من المجازر، وكذلك بحثا عما يأكلونه من لحوم الأدغال، وكذلك التسرب إلى أعماق الغابات من أجل الحفر واكتشاف المعادن النادرة، وخاصة الماس، وذلك يساهم في تمويل أسياد الحرب، اللذين يبيعونها إلى الشركات الدولية الكبرى. وقد تعرضت غينيا إلى اجتثاث كبير لغاباتها من طرف الشركات الكبرى الباحثة عن الخشب الرفيع، وكذلك، وبالأساس عن طريق إدخال الزراعة الوحيدة، نخيل الجوز، وهو مادة تصدر تغتني بها النخب الحاكمة وتستنزف أرباحها من طرف الشركات الكبرى.
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت الخفافيش مطاردة في مواقعها الطبيعية، فوجدت مصدر إقامة جديد، يتمثل في أشجار نخيل الجوز على مسافة قريبة من البشر، ليتم انتقال الإيبولا إليهم.
وفي نفس الوقت تابع فيروس إيبولا تطوره، فمن وباء قروي محدود سيصبح وباء مدينيا، ذلك أنه في غضون بضع سنوات انتقلت تلك المدينة الصغيرة في منطقتها، ونعني غيكيدو، من 2800 إلى 300000 نسمة، حتى أنها أصبحت ثالث مدينة في البلاد. لقد تطورت الحمى النزيفية خلال أربعة أشهر دون أن يتم رصدها، ذلك أن مصالح الصحة كانت غائبة، والدولة بكاملها في يد المهربين عبر الحدود، وفي يد الشركات الكبرى. ومن هنا انتقل الوباء إلى البلدان المجاورة مهددا بتطور على الصعيد العالمي. وعندما حاولت نائبة المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية تبرير عدم اهتمام المنظمة خلال أربعين سنة بفيروس إيبولا، قالت أن حمى إيبولا "نمطيا، هي مرض للفقراء في بلدان فقيرة، حيث لا توجد سوق لشركات الأدوية (...) إنه فشل مجتمع يقوم على السوق، سوق المال و الأرباح".
VI ـــــ 1N1H : انبثاق جائحة فيروسية في المعامل الرأسمالية العملاقة الخاصة بالخنازير
لقد كانت أنظار منظمة الصحة العالمية تتجه إلى الصين المدارية، حيث المناخ حار ورطب وأراضي واسعة، حيث الطيور والخنازير والبشر في احتكاك دائم، مما يولد الأنفلوانزا الموسمية السنوية، كما كانت الأنظار تتوجه إلى احتمالات ظهور أنفلونزا جديدة من نوع 1918، المسماة الأنفلوانزا الإسبانية، لكن المفاجأة جاءت من مكان آخر.
في أبريل 2009، ومن مكسيكو أطلقت منظمة الصحة العالمية إنذارها ضد فيروس جديد للأنفلوانزا : 1N1H، الفيروس الذي قتل مئات الأشخاص في العاصمة المكسيكية، فماذا وجدت المنظمة؟
ففي قلب قرية دي لا غلوريا، المجاورة لمجموعة من المعامل الضخمة الخاصة بالخنازير المسماة "ديغرانخاص كارول دي مكسيكو"، التي تمتلكها شركة سميثفييلد فودز، أول منتج عالمي للخنازير، سيعزل لأول مرة هذا الفيروس، وذلك عند مصاب عمره أربع سنوات يسمى إدغار هرنانديز. وسيقوم الفيروس بجولة عبر العالم، عبر طائرات العولمة.
منذ سنوات، والسكان الفقراء ل "دي لا غلوريا"، وهم يتظاهرون في مدينة مكسيكو ضد انتزاع أراضيهم وضد الخزانات الضخمة لمادة البيران، التي تلوث الهواء والماء في قريتهم، فهياكل الخنازير تطفو وسط روث الخنازير، وهذا ثمن إنتاج أكثر من مليون خنزير في السنة.
