حاجتنا لمن، للبربرية ام للاشتراكية ؟


عادل احمد
2021 / 3 / 30 - 01:38     

حاجتنا لمن، للبربرية ام للاشتراكية؟


قال فريدريك أنجلس على ضريح كارل ماركس حيث دفن يوم 17 من آذار عام 1883 : " فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري: الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الايديولوجيا و هي ان الانسان يجب اولا ان يأكل و يشرب و يجد المأوى و الملبس قبل ان يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة و العلم و الفن و الدين الخ... و بالتالي فان انتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش و من ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما او في حقبة ما تشكل الاساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة و المفاهيم الشرعية و الفن و حتى الافكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب او ذاك و على ضوئها يجب ان تفسر و ليس العكس كما هو الحال."
ان هذا المفهوم البسيط للمادية التاريخية الذي لخصه انجلز، عن علاقة وسائل الإنتاج بتحديد نمط الحياة البشرية، هي الأسس والمبادئ التي انطلقت منه الاشتراكية.. ان أي إنسان لكي يعيش يحتاج الى ان يأكل ويشرب وان يحمي نفسه من البرد والحر سوى عن طريق توفير الملابس او المأوى. وان لتوفير هذه المستلزمات يحتاج الى الوسائل والأدوات لتأمينها، وان هذه الوسائل تتطور مع تطور البشرية وطريقة تفكيرها وتوسع نطاق هذه الوسائل مع زيادة احتياجاتها كما راينا في وسائل الإنتاج في المجتمعات البدائية والتي تتلخص في العمليات الصيد من السكاكين والأدوات الحادة ومن ثم تطورت في المجتمعات الزراعية كالات السقي والحرث والري وتوفير وفي المجتمع الصناعي تتلخص في الآلات الميكانيكية والكهربائية ... وان نوعية الملكية لهذه الوسائل والأدوات الإنتاجية تحدد النظام الاقتصادي والاجتماعي وتحدد النُظم السياسية لحماية هذه الملكية.
اليوم علينا ان ننظر الى مجتمعاتنا وجميع الأفكار والسياسات وممارسات المجموعات والحكومات من هذا المنظور البسيط وان نعلل أسباب وجودها والهدف الخفي من ورائها، وستكون لدينا الرؤية الواضحة لما يجري حولنا وكيف نعالج امورنا ونتمتع بما نستحقه في حياتنا. ان في يومنا هذا، جميع الجيوش والأسلحة والسجون والقوانين والتشريعات موجودة من اجل حماية الملكية الخاصة للأغنياء وأصحاب الأموال والمصانع والأراضي وأصحاب البنوك. وان جميع الحروب والمعارك، وإحياء اكثر الأفكار الرجعية وخلق الصراعات الطائفية والقومية والدينية والعرقية، كلها تهدف الى منع أفراد المجتمع وخاصة الطبقات المحرومة المساس بهذه الملكية الخاصة.
ان وجود الأحزاب القومية والطائفية والإسلامية في العراق وخلق جميع هذه الصراعات والاقتتال، هو من اجل ان لا تمد الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومين أيديهم، للملكية ووسائل الانتاج المملوكة ملكا خاصً. وان تصادرها من قبضة حفنة من المجرمين والقتلة وان توزعها بالتساوي في المجتمع. واليوم نرى بان حفنة قليلة من سماسرة الأديان والطوائف والقوميات عن طريق قوة ميلشياتها وأسلحتها وعن طريق القمع والسجون السرية وغير السرية وعن طريق الاغتيالات السياسية، القيام باحتكار جميع مصادر الثروات النفطية والصناعية والخدمية لصالحها ويبقي أكثرية المجتمع في الفقر المدقع والبطالة. الذين يحتاجون ابسط مقومات الحياة من الأكل والشرب والمأوى، ونرى الآلاف يتضورون جوعا ويبحثون في القمامة عما يأكلون وعن ضروريات اخرى، ويقضون لياليهم في أماكن لا تليق بالحيوانات حتى في العصور القديمة.. في حين تتكدس الثروة والمال والوسائل اللازمة لمجتمع عند نخبة من الافراد. وإذا نظرنا الى الأموال التي تستخدم في شراء الأسلحة والطائرات القتالية والأموال التي تصرف في الجيوش والسجون والأموال التي تصرف على المليشيات وصراعاتها واذا نظرنا الى هدر الأموال في المشاريع والمؤسسات والتي لا يحتاجه المجتمع ولا ترتبط بمعيشته وحياته.. واذا وضعت كل هذه الأموال تحت تصرف المجتمع الحر بالتساوي، فانه لا يحتاج ان يبحث المحرومين عن توفير لقمة عيشه في القمامة او (ينتزعها من فم الاسد) كما يقول المثل.
لتبسيط ما شرحنا أعلاه، ان ما تقوم به جميع الحكومات و من ضمنها الحكومة العراقية بحكومات مالكي والعبادي والكاظمي والبرزاني والطالباني وما يسمى بالمرجعية، والمؤسسات الدينية. هي من اجل البقاء على وسائل الإنتاج والملكية الخاصة بيد قلة قليلة من الناس وان يتمتع هؤلاء بمقدرات والثروات الموجودة في المجتمع وان تحرم منه أكثرية المجتمع. ليس هذا وحسب بل، وتحاول ان تمنع اكثرية المجتمع من الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ان تفكر في استخدام كل هذه الثروات وتوزيعها بالتساوي، أي ان تفكر باشتراكية جميع الوسائل والثروات لخدمة المجتمع.
ان الاشتراكية والنظام الاشتراكي ليس شيئا آخر غير تغيير نمط العلاقة القائم هذا، أي أشركة وسائل الإنتاج القائمة على التملك الخاص، وجعلها وسائل إنتاج اجتماعية توزع حسب حاجة وصالح المجتمع، انها ليست أفكارا خياليا كما يدعي الرأسماليون الأغنياء وأصحاب السلطة، ويروجون باستحالة تحقيقها! وانما هي افكار واقعية والمسألة مسألة وقت لتحقيقها. عندما تتوفر الظروف الملائمة، وهي الوعي الطبقي والاستعداد العملي والتنظيمي الجماهيري للسير نحو السلطة السياسية، وتحويل ملكية الأغنياء الخاصة الى ملكية اشتراكية لجميع افراد المجتمع.
ان توفير مستلزمات الحياة الكريمة للإنسان بالاشتراك والتعاون الجماعي ليس صعبا، نحن نقوم ونعمل به يوميا في حياتنا. الفرق فقط يكون بكيفية استرداد مستلزمات عيش البشر وكيفية استخدامها؛ أي تحويل الملكيات التي توفر مستلزمات الحياة من الملكيات الخاصة التي بيد قلة قليلة من الناس الى الملكية العامة للجميع واشتراكها بالتساوي بين أفراد المجتمع. ان الاشتراكية ليس الا خيارا باسترجاع الإرادة الإنسانية الى مكانها الأصلية كما عبر عنه منصور حكمت. وعلينا ان نقبل اذا العالم لن يتجه نحو الاشتراكية فبالتأكيد سوف يتجه نحو البربرية..