فلسطين للتحرير وليست للتقسيم


الطاهر المعز
2021 / 3 / 30 - 20:44     

يوم الأرض 30 آذار/مارس 1976 – 2021

تحل الذكرى السنوية ليوم الأرض، هذا العام ( 2021 ) بالتزامن مع موجة "تطبيع" وانبطاح جماعي لصهاينة العرب، من الخليج إلى المُحيط، ومع الذّكرى السادسة لتكثيف العدوان السعودي-الإماراتي على شعب اليمن (26 آذار/مارس 2015 – 2021 )، بعد أيام قليلة من انتخابات نواب الكيان الصهيوني، بمشاركة بعض القوى السياسية "العربية"، ومنها "الإخوان المسلمون" الذين يدعمون الإحتلال بلا لف أو دَوَران، فزعماء هذه الأحزاب لا يُطلقون على أنفسهم صفة "فلسطيني"، وإنما صفة "عربي"، ولا يعتبرون أنفسهم أصحاب هذه الأرض وهذا الوطن وهذه البلاد، وإنما مُجرّد أقلِّية تطالب ببعض الحقوق الثقافية، وتشحذ بعض الحقوق والحريات الفردية من الصهاينة الذين احتلّوا وطنها، وشردُوا ثُلُثَيْ شعبها، ويُطالب "الراديكاليون" منهم ب"المُساواة" بين المُسْتَعْمِرِ والواقع تحت الإستعمار...
في الثلاثين من آذار/مارس 1976، قتل جيش الاحتلال الصهيوني ستة فلسطينيين من الداخل، أي أولئك الذين استطاعوا البقاء عام 1948 بعد التأسيس القسري لدولة إسرائيل، وهم خير ياسين من "عرابة"، ورجا أبو ريّة، وخضر خلايلة وخدجيجة شواهنة، وثلاثتهم من "سخنين"، ورأفت الزهيري من "نور شمس"، وحسن طه من "كفر كنّا"، وألقت قوات الإحتلال القبض على أكثر من 300 آخرين وجرحت حوالي مائة، ممن تظاهروا ضد مُصادرة حوالي 21 ألف دونم، من إجمالي ستّين ألف دونم قَرّر الإحتلال مُصادرتها من أصحابها وضَمَّها للمُستعمرات الإستيطانية ( الدّونم يُعادل ألف متر مربع)، وهي أراضي سُكّان القرى الفلسطينية، التي حوّلها الإحتلال إلى "منطقة عسكرية"، مع حَظْر التّجوال، بداية من الساعة الخامسة مساءًا، يوم التاسع والعشرين من آذار/مارس 1976، في قرى سخنين وعرابة ودير حنا وطرعان وطمرة وكابول، ورَفَضَ الفلسطينيون تطبيق هذا القرار الذي يهدف حَظْر احتجاجهم على سلْب ما تَبَقّى من أراضيهم، وتظاهروا بدعوة من "لجنة الدّفاع عن الأراضي" التي أعلنت الإضراب العام...
بدأت المواجهات منذ يوم التاسع والعشرين من آذار/مارس 1976، مع قوات الاحتلال التي اقتحمت قرى سخنين وعرّابة ودير حنا وكفر كنا في الجليل، ثم اتسعت رقعة المواجهات إلى مناطق أخرى، وإثر استشهاد الفلسطينيين الستة، وإصابة واعتقال المئات، تراجعت الحكومة التي كان يرأسها الجنرال إسحاق رابين (الحائز ظُلْمًا على جائزة نوبل للسلام) مؤقّتًا عن قرار المصادرة، الذي صدر يوم 13 شباط/فبراير 1976، وكان مصحوبًا بمنع الفلاحيين من الدخول إليها، سوى بترخيص لا تتجاوز مُدّته ثلاثة أشهر...
منذ ذلك الحين، يُحيي الشعب الفلسطيني، يوم الثلاثين من آذار/مارس من كل عام، "يوم الأرض" في جميع أنحاء العالم، ورفع العلم الفلسطيني، حيثما يوجد المدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني.
