الشيوعيه ومسارات-قرآن العراق-؟/ ملحق 3 / 15


عبدالامير الركابي
2021 / 3 / 26 - 14:44     

وجدت الشيوعيه وتشكلت في عاصمة التشكل الوطني الحديث في المنتفك، او سومر الحديثة، كانت المحاولات الأولى التي من هذا النوع قد بدات منذ العشرينات في بغداد، الا انها فشلت فشلا ذريعا، وهو ماعاد مؤسس الحزب الشيوعي "فهد" المتلائم مع اشتراطات الصراعية التحولية ضد مشروع الافنائية النوعيه والنموذجيه الغربي الاستعماري، لتسجيله في نص متجاوز لكاتبه في الدلالات، ليفرق في كراسه "حزب شيوعي لا اشتراكيه ديمقراطية" بين حزب متناغم مع الإيقاع الأسفل التشكلي الوطني، وحزب من نوع الاستعارة المفهومية بلا دور صراعي ضمن دائرة الصراعية الأساس، الوطنيه في لحظتها، والملفت الذي لم يجري الانتباه له او لدلالاته، ان "حزب البعث العربي الاشتراكي"، هو الاخر عرف السياقات نفسها، بين محاولات التاسيس الفاشله في عاصمة الدورة الثانيه المنهارة، والباقية كمركز لحكم السلالات البرانيه، بغداد، وماتبقى منها ويذكر بها، وبين ارض المنتفك/ سومرالحديثة، موضع بدايات التشكل التاريخي، وعاصمتها الحديثة، الناصرية، حيث تاسس الحزبان اللذان سيعودان لاحقا، ليتحولا الى حزبين محورين بحسب مقتضيات أخرى مختلفه، يوم يتم انتزاعهما من التوافق مع مقتضيات البنيه،الذي ميزهما نشاة، الى مايضادها ومايعيد حضورانماط من البدايات الفاشلة الأولى، اخرجتهما من موضعهما ومكانهما ضمن التصارعية التحولية مع الظاهرة الغربيه الافنائية.
وينقسم تاريخ الحزب الشيوعي بالذات الى طورين على وفق هذا التقدير والسردية، الأول الموافق للفعالية الوطنيه التحولية وللازدواجيه في الظروف المستجده، ويمتد من 1934 الى 1964 ، والثاني الانتكاسي، والمتميز بالخروج من دائرة الفعالية الوطنيه، وهو ماتبقى من تاريخ الحزب المذكور، وصولا الى الحال الأخير الحالي كما تجلى مع الغزو الأمريكي للعراق بصيغة انتماء كامل لمعسكر الافنائية الأمريكي الأخير، وصولا للتحول الى أداة مدارة من الحاكم الأمريكي والسفارة الامريكيه في بغداد، الامر الذي يوجب إعادة النظر في تاريخ الظاهرة المذكورة، مثلها مثل كل مناحي وظواهر التاريخ العراقي المنظور لها ايديلوجيا في القرن المنصرم، وهو مايشمل تاريخ حزب البعث كما اسلفنا، وكما كان طرا عليه وعلى مساره المشابه لتاريخ الحزب الشيوعي من حيث الموقع وتبدل وانقلاب الدورالى ضده.
لم يوجد الحزب الشيوعي كما تتوهم المنظورات النقلية الايديلوجية الاسقاطية الغريبه، تعبيرا عن الكينونه والبنية العراقية التاريخيه، لاسباب طبقية يتوهمها ويفتعلها من أراد، على سبيل اصطناع مبررات تؤيد ضرورة ومصداقيه وجود ظاهرة مثل هذه في عراق العشرينات والثلاثينات، بل وجد لسببين وعاملين مباشرين أساسيين: الأول هو وطاة المشروع الغربي الاستعماري واشكال تجليه مجتمعيا وسلطويا، والثاني الرئيسي، حالة الانقساميه في الظاهرة الغربيه بعد الثورة الروسية عام 1917 وقيام ماعرف بالنظام الاشتراكي، وتكرس القطبية الدولية، مع مساعي الكتلتين والمعسكرين لتعزيزحضورهما، ووزنهما وفعاليتهما الدولية عبر امتدادات كل منهما على مستوى المعمورة، كل بحسب الصيغة التي تلائمه وتطابق كينونته وممكناتها، وفي الأساس وقبلا كعامل حاسم، شكل تاقلم وتحور عمل الاليات الوطنيه غير الناطقة، بناء لنوع الطاريء الغربي وطبيعته ونوع ودرجة تهديده.