إن مئات الآلاف من الخنازير ذات التكوين الجيني المتشابه، المكدسة منذ سنوات بدون مراقبة إيبيديميولوجية فعلية، والمشحونة بالمضادات الحيوية، وذلك خدمة لمزيد من الأرباح، كل هذا حول الأكروبيزنيس إلى حاضنة عملاقة تعزز مخاطر إعادة التكون الفيروسي، تماما كما يقدمه السيناريو الأسود للأنفلوانزا الإسبانية.
VII - زيكا، أو عولمة البعوض sedea وغياب المصالح العمومية
لقد تم عزل هذا الفيروس لأول مرة سنة 1947، وانتشر تدريجيا في آسيا عبر أوبئة صغيرة محدودة، لكن العولمة اللبيرالية ستجعل من الممكن التقاء وسريع، كما حصل في كأس العالم لكرة القدم في البرازيل سنة 2014، ملايين المسافرين عبر الجو، بعضهم يحمل فيروس زيكا، ليصل إلى ساكنة محلية بدون مناعة ضد فيروس لم يسبق لها أن احتكت به. فالفافيلات البرازيلية، حيث المياه الراكدة، وحيث تتجمع هياكل من مختلف الأنواع (هياكل السيارات هياكل الحيوانات ...) والأزبال المتروكة لحالها، كل ذلك يشكل بيئة صالحة لتطور بعوض زيكا، ومن ثمة انتشاره الكبير في أمريكا اللاتينية.
أما حالة البرازيل، مركز الوباء، فتتميز بكون 58% فقط من الأسر تتوفر على قنوات الصرف الصحي، وفقط 49% تستفيد من خدمات جمع الأزبال، والعديد من الأسر تعاني من انقطاع الماء مما يدفعهم إلى تخزين الماء في أحواض كبيرة، وبطبيعة الحال تكون الفئات الأكثر فقرا هي الأكثر إصابة بالفيروس.
VII - المسألة الصحية في الدول التابعة بين التقويم الهيكلي وإحسانية الرأسمالية
في مارس 1990، ومن أجل إدانة والتنديد بكون "93% من مرضى السيدا لا يتوفرون إلا على 6،4% من كل ميزانيات العلاج، ومن كون المرضى يوجدون في دول الجنوب والعلاج في دول الشمال" قدم جوناثان مان مدير البرنامج العالمي للنضال ضد السيدا التابع لمنظمة الصحة العالمية استقالته محدثا ضجة عالمية.
وفي الحقيقة، يمكن القول أن دول "العالم الثالث"، و من أجل تأدية ديونها فرض عليها التقليص من النفقات الاجتماعية (التعليم، الصحة...)، ففي مابين 1980 و 1990 وحسب أرقام البنك الدولي، فقد قامت هذه الدول بتخفيض ميزانيات الصحة بنسبة 50%. ومن المفارقات، نجد أنه في سنة 2012، خرج ما مجموعه من الأرباح من إفريقيا نحو خزائن "الدول الغنية" بما يقدر ب 5% من الناتج الوطني الإجمالي الإفريقي مقابل 1% مما تم التوصل به من مساعدات عمومية للتطور، فالحقيقة، هي أن إفريقيا تساعد العالم، هذه القارة التي تعاني من التخريب الكبير للصحة، ويكفي إعطاء الأرقام التالية:
في ليبيريا، حيث انتشر فيروس إيبولا لا يتوفر للبلد كله سوى خمسون طبيبا لساكنة تعد بأربعة ملايين نسمة، وبالنسبة لسيراليون فالعدد يصل إلى 120 طبيبا، ومعلوم أن منظمة الصحة العالمية، التي أصبحت لعبة في يد الدول الكبرى تعرف صراعات وتناقضات كثيرة داخلها، بل وتهديدات بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتدور تلك الخلافات حول ضرورة تقليص ميزانية منظمة الصحة العالمية باستمرار.
إن هذا التقشف مرتبط بإعادة هيكلة منظمة الصحة العالمية استجابة لاختيارات وتمويلات المانحين، مما يتولد عنه زيادة ب 20% في ميزانيات الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري وأمراض الشرايين، وهي أمراض لها أسواقها الكبيرة، وبالمقابل نجد انخفاضا بنسبة 50% من ميزانيات قطاع التدخل لمواجه الأوبئة والأزمات الصحية الكبيرة، وهذا ما دفع رئيسة "أطباء بلا حدود" بأن تدين من منبر الأمم المتحدة ما أسمته ب "التحالف العالمي لعدم التدخل"، وذلك بارتباط مع انتشار إيبولا.