تُمثّل عملية مُصادرة الأراضي جزءًا من مشروع إقامة مستعمرات جديدة وتهويد منطقة "الجليل" آنذاك، كحلقة من سلسلة برامج "التّهويد"، ومصادرة الأراضي الصالحة للبناء، وهدم البيوت القائمة وتشريد أصحابها، ومصادرة الأراضي الصّالحة للزراعة، في محاولة لتجويع أبناء الشعب الفلسطيني وإجبارهم على مغادرة وطنهم، ويتساوى في الْهَمّ، من فُرِضَت عليهم الجنسية "الإسرائلية"مع فلسطينيِّي الأراضي المحتلة سنة 1967، حيث تمثل مصادرة الأراضي وهدم البيوت، ورفض التّرخيص بالبناء والتّرميم قاسمًا مُشتركًا، وتهديدًا وُجُودِيًّا للفلسطينيين في وطنهم، بهدف إزاحتهم منه، بعد طَرْد الأغلبية.
خلال نكبة 1948 طرد الكيان الصهيوني بالقوّة حوالي 850 ألف فلسطيني ودمّر 531 قرية، وتمت مصادرة معظم الأراضي الفلسطينية، وأقرّ الإحتلال قانونًا يُبيح له سرقة ما سُمِّيَ "أراضي وأملاك الغائبين"، أي من وقع طَرْدُهُم ومَنْعُهُم من العودة إلى أراضيهم ومنازلهم ووطنهم، وتعرض الفلسطينيون الذين بقوا في وطنهم لحظر تجول استمر عشرين عاما، بالتوازي مع استمرار وتكثيف سياسة مصادرة الأراضي لاستعمار كل فلسطين، واغتيال المُقاومين واعتقال آخرين، لتستمر سياسة التّوسّع الإستعماري الإستيطاني، من الجليل شمالاً إلى النّقب جنوبا، وإلى غور الأردن ومنطقة الجولان السّورية...
حوّلت الأحزاب "العربية"، أي أحزاب الفلسطينيين الواقعين تحت الإحتلال، يوم الأرض إلى مناسبة روتينية للخطابة، وأهمَلت مسألة الأرض ومَرْكَزِيّتها في القضية الفلسطينية، ويُشارك معظمها في انتخابات "الكنيست"(البرلمان الصهيوني)، باستثناء بعض المجموعات (حركة أبناء البلد أو كفاح...) التي تدعو إلى المقاطعة من منطلقات سياسية، وَطَنِيّة، أي أن الشعب الواقع تحت الإحتلال لن يتحرّر ولن يُحرّرَ وطنه بالمشاركة في المؤسسات التي أنشأها الإحتلال لتأبيد وُجُوده على أرض ووطن الغَيْر...
أصبح "يوم الأرض" يومًا وطنيا فلسطينيا، لأنه كان منطلقا لوحدة الفلسطينيين في الدّاخل (الأراضي المُحتلّة سنة 1948)، ووحدة الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده، في الدّاخل وفي مناطق اللُّجُوء، فيما تقمع قوات الاحتلال كل أشكال الاحتفال بذكرى يوم الأرض في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الغربية والقدس وكل مكان يقع تحت سيطرتها، بالتّوازي مع سياسة مصادرة الأراضي وطرد أهلها منها.
تمثل ذكرى يوم الأرض فرصة لتعبير الفلسطينيّين عن تمسّكهم بأرضهم وهويتهم الوطنيّة، وفرصة للشعوب الأخرى للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفرصة للتذكير بجوهر القضية، ألا وهي الأرض، وتعني الأرض وطنًا للفلسطيني، أما المُستعمِر المُسْتَوْطِن فيعتبر الأرض مُجرّد مكان، وتُمثِّلُ الذكرى فرصة للتذكير بحق عودة اللاجئين إلى وطنهم، كأحد أُسُس القضية الفلسطينية، بواجب الشعب الفلسطيني ممارسة المقاومة، لأنه يتعرّض للإبادة، فالعدو يُدْرِكُ ويُكرّر أن المسألة مسألة وُجُود وليست مسألة حُدُود، ولذا فلا خيار للشعب الفلسطيني غير المقاومة، ليس بهدف تقاسم فلسطين، بل لإنهاء الإحتلال وتحرير كل فلسطين...