محور موسكو – بكين ... والتهديد ب -ثورة ملونة- في الصين


مشعل يسار
2021 / 4 / 4 - 20:31     

بقلم المتخصص في الشؤون الصينية نيكولاي فافيلوف Nikolai Vavilov*

======
ملخص: تدحض مقالة الخبير الروسي في الشؤون الصينية كل ما زُعم عن نشر الصين لفيروس كورونا في العالم، وتتحدث عن الصراع بين الحزب الشيوعي وقيادته ذات النهج السيادي الصيني المناهض للتبعية للولايات المتحدة واتحاد الشبيبة الشيوعية الصينية الداعي إلى علاقات أوثق مع الولايات المتحدة ولا سيما الديمقراطيين وجماعة "الدولة العميقة". ويظهر الكاتب أهمية أن تهرع السلطة الروسية إلى تحالف ندي مع القيادة الصينية بشخص شي جين بينغ الموالي لروسيا بغية حمايته من "ثورة ملونة" محتملة قد تقوم بها أميركا بالتعاون مع حلفائها هناك.
صحيح أن المقالة طويلة بعض الشيء، ولكن قراءتها هامة جدا لمن يريد أن يتطلع على أمور هذه الدولة العظيمة التي يكتسب التحالف الروسي معها بعد تحالفها مع إيران أهمية حاسمة بالنسبة إلى منع "الدولة العميقة" ذات التطلعات الفاشية من السيطرة نهائيا على العالم. ففي تعاضد هذه القوى الثلاث إنقاذ للعالم من همجية نازية جديدة.
======
اليوم من الممكن تمامًا التحدث عن صفحة جديدة في العلاقات الدولية مرتبطة بإمكانية تحالف عسكري بين روسيا والصين، وبشكل غير متوقع تمامًا، مع الاعتراف المحتمل بإعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا من قبل جمهورية الصين الشعبية، أي الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي.
رغم أن سبع سنوات قد مرت على عودة شبه جزيرة القرم، كان موقف الصين واضحًا تمامًا طوال هذه السنوات، أي الحياد. ومع ذلك، فقد ظهر هذا الموضوع الآن من جديد في الفضاء الإعلامي وفي تصريحات كبار المسؤولين الصينيين.
في أوائل فبراير، قبل شهر ونصف من الحدث السياسي الأكثر أهمية في الصين - جلسة المؤتمر الوطني لنواب الشعب، أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في محادثة هاتفية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، عن أمله في أن يحمل صيف عام 2021، في أثناء إطالة أمد الاتفاقية الروسية الصينية بشأن حسن الجوار والصداقة والتعاون، ليس تمديد هذه الاتفاقية فحسب، بل أن تكون "مليئة بمحتوى ذا أهمية تاريخية". أي أننا بتنا نتحدث عن شيء يختلف اختلافًا جوهريًا عن الظروف الحالية للتعاون في المجالات الاقتصادية والإنسانية وغيرها.
في الواقع، يعمل الجانب الصيني على الإسراع في إنشاء تحالف عسكري مع تكامل أعمق مع الاتحاد الروسي في عدد من المجالات. بدا الأمر غير متوقع للغاية، لأن كل هذه السنوات، خاصة منذ عام 2013، عندما تولى شي جين بينغ السلطة، تعمق الاندماج، ووصل حجم التبادل التجاري إلى مائة مليار دولار، لكن في الوقت نفسه امتنع الطرفان عن التفاعل سياسيا، رغم أنهما كانا يشغلان مواقف مماثلة إلى حد كبير بشأن هذه أو تلك من القضايا في مجلس الأمن الدولي.
ماذا حدث؟ لماذا بدأت الصين فجأة تتحدث عن تحالف عسكري وإن كان بلغة التلميحات؟ في نهاية عام 2020، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متحدثًا عن تحالف عسكري محتمل مع الصين: "لقد انطلقنا دائمًا من حقيقة أن علاقاتنا قد وصلت إلى درجة من التفاعل والثقة لدرجة أننا، بشكل عام، لسنا بحاجة إلى مثل هذا التحالف العسكري، ولكن من الممكن نظريًا أن نتخيل قيامه". وهنا يقترح الجانب الصيني، على لسان وانغ يي، الانتقال من النظرية إلى التطبيق، مشددًا على أن التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين "ليس له حدود عليا".".
