بين تغريب القضية العراقية وتعريبها الحل في استراتيجية ثورة الشباب


حسن خليل غريب
2021 / 4 / 1 - 22:17     

من أهم الثغرات التي تواجه انتفاضات (ربيع الشباب العربي)، هو أن القوى المتكالبة للاستيلاء على الثروات العربية، وتقاسمها حصصاً، جعلوا الحراك الشعبي في كل قطر عربي منفصلاً عن الآخر، وملهوَّا بلعق جراحه. والمقصود منه أن يضعفوا الحراكات كلها من أجل حرف مساراتها، ومنع التواصل فيما بينها وتجريدها من قوة الزخم الوحدوي الذي يوفره التنسيق فيما بين أطرافها.
ولكن على الرغم من كل تلك العوائق، فقد برزت على السطح في مرحلة (ثورة ربيع الشباب العربي)، أكثر من ظاهرة تؤكد أن ما تمَّ التخطيط له من مشاريع تآمرية، قد تجاوزته ثورة الشباب العربي، حصل البعض منها بشكل ظاهر، وبعضها الآخر بشكل غير مباشر.
ولكي تصبح صورة واقع الثورة الحالية واضحة، فإننا سنقوم بتجزئة أهدافها إلى ما يلي:
-هدف الإصلاح المطلبي.
-هدف التحرر من الاحتلال.
-هدف يجمع المطلبي مع التحرري.
ولأن ثورة الشباب في العراق تجمع ما بين الهدفين، سنقوم بدراستها بشكل خاص، وسنبيِّن في فقراتها عوامل التلاقي بين الانتفاضات والثورات القائمة حالياً على مستوى الأقطار الأخرى.
إن قضية العراق قضية مركَّبة، فهي قضية تحررية من الاحتلال الأجنبي من جهة، والإصلاح المطلبي من جهة أخرى. ولذلك، وباستثناء القضية الفلسطينية التي يميزها عامل استعادة الأرض، نرى بأن أهداف الإصلاح المطلبي تشكل العامل المشترك الأبرز بين حراكات الأقطار العربية في العراق وسورية ولبنان الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان. وهذا دليل على أن وحدة المعاناة، في ظل غياب العدالة الاجتماعية، وانتشار القمع الديكتاتوري، تؤكد وحدة المصير في المجتمع العربي. وهذا تكتمل حلوله بإسقاط مناهج الأنظمة الرسمية التي منعت تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية. واستخدمت القمع في مواجهة المطالبة بالحريات السياسية.
إن العدالة الاجتماعية تعني المساواة بالعيش الكريم، والمساواة بالحقوق السياسية. ولذلك فإن وحدة المعاناة ووحدة المصير تقتضي وحدة النضال فيما بين الحراكات الشعبية العربية. وهي تصبح أشد تأثيراً وفعالية كلما اكتسبت بعدها القومي العربي.
بين تغريب القضية العراقية وتعريبها في منهج الأنظمة الرسمية تنتج أصفاراً
إن عامل تغريب القضية العراقية، أي وضع تقرير مستقبلها بيد القوى الأجنبية، دولية وإقليمية، هو المشهد المؤلم في هذه القضية. وإن تغريبها يتم بواسطة تحالف وثيق بين الدول المحتلة، أميركا وإيران، من جهة. وبين مجموعات عراقية، أو أعطيت الهوية العراقية، تم تدريبها على أيدي أجهزة المخابرات فيهما، وتجمعها صفات اللاوطنية والفساد من جهة أخرى.
