تونس : رئيس الجمهورية لا يؤمن بقيم الجمهورية


محمد نجيب وهيبي
2021 / 4 / 5 - 17:42     

صحيح أن قيس سعيّد يُبدِعُ احيانا في خوضه معركة نتف ريش راشد الغنوشي وفرع حركة "الاخوان" في تونس ، وصحيح ايضا ان تشكيل المحكمة الدستورية في مثل هذا المشهد السياسي العفن، الفاسد والموبوء هو اخطر ما يمكن ان تبتلى به تونس ، ولكن للامانة رسالته الاخيرة ( التي وجهها بخط اليد الى رئيس مجلس النواب بتاريخ 03 افريل 2021 )حول الجدل القائم على ارساء المحكمة الدستورية مع التي سبقتها تعيدُ الى السّطح مسالة ايمانه بقيم الجمهورية من عدمها .
ففضلا عن شكلها و اسلوبها و لغتها واستعاراتها المدجّجة بالحجج الدينية الإسلامية القطعية دون سواها بما يشير اليه ذلك من استبطان الرئيس سيادة العنصر الاسلامي على غيره من العناصر التونسية و الايحاء باحتكار تمثيله والنطق باسمه فقها وتاويلا على راس الدولة وطمس بقية العناصر الدينية الاخرى في مراسلة رسمية بهذا الحجم والخطورة بين اعلى سُلطتين شعبيتين مُنتخبتين لتمثيل عموم الشعب واعلاء راية الجمهورية ساعيا بذلك الى تقزيم مفهوم المُواطَنَة المدنية القائمة على التساوي وحياد الدولة تجاه اختلاف مكونات هوية الافراد ، لصالح استرجاع مفهوم الرعيّة .
يعمدُ كاتب الرسالة على احتكار تفسير وتأويل الدستور ويُضفي مسحة قُدُسِيّة غير خفيّة على احكامه (رُغم اعتماده بعض النصوص القانونية المدنية في محاججته) ، ويعتبر اراءه الفقهيّة الخاصّة و تفاسيره للقرآن ، خاتمة ، مُطلقة ، موجبة للاجماع ولا تقبل نقضا ، فهو " الحاكم المطلق" صاحب " الهدي" الذي لا قول بعده و المؤتمن على احكام الله و شرعه بين الناس .
ويعمل بشكل حثيث على افراغ الدستور والمؤسسات الدستورية من كل مضامينها القائمة اساسا على إدارة الارادة الشعبية انطلاقا من قاعدة الاختلاف والتنوع وبوصفها اليات بشرية مدنية صرفة ، لا قُدُسيّة فيها او حولها ، مُتحوّلة في الشكل والزمن للاستجابة الى حاجيات المجتمع المدني الديمقراطي في ارساء سِلمٍ اهلية في مرحلة النظام الجمهوري ، مُتمَسِّكًا بشكلانية نَصِّية قاتلة ذات طابعٍ " قُدُسي" للقرون الوسطى، تدفعنا الى حلقة مُفرغة تلوى الاخرى يبدو ان السيّد الرئيس يطلبها بِكُلٍ وعي و إدراك تقديما للاعلان النهائي عن فشل النظام الجمهوري وعجز كل منضومة حكم الشعب لنفسه بنفسه و ان عبر مُمَثّلين منتخبين !!
ان السيد الرئيس كما يظهر في رسالته الاخيرة يُظْهِرُ ( يُؤَكِّدُ ) مرّة اخرى أنّهُ في العمق الابعد ايمانا بقيم الجمهورية وانَّهُ رُبّما لا يقِلُّ " تقيّة" وإدّعاءا ومُخاوزة وخطورة عن " الإخوانجيّة" ، وأنّه لا زال يُراوح بين إحياء الخلافة او ارساء " جملوكيّة" على قياسه !!! لو لم يكُن سُنِّيًّا ظاهريا ولو لا سعيه للتماهي مع عمر ابن الخُطّاب لكان " خُمينيًّا" صميما ..
" و السّلام علينا وعلى من اتّبع الهدى مثل ما قُلنا "
-------
ملحق : ملاحظات شبه " دستورية" على مثلها مما قدّم الحاكم بامره رئيسنا المُفدّى !!
لا خلاف في حق الرئيس في التمسكِ بمنطوق الفصل 72 من الدّستور " رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام
الدستور " .
ولكن عليك ان لا تُغْفِل رئيسنا ان الفصل 50 من نفس الدستور يعلي اكثر من قيمة توطئته ويُترجم روحها بشكل ادق " يمارس الشعب السلطة التشريعية عبر ممثليه بمجلس نواب الشعب أو عن طريق الاستفتاء" حيث وردت لفظة " سلطة تشريعية" معرّفة للدليل على اطلاقها وحصر التشريع باسم الشعب لمجلس نواب الشعب .
قد تبدو احكام الفقرة الخامسة من الفصل 148 فخًّا يستعصي معه حَلُّ مشكلة الاجال الدستورية ايذانا بإعلان مقتل دستور الجمهورية الثانية حتى يتربّع رئيسنا رُبّانا وحيدا فاتقا ناطقا لسفينة لا مرفأ لها انطلقت منه ولا مرسى تريح فيه اشرعتها من حدّة العواصف طالما نفتقر لمحكمة دستورية تبت في دستورية مشاريع القوانين ، ولكن رئيسنا رُبّما اغفل المطّة الرابعة من الفقرة الثانية من الفصل 148 من الباب العاشر : احكام انتقالية" من نفس الدستور " تدخل أحكام القسم الثاني من الباب الخامس المتعلق بالمحكمة الدستورية باستثناء الفصل 118 حيز النفاذ عند استكمال تعيين أعضاء أول تركيبة للمحكمة الدستورية " وهو ما يعني ان مهام ومجالات المحكمة الدستورية لا تدخل حيز النفاذ الا بعد استكمال تركيبتها و في غير هذه الحالة ندعوا رئيسنا المُفدّى الى استذكار الفقرة السابعة من نفس الفصل - 148- التي تنص صراحة على : .يحدث المجلس الوطني التأسيسي بقانون أساسي، خلال الاشهر الثالثة التي تلي ختم الدستور، هيئة وقتية تختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين
تتكون من (....) تنتهي مهام الهيئة بإرساء المحكمة الدستورية " ، ولسنا في حاجة للتذكير هنا بالفرق بين الاحداث والارساء ... الخ وطالما لم " ترسو" سفينة المحكمة الدستورية بعد فإن طوف الهيئة الوقتية كافي لوحده للبت في دستورية مشاريع القوانين و استنهاظ واستحثاث كل الاجال وتعديل كل اعوجاج حتى نصل بسفينة جمهوريتنا و دستورنا الحي رغم كل شيئ الى اول شاطئ نُرمِّمُ فيه بؤسنا ونُنظّفَ بعضا من قيح هؤلاء الحكام