.تصعيد الدلالة عبر تصعيد مشاعر المتلقي في (جدائل شنكال) للشاعر مهند صلاح اقتراب نصي ..


طالب عمران المعموري
2021 / 3 / 31 - 23:44     

اضمامة شعرية تزينت بصورة للوحة فنية رمزية لمرأة وقد أغمضت عيناها في لحظة تأمل وكأنها تؤدي طقسا او صلاة ذهنية وعلى رأسها طيران متعانقان اشبه بالطواويس وقد انسدل ريش جناحيهما على جدائل تلك المرأة وقد يرمز هذا الطائر الى (طاووس ملك ) وهو من معتقدات ذلك الشعب العريق القديم قدم الحضارات وقد توجت لوحة الغلاف بعنونة ، قد أحسن الشاعر في اختيارها بما تحتويها من دلالات فنية وجمالية ذات دلالة سيميائية تحمل في طياتها قيما أخلاقية واجتماعية بعنوان (جدائل شنكال ) عتبة نصية اولى جاءت بلغة شعرية انزياحيه ( العنوان المزدوج 1 او ما يسمى ب(العنوان مركب) جدائل : ومفردها جديلة :ضفيرة الشعر، شنكال لفظ باللغة الايزيدية تعني سنجار، فبهذا أنسنه الشاعر المكان شنكال ، فكان العنوان متوافقا مع اللوحة التي ترمز الى شنكال فجعل لها جدائل فصارت المرأة ، الام ، الوطن ، التأريخ وبهذا صار العنوان مفتاحا مهما للنص الشعري والذي يساعد على كشف مدلولات النص
( الاستهلال) الجميل الذي جاء في الاهداء المتوج لنصوصه وللدور الذي يلعبه الاستهلال لكل نص إبداعي بما يضطلع به من وظائف تتعدد بتعدد أبعاد النص الشعري (المبدع/ النص / المتلقي)2 والذي يعد الإهداء العتبة الثانية بعد العنوان ومن المناصات المهمة للمجموعة ومفتاحا لها،
والذي تجلى في نصه :
الى الأيزيدين
وهم يخرجون من نافذة قلبي
ليعلنوا السلام...
استطاع الشاعر بهذا الاستهلال توظيف الجمالية في شعره توظيفا يشد انتباه القارئ ويجعله على توافق مع نصه الشعري الذي يبعد عنه الرتابة والملل، فما خرج من قلب الشاعر الا شعرا محكيا يحمل معه الوجع والالم لشعب عانى ما عانا من ويل وثبور من هول الهجمة الداعشية الهمجية
لم يقتصر استهلال الاهداء في مقدمة المجموعة فحسب وانما هنالك اهداءات تقدمت بعض نصوصه كأستهلال لها كما في نصه: استعارة الجثث كان الاهداء : الى صديقي (حجي صبري خديودو)/ الخيط المقدس كان الاهداء: الى اختي النقية (سناء برجس) / رجال الشمس: الى فوج (لالش) الابطال لواء الحسين/ جنون على مذبح الحلم : الى فاروق دين/ تراتيل الوجع : الى آخر أطفال الأيزيدين الأنقياء فارس زيد فارس / العودة من الجحيم : الى أختي العزيزة (حلا سفيل) / الولادة من خاصرة القلب : الى شجرة الحياة اختي العزيزة ( أمينة قاسم) / ملائكة بورك : الى ابن قلبي ( عامر عجاج الأيزيدخاني)
( ذاته الشاعريه ) التي اصبحت طاقة كامنة وملكة وجدانية واعني بالشاعرية ولم اقل شعرية لان الشاعرية تخص المبدع ولا تخص النص ولكن بتلك الملكة الراسخة انتجت لنا نصا شعريا فبهذا تكون الشعرية للنص3 والشاعرية للمبدع فكيف يهمش الناص وهو يملك كل ذلك الجمال الروحي والعطاء.