وليس لهذا أي علاقة بالحقيقة التاريخيه والوطنيه المستقلة بذاتها في حالة العراق، الذي هو في طور تشكل حديث سابق على حضور الغرب وظاهرته الحديثة، الا باعتباره حالة طارئة ولحظة قطع تعرض لها المسار التشكلي العراقي الحديث، الموقف المطلوب منها، كان يتطلب، اما اعتماد صيغة التوافق معها، والرضوخ لموضوعاتها وتبريراتها لوجودها وطبيعتها، ضد الكينونه والبنيه الذاتيه، او ان ينتمي الى الواقع التاريخي، والتعامل مع الطاريء المستجد باعتباره حالة استثناء، ونوع من مجابهة، ليس من البديهي او المحتم ميل ميزان المجابهة ضمنها المسبق، لصالح الغرب ونموذجه، ونوع حضوره، ومايتصل به على المستويات المختلفة على جدتها واستثنائيتها.
ويدخل في احتساب المجابهة المفترضة والبديهية الانفه ومساراتها، ومايمكن ان تؤول اليه، تكوين ونوع بنيه وتاريخ المواضع المختلفة، كما حصل وهو حاصل على مستوى العالم، منذ الانقلاب الأوربي البرجوازي الالي الحديث، ماقد اوجد على مستوى المعمورة لحظتين وحالتين متميزيتين عن بعضهما، الأولى ميزتها صعود الظاهرة الغربيه الحديثية وطغيان منظورها لنفسها والعالم، حيث لامنظور مقابل، الا ماقد عرف مع الثورة الروسيه، ونظريتها التى ارتكزت اليها، وهي ظاهرة من نفس نوع الظاهرة الغربية المفاهيمي جوهرا، وثانيه ظلت مطوية وطبعت الحراكات المجتمعية، او ماعرف ب"حركة التحرر العالمية" باللانطقية، كانت الحالة الرافدينيه العراقية ابرزها، وأكثرها انطواء على المعطيات والأسباب والاليات الضرورية، واللازمه لوضع الظاهرة الغربيه ضمن حدودها، وجعلها كما هي، وما هي موكله به، وبتاديته على المستوى التاريخي، خارج الاطلاقات والإصرار على تكريس المركزية، والقول بالممكن الوحيد المتاح امام البشرية وفقا لما هو متجسد في حالة الغرب ونموذجه.
يعني ذلك حين ننتقل الى ارض الرافدين، ان السياقات التاريخيه المتصلة ب"الوطنيه" كمفهوم وتعبير بداية، قبل التجسد الكياني العملي، مايزال الى الان لم يظهر للوجود بعد، وان اشكاله المتحققه، او التي عرفها تاريخ العراق من لحظة الاحتلال الإنكليزي حتى الغزو الأمريكي عام 2003، هي تعبيرات لانطقية، عمليه في الاغلب، نتاج حضور عمل الاليات البنيويه التاريخيه قبل ان تعرف، او تكتشف، بما يجعل من الأحزاب الايديلوجيه السابق ذكرها وبمقدمها "الحزب السيوعي العراقي"، وسائل جرى تحويرها من قبل الواقع بحسب المقتضيات الصراعيه خلال لحظة بعينها من لحظات الحضور الاستعماري، لجعلها عاملة، بحكم وبناء على انقساميه الغرب، ضد المشروع الغربي بنوعه او نمطه الراسمالي الاستعماري، وهو مالا يشترط ولايمنع، خلال الفترة من الثلاثينات الى الستينات، توهم أسباب او حوافز من نوع تلك التي كان الحزب يقراها لنفسه، متخيلا مايظنه من الطبقات والصراع الطبقي، او التعبير عن "الوطنيه" بما هي مسارات " تحوليه" ملائمه ومطابقة لبنيه وكينونة، ولموقع ارض الرافدين ودورها في التاريخ.
انتهى عمليا دور الحزب الشيوعي الإيجابي، او المستبدل من قبل المجتمعية المشاعية السفلى، ابان الثورة التحولية الثانيه في 14 تموز1958 ، حين ظهر باعتباره قوة غربيه صافية، متصادمه مع الكينونه الوطنيه التحوليه، ومع سياساته واصراره على الانتقال "البرجوازي"، كان هو يسقط ابان لحظة فاصلة، فاقدا الأسباب التي منحته ماكان يتمتع به من مكانه، ولم تعد حتى مرتكزاته المحالة الى القطبيه الدولية فعالة، وسرعان ماسيبدا تاريخ الانشقاقات ومحاولات استعادة الدور المفتقد، ليلازم مسيرة هذا الحزب وصولا لايلول عام 1967 مع الانشقاق الأكبر "القيادة المركزية"، ومااعقبها وتداخل مع ظاهرتها من لجوء الى "الكفاح المسلح " في جنوب العراق، ومجددا في ارض المنتفك، حيث تاريخ ولادة الطبعة الأولى من الشيوعيه المتلامسه مع إيقاع التحوليه التاريخيه، وصراعها مع الغرب الافنائي للبنية والنموذج التاريخي الرافديني، ولمنطوياته التاريخيه المنتظرة على مستوى المعمورة.
