الهند - متابعة لاحتجاجات صغار المزارعين


الطاهر المعز
2021 / 4 / 6 - 02:15     

قبل حوالي ثمانية أسابيع نَشَرْتُ دراسة عن احتجاجات المُزارعين بالهند، بعنوان
نضالات صغار الفلاحين، نموذج الهند
الهند - متابعة وقائع ثورة الفلاّحين
تحتوي هذه الفُقرات على مُتابعة لهذه الحركة الإحتجاجية لصغار المُزارعين بالهند، لعلّها تُفيد بعض مُتابعي وداعمي احتجاجات صغار المُزارعين ببلادنا...
أوردت وكالة رويترز، يوم الإثنين 01 شباط/فبراير 2021، أن السلطات الهندية حفرت خنادق، وقطعت الطرقات الرئيسية المُؤَدِّية إلى العاصمة "نيو دلهي" بالأسلاك الشائكة، لمَنْع المزارعين المُحْتَجِّين من دخول العاصمة، إضافة إلى قطع الإتصالات وخدمات الشبكة الإلكترونية في عدد من أحياء العاصمة وضواحيها، بالتوازي مع تكثيف الحملات الأمنية، واعتقال أكثر من مائتي شخص، خلال يوم واحد (27 كانون الثاني/يناير 2021)، بحسب بيانات الشرطة التي تعزز وجودها، مع عناصر الجيش والآليات والمُدَرّعات في مداخل العاصمة، وحول مبنى البرلمان.
أغلق المزارعون الطرقات وخطوط السكك الحديدية، في العديد من الولايات، احتجاجًا على تغيير القواعد التي تُلحق الأضرار بمصالح المُزارعين، وإلغاء القوانين التي تحميهم من خلال بيع منتجاتهم بأسواق الجملة التي تُشرف عليها الحكومة، بأسعار مُحَدّدَة، بينما يهدف القانون الجديد زيادة مكاسب الشركات الكبرى”.
رغم موجة البرد القارس، نَصَب عشرات الآلاف من المزارعين خياماً على مشارف العاصمة نيودلهي، منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، مطالبين بإلغاء القوانين التي يُؤدِّي تطبيقها إلى إفلاسهم، وفي السادس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2021، هاجم المُزارعون المُحْتَجُّون "القلعة الحمراء" التاريخية في نيودلهي بالجرّارات التي تمكنت من اختراق الحواجز، بينما كانت الحكومة تحتفل باليوم الوطني، عبر تنظيم استعراض عسكري، وطالبَ المُزارعون بالتخلي عن "قانون الإصلاح الزراعي" الذي صَمَّمَتْهُ الحكومة لخدمة مصالح الشركات المتخصصة في توزيع المنتوجات الفلاحية التي يشترونها منهم وليس في صالح المنتجين الذي يجعلهم القانون الجديد تحت رحمة الشركات في ما يتعلق بتحديد الأسعار وآليات بيع منتوجاتهم.
تُساهم الفلاحة بنحو 15% من الناتج الإجمالي المحلي، المقدّر سنة 2019 بنحو 2,7 تريليون دولارا، ويُقدّر عدد المزارعين المالكين للأرض بنحو 150 مليون (من إجمالي حوالي 1,3 مليار نسمة) لا تتجاوز مساحة 86% من الأراضي الزراعية هكتارَيْن و70% هكتارًا واحدًا، وانتحر من بين صغار الفلاحين قرابة 10300 مُزارع سنة 2019، بسبب الدّيون والمشاكل التي تعترضهم، فيما يملك حوالي 1% فقط من الفلاحين مزارع تتجاوز مساحتها عشرة هكتارات، ويُشغل قطاع الفلاحة أكثر من 50% من قُوة العمل بالبلاد، ومصدر عيش حوالي 70% من السكان، وتُشكل احتجاجات الفلاحين، منذ شهر كانون الأول 2020 إحدى أهم التحدّيات التي تواجهها حكومة اليمين المتطرف لحزب "بهارتيا جاناتا" وزعيمه، رئيس الحكومة "نانيندرا مودي"، منذ انتخابه سنة 2014، ويُطالب المُزارعون بإلغاء القرارات التي تُلغي دعم الفلاحة وتُلغي تحديد سعر أدنى للمنتجات، مثل الأرز والقمح الذي تشتريه الحكومة من المزارعين، وتهدف القوانين الجديدة التي قدمتها الحكومة في أيلول/سبتمبر 2020، إلى تحرير الأسواق وإطلاق العنان للشركات وللمُضاربين لفرْض شروطهم على صغار المزارعين الذين لا يتجاوز متوسط الدّخل السنوي لديهم 900 دولارا، ما يحرمهم من القُرُوض المصرفية، ويجعلهم تحت رحمة المُرابين الجدد، لاقتراض مبالغ صغيرة جدّا، أو "قُروض متناهية الصّغر"، وفوائدها أعلى بكثير من القُروض الأخرى.