وهكذا، يفكر الجانبان الروسي والصيني بإيجابية في إمكانية إبرام تحالف عسكري. ضد من هذا التحالف؟ ماذا يعطي؟ هل هو مربح لروسيا؟ لكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة، تجدر الإشارة إلى أنه في أوائل شهر مارس، خلال جلسات هيئات السلطة الصينية - المجلس الاستشاري السياسي الشعبي التشريعي الصيني والمجلس الوطني التشريعي لنواب الشعب، أدلى الوزير وانغ يي بتصريح غير مسبوق بأن روسيا والصين هما بمثابة سند أحدهما للآخر ويجب أن يواجها معا "الثورات الملونة" ويدافع كل منهما عن سيادة الآخر السياسية وأمنه.
وإذا كانت بعض وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في روسيا، للأسف، تثير باستمرار أجواء "الثورة البرتقالية"، فما نوع "الثورة الملونة" التي يتحدثون عنها في الصين؟ هل يشكك أحد في سيادة جمهورية الصين الشعبية أو في مناعة نظامها السياسي، يا ترى؟ لكن أولئك الذين يتابعون الوضع في هذا البلد عن كثب ليس لديهم أدنى شك في أن الصين كانت تستعد لـ "ثورة ملونة" في عام 2020. لقد كان هذا موضوع مقالي الطويل "فن الحرب على المعارضة" الديمقراطية " في الصين، الذي سبق أن نشرته في جريدتكم، جريدة "زافترا" ("الغد").
جاء في المقال إن الوضع في شأن فيروس كورونا في الصين كان مسيسًا، وأن المجموعة الكومسومولية الصينية الموالية لأمريكا (سمّيت هناك قادة إقليميين محددين) نفذت سلسلة من عمليات الإغلاق، ولجأت إلى تدابير مفرطة لمواجهة انتشار الفيروس. وبالتالي تسببت في اضطرابات احتجاجية.
والآن يؤكد وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية نفسه خطر "الثورة الملونة" ويسعى إلى الاعتماد على روسيا للدفاع عن السيادة السياسية للصين. في الواقع، يقول وانغ يي إن القيادة العسكرية والسياسية لشي جين بينغ مهددة بالتصفية من خلال "الثورة الملونة". ويعتزم شي جين بينغ اتخاذ إجراءات من شأنها أن تسبب رد فعل غير محمود، بعبارة ملطفة، في المجتمع الدولي. وحده موقف روسيا يمكن أن يساعده على تحمل الضغط والدفاع عن السيادة والاحتفاظ بالقيادة العسكرية والسياسية للحزب والجيش والدولة. هذا ما يتحدث عنه وانغ يي!
لم يصدر الجانب الصيني مثل هذه التصريحات من قبل. لكن الوضع الآن حول الصين، فيما يتعلق بالعلاقات الصينية الأمريكية، قد تفاقم لدرجة أن وانج يي يتحدث بصراحة عن مشكلة كانت تجذب انتباه الباحثين فقط في السابق. والكلام حول تغيير محتمل للنظام في الصين في مجال السياسة الدولية، أي قضية الصراع بين الكومسومول الموالي لأمريكا ومجموعة شي جين بينغ الموالية للجيش قد تجاوزت حدود النقاش الحزبي المغلق. أذكركم بأن المجموعة الموالية لأمريكا تضم قادة اتحاد الشباب الشيوعي لعموم الصين، بما في ذلك رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية لي كه تشيانغ، وعدد من نواب رئيس الوزراء، وأعضاء مجلس الدولة، وما إلى ذلك.
بعد تصريحات وانغ يي، قال السفير الصيني في موسكو تشانغ هانهوي، وهو صديق عظيم لروسيا، وخبير في اللغة الروسية، وهو يبذل قصارى جهده للتقريب بين البلدين، أن روسيا والصين ستتشاركان في بناء قاعدة قمرية وتتعاونان على ابتكار لقاح للكوفيد، وهو أيضًا أمر غير مسبوق. ويمكن أن يكون للأداء القوي للقاح Sputnik V الروسي وللقدرات الإنتاجية الصينية تأثير تآزري ممتاز.