تضمنت مجموعته الشعرية اربعةٌ وعشرون عنواناً وبعنونة مختلفة المواضيع وهذا التنوع يستقطب المتلقي ويكون دافعا لفضول قراءة المجموعة، تفاوتت العنونة الداخلية للنصوص بين الرمزية والواقعية
فبعض هذه العنونة جاء بمفردات وجمل انشائية ، كما في:
الرسالة الاخيرة/ خمسون رأسا مقطوعة / الشعراء / أين حقي / فقراء / / قبر/ لذّة / نبوءة /
والبعض الآخر من العنونة جاء بلغة وبدلالة انزياحية وخروج عن المألوف بما يتضمنه من تشبيه واستعارة وبعض الخصائص الاسلوبية الانشائية كأسلوب الاستفهام او المفارقة اللفظية كما في:
شنكال بطعم الرؤيا / ظل الرحيل / استعارة الجثث / اعتقال الموتى / الخيط المقدس / رجال الشمس / جنون على مذبح الحلم / تراتيل الوجع / صورة الوجع / الولادة من خاصرة القلب / هل لاتزال سنجار بخير؟
استهل مجموعته الشعرية بعنوان (الايزيديون ) ، عنونة صريحة ومباشرة للنص بأسلوب سردي وبلغة شعرية يشكل لنا المعاني من خلال الصورة والاحساس العالي الصادق وكأنه نشأ وترعرع في شنكال و هذا مايدل على نبلهِ وانسانيتهِ ونقاءِ فطرتهِ :
الأيزيديّون
مواطنون
من الدرجة الخامسة ؛
وأطفالهم
مجرد احتراقات
يعدونها لحرب قادمة؛
حرب
لايكون
لأبناء الاغنياء فيها
سوى شرفة
يطلون منها
على كوميديا الشواء؛
الأغنياء
الذين يطبخوننا
على نار هادئة
ويبيعوننا لأقرب نزوة
بحجة الوطن؛
يعبر الشاعر في قصائده عن حالة الوجع والضيم ومأساة شعب عريق ، من سبي وقتل وتشريد من قبل عصبات داعش الاجرامية ، ذلك الوجد والحزن الذي يستشعر به من خلال وجوه الحزانى وانين الموجعين واستغاثتهم وصراخهم، أطفال ، ونساء وشيوخ وبائعي بالونات وحتى مجانينهم ، لم يفوته شيء عباداتهم ،طقوسهم ، تراتيلهم ، وهو يرسم لنا صورا شعرية بلغة تقطع نياط القلب ذلك التصعيد في خضم الدلالات التي تخرج من القلب الى القلب وأي متلق لا يؤثر به وقد استنطق الحجر ، وكأن الشاعر ولد ونشأ وترعرع في شنكال وهو عاشق لها حد الجنون كما يقول في نصه :
أحلُم
بقبر يتوسط كل هذا الخراب
وعلى كتفه
يزرعون الكثير من الورود
الحمراء
والبيضاء؛
ويكتبون على صدره
بانني
مت عشقا بشنكال..
فهو شنكالي بامتياز فذلك الالم كما يقال لا يشعر به الا صاحبه، فهم اخواننا في الانسانية وهم ملح الارض وشركائنا في الوطن، وما تعرضوا له ليس بالأمر الهين نرى ذلك جليا في نصه :
صورة الوجع 4
سأرسم عيدا طفلا ؛
لن يأبه بالأوطان العارية
ولن يحتاج للشهداء
كي يكونوا وقودا لمدافئ الفقراء
سأبتر ساق الكلمات
وأجعلها تحبو نحو القصائد
لتكون الامهات مبتسمات
سأزرع على شفاه القديسات
الكثير من بذور الحب
وأنجب من الصراخ
أطنان من الضحكات ؛
سأجمع جثث الراحلين
وأنفخ فيها من نور (لالش)
ليحتفلو معي
ولشهداء الوطن لهم نصيب في مجموعته الشعرية عرفانا بتضحياتهم وامتنانا لم اظهروه من شموخ واصرار الذين قدموا ارواحهم في ميادين الحق والواجب وساحات الفخر في مقاتلة الارهاب او في مقارعة الساسة الفاسدين كما في نصه :
الشهداء لا يسقطون
انهم ببساطة
يعقدون قداس رحيلهم
فتستطيل الحياة
لتكون على مقاس اوطانهم
الاوطان التي
تمضغ أحلامهم وتفتح صنوبر أوجاعهم
من رأس الحكاية
فتشرب الشعوب نخب ثورتهم؛
ويصنع الساسة من جثثهم
سروجا يمتطونها
ليكونوا ابطالا من ورق .