تُعتَبَرُ حركة صغار الفلاحين الحالية أكبر حركة احتجاج تشهدها الهند منذ استقلالها سنة 1947، فهي متواصلة منذ أكثر من أربعة أشهر، حيث نصب عشرات الآلاف من المزارعين حواجز على الطرقات ومخيمات عملاقة حول نيودلهي، وتستمر التعبئة في بداية شهر نيسان/أبريل 2021، رغم التعليق المؤقت لقوانين "الإصلاح الزراعي" التي تسبب تقديمها في إطلاق الحركة، ويعتبر الفلاحون أنهم لم يحصلوا على أي ضمانات بشأن الإجراءات المنظِّمَة لأسواق الإنتاج الزراعي، وضمان الحد الأدنى لأسعار محاصيلهم، إذ يَضَعُ الإصلاح الحكومي حداً لتنظيم أسواق البذور والمنتجات الزراعية، وعملية تخزينها، ويسمح، بالمقابل، للشركات الخاصة الكبيرة بدخول السوق دون تسديد أي رُسُوم للحكومات المحلية وللبلديات، ليفقد المزارعون مكانًا كان مخصصا لهم (أسواق الدّولة)، ويتضمن خدمات وإرشادات، وعلاقات الثقة بين مختلف الأطراف، مع ضمان الحد الأدنى من الدّخل، وبيع المحاصيل بسعر مضمون، وسيتعين عليهم، عند تطبيق القوانين الجديدة، التفاوض على السّعر، بشكل فردي، أي من موقف ضُعف، مع شركات خاصة، مُختصة بالمضاربة وبالإحتكار، أي شراء المنتجات عندما تكون الأسعار منخفضة وتخزينها ثم إعادة بيعها عندما يرتفع السعر.
أقام المزارعون المحتجّون نظامًا للتناوب، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بشكل دَوْرِي، ولا يزال هناك الآلاف في المسيرات والاعتصامات التي لا تقتصر على ضواحي دلهي، بل انتشرت حركة الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد، بمشاركة ملحوظة للمرأة التي تلعب دورًا مهمًّا في الحركة، وتجاوز عدد المتظاهرات يوم الثامن من آذار/مارس 2021 (اليوم العالمي لحقوق النّساء) مائة ألف مُزارعة ومُساندة لاحتجاجات المُزارعين.
يطالب المزارعون بتشجيع التعاون بين المزارعين وتجميع الموارد، وتعزيز المُؤسّسات التَّشارُكِيّة (التعاضديات) الموجودة، فقد أظهرت التجارب التي بدأت منذ حوالي عقدَيْن، في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي للهند، أن تجميع أراضي وجهود الفلاحين، للعمل معًا في مجموعات صغيرة يزيدون يرفع الإنتاجية والدّخل، بنسبة لا تقل عن 80%، ولكن الحُكومة ومُستشاريها وخبراءها يُناهضون مبدأ التعاون والعمل التّشارُكِي...
تُشكل دراسة حركة احتجاج المزارعين بالهند موضوعًا هامًّا يمكن أن تستفيد منه حركة صغار المُزارعين ببعض البلدان العربية (وغير العربية) مثل المغرب وتونس ومصر...