علاوة على ذلك، أعلن تشانغ هانهوي أن روسيا والصين سترسمان موقفًا مشتركًا من الولايات المتحدة. لم يحدث هذا من قبل في العلاقات الروسية الصينية، باستثناء التنسيق بين الموقفين في مجلس الأمن الدولي. الآن سيكون للثنائي تأثير هائل بإظهاره التضامن. هذا مهم بشكل خاص على خلفية أن عقودًا من علاقتنا كانت مظلمة في الوعي الجماهيري بسبب أحداث جزيرة دامانسك، وانهيار صرح الصداقة، وارتحال الصين في الواقع إلى المعسكر الأمريكي تحت قيادة الزعيم المناهض للسوفييت دنغ شياو بينغ. بدعم ضمني من ماو تسي تونغ. الآن تم تجاوز هذا الأمر في الأذهان، وهو ما تقوله التصريحات الحالية للجانبين.
بالإضافة إلى ذلك، أدلى الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي ستانيسلاف زاس ببيان تزامن مع بيان فان آي زاس قال فيه إن منظمة معاهدة الأمن الجماعي مفتوحة لأعضاء جدد.. أي أي من جيران روسيا أو جيران دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي يمكن أن يسعى إلى الانضمام إلى هذه المنظمة؟ من يحتاج إلى حماية روسيا؟ كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة التي أرادت الحصول عليها قد حصلت عليها بالفعل. وإذا كنا لا نتحدث عن الصين، فلربما تكون هذه إيران؟
ولكن، على الأرجح، كان الأمر يتعلق بحقيقة أن الصين هي التي ستدخل تحت مظلة الدفاع الروسية. وهذا، كما حدث في الخمسينيات من القرن الماضي، سوف ينقذ الصين من عدوان أمريكي مباشر محتمل. نعم، هذا لن ينقذ من المواجهة، بما في ذلك المواجهة المختلطة، مع حلفاء الولايات المتحدة، لكنه مع ذلك يضمن حماية جمهورية الصين الشعبية في حالة طردها من مجلس الأمن الدولي.
في ظل هذه الظروف، لم تبدأ منظمة معاهدة الأمن الجماعي فقط الحديث عن أعضاء جدد، ولكن حضر أيضًا وفد موسع من رجال الأعمال الصينيين، برئاسة تشاو كاي، رئيس مجلس إدارة شركة بكين للاستيراد والتصدير، وهي منظمة تابعة للدولة وهو عضو غرفة التجارة والصناعة في بكين، بشكل غير متوقع إلى شبه جزيرة القرم ... لقد سبق أن زار الصينيون شبه جزيرة القرم من قبل، وطوروا علاقات تجارية معها، لكن من وراء الكواليس. والآن أجرى الرئيس الرسمي للوفد مقابلة مع تاس، قال فيها: "سنبذل قصارى جهدنا لتطوير وإقامة علاقات تجارية مع الشركات المحلية. وسيسهم ذلك في تنمية العلاقات الودية بين بلدينا ". أي أن الصين قد أعلنت للعالم أجمع أنها مستعدة لبدء مرحلة نشطة للاعتراف بشبه جزيرة القرم. أولاً، من خلال تعزيز الأعمال المفتوحة والاتصالات الإنسانية، والعمل مع الشركات المسجلة في شبه جزيرة القرم وتصدير منتجات القرم إلى الصين، وخاصة المنتجات الزراعية، فضلاً عن إرسال السياح الصينيين إلى شبه جزيرة القرم.
هذا يعني أن الصين ستتبع ببطء وتدريجي ولكن بثبات طريق الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من الاتحاد الروسي، بغض النظر ليس فقط عن موقف أوكرانيا، الذي لا يهم أحداً في هذه الحالة، ولكن أيضًا عن موقف المجتمع الدولي.
