الغائب أبداً كارل ماركس (2/2)


فؤاد النمري
2021 / 3 / 27 - 11:01     

كارل ماركس الغائب أبداً (2/2)
وهكذا تحقق لدينا غياب ماركس التام عن كل السياسات الطافية على السطح منذ خمسينيات القرن الماضي، وليس للماركسي أن يُدهش بذلك فما كان ماركس ليحلّ الأممية الأولى وهو في قيادتها في العام 1873 لولا أنه كان قد تحقق من غياب الوعي الطبقي الثوري (الماركسي) بين صفوف الطبقة العاملة حتى بين طلائعها في كومونة باريس 1871 ولم يقم بأي تنظيم عمالي ثوري في السنوات العشر الأخيرة قبل رحيله في العام 1883 . وغاب ماركس عن قيادة الأممية الثانية بعد رحيل فردريك إنجلز في العام 1894 وآلت قيادتها إلى المرتد كاوتسكي حتى كان أن انتفض لينين قائد البلاشفة في العام 1912 وخرج من الأممية وهاجم قيادتها في نهجها المعاكس للماركسية إلى أن تفككت نهائياً في العام 1916 بفعل مشاركة أحزابها في الحرب الإمبريالية . في العام 1922 شكا لينين من غياب ماركس حتى بين قادة البلاشفة حتى أنه كان قد فكر بالإستقالة من الحزب لهذا السبب . وفي العام 1938 شكا ستالين من غياب ماركس بين قادة الحزب الشيوعي وأعاد الشكوى في العام 1952 في المؤتمر التاسع عشر للحزب .

المسألة الحديّة الكبرى التي يواجهها دائماً وأبداً الماركسيون الحقيقيون الأصلاء "الأرثوذكس" هي غياب ماركس، غيابه حتى في أوساط الأمميات الثلاث التي شكلها الآباء التاريخيون للشيوعية ماركس وإنجلز ولينين .
غاب ماركس دائما وأبداً عن الأمميات الثلاث التي شكلها آباء الشيوعية لكن شبحه ظل يحوم بذات الوقت في سماء العالم حيث يضطرم الصراع الطبقي .
أما اليوم وبعد أن طوّحت الحرب الهتلرية بطبقتي الإنتاج، الرأسماليين والعمال، إلى خارج التاريخ، وبات العالم يعتاش على مدخراته في العصورالسابقة ويستهلكها ليس بمعدل 3.6 ترليون دولاراً سنويا كم يعلن صندوق النقد الدولي بل ما يزيد على 10 ترليونات دولارا وهي مقدار ما تطبعه الولايات المتحدة من دولارات بلا غطاء كل عام وتبيعها رخيصة للعالم (بقيمة 2 سغم ذهباً للدولار) الأمر الذي لن يستمر لسنوات عديدة أخرى قبل أن تنزل بالعالم كارثة إفلاس كليّة عسيرة على الإنقاذ . تحللت الطبقات إثر الحرب وتماهت في جماعات بورجوازية وضيعة (Petty Bourgeoisie) سماها ماركس في البيان الشيوعي (Lower Middle Class) وهي جماعات طفيلية حيث تعتمد في معاشها على نصيب من فائض القيمة الذي ينتجه العمال وهي بالتالي ليست طبقة طالما أن دورها في المجتمع هو خدمة الإنتاج دون أن تنتج .
طوّحت الحرب بطبقتي الإنتاج إلى خارج التاريخ لكن أحداً لم يقرّ بذلك فماركس لم يعد يحوم في سماء العالم، كما أن جميع المراقبين بمن فيهم أدعياء الشيوعية يحاججون على أن العالم يزخر بالإنتاج حتى وبعد أن تهمّشت الطبقة العاملة بفعل الأتمتة والتقنيات الرفيعة .
نحن ننفي مثل هذه المزاعم الرقيعة عندما نستحضر ماركس . ماركس يتحدى مثل هذه الأقوام في أن يتعرّفوا على النظام الدولي الماثل اليوم ؛ أن يحددوا طبيعته، قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وهل هو رأسمالي فعلاً .
بغياب ماركس لا تستطيع هذه الأقوام مواجهة مثل هذه المسائل . يدعي بعضهم بالإقتصاد المعرفي، أي أن المعارف حلت محل قوى العمل (Labour Power)، ويدعي آخرون بالإقتصاد الرقمي (Digital Economy) أي الاستدلال على حقائق الإنتاج وحدوده بالأرقام . المعارف والأرقام لا تنتج أدنى ثروة ولا تبني نظام انتاج مستقراً وقابلاً للتطور .
البضاهة التي تملأ أسواق العالم هي من إنناج أنظمة رأسمالية مزيفة في الصين ودول شرق آسيا لمقاومة الشيوعية ولتوفير غطاء بضاعي للدولار بعد أن عجزت الولايات المتحدة عن توفير مثل هذا الغطاء .