ومن الأمثلة المدينة لمنظمة الصحة العالمية، نجد فيما يخص إيبولا، أن تلك المنظمة تأخرت جدا في التعبئة ضد الفيروس، بل اتفقت مع المختبر KSG بعدم تطوير اللقاح المرشح لمواجهة الفيروس وذلك في بداية انتشاره.
وبالنسبة ل 1N1H، وخاصة في سنة 2009، حيث انتشر هذا الوباء، فقد اتهمت "الجريدة الطبية البريطانية" منظمة الصحة العالمية بأنها شجعت الشركات الكبرى للتلقيح بدفعها، وبكثافة، للدول الغنية للاستثمار في شراء ملايين جرعات التلقيح.
ومن أمثلة التبعية والخضوع للمصالح الحيوية الأمريكية حول ما يسمى بالصحة الشاملة من طرف منظمة الصحة العالمية، ما أطلق عليه اسم "غلوبال هيلث"، وهو برنامج اعتمد على تمويلات البنك العالمي و بيل ومليندا غيتس، وتقدر ميزانيته ب 5 ملايين دولار، إلا أن البرنامج باء بالفشل.
بالنسبة ل "دول الجنوب"، فإن التروستات الكبيرة للصيدلة واللقاح ترفض أن تستثمر في البحث بالنسبة للباطولوجيا (علم الأمراض) في الجنوب، مختبئة وراء براءات الاختراع لرفض الأدوية بالنسبة لدول الجنوب، الشيء الذي جعل أصواتا كثيرة ترتفع من أناس ذوي نيات حسنة تدعو إلى جعل اللقاحات والأدوية ملكا عاما للبشرية، ومن ثمة، نزع ملكيات شركات الأدوية و وضعها تحت مراقبة عمومية، تتشكل من علماء ومهنيين مستقلين ونقابات وجمعيات المرضى والمستعملين.
وبغض النظر عن طبيعة هذه المواقف، فالصحة للجميع حسب هذه الأطروحات لا يمكنها أن تقوم إلا على التنمية المستدامة والتغذية للجميع والتكوين والتربية والوقاية والولوج الكوني إلى الماء الصالح للشرب والخدمات العمومية وتطوير أوضاع النساء والأقليات، والرفع من قدرة الشعوب في مواجهة الفقر والمرض، وخارج تصريحات الحكومات، تصبح صحة سكان العالم ذات أولوية قبل ربح التروستات وتقشف الدول.
هناك أصوات كثيرة ترتفع للمطالبة بالعودة إلى "دولة الرفاه"، بمعنى آخر، اعتماد كنزية جديدة تعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية مع إعادة الاعتبار للديموقراطية ومصالحتها مع البعد الاجتماعي من خلال دور دولة الرفاه، التي تنزل بثقلها على قوانين السوق، وتوجيه الاقتصاد في اتجاه الأخذ بعين الاعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان.
إن هذا الاتجاه الاشتراكي الديموقراطي ذي الطبيعة الإصلاحية، ينم عن مجموعة من الأوهام حول إمكانية إصلاح الرأسمالية، ويعرف مجموعة من الاتجاهات أصبح بعضها يتجذر بالتدريج دون أن يرقى إلى مشروع اشتراكي ثوري يستهدف وضع حد للنظام الرأسمالي بشكل جذري، ولذلك نجد مجموعة من المطالب لهذا الاتجاه، الذي يرى هو الآخر أن الأزمة الصحية جزء من الأزمة الإيكولوجية، فمع الأزمة المناخية، وندرة الموارد غير المتجددة، وانهيار التنوع البيئي، ومن أجل مواجهة هذه الأوضاع يجب مراجعة النموذج الاجتماعي، مع المزيد من إعادة توطين الصناعات و "المضيافية" والقرب، وتقليص وسائل النقل وكذلك التمركز السكاني مع أكثر ما يمكن من المساواة الترابية، مع استثمار أكبر في الصحة البيئية والعمومية.