كل هذا يتماشى مع إنشاء تحالف صيني روسي. فكيف يمكن أن يكون هذا التحالف؟ بالطبع، نحن مختلفان تمامًا. وبغض النظر عما تخبرنا به وسائل الإعلام الرسمية، وبغض النظر عن مدى مشاركة المعلقين الملتزمين في التصفيق، فإن روسيا والصين ليستا دولتين مختلفتين فقط، إنهما حضارتان مختلفتان، وثقافتان مختلفتان. لكن ثمة عاملا قويا يجمعنا معا، وهذه ليست المرة الأولى في التاريخ. هذا العامل هو الضغط الجماعي للغرب على بلادنا من أجل تدمير النظام السياسي وإخضاع روسيا والصين. وهو يجبرنا - هذا العامل - على التغلب على الاختلافات الثقافية وغيرها من الاختلافات العميقة.
لنتذكر أن شي جينغ بينغ وصل إلى السلطة في عام 2013. في العام التالي، 2014، استعادت روسيا شبه جزيرة القرم. أصبحت هذه الصفحة الجديدة في الجغرافيا السياسية لدينا ممكنة إلى حد كبير بسبب حقيقة أن القيادة العليا الروسية أدركت أنها لن تجد نفسها في عزلة دولية - سيكون بجانبها شي جين بينغ، الذي لديه شبه جزيرة القرم الخاصة به – شبه جزيرة تايوان.
بغض النظر عما يقوله شتى المعلقين الذين لا يفهمون الهيكلية الداخلية للحكومة الصينية، فإن شي جين بينغ هو سياسي سيادي ومعاد لأمريكا. وخصوصية السياسة الخارجية الصينية، والاتصالات الخارجية بشكل عام ليست رفضًا صريحًا لأي شيء، بل هي إنشاء أجندة إيجابية مختلفة. لقد أصبحت الصين والولايات المتحدة شريكين تجاريين رئيسيين لدى تسلم قيادة الصين خلال عشر سنوات من قبل الأمين العام الكومسومولي هو جينتاو. في الواقع، نشأ كيان اقتصادي ضخم من الشركات المندمجة العائدة للولايات المتحدة والصين، للحزب الديمقراطي والكومسومول الصيني.
لقد أعلن شي جين بينغ، بعد أن وصل إلى السلطة وكان يعلم جيدًا أنه يتصرف في إطار مؤسسة موالية لأمريكا، عن إنشاء طريق الحرير الجديد. ويفترض أن يحرر هذا المشروع السفينة الاقتصادية الصينية من الاعتماد على الأسواق الأمريكية ويحولها إلى أسواق بديلة في أوراسيا وبالتالي يحرر الصين من النفوذ السياسي القوي للولايات المتحدة. ليس من قبيل المصادفة أن شي جين بينغ (كرئيس لجمهورية الصين الشعبية) أول زيارة دولة قام بها كانت زيارة موسكو بالذات.
إن مشروع طريق الحرير الجديد ليعبر في الواقع عن خروج الصين عن دعم الدولة للعلاقات الصينية الأمريكية. وقد بلغت ذروة التناقضات في هذه العلاقات نهاية عام 2018، عندما انخفضت التجارة الصينية الأمريكية بنسبة 15٪ دفعة واحدة. بعد ذلك، عمل الرئيس ترامب، من ناحية، وهو الرئيس الأميركي الانعزالي، والممثل للقوى السيادية المناهضة للعولمة، بهمة ونشاط، ومن ناحية أخرى، ساعده شي جين بينغ، فدمرا معًا التحالف الاقتصادي بين البلدين. وفي الوقت نفسه، عزز رئيس الدولة الصينية العلاقات مع روسيا.
الآن يقول الأشخاص الذين لا يعرفون السياسة الداخلية للصين أن بايدن مزمع على التحالف مع شي جين بينغ. واتفق بعض منظري المؤامرة على أن شي جين بينغ هو من قام بترتيب وباء كوفيد وعملية الإغلاق (لوكداون) لإزاحة ترامب من السلطة وإحلال بايدن محله. وكأنه، في الواقع، أطلق النار على نفسه، وأسقط الاقتصاد الصيني، حتى يصبح بايدن رئيسًا للولايات المتحدة؟ إنه أمر سخيف، لكن لسوء الحظ، هناك أشخاص مثل ديريباسكا (أوليغارشي روسي – م.ي.) بين هؤلاء المعلقين. لكنه ليس عالمًا بشؤون الصين والصينيين، هو فقط رجل تعاون مع شركة شينهوا لتعدين الفحم، التي تم القبض على أعضاء مجلس إدارتها في عهد شي جين بينغ.