في ظل هذه الهيمنة كان العامل القومي العربي يشكل الغائب الأكبر عن طاولة ترسيم مستقبل الدولة العراقية. وإن حصل، فإنما كان يتم عبر البوابة الأميركية. وبوسائل شديدة القصور في فهم ما يجري في العراق. ولقد مرَّ العامل العربي بمرحلتين، وهما:
-مرحلة التدخل الخليجي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015، عندما واجه الخليجيون إدارة أوباما، وقد وصلت فيها حدة المواجهة إلى شفير القطيعة. ولكن حالت إدارة ترامب دون سقوطها في الهاوية، بإعلانه إلغاء الاتفاق، الذي لم تتم ترجمته إلى واقع ملموس. وراوح الإعلان مكانه طوال فترة حكم تلك الإدارة. ومرَّت الخديعة الأميركية عندما صدَّق الخليجيون وعود ترامب، وفيها أعلنت المملكة العربية السعودية عن هيئة التنسيق السعودية- العراقية بمبادرة لتعريب القضية العراقية، وفكاكها من الأسر الإيراني. ولكن تلك المبادرة أنتجت صفراً من تحقيق أهدافها لأن وسائلها كانت خاطئة، فهي قد شرعنت وكلاء العملية السياسية واعترفت بهم، هؤلاء الوكلاء ليسوا أكثر من مندوبين للنظام الإيراني في حكم العراق، وهم قادة للفساد والفوضى الأمنية. وتناسى الخليجيون أنه لا يمكن علاج الداء بمن كان سبباً للداء.
-مرحلة التدخل العربي في ظل إدارة بايدن، وكان من أهم مظاهرها حركة النظام المصري والأردني في شهر آذار من العام 2021. وتقديرنا أن هذا التدخل ستكون نتائجه صفرا أيضاً، لأنه يجري على قاعدة التنافس الأميركي – الإيراني في كسب أوراق قوة من داخل تركيبة العملية السياسية، وجاء بعض أطراف النظام العربي الرسمي ليعززوا أوراق القوة الأميركية في لعبة شد الحبال مع النظام الإيراني.
إن عامل التدخل العربي، أي الدخول إلى تعريب القضية العربية، هو مطلب مبدئي ملح. ولكن الثغرة القاتلة فيه هو أن تكون بوابة التعريب أميركية أولاً، ووسيلتها التنسيق مع عملية سياسية محكومة بتأثيرات إيرانية وأميركية ثانياً. فالتعريب بمثل هذه الحالة لن تعطي نتائج بأكثر من أنها تصب في مصلحة أحد طرفين يتنافسان على سرقة العراق.

مطبات وعراقيل في المحاولات الرسمبة لتعريب القضية العراقية:
ليست الأهمية في حركة النظام العربي الرسمي في وسائلها الراهنة، بل تكون الأهمية في منهج جديد منطلق من حرية إرادة هذا النظام وآلياته ووسائله. أي لا فائدة قومية لحركة نظام رسمي يساعد الاحتلال الأميركي على تحسين شروطه في مواجهة النظام الإيراني، أي لنقل القضية العراقية من الدلف الإيراني إلى المزراب الأميركي. بل الأهمية في أي حراك أن تصب نتائجه في المصلحة القومية العربية، وتحديداً في حماية الأمن القومي العربي بأدوات وقوة ووسائل عربية.
وللبرهان على قصور حركة الأنظمة الرسمية الخليجية أو غيرها في صياغة حل سليم، سواء تلك التي حصلت في عهد إدارة ترامب، أم تلك التي ستحصل في عهد إدارة بايدن، علينا أن نقوم بتوصيف واقع العملية السياسية التي يعتبرها النظام العربي الرسمي بوابته الإلزامية في تعريب القضية العراقية.
هناك بوابتان خاطئتان للدخول منها من أجل تعريب القضية العراقية.
-البوابة الأولى: نتائج الدخول من البوابة الأميركية وحسب شروط الإدارة الأميركية، سوف تصب في خدمة المشروع الأميركي.
-البوابة الثانية: الدخول من بوابة العملية السياسية في العراق. إن خطأ الدخول منها ناتج عن وجود عاملين يتحكمان بقرار تلك العملية، وهما: الأداة الأمنية التي تحرس تلك العملية من جهة، والأداة الإدارية التي توجَّه دفة الحكم في العراق من جهة ثانية.