المجموعة زاخرة في المعاني والمجاز بما تفيض تجربته الشعرية على كم معرفي
أما على مستوى النصوص ففيها من الجمال والصور الشعرية مليئة بالإنزياحات اللغوية ومن استعارة ومجاز واضداد وأنسنه للأشياء والامكنة ومفارقات لفظية
اما النسق البنيوي الداخلي لنصوصه من حيث( لغة، الموضوع، الجمال) ، والتي تبدأ بالانزياحات والتشبيهات والاستعارة الذي يفسح المجال لخيال القارئ يرسم لنا الشاعر بلغة ابداعية نابعة من هواجس نفسية ترسم لنا صورة او صور متعددة أمام المتلقي والتي لم يأتي بها الناص بصورة اعتباطية وانما جاءت بفعل توليدي نتيجة تأثير السياقات الخارجية (النفسية والاجتماعية والتاريخية ) كما نصه :
سيقف الجبناء بشكل مستقيم
ويستفيق على أكفهم
عويل المناصب
وصراخ الأرصدة
وارتجاج الشهداء ؛
بينما يقطف الثائرون
كل خيباتهم الذابلة ,
ويكرسون ما تبقى من أحزانهم
لثورة لم تولد بعد.
اما بالنسبة الى اسلوبية الانزياح لدى الناص وهو اسلوب رفيع لان الانزياح قضية اساسية في تشكيل جماليات النص الادبي يخرج فيه المنشئ كلامه عن النمط المألوف والمعتاد والتنحي عن السائد والمتعارف عليه الى النمط الغير مألوف لغاية بلاغية ومشهدية درامية مأساوية والتي يسهم بنائها في تشعب الدلالات وانفتاحها
نراه جليا في نصوصه:
طفولة فنجان لازال يحتفظ بشفاهنا ذات عيد /سأبتر ساق الكلمات/ سأزرع على شفاه القديسات الكثير من بذور الحب / وانجب من الصراخ اطنانا من الضحكات/ سأفكر مشنوقا بدمعي/ توابيت المعنى/ أنوثة الأحلام/ قميص الامنيات /ثدي الموت/
رغيف البدايات/ رائحة ال(لماذا؟)/ رأس الأجوبة/ الواقفون ينزفون أحبتهم/ مريء الأبادات/... الخ
شاعر مفعم بالإحساس المرهف متمكن من أدواته وضع له بصمة خاصة، كشاعر تجديدي من خلال الايقاع الداخلي ، حيث صار الشعر همه وقضيته ،
تبينت لنا قدرته وامتلاكه الصنعه الشعرية والثقافية،
يقول الشاعر الكبير جبار الكواز (صناعة البصمة الخاصة لا تتشكل بالنوايا لوحدها، فهي صراع أزلي بين قول متداول وقول مبتكر، بين نسج لغوي تقليدي ونسج يصنع تثويرا لغويا قائما على الإحساس باللغة)
إن مجموعته في مجملها تجربة غنية بالسمات الجمالية برغم الالم والمأساة التي تعبر عن تجربة ابداعية، تأسر وتجذب المتلقي.. ، كان موفقاً بموهبته اللغوية الرصينة فصاغها بلغة راقية وموفّقة.
المصادر
1- العنوان في النص الشعري،دراسة وصفية تحليلية، رسالة ماجستير، حمدان محسن عواض الحارثي ، المملكة العربية السعودية ،جامعة ام القرى ،كلية اللغة العربية، 2007 ,
2- الاستهلال في شعر غازي القصيبي، رسالة ماجستير، البندري، معيض عبد الكريم ،جامعة ام القرى،2004
3- الشعرية في ديوان السياب، سعدون احمد ، رسالة ماجستير، الجزائر، جامعة محمد خيضر – بسكرة ،كلية الآداب واللغات ،قسم الادب العربي، 2010 .
4- مهند صلاح: جدائل شنكال ،صادرة عبر منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ط1،بغداد ،2020.