في الواقع، لم يكن لـ شي جين بينغ أي علاقة بالإغلاق وبالمشاكل التي نشأت بجريرة خصومه السياسيين. وكانت نتيجة عمليات الإغلاق هذه أن أزال تمامًا من السلطة قيادة مقاطعة هوبي ومدينة ووهان والعديد من أولئك الذين ارتبطوا بهذه المقاطعة وبالكومسومول. وإن المزاعم حول وجود علاقات وثيقة بين بايدن وشي جين بينغ يدحضها الواقع نفسها. بادئ ذي بدء، كان شي جين بينغ آخر قادة العالم الذين هنأوا بايدن على توليه رئاسة الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تقول وسائل الإعلام الصينية، إن مبادرة الاتصال الهاتفي جاءت من بايدن، وقد جرت هذه المحادثة عشية رأس السنة الصينية الجديدة، أي بعد شهر ونصف من اعتراف المجتمع الدولي بأسره بتنصيب بايدن على أساس فوزه في الانتخابات. ولا يمكن القول إن بايدن هو من أنصار شي جين بينغ، حين وصف بالبلطجي قاطع الرقاب، واتهمه بالإبادة الجماعية للأويغور، وبمشاكل هونج كونج وباتكاب غيرها من الخطايا.
فمن هو نصير الأمريكي بين الصينيين إذن؟ من السهل الإجابة على هذا السؤال إذا كنت تعرف ما يقرب من 100 عام من تاريخ العلاقة بين الحزب الديمقراطي الأمريكي ومنظمة الكومسومول الصيني. فبمجرد أن بدأت إدارة ترامب في تسليم السلطة إلى بايدن، تم استبدال وزير التجارة الصيني. فحل زونج شان الموالي لروسيا محل بانغ وينتاو الذي ترأس ذات مرة لجنة الكومسومول في جامعة شنغهاي للفضاء الكوني. وكان قد صعد السلم الوظيفي، ووصل إلى منصب حاكم مقاطعة هيلونغجيانغ، حيث أهار تمامًا التجارة الروسية الصينية وتسبب في الاختناقات المرورية "الكوفيدية". وبمجرد أن أصبح وزير التجارة، زادت مشتريات الولايات المتحدة من البضائع الصينية بنسبة 90٪. وهذا دليل مباشر على أن الكومسومول الصيني يتعاون مع الحزب الديمقراطي الأمريكي على الصعيد الاقتصادي.
أما شي جين بينغ فهو ليس فقط لا يتعاون مع إدارة بايدن، بل يتعرض أيضًا لضغوط شديدة من قبل هذه الإدارة. بهذا بالذات ترتبط التصريحات حول "الثورة الملونة". ويمكننا أن نقول إن الصين لم تكن أبدًا بهذا القرب من الانهيار السياسي، بل لم تكن شخصية شي جين بينغ بهذا المدى من التعرض للخطر كما هو الآن. لذلك، في ضوء التفاقمات القادمة، كان من الضروري أن يحشد إلى جانبه دعم روسيا.
بالعودة إلى شبه جزيرة القرم، نلاحظ أنه بعد زيارة رجال الأعمال الصينيين، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانًا مفاده أنه لا ينبغي تسييس هذه الزيارة. وكان السياسيون الأوكرانيون سعداء، لأن الصين أصبحت في نهاية عام 2020 المشتري الرئيسي للمنتجات الأوكرانية: تجارة أوكرانيا مع الصين أكبر حجماً بثلاث مرات من التجارة مع روسيا، وهي تعادل تقريبًا التجارة مع الاتحاد الأوروبي. وأوكرانيا تريد أن ترى في هذا البيان الصادر عن وزارة الخارجية أنها كانت مجرد زيارة لرجال الأعمال. لكن أولئك الذين كانوا يراقبون عمل وزارة خارجية جمهورية الصين الشعبية لفترة طويلة توصلوا إلى نتيجة مختلفة لأنفسهم: ما دامت قد أعلنت وزارة الخارجية ذلك، فهذا يعني أنها أكدت أن مثل هذه الزيارة قد تمت فعلا، وأنه تم الاتفاق عليها، و "لا نرى أي خطأ في ذلك ". علاوة على ذلك، تقترح وزارة الخارجية الصينية عدم إثارة ضجة حول زيارة رجال الأعمال الصينيين لشبه جزيرة القرم، وليس لتسييسها، وبعبارة أخرى، تحث على عدم القلق بشأن ذلك، لأن الصين ستواصل إجراءاتها تجاه الاعتراف المحتمل بشبه جزيرة القرم كأرض روسية. وعليه، فإن بيان الخارجية الصينية لا يدحض، بل يقوي موقف الصين في هذا الاتجاه.
من المحتمل جدًا أن يكون الاعتراف بشبه جزيرة القرم ضروريًا للصين، ليس فقط لتعزيز التحالف مع روسيا، ولكنه أيضًا يتعلق بالوضع الحاد للغاية حول تايوان. ففي الآونة الأخيرة، أعلن وزير النقل، لي شياو بنغ، أن الصين ستبني نفقًا يوصل إلى تايوان بحلول عام 2035. ماذا يعني هذا؟ أن الصين خططت لضم تايوان بحلول عام 2035، بما أن السلطات التايوانية لن توافق أبدًا لا على نفق ولا على جسر ولا على أي نوع آخر من طرق المواصلات. ولن يصبح النفق الأطول في العالم (أكثر من 130 كيلومترًا) حقيقة واقعة إلا إذا جعلت الصين تايوان جزءًا من أراضيها.
بالتزامن مع بيان لي شياو بنغ، أدلى ببيان قائد القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، الذي أعلن في جلسات مجلس الشيوخ عن غزو صيني محتمل لتايوان في غضون السنوات الست المقبلة. من الناحية الفنية، الصين مستعدة لذلك. لذلك، تمت زيارة رجال الأعمال الصينيين إلى شبه جزيرة القرم: لا تريد الصين فقط دعوة روسيا إلى تحالف عسكري، وعلى قدم المساواة، ولكنها أيضًا تريد مبادلة الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من الأراضي الروسية بالاعتراف بشبه جزيرة تايوان كجزء من الأراضي الصينية.
تدرك تايوان ذلك وهي تبذل جهودًا جبارة لتحقيق الاعتراف بها سياسيا من قبل أكبر عدد ممكن من الدول. على سبيل المثال، وصلت تايوان الآن إلى المستوى الرسمي في التفاوض مع ليتوانيا، التي ستفتح مكتبًا تايوانيًا لديها.
من الواضح أن العملية المحتملة لـ شي جين بينغ في تايوان سوف تكون مقابَلة بعقوبات واسعة النطاق من قبل الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي بأسره، وبحرب هجينة بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة، لأن عقيدة الحزب الديمقراطي تنطوي على تخفيض. إنفاقها العسكري وزيادة دعم الحلفاء: اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان نفسها وغيرها. ... وهذا هو سبب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية بلينكين ووزير الدفاع الأمريكي أوستن إلى اليابان وكوريا الجنوبية، والتي تمت في منتصف شهر مارس من هذا العام. وقد ترافق إنشاء التحالف المناهض للصين مع ضغوط قوية على الصين نفسها. وتهدف العقوبات الشخصية ضد الأفراد والمنظمات الصينية التي فرضها الاتحاد الأوروبي في 22 مارس 2021، بسبب ما يسمى انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي، إلى مزيد من الانقسام في النخبة الصينية وإجبار جزء منها على العمل ضد القائد الأعلى شي جين بينغ.
وحتى لو أرادت الولايات المتحدة بطريقة ما تحسين العلاقات مع الصين، فإنها لن تنجح. وتعد المحادثات الفاشلة بين الولايات المتحدة والصين في أنكوريج دليلاً على أن إدارة بايدن الشعبوية مرتهنة لإرادة الناخبين الأمريكيين المعبئين بدعاية مناهضة للصين في أعقاب انتشار فيروس كورونا. فهناك 70٪ من الأمريكيين العاديين يعارضون أي تفاعل مع الصين، مما يعني أن الخط المناهض للصين في إدارة بايدن سيستمر. وسيتلقى شي جين بينغ عقوبات جديدة، وسيزداد الضغط على الصين على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي، وسيصبح سيناريو "الثورة الملونة" أكثر احتمالا، وهو الذي سيدعمه اللاعبون في المجال السياسي الصيني المرتبطون بالمعارضة الكومسومولية الموالية لأمريكا.
