جنين في الذّاكرة


الطاهر المعز
2021 / 4 / 1 - 01:06     

ذكرى مجزرة:
جنين من 01 إلى 11 نيسان/ابريل 2002

نشأ الكيان الصهيوني، سنة 1948، من منطلقات عقائدية استعمارية وعنصرية، ويمارس القمع والإضطهاد ومصادرة الأرضي وطرد أهل البلاد من وطنهم لاستجلاب مُستعمِرِين، مُستوْطِنين من كافة أرجاء العالم...
احتل الكيان الصهيوني (المدعوم من كافة القوى الإمبريالية) الضفة الغربية لنهر الأردن، سنة 1967، حيث تقع مدينة "جنين"، إحدى أكبر مُدن الضّفة (شمال الضفة الغربية)، وهي من أقدم مُدُن العالم، أسّسها الكنعانيون، حوالي سنة 2450 قبل الميلاد، بحسب الشواهد الأَثَرِيّة، وبعد النّكبة، أنشأت بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (انروا)، سنة 1953، مُخيّما للاجئين من الأراضي التي احتلها الصهاينة خلال النّكبة، ومنذ عدوان الخامس من حزيران/يونيو 1967، واحتلال الضفة الغربية أصبحت مدينة نابلس وجنين ومخيمها بؤرة مقاومة لجيش الإحتلال الذي بدأ اجتياح الضفة الغربية، وحصار مدينة جنين، يوم الأول من نيسان/ابريل 2002، ورغم عدم توازن القوى تواصلت المقاومة بمشاركة سُكّان المخيم، فيما شكّلت المقاومة غرفة عمليات مشتركة، من الثاني وحتى الحادي عشر من شهر نيسان/ابريل 2002، وأسفرت عن تهديم المخيم واستشهاد 63 فلسطيني، وتمكّن العدو، الذي فقدَ 13 جنديًّا خلال المعارك، من اغتيال عدد من قيادات المقاومة المسلّحة، ضمن حملة شملت معظم مناطق الضفة الغربية، واستخدم جيش الإحتلال الطائرات والدّبابات، وحضر رئيس حكومة العدو ليشرف بنفسه على عمليات تدمير البنية التحتية والمباني، وقصف مُولّدات الكهرباء وشبكات المياه والإتصالات، في ظل نقص المواد الغذائية، لكن المُدافعين عن المخيم رفضوا الإستسلام، بدعم من سكّان المدينة وسكان المدن المجاورة، الذين تقاسموا معهم الغذاء والماء، وساهم الجميع في تصنيع العبوات...
‎رغم قرار مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث المجزرة، منعت سلطات الاحتلال لجنة تشكّلت بقرار من مجلس الأمن، للتحقيق في أحداث المجزرة، اللجنة من الوصول، وبذلك بقي القرار الدولي حبرًا على ورق، كما منع جيش الاحتلال إسعاف الجرحى ونقلهم إلى المُستشفيات، ومنع سيارات الإسعاف والفرق الطبية وطواقم الهلال الأحمر والصليب والأحمر، وكافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية، والصحافيين ووسائل الإعلام والصحفيين من دخول المخيم، ما زاد من عدد الضحايا الذي جُرِحُوا وكان يمكن إسعافهم وإنقاذ حياتهم، وأدّى حصار المخيم، ورفض السماح للطواقم الطبية والإنسانية دخول المخيم، لإجلاء الضحايا والشهداء إلى دفْن بعضهم تحت أنقاض المنازل التي هدم جيش العدو باستخدام الجرافات (من صنع الشركة الأمريكية "كاتلرز" أو كاتربيلار) 455 منها تدميرًا كاملا، ونحو 800 مسكن تدميرًا جُزْئِيًّا، وبعد هدم المنازل، أمر جنود الإحتلال السّكّان بالتجمع في الساحات واعتقلوا المئات من الشبان والرجال، وأصدرت محاكم العدو أحكامًا عديدة أحكامًا بالسّجن المُؤبّد، وشرّد جيش العدو النساء والأطفال والمسنين وأرغمهم على البقاء خارج المخيم لفترة فاقت سَنَتَيْن، واشترط العدو على مُمَوِّلي عملية إعادة البناء (الإتحاد الأوروبي واليابان...) إنشاء شوارع واسعة، لتتمكّن الدّبابات من العبور بيُسْرٍ...
كانت جنين ونابلس القديمة إحدى أهداف الإجتياح فأصبحت مسرحاً لأشرس المعارك، رغم عدم توازن القوى، حيث تمكنت مجموعات صغيرة من المقاتلين الفلسطينيين التّصدِّي للقوات الغازية، لفترة 13 يومًا، ولم يتمكّن جيش الاحتلال من دخول مخيم جنين رغم القصف والحصار والتجويع، وقطع الماء والكهرباء وشبكات الإتصال، وتسبّبَ قصف سيارة إسعاف باستشهاد مدير جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في جنين...
عرقلت المحاكم الصهيونية نَشْرَ وثائق مكتوبة ومُصوّرة ومسموعة عن اجتياح مخيم جنين.
صرّح الأديب الإسباني "خوسيه ساراماغو" (1922 – 2010)، الحائزان على جائزة نوبل في الأدب، بعد زيارته للمخيم: "كل ما كنت أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم.. ان ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. انها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني"...
صرّح الكاتب الأمريكي "راسل بانكس" (وُلد سنة 1940)، رئيس البرلمان العالمي للكتاب : "ان الساعات التي قضيتها في فلسطين حتى الآن حفرت في ذاكرتي مشاهد لن أنساها أبداً.. عندما اجتزنا الحاجز أحسست بأن الباب أغلق خلفي واني في سجن. إن جميع أعضاء الوفد متأكدون أنه سيتم اتهامهم بـ (اللاسامية) خصوصاً في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يخيفنا، يجب أن نرفض هذا النوع من (الإرهاب الثقافي) الذي يدعي أن توجيه الانتقادات للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هو نوع من معاداة السامية"
قال الكاتب الإسباني "خوان غويتسولو" (1931 – 2017): "كيف يفسر حق الدفاع عن النفس بأنه إرهاب، والإرهاب دفاع عن النفس!! إني أستطيع أن أعدد دولاً تمارس الإرهاب، وإسرائيل هي احدى هذه الدول. يجب أن نخرج أنفسنا من الكليشهات، وألا نساوي بين القاتل والضحية، بين القوة المحتلة والشعب الذي يرزح تحت الاحتلال ويقاومه. ونحن ممثلوا شعوبنا غير المنتخبين. وعلينا أن ننقل بأمانة ما تشاهده أعيننا، وتحسه قلوبنا".
أما الدبلوماسي النرويجي "تيري رود لارسن" (وُلد سنة 1947)، منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط فقد صرّح، مباشرة بعد المجزرة: "ان الوضع في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم، يبدو كما لو أنه (أي المخيم) تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثا من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد بأنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية..."
في الأثناء كان قادة أحزاب اليمين وأحزاب "الديمقراطية الإجتماعية" (التي تدّعي "الإشتراكية") في فرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها، تتظاهر في شوارع المدن الأوروبية، بدعوة من المنظمات الصهيونية، لدعم جيش العدو الصهيوني.