وإذا كانت الأميريالية الأميركية لا تنظر إلى أية قضية إلاَّ من خلال مصالحها، فإن العملية السياسية في العراق، أصبحت أداة ممسوكة بشكل شبه كامل لتخدم المصالح الإيرانية. فهي تستند إلى أيديولوجيا مشبعة بالعقائد المتخلفة لنظام ولاية الفقيه. إذ سخَّر النظام كل الأجهزة الأمنية على عقيدة الندب والنواح على حساب أية عقيدة وطنية من جهة؛ ومن جهة أخرى، سخَّر كل إدارات الدولة لمصلحة سرقة ثروات العراق وتسليم الجزء الأكبر منها لخزائن الولي الفقيه في إيران، والقسم الأقل لمصلحة رؤوساء الميليشيات المسلَّحة التي تم تدريبها على مناهج الحرس الثوري الإيراني.
ولأن الحال على هذا المنوال، يصبح من الصعوبة بمكان أن تكون محاولات الأنظمة العربية الرسمية لتعريب القضية العراقية مفيداً وناجعاً لإعادة العراق إلى حضنه القومي. وإذا كان لا بُدَّ من حركة عملية تُبذل. وانطلاقاً من حسن النية الواقعية، وإذا كانت البوابتان المذكورتان أعلاه بوابتين إلزاميتين، فعلى الأقل أن لا تبقى أسيرة لهما، بل العمل من أجل توجيه أية نتائج جزئية باتجاه استثمارها لتصب في سلال المصلحة القومية.

بين تغريب القضية العراقية وتعريبها: الحل في استراتيجية ثورة الشباب:
وإذا كانت محاولات الأنظمة الرسمية لتعريب القضية العراقية بشكل سليم مشكوكاً فيه؛ فإن المحاولات الشعبية العراقية الثورية تؤكد أن المحاولات الرسمية لا تشكل نهاية لمطاف الحلول. وأما السبب فهو كما أن مواجهة المقاومة العسكرية للاحنلال الأميركي أنتجت انسحاباً مذلاَّ لقوات الغزو الأميركي، فإن مواجهة سلمية كالتي يقوم بها شباب العراق وشاباته، سوف تشكل البديل الثوري لكل مشاريع التغريب التآمرية، ولكل مشاريع التعريب الشكلية.
عن ذلك، ومن خلال قراءة هادئة لمسارات تلك الثورة وأهدافها ووسائلها، نخلص إلى المعادلات التالية:
-إذا كانت الثورة قد رفعت شعار (إيران برا برا، بغداد تبقى حرة)، إلاَّ أنها لا تراهن على الحركة الأميركية بأكثر من أنها تشكل غطاءً مساعداً لمشروعية مطالب الثورة. وهذا الأمر يستقطب مواقف إيجابية أخرى من دول غربية غير أميركا.
-إعطاء أهمية مرحلية للمحاولات التي تُبذَل من أجل إلغاء دور ميليشيات الحشد الشعبي، كونها تهدف إلى بتر الأذرع الأمنية القمعية ضد الثورة أولاً، وإلى تجفيف مواردها المالية ثانياً. وإذا نجحت تلك المحاولات سوف تؤدي إلى تسريح الآلاف منهم، بل عشرات الآلاف، وهو الأمر الذي يُضعف عملية التجنيد في صفوفها التي قد تصل إلى حد إلغائها. وهذا يعني إضعاف حواضنها الشعبية من جهة، ويجفِّف السرقات التي يقوم بها نظام ولاية الفقيه باستخدام نفوذ ميليشياته من جهة أخرى.
وإذا زال هذا العامل سيؤدي إلى حجب المساعدات الهزيلة التي يتلقاها المجندون في صفوف الحشد الشعبي مما سيؤدي بهم إلى البطالة والجوع، وهذا بدوره سيقودهم للانخراط في صفوف الثورة فتنفتح الأبواب أمام مزيد من الضغط الشعبي على العملية السياسية. والأكثر أهمية هو إضعاف الإمكانيات المالية للنظام الإيراني في مد يد العون إلى عملائها في أكثر من ساحة قطرية، خاصة تلك التي أعلن النظام أنها أصبحت تابعة لإمبراطورية الولي الفقيه.