IX -من أوبئة الرأسمالية بشكل عام إلى أوبئة ما يسمى بالنيولبيرالية
أدلى العالم البيولوجي الكبير الماركسي روبرت. ج. والاس باستجواب مؤرخ ب 13 مارس 2020، قال فيه "أن كوفيد 19 ليس حادثة معزولة، فازدياد الفيروسات مرتبط بالإنتاج الغذائي ومردودية الشركات المتعددة الجنسيات، فكل من يريد أن يفهم لماذا أصبحت الفيروسات أكثر خطورة عليه أن يدرس النموذج الصناعي للفلاحة، وبالأخص تربية المواشي".
ويتحدث العالم البيولوجي عن الاستحواذ على الغابات العذراء والأراضي الزراعية التي يمتلكها صغار الفلاحين.
"ففي الوقت الحالي، فكوكب الأرض في الجزء الكبير منه أصبح مزرعة عالمية، سواء بمعنى الكتلة الحيوية أو تعلق الأمر بالأراضي المزروعة. يهدف الأكروبزنيس الاستحواذ على السوق الغذائية والمشروع المسمى نيولبيرالي منظم على أساس دعم مجهودات الشركات القائمة في الدول الصناعية الأكثر تقدما، من أجل سرقة الأراضي وموارد البلدان الأكثر فقرا، وبالتالي، فإن العديد من العوامل المسببة للمرض، التي تم احتواؤها لحد الآن عن طريق الغابات، أصبحت تتطور الآن باستمرار، بل تحررت وأصبحت تهدد العالم بكامله".
(انظر "المزارع الكبرى تصنع الزكام الكبير: إشعار حول مرض الالتهابات، أكروبيزنيس وطبيعة العلم (مونثلي ريفيو بريس 2016) ).
في كتابه الشهير هذا، ميز العالم البيولوجي الأمريكي ج. والاس نوعان من الأوبئة:
- تلك التي تجد أصلها في الإنتاج الأكرو إيكونوميك.
- تلك التي تأتي من المناطق النائية بالنسبة للإنتاج والتي تشكلها الغابات.
وعبر مثال 1N5H، أنفلوانزا الطيور، نجد واضحا، تلك العوامل الاجتماعية والجغرافية، التي تساعد على ظهور الفيروسات وانتشارها:
الانتشار داخل دول "العالم الثالث" لوحدات الإنتاج الزراعي – الصناعي، بدون أي قوانين منظمة، ملتصقة بمدن القصدير في الضواحي، هنا، انتشار فيروسات مرتبطة بوجود هذه الوحدات الإنتاجية في مناطق هشة، مع تزايد التنوع الجيني الذي يسمح لأنفلوانزا الطيور بتطوير مميزات خاصة بالإنسان، وهناك انتشار عالمي لفيروس أنفلوانزا الطيور بسرعة كبيرة في اتصال مع نوعية، ما فتئت تكبر أكثر فأكثر، لبيئات اجتماعية إيكولوجية ذات علاقة بأنماط تربية الطيور، وبالإجراءات الخاصة بالصحة.
إن قنوات التنقل العالمي للبضائع والهجرات المنتظمة لليد العاملة، تسمح للفيروسات بأن تتحول بسرعة لتظهر أنواع جديدة الأكثر منها قدرة على التأقلم متجاوزة الأخريات.
ويشير روبرت. ج. والاس إلى:
"أن غياب سلالات متوطنة مسببة للأمراض بشكل كبير (الأنفلوانزا) في مجموعات الطيور البرية، الخزان الأخير تقريبا لكل متفرعات هذا النوع (روبرت ج. والاس، المرجع السابق ص، 56)، بخلاف ما نلاحظ عند المجموعات الأليفة المجمعة في المزارع الصناعية، التي فقدت، من خلال الزراعات الوحيدة الجينية، عناصر المناعة القادرة على تبطيء الانتقال".