"النظام الدولي" المائل اليوم يقوم على عمودين أساسيين غير رأسماليين بطبيعتهما وهما الدولار الأميركي الزائف وتطبع منه أميركا كل عام بضعة عشر ترليونا من الدولارات مكشوفة تماماً من كل قيمة بضاعية . والعمود الآخر وهو الصين التي تنتج من البضاعة ما قيمته 7 ترليون دولارا وهي ليست بضاعة رأسمالية طالما أنها تباع بأضعاف قيمتها الحقيقية .

يغيب ماركس فلا يعود هناك من يقرؤون التاريخ قراءة صحيحة . لا يقرؤون خيانة الحزب الشيوعي السوفياتي للثورة وللنهح اللينيني وانتهاء الإشتراكية في الخمسينيات . لا يقرؤون الرئيس ريتشارد نكسون يضع حداً لسياسة ترومان الفاشية في العداء للشيوعية، ولا يقرؤون انهيار النظام الرأسمالي مع بداية السبعينيات واضطرار أميركا إلى الخروج من معاهدة بريتون وودز وانكشاف الدولار مما اضطر الولايات المتحدة إلى تخفيض قيمة الدولار ثلاث مرات في عامي 72 و 73 وقد فقد حوالي 40% من قيمته فكان أن اجتمعت الدول الرأسمالية الخمسة الكبرى على مستوى القمة في رامبوييه في باريس في 16 نوفمبر 1975 من أجل تضامن هذه الدول في الحفاظ على أسعار عملاتها في أسواق الصرف عن طريق المضاربة في البورصة وهو الدالة القاطعة على انهيار النظام الرأسمالي الذي يوفر البضاعة وهي الغطاء الكلاسيكي للنقد .
غياب ماركس التام منذ خمسينيات القرن الماضي هو السبب الوحيد لاستكانة العالم لفوضى عارمة تستعصي على المعالجة وتجعل من أية مشاريع وطنية مجرد سراب خادع . لا يوجد في عالم اليوم دولة واحدة تمتلك شبكة من علاقات الإنتاج قادرة على حمل مواطنيها .
لا نتوقف أبداً عن متابعة الصحافة العربية والعالمية علنا نجد ولو نبذة هامشية تستحضر ماركس وعبثاً نتابع .
التفسير الوحيد لمثل هذا الغياب التام لماركس هو الغياب التام للصراع الطبقي . لا إنتاج الخدمات في الغرب الرأسمالي سابقاً ولا نظام الرأسمالية الزائفة الموظفة في مقاومة الشيوعية وغطاء الدولار فقط تستحضر الصراع الطبقي الذي يستحضر بدوره ماركس للضرورة .
فلول الأحزب الشيوعية في العالم العربي تعقد مؤتمراتها العامة الدورية وتنتهي إلى مقررات بورجوازية شكلاً ومضموناً لا تؤكد في استراتيجياتها النهائية غير الديموقراطية البورجوازية والعدالة الإجتماعية دون أن تمر ولو مروراً عابراً فقط على ذكر ماركس أو لينين، بل وتزيد على ذلك فلا تتردد في الزعم أن ثورة اكتوبر الاشتراكية لم يعد لها أي آثر في الحياة وكأنها لم تكن .

وأخيراً يجب ألا نغفل جوهر الماركسية المتمثل بقراءة التاريخ كما هو . التلازم مع هذا الجوهر يعني أن ماركس كان موجوداً منذ بدء التاريخ حتى وإن لم بكن هناك من يحسن قراءة التاريخ كما هو . وبناءً عليه فحديثنا عن الغياب التام لماركس منذ بداية النصف الثاني من القرن ىالعشرين لا يعدو أكثر من الغياب التام لمن يقرأ تاريخ هذه الفترة كما هو ؛ لكن ماركس يستطيع أن بقرأ حتى فوضى الهروب من استحقاق الإشتراكية .
نحن الشيوعيين البلاشفة من مدرسة لينين وستالين ما زلنا نرافق ثورة أكتوبر تستهدي كارل ماركس تحت السطح وليس بعيداً أن يتهاوى سائر أعدائها بعيداً عن حوافها في وقت قريب .
المجد كل المجد لثورة أكتوبر البلشفية .