ليس ماقد حصل في اوربا الازدواج الطبقي منتهى اوقمه تطورية انقلابيه نهائية، بل لحظة غير عادية، انتقالية أخيرة في السياق التحولي المجتمعي على مستوى المعمورة، متضمناته ومنجزه الأساس افنائي للظاهرة المجتمعية، معها ومع انبثاقها تصاب البنية الاجتماعية بالاختلال، وهو مايصيب العمليه الإنتاجية والتوافقية الانتاجية المجتمعية المواكبة لها منذ بداياتها مع الانتاجيه اليدوية، مامن شانه اخذ المجتمعات البشرية نحو طور من تاريخها، منذر ومبشر بنهايتها، مع دخولها زمن "العيش على حافة الفناء" المتولد عن تعاظم الاختلال الانتاجوي المجتمعي البيئي، وغلبة شروط واعتبارات الانتاجوية التدميرية للبيئة، ولاشتراطات الوجود وللتوازن البيئي الضروري، الامر الذي يخرج عن السيطرة بظل الجشع الراسمالي المتفاقم اطرادا، وماهو متوارث من مفاهيم واوهام تجري أعاد صياغتها بما يجعل البشرية تغرق في الوهم المدمر المطرد الهيمنه على الوجود، مع مايرافق ذلك من مبالغة مستنده لاسباب لاعلاقة لها بالعقل والفكر، وان ادعت التحلي به، تشمل نوع الإحاطة والنظر لمختلف الظواهر وشؤون الحياة والمجتمعات، لتصل بالكائن البشري الى مايمكن اعتباره حال الاستيهام الأعظم المدمر للوجود.
ولايعني كل هذا الحضور، او الدور المعبأ بالكارثية، ان ظاهرة الغرب الحديث والانتقال الالي ليست موكوله الى احتماليه مستقبليه، او إمكانية منطوية ومضمرة في الظاهرة المجتمعية، كانت وظلت الى اليوم غائبة عن الادراك العقلي، ودالة على المفارقة الملازمه لتاريخيه علاقة العقل بالظاهرة المجتمعية، وبالذات والاساس منها "التحوليّة" والانقضائية المودعة في الظاهرة المجتمعية منذ وجودها، ومنذ ان نضجت واكتسبت صفة "الظاهرة المجتمعية" التي هي وعلى عكس ماقد صورها العقل القاصر الى اليوم، "ظاهرة تحولية"، يسري عليها قانون انتهاء الصلاحيه، وموجوده للانتقال الى مابعدها الذي هو "عالم العقل المتحرر من الجسد والمنفصل عنه"، أي ان الظاهرة المجتمعية وجودا، ليست ابدية، او موجوده بذاتها الى مالا نهاية، خصوصا ناحيتها البشرية الجسدية الارضوية، حامله العقل خلال الفترة الفاصلة مابين انبثاقه في الجسد الحيواني، منذ ظهور الكائن البشري المزدوج التكوين ( جسد/ عقل) المسمى اعتباطا "الانسان" وليس ماهو عليه ومايتفق مع كينونته "الانسايوانيه".
يهدي الغرب الحديث، وهو موجود بصفته وشكله ومنطواه الذي هو عليه، العالم والمجتمعية التحولية، الوسيلة والاداة الضرورية الناقصة، التي تظل المجتمعية التحوليه تنتظرها على مدى دورتين تاريخيتين، كما الحال في ارض الرافدين التي وجدت تحوليّه بنيويا، واجتازت دورة أولى تاريخيه هي السومرية البابلية الابراهيميه، وثانيه هي العباسية القرمطية الانتظارية، من دون ان تتمكن من التحول الى مابعد مجتمعية لافتقادها للعنصر التحولي الأساس، غير البنيوي، الذي هو "الالة" التي اضطلع الغرب الحديث في انتاجها، واهدائها الى المجتمعية التحوليه، لكي تتمكن من انجاز ماقد فاتها، وفات المجتمعات البشرية قاطبة معها.
ـ يتبع ـ
ملحق أخير