مقتبس وتعليق من كتاب التوحش لسمير علي الكندي

يصف كارل بوبر محاولات الوصول إلى دولة مثالية أو المجتمع الشيوعي كمن لديه قطعة قماش بيضاء وقد علق بها غبار الزمن ويريد تنظيفها . أفلاطون بأستثناء طبقة الحكام – الفلاسفة – الفئة النبيلة ، الذين هبطوا من السماء – كما يظن - ليحكموا . فإن كل الناس من تجاوز العاشرة من عمره يجب ابعاده عن الجمهورية أو بتعبير أدق التخلص منهم .
أما الأطفال فيجب فصلهم عن ذويهم والحاقهم بمدارس مغلقة لتربيتهم وتعليمهم أخلاق الجمهورية التي يظن أنها المثالية الحقة الرائعة والمحددة التي توصل إليها الحكام – الفلاسفة . ويتم في هذه المدارس تحديد طبقات الناس وامكانياتهم ليتم زجّهم في الأعمال التي لهم القدرة على إنجازها . وهذا التصور تم الأتيان به في الثورة الثقافية لماو في الشيوعية الصينية حيث تم أنشاء معسكرات أعادة التأهيل للصينيين الذين يعتقد انهم أعداء الثورة والحزب . ونجد هذه الطروحات في التجارب والأحزاب الراديكالية الأشتراكية في منطقتنا العربية . ونجده واضحا" في شعار كلا" حسب قدرته وكلا" حسب كفائته في الأدبيات الشيوعية التي يتم من خلالها تصنيف البشر . وأيضا" نجده بوضوح عالي في الأدبيات الدينية والتي تدعو إلى فكر محدد يجب تبنيه ودحض كل الأفكار الأخرى ورفض كل مجالات التطور أو التغيير .
في الجانب الأخر ماركس يعتبر أن كل الفئات الأخرى بأستثناء العمال هم اما برجوازية طفيلية أو عمالة رثة ليس لهم مكان في المجتمع الشيوعي وهو الذي حدا بلينين إلى الدعوة لتطهير المجتمع منهم لبلوغ الشيوعية فكان ستالين هو الأداة الحادة القاطعة لتطهير ليس الرجال فقط وإنما حتى النساء . حتى لو لم تكن لديهن أعضاء زائدة ! .
أكيد هناك الكثير من الدوغمائيين الذين سيرفضون هذا الطرح على اعتبار أن ماركس دعا إلى ديالكتيك طبيعي يقود إلى المشاعية وعالم أفضل حيث وفق المادية التاريخية تم الانتقال من مرحلة إلى أخرى أفضل . ولكن الأسئلة الأساسية الذي برزت في كل التجارب الأشتراكية أو الشيوعية وقبلها الدول الدينية . من الذي يضمن أن عمليات غسل قطعة قماش بوبر ستقود بالنتيجة إلى تنظيفها مما علق بها . ومن الذي يضمن أن هناك من يتمكن من رسم لوحة جميلة عليها بدل المتسخة . ومن يحدد أن اللوحة التي رسمها البشر والتأريخ والزمن وعقود من التطور أصلا" متسخة . هذه اللوحة التي تم رسمها خلال ملايين السنين وضمن ظروف هائلة وقوانين طبيعية . وكم هي الفئات التي علينا أن نتخلص منها ومن الذي يحدد هذه الفئات وهل تشمل طبقة القادة أو أعضاء الحزب أنفسهم الذين قد يكونوا جزء من الاوساخ التي علقت بقطعة القماش .
سمير علي الكندي
من كتاب عالم متوحش ج٢
قيد الانجاز