إن أطروحات والاس حول الارتباط بين الرأسمالية وصعود في كثافة الأمراض وحدتها، تصوره لنا أمثلة مختلفة:
المثال الأول:
ظهور ثلاث أوبئة في القرن الثامن عشر في البوادي الانجليزية، مع إدخال الزراعات الوحيدة في تغذية المواشي:
- من 1709 إلى 1720
- من 1742 إلى 1760
- من 1768 إلى 1786
في الحالات الثلاث، فإن أصل كل واحدة منها يعود إلى استيراد المواشي المصابة بأوبئة ما قبل الرأسمالية. وبسبب تمركز المواشي، في علاقة مع إدخال الإنتاج الرأسمالي، كان لاستيراد المواشي المصابة آثار مدمرة، خاصة في مراكز الحليب الكبيرة في لندن، التي وفرت بيئة مثالية لانتشار مكثف للفيروس.
المثال الثاني:
يتعلق بطاعون البقر في أوروبا، وكان ذا صلة مع نمو الزراعة على نطاق واسع (على مساحات كبيرة)، والتي تم تصديرها إلى إفريقيا سنوات التسعينات من القرن التاسع عشر بسبب الحروب الاستعمارية، التي تواجه فيها الاستعماريون من مختلف البلدان، فانتشر المرض في مجموعات البقر المحلية، فقضى على ما بين 80 و 90% من القطيع مسببا مجاعة غير مسبوقة في المجتمعات الرعوية جنوب الصحراء الكبرى. إن هذا الدمار كانت له نتائج قاتلة بالنسبة للسفانا، التي أصبحت، مع غزو الأشجار الشوكية، وسطا ملائما لانتشار ذبابة تسي تسي، التي كان من أسبابها الحد من دخول القطيع إلى أماكن الرعي، وكذلك إلى إعادة الإسكان في المنطقة بعد المجاعة، هذا في الوقت الذي كان فيه التوسع الاستعماري الأوروبي مستمرا.
المثال الثالث: حالة الانفلوانزا الإسبانية
حسب ولاس دائما، فإن هذا الوباء جاء من الخنازير أو الطيور المدجنة في كانساس. ففي الولايات المتحدة الأمريكية بعد 1914 – 1918، عرفت الزراعة الأمريكية تعميم الإنتاج الصناعي المستعمل للمكننة بشكل كبير (الفلاحة الكثيفة).
إن انتشار الأنفلوانزا الإسبانية كان بسبب التجارة العالمية، وبسبب الحرب الكبرى 1914 – 1918، ويعود سبب ارتفاع معدل الوفيات إلى العوامل الاجتماعية، كسوء التغذية والكثافة السكانية المرتفعة في المدن، ثم إلى غياب عناصر النظافة في المناطق المصابة.
(انظر برو رونديغ ج. ف، شونكس ج. د "ماذا جرى في الحقيقة خلال جائحة انفلوانزا 1918؟ أهمية الالتهابات البكتيرية الجانبية"، جريدة "أمراض الالتهابات مجلد 196، رقم 11، دجنبر 2007").
لقد رأينا ثلاث حالات من الفيروسات القاتلة ذات الصلة القوية بنمط الإنتاج الرأسمالي، أولها طاعون البقر، وهو نوع مرتبط بشكل واضح بالرأسمالية، ثم وجدنا الحالة الثانية لطاعون البقر، الذي انتشر في إفريقيا ابتداء من 1890، وقد ارتبط بالغزوات الاستعمارية، وأخيرا تطرقنا لحالة الأنفلوانزا الإسبانية المرتبطة هي الأخرى بالرأسمالية، والتي كانت لها نتائج مدمرة على الطبقة العاملة والساكنة الفقيرة.
إن كورونا فيروس ليست له خصوصية صينية، ذلك أن الأسباب التي تكون وراء انبثاق الأوبئة في يومنا هذا ليس لها شيء ذا صلة بالثقافة، كما يريد أن يقنعنا به بعض المعادين للأجانب، إن هذه الأمراض أو الأوبئة هي ذات علاقة بالجغرافيا الاقتصادية.
(انظر "العدوى الاجتماعية، الحرب الطبقية المكروبيولوجية في الصين" لصاحبها سانت كونسورس، 2 أبريل 2020).

وليد الزرقطوني
ـــ ــــــ ــــــ
هذا النص يوجد بصيغة ب.د.ف. على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info