الناسخ والمنسوخ.: ( قبل ان توجهوا شتائمكم نحوي وجهوها الى اللذين لعبوا بقرآننا )


نضال الصالح
2021 / 3 / 30 - 14:01     

لقد قسم علماء القرآن الناسخ والمنسوخ إلى ثلاثة أنماط: (حسب المصادر التالية )

(1- الإمام أبو القاسم هبة الله، الناسخ والمنسوخ على هامش كتاب أسباب النزول للنيسبوري، بيروت، دار المعرفة، ص: 10 ، 2- الزركشي في البرهان، دار المعرفة بيروت 1391 ه، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ج2 ص:35 ، 3 - السيوطي، الاتقان في علوم القرآن ، المكتبة الثقافية، بيروت ، 1973 ،وبهامشه الباقلاني، إعجاز القرآن ، ج2 ، ص: 25- 26 ، 4- الناسخ والمنسوخ، هبة الله بن سلامة بن نصر المقري، المكتب الاسلامي – بيروت، 1404 ه ط1 ، تحقيق زهير الشاويش و محمد كنعان ، ج1 ص:20، 5 – قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ من القرآن، لمرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي، ، دار القرآن الكريم ، الكويت،1400 ه، تحقيق : سامي عطا حسن، ص: 22 ، 6 – الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم دار الكتب العلمية بيروت، عام 1406 ه ، تحقيق د/ عبدالغفار سليمان البنداري، ص : 9)

1 –ما نسخ حكمه وبقي خطه: مثلا الأمر بالعيش مع غير المسلمين ورد في مائة وأربع عشرة آية موزعة على أربع وخمسين سورة ، ومن كل هذه الآيات حسب رموز الخطاب الديني منسوخة من قبل الآية 5 من سورة المائدة والآية 116 من سورة البقرة اللتين تقولان " كتب عليكم القتال" وهكذا بجرة قلم قام رموز الفكر الديني الأصولي بشطب مائة وأربع عشرة آية بآية أو آيتين . إنهم يعبثون بالآيات القرآنية ويتهمون غيرهم بالكفر إذا رفضوا هذا العبث .
2 - ما نسخ خطه وبقي حكمه: وهنا تشط مخيلة كتبة التراث والفكر الاسلامي في نسخ ما يحلو لهم تارة نسخ آية بأخرى وتارة نسخ آية بحديث نبوي.
3 - ما نسخ خطه وحكمه.
وهذا ما يدعم القول الأول بأن المصحف الذي لدينا والمدعو مصحف عثمان لا يحتوي على كامل النص القرآني الذي نزل على الرسول حيث رفعت منه تلاوة آيات لا نعرف عددها ، منها ، حسب مصادر التراث الاسلامي، ما رفع خطه وبقي حكمه ومنها ما رفع خطه وحكمه معا.