في ظل هذه الظروف، يمتلك شي جين بينغ ورقة رابحة واحدة كبيرة هي ضم تايوان. ومن هنا جاءت التصريحات الشديدة اللهجة، غير المعتادة لدى الجانب الصيني، والرغبة في إشراك روسيا في تحالف عسكري في أسرع وقت ممكن. وإن الإصلاحات المحتملة التي ستطاول اللجنة الدائمة للبرلمان، والتي يمكن أن تُنقل صلاحيات تغيير نواب رئيس الوزراء إليها، لتنبئ أيضًا بمرحلة حادة من المواجهة السياسية الداخلية في الصين. وهذا يعني أن شي جين بينغ قد يغير قريبًا قوام جهاز الحكومة الكومسومولي الهوى.
قد يعترض بعضهم ويقول أن التحالف العسكري بين روسيا والصين قليل الاحتمال. على هذا يمكنني الإجابة بأنه في منتصف القرن التاسع عشر، عندما خيضت حروب الأفيون ضد الصين، وعندما حاولت إنجلترا وفرنسا تدمير إمبراطورية تشينغ، ومساعدة انتفاضة تايبينغ، كان دعم روسيا - عسكريًا وعلميًا وتقنيًا، تنظيمياً ومادياً – هو ما أنقذ أسرة تشينغ من الدمار، وأنقذ الصين من تقسيمها نهائياً على يد القوات الأنجلو-فرنسية. وقد دفعت الصين ثمناً باهظاً مقابل هذا الدعم، حيث اعترفت لروسيا بأراضي ما يعرف الآن بإقليم بريمورسكي كراي وإقليم خاباروفسكي كراي وأراض أخرى. لقد كان ذاك انتصارًا رائعًا للدبلوماسية الروسية، وتحديداً للكونت نيكولاي بافلوفيتش إيغناتييف، المبعوث الروسي إلى بكين.
الآن نحن على وشك اتخاذ مثل هذه القرارات مرة أخرى. فماذا يمكن أن تكون الصين مستعدة لتقديمه لروسيا مقابل دعم روسيا لشي جين بينغ؟ إنه رجل موال لروسيا، وهو لأمر مهم للغاية أن كان والده مخلصًا لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. فإذا حدث اتحاد وتحالف الدولتين، أمكن لروسيا أن تحصل على تفضيلات كبيرة جدًا. لقد بدأنا بالفعل في صد الغاز والنفط الأمريكيين، والأخشاب الكندية، وفي المستقبل سنكون قادرين على إخراج كل من صناعة الأغذية الغربية والصادرات الزراعية الغربية من الصين. وبمرور الوقت، ستبدأ روسيا، كما في عهد الاتحاد السوفيتي، في طرد نظرائها الغربيين من قطاع الخدمات والسينما والرسوم المتحركة (وهذا سوق ضخم)، ومن مجال منتجات التكنولوجيا الفائقة الرقيّ، على سبيل المثال في مجال الكيمياء والمواد الجديدة والبناء والتكنولوجيا الحيوية. لكن، بالطبع، نحن مرتبكون من احتمال أن يكون مثل هذا التحالف غير متكافئ. وما هو مدعاة للأسف أن الدراسات الشرقية الحديثة لا تقدم المعلومات اللازمة للإجابة على سؤال كيف نكون أصدقاء مع الصين دون أن نصبح مثابة أخيها الأصغر. في كتابي الجديد، اقترحت مفهوم "إعادة التدوير البيئي للنفوذ الصيني" الذي سيسمح بالعمل مع الصين دون أن نقع في تبعية لها.
--------------------
* نيكولاي فافيلوف (1985) ، عالم سينولوجي (متخصص في الشؤون الصينية)، خريج كلية الاستشراق في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية (2003-2008). درس وعمل مدة عشر سنوات في مناطق مختلفة من الصين.