حرب باردة -كورونية-


حسن مدن
2021 / 3 / 27 - 11:40     

تتعثر حملات التلقيح ضد فيروس «كوفيد 19» في أوروبا، وما زالت «القارة العجوز» بعيدة عن السيطرة على الوباء، وتتحدث الآن عن موجة ثالثة منه، أسرع انتشاراً، وأكثر إيقاعاً للإصابات، وتتفوق بلدان خارج أوروبا عليها في التقدم في حملات التلقيح.
لكن «يعزّ» على الأوروبيين الاستعانة باللقاحات الصينية والروسية، التي أكدت لا التجربة وحدها فعاليتها وأمانها، وإنما أيضاً شهادات منظمة الصحة العالمية وسواها من هيئات ذات صدقية، بل إن أنطوني فاوتشي المسؤول الطبي في إدارتي الرئيسين ترامب وبايدن، على التوالي، أقرّ، بدوره، بفعالية وأمان لقاح «سبوتنيك في» الروسي.
عقبات عدة واجهت، ولا تزال تواجه، أوروبا في تنفيذ خططها في تعميم اللقاحات، في مقدمتها عجزها عن وضع خطة مشتركة بين دولها في هذا المجال، وكذلك عجز الشركات الأوروبية المنتجة للقاحات عن تلبية الكميات الهائلة المطلوبة من جرعات اللقاح، أمام تزايد الطلبات عليه، رغم الضغوط الشديدة التي يمارسها الساسة الأوروبيون على الشركات كي تعطي الأولوية لسكان القارة، والكف عن تصدير اللقاحات لبلدان أخرى، ولا نغفل هنا الأزمة التي تسببت فيها الشكوك في مدى سلامة لقاح «أسترازينيكا».
في تصريح أخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجدناه يقفز على كل هذه الحقائق ليتحدث عما أسماه «نوعاً جديداً من الحرب العالمية» بسبب اللقاحات، واضعاً في مقدمة أسبابها «سعي روسيا والصين، لممارسة التأثير بمساعدة اللقاحات»، وداعياً أوروبا لأن «تكون مستقلة في موضوع إنتاج هذه اللقاحات والعقاقير».
ويمكن الموافقة على وصف ماكرون لما يجري ب «الحرب العالمية»، ولنقل إنها حرب باردة بالطبع، لكن المسؤول عن هذه الحرب ليست الصين ولا روسيا، وإنما «الغرور» الأوروبي، والغربي عامة، في التعامل مع البلدين اللذين أظهرا كفاءة أفضل ليس فقط في مواجهة الجائحة، وإنما أيضأً في تقديم اللقاحات للعالم، وهو ما يثير حفيظة الغرب.
وإذا كان هذا يجعلنا نفهم قول المفوض الأوروبي للسوق الداخلية إن أوروبا لن تحتاج إلى لقاح «سبوتنيك في» الروسي، فإنه ليس بالوسع تجاهل قول رئيس وزراء دولة مهمة في الاتحاد الأوروبي، هي إيطاليا، إنه لا يستبعد أن تقوم بلاده في غياب التنسيق الأوروبي، بطلب اللقاح الروسي، أو قول وزير خارجية المجر إن بلاده تعرضت لضغوط من قبل دول غربية بسبب قرارها التعاون مع روسيا والصين في شراء لقاحيهما «سبوتنيك في» و«سينوفارم». مضيفاً: «تعودنا على أن كل ما نفعله يصبح هدفاً لانتقادات، ثم يحذو الجميع حذونا، وبالطبع لا أحد يقول لنا شكراً. لكن تلك هي السياسة».