وتصب معظم أحاديثهم على أن القرآن الموجود لدينا لا يبلغ عدد حروفه ثلث عدد حروف القرآن الأصلي. يقول الزركشي في برهانه (ج2،ص40 ) والسيوطي في إتقانه(نفسه،: ج1 ص 70 ) أخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب قوله: " القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف ." مع أن القرآن الموجود بين أيدينا فعلا أقل من ثلث هذا العدد. ويذكر السيوطي كذلك (نفسه، ج2،ص: 25-26 ) عن أبي عبيد قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه قال :" ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير. وعن أبي الأسود عن عروة عن عائشة تقول : " كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن." ويورد السيوطي (نفسه، ج1 ص: 25) انه سقط من سورة برائه الكثير ويقول : " فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها. وعن ابن كعب أنه قال أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وأن كنا لنقرأ فيها آية الرجم : " إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم." . وروى عبد الغفار بن داود عن لحّي عن علي بن دينار ان عمر بن الخطاب مر برجلٍ وهو يقرأ من مصحف، فقرأٍ: " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم وهو ابوهم" ( الاحزاب/ ألآية السادسة). فقال له عمر: لا تفارقني حتى نأتى اُبي بن كعب. ولما جاءا اُبي قال له عمر: يا اُبي، هلا سمعناك تقرأ هذه الاية؟ فقرأ اُبي الاية بدون " وهو ابوهم" وقال لعمر: انها من الاشياء التي اُسقطت. وروي نحو ذلك عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن.( تفسير أبن كثير للآية السادسة من سورة الاحزاب). وفي مصحف أُبي، حسب تفسير القرطبي، نجد نفس الآية تقول: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجه أمهاتهم وهو أب لهم". وقرأ ابن عباس: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم". (تفسير القرطبي للآية السادسة من سورة الاحزاب) ويتضح هنا الاختلاف في ترتيب الكلمات، وهو أمر يسهل فهمه إذ ظل القرآن يُحفظ في الصدور دون كتاب يُرجع اليه. فذاكرة الانسان لابد لها أن تخونه مهما كانت قوة ذاكرته. وقال أبو عبيد حدثنا أبن أبي مريم عن أبن الهيعة عن يزيد بن عمرو المغافري عن أبي سفيان الكلاعي: أن مسلمة بن مخلد الانصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فلم يخبروه، وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال أبو مسلمة: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون" و " الذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةٍ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون.(الاتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي، مصدر سابق)
والآن تعالوا يا سادة يا كرام نتفحص ما مر معنا وما قرأناه في كتب التراث الاسلامي المعترف بها عند أمة المسلمين. أمامنا إذن كتب موثقة عند أمة الإسلام أصحابها شيوخ معتبرون ومحترمون في الثقافة الاسلامية مثل السيوطي والزركشي والنيسبوري وغيرهم يوردون أحاديث عن صحابة لهم وزنهم في الفكر الإسلامي مثل عائشة زوجة الرسول وابن عمر وأبي بن كعب وغيرهم يقرون حقيقة ترددها كتب التراث المعروفة والموثقة في التراث الاسلامي بأن آيات قرآنية سقطت بعد وفاة الرسول وبالضبط بعد أن جمع عثمان القرآن، والجمل صريحة بما لا يوجد مجال لتأويلها على غير ما هو عليها، ويمكن لكل قارئ باللغة العربية أن يطلع عليها و يقرأها. ولم نسمع أن أحدا كفر أصحابها واتهمهم بالزندقة والكفر والخروج عن الدين على كتابة هذه النصوص ولم نسمع أن مرجعا دينيا مسؤولا طلب بشطب هذه الأقوال ومنع طبعها. وإذا كان نسخ خط بعض الآيات ممكنا تعليله زمن الرسول، مع صعوبة تقبل ذلك ، فكيف نستطيع أن نفهم وأن نقبل وأن نعلل تعليلا منطقيا نسخ آيات قرآنية بعد وفاته وبالذات بعد جمع القرآن من قبل عثمان ومجموعته ؟ والقول بأن النبي توفي وبعض القرآن متلو موجود في الرسم ، ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم ( الزركشي في الاتقان ج2،ص: 40 و في الكشاف للزمخشري وفي البرهان للسيوطي سبق ص : 26 وفي الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم هبة الله، مس، ص10 وغيرها)، هو قول تبريري يحاول الخروج من ورطة فكرية عقائدية خلقها ما سبق أن قرأناه عن سقوط آيات من القرآن بعد وفاة النبي وبالذات بعد أن جمع عثمان المصحف . لم يستطع كتبة التراث الاسلامي التعامل مع تلك الحقائق، مع أن الجملة المعترضة في الخبر المنقول مثلا عن عائشة وغيرها من الصحابة عن سقوط آية أو آيات و التي تقول " ولما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الان" أو " أن الآية أو الآيات كانت موجودة قبل أن يغير عثمان المصاحف " يربط إسقاط هذه الآيات ربطا واضحا وصريحا بعملية جمع عثمان للمصاحف .