البُعد القومي في ثورة الشباب في العراق ينعكس إيجاباً على الحراكات القطرية العربية:
وإذا كنا نعتبر أن سبب الإشكاليات والمتاعب الاستراتيجية، التي تشكو منها الأمة العربية، تعود إلى سببين رئيسين: الاستعمار والصهيونية من جهة، والجهل والتخلف الذي تلم بالنظام الرسمي العربي، إضافة إلى التخلف في بنية الثقافة الشعبية، من جهة أخرى. نعتبر أن ما تشكو منه معظم الساحات القطرية على امتداد مساحة الوطن العربي، من إشكاليات مرحلية، كان سببها تغلغل النفوذ الإيراني بشكل سريع ولافت في الوطن العربي. ذلك النفوذ الذي أدخل متاعب استراتيجية جديدة ألهت الجماهير العربية وحرفت أنظارها عن الصراع الاستراتيجي ضد الاستعمار والصهيونية كصراع قومي مركزي، وانشغل في مواجهة مع ذلك النظام، خاصة أنه لم يدخل ساحة قطرية إلاَّ وترافق دخوله مع انتشار الفوضى الأمنية والفقر المدقع. وبمراجعة سريعة للأقطار التي ضمها إلى إمبراطوريته، نستطيع إدراك الواقع المرير.
وإذا كنا نعلم أن موجات التأثير السلبي لهذا النظام قد دخلت من البوابة العراقية، فهذا يعني أنه لا يمكن القضاء على تلك الإشكاليات المنتشرة في أكثر من قطر عربي، سوى بإعادة إقفالها في وجهه. ولأن ثورة الشباب في العراق تعمل على إقفال تلك البوابة، فهذا يعني أن الساحات الأخرى التي تعاني من التأثيرات السلبية لهذا النظام سوف ترتاح بشكل كبير. ولعلَّ في الإشارة إلى هذه الحقيقة ما يؤكد أن مصير الحراكات العربية هو مصير واحد، أينما يصيب أحدها نجاحاً في ساحة قطرية ستنعكس إيجاباً لمصلحة الحراكات في الساحات القطرية الأخرى. ولعلَّ ما سوف تحصده ثورة الشباب في العراق في إخراج إيران من بلدهم، سينعكس ارتياحاً في الساحات العربية التي تعاني من خطورة التدخل الإيراني.

هل تستفيد أنظمة العرب الرسمية من أهداف ثورة الشباب في العراق؟
شاءت الأنظمة الرسمية العربية أم أبت، لا شكَّ بأن الأمن القومي العربي لن يستتب بغير إقفال البوابة الشرقية في وجه التدخل الإيراني. ولكي تضمن أمناً ثابتاً لا بُدَّ من أن تضمن وجود نظام بديل لـ(العملية السياسية) القائمة حالياً، يحكم العراق على أن تكون استراتيجيته حماية تلك البوابة.
ولأن ثورة الشباب تدرك أنه لايمكن تحقيق أهدافها، في التحرر من الاحتلال وإحلال نظام العدالة الاجتماعية، بغير اجتثاث أسباب الفلتان الأمني وانتشار الفساد بكل أشكاله وألوانه، وإسقاط العملية السياسية، وضمان وصول نظام يحمي العراق وحدوده. فإنها تدرك أيضاً، أن التغيير الثوري سيتحقق بتوفير شرطين أساسيين، وهما:
-الأول: إنشاء جيش عراقي يمتلك عقيدة وطنية بديلاً لجيش عقيدته اللطم والتطبير المنسوخة عن أكثر العقائد الدينية تخلفاً.
-الثاني: إلغاء نظام الطائفية السياسية، وانتخاب برلمان قائم على أسس الكفاءة والنزاهة، وحكومة من الاختصاصيين الوطنيين، لتحقيق الإصلاحات وتعميم مبادئ المواطنة والعدالة الاجتماعية.
وإن أي مدخل لتعريب القضية العراقية بغير الأسس التي أطلقتها ثورة الشباب في العراق، لا يمكن أن يكون تعريباً حقيقياً وثابتاً. فهل تستفيد الأنظمة العربية الرسمية من فرصة إشراكها في أي مؤتمر دولي سيعالج قضية (الاتفاق النووي الإيراني)؟