نحو مشروع نهضوي عربي جديد


محمد علي سليمان
2021 / 3 / 27 - 22:20     

في حوار الدكتور صادق جلال العظم مع صخر أبو فخر يقول " كان انتقادنا مبنياً على فرضية تقول إن المناخ القومي الجماهيري الجديد والحركة الناصرية وحركة التحرر العبي تجاوزت، من حيث المبدأ، عصر لنهضة وأفكاره، ولذلك لابد الآن من إنتاج فكر ملائم ومطابق وأكثر تقدماً من عصر النهضة. تبين أننا كنا ضحية تفاؤل كاذب إذ دمرت هزيمة حزيران 1967 الفرضية التي أوهمتنا أننا تجاوزنا، أو تمكنا من تجاوز، عصر النهضة ومشكلاته وأفكاره " . لكن حلم الإنسان العربي، والمفكر العربي، لم ينكسر رغم هزيمته مع هزيمة حزيران. فقد كانت هزيمة حزيران مؤقتة، ولم يتأخر العمل من أجل عصر تنوير جديد، ومن أجل عصر نهضة عربية جديدة من قبل ذلك الإنسان العربي، وذلك المفكر العربي إن كان عبر ارتباطهما بقوى اجتماعية تقدمية، أو عبر المجهود الفردي، من أجل تحقيق تنوير جديد ونهضة جديدة لأنهما ضرورة من أجل تجاوز تخلف المجتمع العربي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري، الذي تعمل الأنظمة الحاكمة من أجل تأبيده حتى تؤمن سيطرتها السياسية، وبالتالي دخول العصر الحديث.
في مشروعه " استشراف مستقبل الوطن العربي " أوصى المشروع بالإعداد ل " مشروع حضاري نهضوي عربي "، وهذا المشروع الحضاري النهضوي، كما يرى الدكتور عبد الإله بلقزيز " إن العرب شهدوا تراكماً غنياً من مشاريع النهضة ومن محاولات النهضة منذ ما يقل قليلاً عن قرنين: وبالتالي، إنهم ليسوا حديثي عهد بفكرة النهضة.. وإن هذه المشاريع ليست قابلة للاستئناف، بسبب إخفاقاتها.. وإن كان البناء على تراكمها ضروري، ولذلك فهي بحاجة إلى إعادة بناء.. وإعادة البناء هذه هي العنوان الرسمي.. للمشروع النهضوي العربي " . ومن جهته يوضح الدكتور أحمد صدقي الدجاني أن اسم المشروع استقر على " المشروع الحضاري النهضوي العربي ": " مع ملاحظة أن مدلول النهضوي يشير إلى بداية جديدة، وأن مدلول حضاري يتضمن تراكم الجهود السابق. وهكذا فهو حضاري عرف نهضتين سابقتين.. وهو نهضوي لأنه يعبر عن توجه لنهوض ثالث تتحقق به نهضة ثالثة معاصرة " .
وأهداف هذا المشروع الحضاري النهضوي العربي الجديد هي: الوحدة العربية، الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطني والقومي، والتجدد الحضاري. ولا يمكن إلا أن يؤخذ كله أو يترك كله، في رأي الدكتور عبد الإله بلقزيز ، وكما يقول: " التنمية الاقتصادية وحدها لا تصنع نهضة إذا كان العمران السياسي والاجتماعي والثقافي متخلفاً. والديمقراطية وحدها لا تصنع نهضة إذا لم تستند إلى تنمية اقتصادية وثورة ثقافية في المجتمع ولدى النخب. والثورة الثقافية وحدها لا تصنع نهضة إذا لم تواكبها عملية تراكم هائلة في ميدان التنمية والتطور السياسي للمجتمع والدولة على السواء " .
لكن الدكتور عبد الإله يظهر في مقدمته للندوة أن هناك قاسماً مشتركاً جامعاً بين المشاريع النهضوية الحديثة الثلاثة: المشروع الليبرالي الغربي، المشروع النهضوي الألماني، والمشروع النهضوي العربي، وهو " انطلاقها في شروط تاريخية وسياسية وسمها التراجع أو التخلف أو الانكسار " لأن " الظروف الأمثل لولادة أي مشروع نهضوي هي ظروف الإخفاق والتراجع، بوصفها البيئة التي تنتج، عادة، السؤال التاريخي الاستراتيجي: ما العمل؟ وهو سؤال الأسئلة في مشاريع النهضة، بل قل هو من مفاتيحها الأساسية " .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لمجتمع متخلف في حالة انكسار وتراجع أن ينتج نهضة " دفعة واحدة "؟ والقضية في النهاية، كما أظهر الكتاب، هي ديناميكية طبقة اجتماعية مهيمنة (البورجوازية) تسعى إلى تكوين بنيتها الاجتماعية، نمط إنتاجها الاجتماعي الرأسمالي، بعد أن انتهت صلاحية الطبقة التقليدية (الاقطاعية) ونمط إنتاجها الإقطاعي، وهذا يتم إما عبر صراع طبقي (ثورة) أو إصلاح طبقي. وبالتالي قضية النهضة العربية ليست قضية أهداف تنجز النهضة، بل قضية قوى اجتماعية (الطبقة البورجوازية الوطنية في حالة عجز البورجوازية الكولونيالية وضعف الطبقة العاملة) تنجز النهضة لذاتها ثم للمجتمع، وتقوم بتحقيق تلك الأهداف عبر سيرورتها على طريق التغيير الاجتماعي البنيوي.
ويمكن القول إن هناك اتجاهاً عربياً لبدء عصر تنوير جديد، كما بدء نهضة عربية جديدة، وبلغة الدكتور محمد عابد الجابري " عصر تدوين جديد "، ويقول الدكتور الجابري " لذلك نادينا بضرورة تحقيق القطيعة مع طريقة التفكير التي يعتمدها العقل العربي في خطابه، في معالجة قضاياه، قضايا الواقع العربي والآمال العربية. ومن ثمة أكدنا على ضرورة تدشين عصر تدوين جديد ينبثق منه عقل عربي متجدد، يتعامل مع الواقع كما هو في حقيقة الأمر وليس كما نحلم به " . لكن هذه المحاولات لبناء " عصر تدوين جديد " تبقى محاولات فكرية، اجتهادات فكرية، وخاصة إنها تأتي في زمن ركود المجتمع العربي، وأن الديناميكية التي تعمل هي ديناميكية التخلف، وكأن المجتمع العربي في انكسار حلمه بالتقدم والتحديث، يغرق في رمال متحركة تأخذ به إلى مستنقع التخلف في كافة مجالات البنية الاجتماعية، مما يكرس البنية الاجتماعية الكولونيالية التي تعمل ما استطاعت لتأبيد التخلف الذي يؤبد سيطرتها السياسية.