إذن ومن كل ما سبق وما أوردته المصادر الاسلامية الموثقة في التراث الاسلامي نقرأ الحقائق التالية:
أن النبي محمد لم يجمع القرآن ولم يوثقه، وتوفي وهو مبعثر في صحف مفرقة عند بعض الصحابة وفي رؤوس البعض الآخر.
أن القرآن الذي بين يدينا والذي يسمى مصحف عثمان لأنه قام أو أمر بجمعه وتصنيفه، ليس كل القرآن الذي نزل على النبي محمد حيث أن:
آيات نسخ خطها وحكمها على زمن النبي وقبل وفاته.
آيات نسخ خطها وحكمها ، بعضها قبل أن يجمعها عثمان( نسيها الحفظة أو رفعت من أذهانهم كما يفضل الفكر الديني قوله) والبعض الآخر سقطت إما عمدا وإما سهوا في عملية جمع القرآن من قبل عثمان ومجموعته. بل أن كتب التراث قد ذهبت أكثر من ذلك وادعت بأن الآيات القرآنية كانت في بعض الأحيان تتغير أو يضاف إليها اذا اشتكى بعض الناس أو سألوا النبي سؤالاً، فمثلاً، كما يقول البخاري، لما نزلت الآية 95 من سورة النساء: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وانفسهم..." اشتكى رجل اعمي ( ابن أم مكتوم) للنبي قائلاً: اني اعمى ولن استطيع الجهاد ولذلك سيفضل الله المجاهدين عليّ. فأنزل " غير أولي الضرر" واصبحت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون..". (البخاري في صحيحه. دار ومطابع الشعب القاهرة، بدون تاريخ، ج4 ،الكتاب السادس ص: 60 ).
ونفس الواقعة يحيكها الواحدي النيسابوري فيقول عن زيد بن ثابت: كنت عند النبي –ص- حين نزلت عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" ولم يذكر أولي الضرر، فقال أبن أم مكتوم: كيف وأنا أعمي لا أبصر؟ قال زيد: فتغشّى النبي – ص- في مجلسه الوحي فأتكأ على فخذي فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي فخشيت أن يرضها، ثم سُري عليه فقال: أكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر " فكتبتها.( أسباب النزول للواحدي، طبعة 1968، مؤسسة الحلبي بمصر، ص 117 ).
وهذا هو نفس أبن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه النبي عندما جاء يسأله فعبس النبي وتولى عنه، فانزل الله: " عبس وتولى إن جاءه الاعمى".
ويقول أبن عباس : (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: للفيروزي – ص 358- الطبعة الثانية 1950 مكتبة مصطفى البابي الحلبي – مصر ): لما نزلت ألآية 228 من سورة البقرة: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم ألآخر" قام معاذ ( أي معاذ بن جبل) فقال: يا رسول الله: ما عدة اللائي يئسن من المحيض؟ وقام رجل آخر فقال: ألا رأيت يا رسول الله في اللائي لم يحضن للصغر ما عدتهن؟ فقام رجل آخر فقال: أرأيت يا رسول الله ما عدة الحوامل؟ فنزل " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن . وهناك أمثلة كثيرة مشابهة.
الآن ليسمح لي أن أستعمل عقلي الذي خلقه الله لي وأن أتسائل. هل من المعقول أن الله سبحانه في حاجة لمن يذكره، وهو المحيط بكل شيء، حتى يضيف إلى الآيات أحكاما بناءا على طلب المذكرين والسائلين من الناس؟
لقد اتفق فقهاء الفكر الديني الإسلامي على تسمية الآية الخامسة من سورة التوبة، التي تسمى سورة براءة أيضا بآية السيف. وقالوا أنها نسخت كل ما قبلها من الآيات التي تدعوا للسلم والتعايش مع "الكفار. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم في الناسخ والمنسوخ باب الإعراض عن المشركين : في مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة، نسخ الكل بقوله عز وجل ? .. فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ..