كتاب ذاتي طافح بالدغمائيّة التحريفية الخوجية – مقتطف من - - تحريفيّة حزب العمّال التونسي وإصلاحيّته كما تتجلّى في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ،- مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة - ، الجزء الأوّل -


ناظم الماوي
2021 / 3 / 26 - 11:10     

كتاب ذاتي طافح بالدغمائيّة التحريفية الخوجية – مقتطف من -
" تحريفيّة حزب العمّال التونسي وإصلاحيّته كما تتجلّى في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ،" مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة " ، الجزء الأوّل "

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 42 - 43 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي

حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي
لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي - الكتاب الثالث
الجزء الثاني من الكتاب الثالث :
تحريفيّة حزب العمّال التونسي وإصلاحيّته كما تتجلّى في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ،" مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة " ، الجزء الأوّل
ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .
-------------------------------------------------------------------------------------------------

" لقد شكّل تقييم الخبرة التاريخيّة فى حدّ ذاته دوما موضوع جدال كبير فى الصراع الطبقي فمنذ هزيمة كومونة باريس لم يتوقّف الإنتهازيّون و التحريفيّون عن إستغلال هزائم البروليتاريا و نواقصها بغاية قلب الخطأ و الصواب و خلط المسائل الثانويّة بالمسائل الرئيسيّة و التوصّل إلى إستنتاج مفاده أن "البروليتاريا ما كان عليها أن تحمل السلاح ". و كثيرا ما كان بروز ظروف جديدة تعلّة للإرتداد عن المبادئ الجوهريّة الماركسيّة ، مع إدّعاء إضفاء التجديد عليها ...

لقد بيّن التاريخ فعلا أنّ التجديدات الحقيقيّة للماركسيّة (على عكس التشويهات التحريفيّة) إنّما كانت متّصلة إتّصالا وثيقا بمعارك ضارية للدفاع عن المبادئ الجوهريّة للماركسيّة – اللينينيّة - الماويّة و تدعيمها . "

( " بيان الحركة الأممية الثورية " لسنة 1984)

---------------------------------

" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

-----------------------------------------

" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
------------------------------------
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذّجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
---------------------------
"... حين أزاحت الماركسية النظريّات المعادية لها ، و المتجانسة بعض التجانس ، سعت الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريّات وراء سبل جديدة . فقد تغيّرت أشكال النضال و دوافعه ، و لكن النضال إستمرّ . و هكذا بدأ النصف الثاني من القرن الأوّل من وجود الماركسيّة ( بعد 1890 ) بنضال التيّار المعادى للماركسيّة في قلب الماركسيّة .
...لقد منيت الإشتراكيّة ما قبل الماركسيّة بالهزيمة ، وهي تواصل النضال ، لا في ميدانها الخاص ، بل في ميدان الماركسيّة العام ، بوصفها نزعة تحريفيّة .

... إنّ نضال الماركسيّة الثوريّة الفكري ضد النزعة التحريفيّة ، في أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدّمة للمعارك الثوريّة الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام ، نحو إنتصار قضيّتها التام ، رغم كلّ تردّد العناصر البرجوازية الصغيرة و تخاذلها . "

( لينين ، " الماركسيّة و النزعة التحريفيّة " )
--------------------------------------------
" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة ."
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " المخطوط في مارس 1913 ، ( الصفحة 83 من " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسية " ، دار التقدّم موسكو )
---------------------------------------------------------
" إنّ ميل المناضلين العمليين إلى عدم الإهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينيّة و يحمل أخطارا عظيمة على النظريّة تصبح دون غاية ، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ؛ كذلك تماما شأن النشاط العملي الذى يصبح أعمى إذا لم تنر النظريّة الثوريّة طريقه . إلاّ أنّ النظريّة يمكن أن تصبح قوّة عظيمة لحركة العمّال إذا هي تكوّنت فى صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري ، فهي ، وهي وحدها، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوّة التوجّه و إدراك الصلة الداخليّة للحوادث الجارية ؛ وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط فى أي إتّجاه و كيف تتحرّك الطبقات فى اللحظة الحاضرة ، بل كذلك فى أيّ إتّجاه وكيف ينبغى أن تتحرّك فى المستقبل القريب . إنّ لينين نفسه قال و كرّر مرّات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة :
" بدون نظرية ثورية ، لا حركة ثوريّة " ( " ما العمل ؟ " ، المجلّد الرابع ، صفحة 380 ، الطبعة الروسية ) "
( ستالين ، " أسس اللينينية - حول مسائل اللينينية " ، صفحة 31 ، طبعة الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
-------------------------------------
" التحريفية فى السلطة يعنى البرجوازية فى السلطة."
( ماو تسى تونغ )
-----------------------------------
" إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي ".
( ماو تسى تونغ ، سنة 1976)
-----------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
==========================================
الجزء الثاني من الكتاب الثالث :

تحريفيّة حزب العمّال التونسي وإصلاحيّته كما تتجلّى في كتاب الناطق الرسمي بإسمه ،" مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة " ، الجزء الأوّل

مقدّمة :
1- إستمرار التزوير الخوجي للحقائق بصدد الماويّة .
2- المنهج الخوجي الهمّامي المناهض للماديّة الجدليّة .
3- المسكوت عنه و دلالاته التحريفية و الإصلاحيّة .
4- كتاب ذاتي طافح بالدغمائيّة التحريفية الخوجية .
5- الشيوعية الجديدة / الخلاصة الجديدة للشيوعية تشتمل على التقييم العلمي المادي الجدلي الوحيد للتجارب الإشتراكية للبروليتاريا العالمية و منها التجربة الإشتراكية السوفياتيّة .
خاتمة :
ملحق الجزء الثاني من الكتاب الثالث : 1- الرفيق ستالين ماركسي عظيم قام بأخطاء ، المقال الأوّل من العدد 3 – جويلية 2011 من" لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية ! " : مسألة ستالين من منظور الماركسية – اللينينية – الماويّة
ملحق الكتاب الثالث :
محتويات نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " / من العدد 1 إلى العدد 37
=====================================================================
كتاب ذاتي طافح بالدغمائيّة – التحريفية الخوجيّة

يُصرّح الناطق الرسمي باسم حزب العمّل التونسي بما يلى في الصفحة 10 من كتابه : " لكي تكون دراستى موضوعيّة قدر الإمكان لم أتقيّد برواية محدّدة ". و ما لا يرقى إليه الشكّ هو أنّ هذه منه مغالطة و مخاتلة فقد كان ذاتيّا وتقيّد في الأساس بالنظرة الخوجية الكلاسيكية للإشتراكية و الصراع الطبقي في ظلّها ، مع تعديلات طفيفة لم تخرجه عن إطار النظرة الخوجية للعالم ، وهي نظرة مثاليّة ذاتية . و تـاكيدا لإستنتاجنا هذا نقتفى أثر الخوجيّة التي يعجّ بها كتاب السيّد جيلاني الهمّامي بأكمله و نسلّط شيئا من الضوء على بعض ترّهاتها الأبرز .
أ – نقد للفهم الخوجي للإشتراكية :
الفاقع للنظر عند تفحّص كتاب السيّد جيلاني الهمّامي أنّه و لا مرّة توقّف ليحدّد للقرّاء صراحة و بحزم و صرامة ما يقصده بالإشتراكية موضوع الكتاب وهو يعلم بلا ريب أنّها مسألة خلافيّة ليس في صفوف الماركسيين فحسب بل حتّى خارج هذه الصفوف . و نكتفى هنا بأن نشير إلى انّ حزب بورقيبة في تونس كان يسمّى الحزب الإشتراكي الدستوري و أنّ حزب محمّد الكيلاني المنشقّ عن حزب العمّال التونسي اليوم يدعى الحزب الإشتراكي ... هذا من جهة ، و من جهة ثانية ، عربيّا خيضت صراعات جمّة حول فهم فحوى الإشتراكية و عالميّا ، جدّت و لا تزال صراعات حول معنى الإشتراكية و علاقتها بالشيوعية ؛ و الخوجيّة ما إنفكّت تحمل على الماويّة بشأن فهم الإشتراكية ... و من هنا تتأتّى ضرورة منهجيّة و معرفيّة ، ضرورة توضيح صريح لما يقصده الكاتب بالإشتراكية إلاّ أنّه لا يأبه كمجمل الإنتهازيين لهذه الضرورة كي يظلّ كلامه هلاميّا زئبقيّا يستعصى على الضبط .
و في الفقرة التي مرّت بنا إستخدمنا مفردة " صراحة " ثمّ مفردة " صريح " لأنّ في ثنايا نصوص الكتاب بوسعنا أن نكوّن فكرة عن المفهوم الهمّامي للإشتراكية وهو مفهوم خوجي دغمائي تحريفي .
و لئن أخطأ ستالين ( و هذا ما لا يقرّ به الخوجيّون عموما ) في فهم الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية ما إنعكس في 1936 في الدستور بانّ الطبقات الباقية في الإتّحاد السوفياتي طبقتين هما العمّال و الفلاّحون، إلى جانبهما توجد الأنتلجنسيا، مغفلا وجود البرجوازية بأشكال قديمة و خاصة جديدة ( مثلما أنّ البروليتاريا لم تعد في المجتمع الإشتراكي الطبقة التي لا تملك وسائل إنتاج ، لا تملك غير قوّة عملها ، و هذا ما تفطّن إليه ، بالنسبة للبروليتاريا فقط مؤخّرا السيّد الهمّامي في كتابه هذا ، يتّخذ وجود البرجوازية في ظلّ الإشتراكية أشكالا جديدة ينكرها بمثاليّة الخوجيّون و منهم السيّد الهمّامي . و خلاصة القول الصراع الطبقي الخوجي في ظلّ الإشتراكيّة ، يكون ضد برجوازية لا وجود لها ! ) و تواصل الصراع الطبقي في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، لئن أخطأ ستالين على هذا النحو و بيّن التاريخ بأحداثه الثقيلة و الجليلة هذا الخطأ الذى شخّصه ماو تسى تونغ و طرح سبيلا لتجاوزه ماركسيّا منذ أواسط الخمسينات و طوال الستّينات و إلى أواسط السبعينات من القرن الماضي ، فإنّ تمسّك الخوجيّين عامة و خوجيّو حزب العمّال التونسي خاصة بالخطأ الواضح الجلي في كتاب محمّد الكيلاني " الماويّة معادية للشيوعية " و الآن في كتاب " مساهمة ..." لجيلاني الهمّامي يعدّ دغمائيّة أو جمودا عقائديّا و تحريفا لعلم الشيوعية الذى يأبى إلاّ أن يتطوّر مستفيدا ، في جانب من الجوانب ، من الأخطاء المرتكبة و تصويبها و تفاديها .
و قد أدّى هذا بالخوجيّين إلى عدم القدرة على تقديم شرح علمي ، شرح مادي جدلي و مادي تاريخي طبقي للتحوّل الذى شهده الحزب و الدولة السوفياتيين و الذى سطع في المؤتمر العشرين و بالتالى تغيير لون الحزب البروليتاري إلى حزب برجوازي و تغيير الدولة الإشتراكية إلى دولة رأسماليّة . كلّ ما قدّمه حزب العمّال التونسي منذ تأسيسه لا يعدو أن يكون الهجوم المسعور على الماوية و نظريّة و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ( و منها صراع الخطّين صلب الحزب الشيوعي و وجود البرجوازية صلب الحزب الشيوعي و الأساس المادي الاقتصادي لإعادة إنتاج الرأسمالية و للبرجوازية الجديدة و كيفيّة مواصلة الثورة بواسطة الثورة الثقافيّة ... ) و التعبير بالتالى عن عداوة إيديولوجية للتجربة الماوية الصينية ، والترويج للخوجيّة المقيتة و نظريّة " التسرّب " التي ليست من الماركسيّة في شيء . و يتمادى السيد الهمّامي في بيع البضاعة الخوجيّة الفاسدة حيث أعاد علينا الإسطوانة الخوجيّة المشروخة لتسرّب عناصر غير شيوعية إلى الحزب . نقرأ في الصفحة 221 من الكتاب : " هذه هي الأجواء العامة التي سمحت بتسرّب عناصر إلى مواقع السلطة جهويّا و محلّيا وهي ذات الجواء التي شكّلت قاعدة لظهور ممارسات منافية للديمقراطية و دافعا لتشريع إجراءات سياسيّة خاطئة تتعارض مع جوهر الماركسيّة . "
و يتناسى الخوجيّون مدّعو تبنّى اللينينيّة الحقيقة التي لخّصها لينين بصدد التسرّب كظاهرة عالمية و معالجته و الذى لا يمكن أن يعتمد لشرح التحوّل التحريفي في الإتّحاد السوفياتي أو غيره و كما يشهد التاريخ فلا خروتشوف و لا دنك سياو بينغ الصين و لا راميز عاليا ألبانيا ... تنسحب عليهم نظريّة التسرّب الخوجية :
في مقال " المبادرة الكبرى " أكّد لينين أنّه : " ... كان من المحتّم إطلاقا حينذاك أن يتسرّب إلى صفوف الحزب المتسلّم زمام الحكم ، المغامرون و غيرهم من العناصر البليغة الأذى . و ما من ثورة تجنّبت هذه التجربة أو ستتجنّبها . كلّ ما في الأمر أن يعرف الحزب الحاكم ، الذى يعتمد على طبقة متقدّمة ، سليمة ، قويّة ، صلبة ، كيف يطهّر صفوفه . "
( الصفحة 54 من المجلّد التاسع من " مختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم ،موسكو ، باللغة العربيّة )
و ليقف الخوجيّون المهاجمين للماويّة وجها لوجه مع لينين نفسه !
و مجدّدا ، نظريّة التسرّب هذه ليست ماديّة جدلية ، لا تفسّر الحركة و التغيّر بالتناقض الداخلي بوحدة الأضداد بل بعنصر خارجي . سبب النمّو و الحركة و التغيّر حسب النظرية الخوجيّة خارجي و حسب المادية الجدلية كما طوّرها ماركس و إنجلز و لينين و ماو تسى تونغ داخلي أي متضمّن في وحدة الأضداد أو التناقض ما يساوى صراع الخطّين حسب التحديد العلمي المادي الجدلي الماوي و قد ناقشنا هذا مطوّلا في معرض نقدنا لكتاب محمّد الكيلاني " الماويّة معادية للشيوعيّة ". و نظريّة التسرّب هذه المثاليّة الميتايزيقية تنسجم تماما مع قراءة خوجيّة خاطئة للإشتراكية بإعتبارها مجتمعا لا وجود فيه للطبقة البرجوازية و لا تناقضات عدائيّة ، لا تناحرات طبقيّة و بإعتبارها ( الإشتراكية ) مختلفة عن الشيوعية في الدرجة و ليس في النوع أي إختلافها إختلافا كمّيا و ليس نوعيا / كيفيّا على عكس ما رآه ماركس و لينين و ماو تسى تونغ الذى يصف المرور من الإشتراكية كمجتمع طبقي يطبّق فيه شعار " كلّ حسب عمله " إلى المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات و الذى يطبّق فيه شعار " كلّ حسب حاجياته " ثورة و ها لها من ثورة !
و ماضين بمنطقها الداخلي إلى منتهاه ، تصبح النظريّة الخوجيّة للتسرّب هذه حبلا قد يلتفّ على عنق الخوجيّين أنفسهم . فهل أنّ راميز عاليا الذى قاد حزب العمل الألباني بعد وفاة خوجا و كان رفيق دربه لعقود ، إلى إعادة تركيز الرأسماليّة متسرّب للحزب ؟ و كيف لم يتفطّن له أنور خوجا الذى كان يباشر شؤون الحزب و الدولة و يقودهما و قد كان الرجل إلى جواره لا لسنوات بل لعقود ؟ ( قد تغدو هذه الأسئلة منبع إدانة لخوجا نفسه الذى ليس قادرا على التعرّف على المتسرّبين وهو زعيم الحزب ) . و هل أنّ محمّد الكيلاني الذى إنشقّ على حزب العمّال التونسي متسرّب أيضا وهو من أبرز مؤسّسي الحزب ؟ و هل أنّ عناصرا من الكتلة الجديدة المنشقّة عن حزب العمّال و منهم من هم من المؤسّسين أو من قدامى الحزب من المتسرّبين له أيضا ؟ و كيف لم يتمّ التعرّف عليهم و منهم من هم من القيادات المعروفة المركزيّة و الجهويّة ؟ ( و قد تُستخدم هذه الأسئلة المشروعة و المنطقيّة بشكل أو آخر لإدانة قيادة حزب العمّال ذاتها) .
المنهج المثاليّ الميتافيزيقيّ و الدغمائية التحريفية الخوجيّة هما اللذان يقفان وراء هكذا تقليعات تسبح في سماء الأوهام بدل التحليل الملموس للواقع الملموس للصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية .
و في الصفحات المخصّصة " للمؤتمر 20 للحزب – خروتشوف : الإنحراف فالتفسّخ " لا نجد تحليلا و تلخيصا ماركسيّين، ماديين جدليين لهذا المسمّى إنحرافا و لهذا المسمّى تفسّخا . ما هي طبيعة هذا الإنحراف ؟ ما هو منبعه ؟ و أي الطبقات يخدم ؟ و كيف ؟ لماذا لم يتفطّن إليه ستالين ؟ و لماذا لم تتمّ مقاومته داخل الحزب و خارجه ؟ و ما علاقته بأخطاء إرتكبها ستالين ؟ و كيف نطبّق عليه المادية الجدليّة على الأقلّ من حيث التحوّل الكمّى و النوعي / الكيفي و من حيث قانون التناقض / وحدة الأضداد ؟ و ما إلى ذلك . أمام هكذا أسئلة و أسئلة مشابهة ، وقف الخوجي شأنه شأن بقيّة الخوجيين مشدوهين مثلما حصل لمعظم الشيوعيين الثوريين و للجماهير الشعبيّة عامة في الإتّحاد السوفياتي و عبر العالم قاطبة ، لم يفقهوا شيئا ممّا كان يجرى أمامهم و خلفهم و فوقهم و تحتهم ، في كلّ الإتّجاهات . و قد غمرت الدهشة و البهتة عشرات الأحزاب الشيوعية عبر العالم . و رغم محاولة الناطق الرسمي باسم حزب العمّال التونسي التمويه بتوفير كمّ من المعلومات عن تحرّكات و إتّصالات و مؤامرات ، و رغم مساعيه لنقد جوانب من دستور 1936 ، لم يفلح في تغطية " عين الشمس بالغربال " كما يعبّر عن ذلك مثل شعبي تونسي . لم يقم الهمّامي الخوجي بحفريّات لإكتشاف الأخطاء في فهم المادي الجدلي و النظرة الشيوعية للعالم التي تشرح حصول تلك الأخطاء في الدستور . تلك الأخطاء في الدستور ( التي سنعود إليها ) ليست مصدر ما حدث من تغيّر في لون الحزب و الدولة السوفياتيين بل هي إنعكاس لنظرة للعالم ، لخلل شخّصه ماو تسى تونغ في أوجه من الذاتية المتضاربة مع الماديّة الجدليّة لدى ستالين . ما يعتبر إضافة جديدة من الهمّامي للخطّ الخوجي العام المتّصل بفهم الإشتراكية ، يقدّم سببا وهو في الواقع رئيسيّا نتيجة عدم تمكّن ستالين بإقتدار من المنهج المادي الجدلي و بعد ذلك، ثانويّا صار سببا لأشياء أخرى منها بثّ الرماد في العيون أو تعمية رؤية أين يوجد العدوّ و كيف نحاربه ، أين توجد البرجوازية و كيف نحاصرها في ظلّ الإشتراكية . لم يفلح صاحبنا الخوجي إلى النخاع في التعمّق اللازم وراء الظواهر و القشور لبلوغ جوهر المسائل المناقشة و تقديم شرح كافى و شافى ، ماركسيّا لذلك الإنقلاب التاريخي، لتلك الخسارة للتجربة السوفياتية التي قادها لينين و ستالين.
و في تقديرنا لن يفلح الخوجيّون الذين لم يبرحوا قناعاتهم الأساسيّة القديمة مهما حاولوا التلوّن كالحرباء في بلوغ هذا الهدف لسبب بسيط هو انّهم أنكروا الحقائق التي أمسك بها ماو تسى تونغ و أقام على أساسها نظرّية و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . ببساطة ، نكرّرها حينما يستبعد المرء الحقيقة و يدير ظهره لها ، سيعوّضها في أحسن الحالات بأنصاف الحقائق التي ليست حقائق بل مغالطات في نهاية التحليل ، و في أسوء الحالات ، سيزوّر و يفترى كما فعل و يفعل الخوجيّون على الماسكين بالحقائق و يطمسون الحقائق ذاتها .
و بعد هذا النقاش الطفيف ، لا مندوحة من إرجاع الأمور إلى نصابها و لو بعجالة هنا ، مرسّخين شيئين إثنين هما مفهوم الإشتراكية كما طوّره الماويّون و لا سيما أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعية الجديدة ؛ و تطوير ماو تسى تونغ لنظريّة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . أمّا من يرنو إلى دراسة هذه النظريّة الماويّة و تطبيقاتها فننصحه بكتابين هما ، " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " من تأليف بوب أفاكيان و ترجمة شادي الشماوي ، و " الصراع الطبقي و مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا : الثوة الثقافيّة البروليتارية الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانية في تقدّمها صوب الشيوعية " من وضع شادي الشماوي ، و الكتابان متوفّران بمكتبة الحوار المتمدّن على الأنترنت .
و نقتطف لكم فقرات ممّا خطّ قلمنا في كتابنا ، " نقد ماركسيّة سلامة كيلة ، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعية " :
" مفهوم الإشتراكية وفق الخلاصة الجديدة للشيوعية :
إثر تفحّص عميق و دقيق للتجربة الإشتراكية السوفياتيّة و الصينيّة ، توصّل بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى تلخيص مفاده أنّ الإشتراكية أشياء ثلاثة مترابطة و متداخلة و متشابكة .
الإشتراكية نمط إنتاج يقوم أساسا على الملكيّة العامة والجماعية التعاونيّة ( و الموضوع يحتاج نقاشا ليس هذا مجاله ) و يعمل على تلبية حاجيات الجماهير الشعبيّة حسب إقتصاد مخطّط و كلّ ذلك بناءا على مبدأ " كلّ حسب عمله " .
و الإشتراكية سلطة سياسيّة هي دكتاتوريّة البروليتاريا بما هي سلطة الطبقة العاملة و حلفاءها تمارس الديمقراطية صلب الشعب و تحمى حقوق الطبقات الشعبيّة و أهمّها حق تقرير مسار المجتمع من جهة ؛ و الدكتاتوريّة تجاه أعداء الشعب من بقايا الطبقات المستغِلّة القديمة أو الفئات الأخرى القديمة و الجديدة التى تسعى إلى إعادة تركيز الرأسماليّة .
و الإشتراكيّة ، ثالثا ، و هذا غاية فى الأهمّية ، مرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعية تحتمل التراجع إلى الرأسماليّة نظرا لتضمّن بنيتها التحتيّة و بنيتها الفوقيّة و إفرازاتهما بإستمرار عناصر تمضى إن لم تقع محاصرتها و تحديدها إلى تشكيل قاعدة قويّة للإنقلاب على الإشتراكية و إعادة تركيز الرأسماليّة .
و الأساسي و الرئيسي من ضمن هذه العناصر الثلاثة ، كما يقول بوب أفاكيان ، هو أنّ الإشتراكية مرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة .
لقد أعرب ماركس منذ أكثر من قرن الآن عن أنّ :
1- " ... بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل الرأسمالي تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي و تناسبها مرحلة إنتقال سياسية أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا ..."
( " نقد برنامج غوتا " و ذكره أيضا لينين فى " الدولة و الثورة " ، الصفحة 92 ) .
2- " إنّ ما نواجه هنا ليس مجتمعا شيوعيّا تطور على أسسه الخاصّة ، بل مجتمع يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات ؛ مجتمع لا يزال ، من جميع النواحي ، الإقتصادية و الأخلاقية و الفكرية ، يحمل طابع المجتمع القديم الذى خرج من أحشائه ".
( ذكره لينين فى " الدولة و الثورة " ، الصفحة 98 ).
و لكن الحزب الشيوعي السوفياتي و على رأسه ستالين ، صاغ دستور 1936 وفيه أعلن وجود طبقة العمّال و طبقة الفلاّحين و فئة من الأنتلجنسيا لا غير بما يعنى عدم وجود صراع طبقي و برجوازية جديدة إلخ . و كان هذا خطأ فادحا سيعمل ماو تسى تونغ على تجاوزه . [ لاحظوا أنّ هذا النقد الماوي لدستور 1936 ذكّرنا به سنة 2016 في العدد 30-31 من " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! "، قبل أن يأتي على ذكره السيّد جيلاني الهمّامي سنة 2018 على أنّه إضافة من لدنه ].
و فى محاضرة له عنوانها " الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! " ( شادي الشماوي ، " عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!!" ، مجلّة " الماويّة : نظريّة و ممارسة " عدد 2 ؛ مكتبة الحوار المتمدّن ) ، لخّص ريموند لوتا ، عالم الإقتصاد المتبنّى للخلاصة الجديدة للشيوعية ، مفهوم الإشتراكية على النحو التالي :
" ماذا نقصد بالإشتراكية ؟ على عكس ما يعتقد البعض ليست الإشتراكية دولة عناية إلاهية عظمى و لا تعنى أيضا دولنة الإقتصاد الرأسمالي. فالإشتراكية مرحلة المرور من الرأسمالية إلى الشيوعية أي إلى مجتمع خال من الطبقات. الإشتراكية هي مرحلة التحويل الذى تنجزه البروليتاريا و حلفاؤها – الذين يمثلون الغالبية الساحقة فى المجتمع – للهياكل الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و الأفكار التى تهدف إلى تأبيد الإنقسامات الإجتماعية و الإنقسامات الطبقية . و تسمح الإشتراكية بتحرير القدرة الخلاقة و المبادرة لدى الذين تبقى عليهم الرأسمالية في قاع المجتمع.
و ستؤسس الثورة الإشتراكية نظاما سياسيا جديدا تماما هو دكتاتورية البروليتاريا . و هذا النظام سيضع الطبقات الإستغلالية القديمة و الأشخاص الذين يعملون بنشاط على قلب النظام الجديد تحت مراقبة شديدة . أما بالنسبة للجماهير فستوفّر دكتاتورية البروليتاريا الحق و القدرة على تغيير العالم و المساهمة فى جميع المجالات الإجتماعية و على التحوّل إلى سادة المجتمع .
و ستركز الثورة الإشتراكية إقتصادا جديدا مخطّطا ، قائما على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و سيتعاون الناس لضمان تلبية حاجيات الجميع. وفضلا عن ذلك سيجرى تحديد أولويات إقتصادية و إجتماعية جديدة . و ستمارس البروليتاريا دكتاتوريتها على الرأسماليين و ستحلّ محلهم نظاما يشجع على القضاء على الرأسمالية. و على الجماهير و نواتها القيادية أن تدافع بضراوة عن سلطتها الجديدة و لكن هذا لن يكون غاية في حدّ ذاته إذ يتعين أن تستعمل السلطة الجديدة لفائدة الإنسانية جمعاء و من أجل إيجاد ظروف توفّر إمكانية ظهور المجتمع الشيوعي. "
تطوير ماو تسى تونغ للإشتراكية :
لم يهمل ماوتسى تونغ الإنقلاب التحريفي فى الإتحاد السوفياتي ، عقب وفاة ستالين و إعادة تركيز الرأسمالية هناك بل درسه بعمق وشموليّة و إستخلص دروسا قيّمة ساعدته فى فهم ما حدث هناك و مقاومة التحريفيّة المعاصرة و على رأسها التحريفية السوفياتية الخروتشوفية ( و تحريفية تيتو اليوغسلافي و توراز الفرنسي و تغلياتي الإيطالي ...) و كانت موجة التحريفية تكتسح معظم الأحزاب الشيوعية و حتّى الخطوط التحريفيّة التى أطلّت برأسها فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني ذاته. فشهدت ستّينات القرن العشرين و سبعيناته تطوير ماو تسى تونغ لنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا .
و قد إعتبرت الحركة الأممية الثوريّة ( نواة أممّية للمنظّمات و الأحزاب الماويّة نشطت من 1984 إلى 2006 ) فى بيانها سنة 1984 أنّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا هي حجر الزاوية فى تطويرات ماو تسى تونغ للماركسية – اللينينية بمصادرها و مكوّناتها الثلاثة : الفلسفة و الإقتصاد السياسي و الإشتراكية .
وفى الأشهر الأخيرة نشر شادي الشماوي على موقع الحوار المتمدّن ترجمة لفضول كتاب ألّفه بوب أفاكيان سنة 1978-1979 يشرح فيه " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " و فى الفصل المخصّص لتطوير ماو للإشتراكية شرح مستفيض لنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . و هنا ليس بوسعنا سوى ذكر بعض أطروحاتها بشكل يكاد يكون برقي لا غير لأنّ الخوض فيها يستدعى عشرات الصفحات و المجال هنا لا يحتمل ذلك ، فضلا عن أنّنا نقدّر أنّ فصل كتاب بوب أفاكيان المخصّص لهذا الغرض كافي و شافي .
وإليكم جملة من أهمّ أطروحات نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا :
- تواصل وجود الطبقات و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية .
- الحزب الشيوعي بما هو قائد الدولة و الماسك بأهمّ مفاصلها و بأهمّ مقاليد تسيير المجتمع هو مركز الصراعات و بإستمرار يشهد صراع خطّين بين الطريق الراسمالي و الطريق الإشتراكي و لئن إنتصر الخطّ الرأسمالي يجدّ إنقلاب تحريفي و تتمّ إعادة تركيز الرأسمالية .
- صعود التحريفية إلى السلطة يعنى صعود البرجوازية إلى السلطة .
- تنشأ برجوازية جديدة صلب الحزب و هياكل الدولة أهمّ ميزاتها هي الدفاع عن سياسات توسيع الحقّ البرجوازي بينما تسعى القوى الثوريّة إلى تقليصه إلى أقصى الحدود الممكنة .
- وسيلة وطريقة مكافحة التحريفيّة صلب الحزب أي أتباع الطريق الرأسمالي و تثوير صفوف الحزب هي الثورة الثقافيّة.
و قد مورست هذه النظريّة فى الصين الماوية طوال عشر سنوات هي سنوات الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى 1966-1976 و كانت عظيمة بعبرها و تأثيرها المحلّى و العالمي و مثّلت حقّا قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقدّمها صوب الشيوعية لذلك تعرّضت و لا تزال لأكبر التشويهات الإمبريالية و الرجعية و التحريفية و بينما يرفع رايتها أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، يدير لها ظهرهم المتمركسون و حتّى الدغمائيّون من الماويّين أو يقلّلون من شأنها . "
--------------------------------------
ب- نقد لشيء من النفاق و الإنتهازية الخوجيّين :
كثيرة هي ألوان النفاق الخوجي و قد تستغرق متابعتها و التعليق عليها عشرات الصفحات لذا دون إطالة ، حسبنا هنا التعريج على شيء منها متّصل مباشرة بموضوع جدالنا هذا لا سيما ذلك الوارد بخاتمة الكتاب التي تنتقى شذرات من النقد الماوي الصائب للتجربة السوفياتية و تزرعها هنا و هناك على أنّها إضافة نوعيّة إلى التقييم الخوجي المعروف و الذى يظلّ حتّى في كتاب السيد جيلاني الهمّامي أساس قراءة حزب العمّال التونسي لتلك التجربة . و هذا النقد لجوانب من منطوق دستور 1936 كما رأيناه يقلب النتيجة سببا ، يجعل تلك الأخطاء في الدستور منبع الإنقلاب التحريفي عوض رؤيتها على أنّها إنعكاس لأخطاء أخرى في النظرة إلى العالم ، أخطاء في إستيعاب و تطبيق المادية الجدليّة على الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية . و قد سعى الخوجي التونسي إلى إدخال بعض النقد تجميلا لوجه الخوجيّة الممزّق بفعل إفتضاح دغمائيّتها و تحريفيّـها محلّيا و عربيّا و عالميّا ، وكان من واجب الباحث و من مقتضيات البحث العلمي عامة أن يعلن باحثنا الموقّر عن أنّ هذه التعديلات الطفيفة جدّا المأخوذة من الماويّة و تتضارب بصورة مهذّبة جدّا و إلى حدود معيّنة مع الخوجيّة الكلاسيكيّة و لكنّه خيّر بإنتهازية تفادى هذا الإعلان المزدوج فترتّب علينا إبرازه كشكل من أشكال النفاق الخوجي قبل الغوص في تمظهرات أخرى لهذا النفاق مدانة ماركسيّا .
لقد صبّ أنور خوجا في كتابه السيء الصيت " الإمبريالية و الثورة " ، أواخر سبعينات القرن الماضي ، جام غضبه على رأس ماو تسى تونغ لإعتبارات عدّة منها إعتباره تحليل ستالين للطبقات في ظلّ الإشتراكية خاطئا . و جاء حزب العمّال التونسي في واحدة من أهمّ وثائقه التأسيسيّة التي نشرت باسم محمّد الكيلاني سنة 1989 ، " الماويّة معادية للشيوعية " ، ليتبنّى صراحة وجهة النظر الخوجيّة و ليكيل الشتائم إلى الماويّة التي أضحت بقدرة قادر مثالي ميتافيزيقي دغمائي تحريفي معادية للشيوعية بينما كانت تمثّل الشيوعية الثوريّة في أبهى حُللها . ثمّ دون تقديم و لو إعتذار للماويّة و الماويّين أو نقد صريح و علني للمواقف الخوجيّة السابقة لهذا الحزب ، يخرج علينا السيّد جيلاني الهمّامي بترديد مقنّع لشذرات إستولى عليها من النقد الماوي للدستور السوفياتي لسنة 1936 التي آن أوان تفحّصها و مقارنتها بالمواقف الخوجيّة الرسميّة السابقة التي لم تُنقد و لم يُعلن خطؤها فنكتشف معا مزيدا من النفاق الخوجي .
ينحى الخوجي التونسي باللائمة على هذا الدستور السوفياتي لأمور ثلاثة أساسيّة :
أ- لأنّه صمت عن " حقّ العمّال في ممارسة الإضراب " ( ص 226 ) و يُفهم من ذلك أنّه لو نصّ على ذلك لأصاب و وضع ركنا أساسيّا من أركان الخطّ البروليتاري الثوري في نضاله ضد التحريفيّة . و ما قولكم أنّ المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني سنة 1973 ، و بإلحاح و إصرار و نتيجة صراع دؤوب و شاق من الماويين ضد التحريفيين أتباع الطريق الرأسمالي في الحزب ، أقرّ حق الإضراب الذى سيلغيه التحريفيّون بعد إنقلابهم الدامي على الشيوعيين الثوريين الماويين سنة 1976 ! و عليه ، من واجب صاحبنا أن يحيّي ماو تسى تونغ على أنّه شيوعي عظيم إستفاد من أخطاء التجربة السوفياتية لا أن يخرجه و حزبه من الماركسيّة ، أليس كذلك ؟ و للتاريخ ، لم يمنع ذلك الحقّ و إن كان إقراره عين الصواب بما هو سلاح من أسلحة النضال ضد التحريفيين و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية ، لم يمنع حصول الإنقلاب التحريفي فلوحده و حتّى ضمن حزمة إجراءات ثوريّة أخرى قد يكون أحيانا غير كافى في ظروف ذاتية و موضوعية محلّية و عالميّة معيّنة و موازين قوى محلّية و عالميّة راجحة لصالح الرجعيّة ، كما بيّنت التجربة الإشتراكية الماوية الصينية.
ب- لأنّه قال " بتخلّص المجتمع الروسي [ السوفياتي أصحّ معرفيّا ] من الطبقات الإستغلاليّة القديمة بشكل يوحى بأنّه لم يعد يشقّه الصراع الطبقي ... و لقد تأكّد تاريخيّا و انّ هذا القرار الخاطئ كان عاملا من عوامل تشكّل " نخبة " بيروقراطيّة في أجهزة الدولة ..." ( ص 225 ) .
و بصرف النظر عن ما يفوح من تروتسكيّة في " النخبة البيروقراطية " ( و في " الأنظمة البيروقراطية " ، في تقديم حمه الهمامي ) ، ننكبّ على الجوهري في نقاشنا فنقول إنّ هذا الكلام ينضح منه انّ صاحبه لا يوافق على التحليل الطبقي للإشتراكية على أنّها تنطوى على طبقتين صديقتين إلى جانبهما أنتلجنسيا وهو يطالب بالإعتراف بوجود الطبقات الإستغلاليّة القديمة إلاّ انّه لا يقطع و لو خطوة نحو تحديد طبيعة هذه الطبقات و تحليل قاعدتها الاقتصادية و السياسة و الثقافيّة و الإيديولوجية و أشكال وجودها و مواقع وجودها و تعبيراتها و كيفيّة خوضها لصراعاتها إلخ . ظاهريّا ، يحاول تخطّى الفهم الخوجي الكلاسيكي و عمليّا يراوح مكانه لا أكثر و لا أقلّ. حال السيّد الهمّامي هنا كحال طبيب شخّص الداء و إمتنع لأسباب لا يفصح عنها عن مدّ المريض بالدواء !
فعلا ذلك التحليل الطبقي للإشتراكية في دستور 1936 خاطئ و خاطئ جدّا . و الهمّامي الخوجي لم يكتشف هذا الخطأ إلاّ سنة 2018 ليضفى على " تقييمه " كساء نقديّا ماركسيّا بينما شخّصه ماو تسى تونغ منذ خمسينات القرن الماضى و نال لذلك من الخوجيّين ما نال من قذف و تشويه ، على غرار ما جاء في الكتاب الذى يمكن أن يعتبر من الوثائق التأسيسيّة لحزب العمّال التونسي ، كتاب" الماوية معادية للشيوعية " ( طبع المطابع الموحّدة – المنطقة الصناعية – الشرقية – تونس ) الذى صدر سنة 1989 باسم محمّد الكيلاني و قد كان حينها من أبرز قيادات ذلك الحزب . و في الصفحة 80 من هذا الكتاب الخوجي المفضوح يُحمل على الماوية لتمايزها عن الفهم السوفياتي للطبقات و الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و يُشدّد على أنّ المجتمع الإشتراكي " متكوّن من الطبقات الصديقة فقط " هي كما حدّدها ستالين و الدستور السوفياتي لسنة 1936 العمال و الفلاحون و إلى جانبهما " فئة المثقّفين الإشتراكيين ".
و لم يقع التصريح العلني بهذا التضارب في المواقف أو تغيير المواقف لدى حزب العمّال التونسي ( بين كتاب الكيلاني سنة 1989 و الهمّامي سنة 2018 ) على أمل أن يمرّ الأمر دون أن يلاحظ و يبدو أنّهم عوّلوا كثيرا على إصابة البعض بآفة النسيان و فقدان البعض الآخر للذاكرة و لكن هيهات ، لن تمّر خدعة " حقيقة هنا ضلال هناك ".
ت- لأنّ " حصر مسألة حرّية تكوين الأحزاب السياسيّة سنة 1936 في الأحزاب الرجعيّة الممثّلة للطبقات القديمة ( البرجوازية و الكولاك إلخ ...) لتبرير عمليّة المنع موقف خاطئ من الناحية النظريّة و له تبعات سياسيّة سيّئة ". ( ص 224 و الشيء نفسه تقريبا يقال بالصفحتين 222 و 223 ) . نضع سطرا تحت نقص فادح لدى الخوجي التونسي في تطبيق الجدليّة متجسّدا فى الإعتراف بالطبقات القديمة فقط و نسيان نقيضها أي الطبقات الرجعيّة الجديدة ، خاصة ما سمّاه ماو تسى تونغ بالبرجوازية الجديدة ، أو أتباع الطريق الرأسمالي في الحزب البروليتاري و في الدولة الإشتراكية ، التي تنشأ في المجتمع الإشتراكي بالذات لتناقضات المجتمع الإشتراكي الذى يحمل بإعتباره مرحلة إنتقاليّة إمكانيتين ، إمكانيّة التقدّم صوب الشيوعية و إمكانية العودة إلى الرأسمالية و مردّ ذلك أنّه إلى جانب الأشياء الإشتراكية الجديدة وفى صراع معها لا تزال موجودة و فاعلة بقايا المجتمع الطبقي في كافة الميادين ما يفرز إعادة إنتاج العلاقات الرأسمالية و برجوازية جديدة في ظروف جديدة تتميّز بتواصل فعل و تأثير قاعدة ماديّة تتلخّص في الحقّ البرجوازي و التناقضات بين القادة و المقادين و بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين العمّال و الفلاحين و بين الريف و المدينة .... ثمّ ، نضع سطرا تحت معلومة أنّ ( فكرة إمكانيّة وجود أكثر من حزب في ظلّ الإشتراكية إلى جانب الحزب الشيوعي التي يردّدها السيد جيلاني الهمّامي و يبدو منافحا عنها اليوم ( ص 223 من كتابه ) بتبريرات طوّرتها في الأساس الماويّة منذ عقود ، فكرة لماو تسى تونغ عرّضت الماويّة للتقريع الخوجي في كتاب أنور خوجا و كذا في كتاب محمّد الكيلاني على أنّها ليبرالية و " تقاسم القيادة مع الأحزاب البورجوازيّة " ( ص 28 من " الماويّة معادية للشيوعية " ) . و" إنّ تخلّى ماو الدور القيادي للحزب لا يقف عند هذا الحدّ ، بل يتعدّاه للدعوة إلى تقاسم هذا الدور مع الأحزاب البورجوازية في قيادة البلاد . لم تكن التعدّديّة وليدة " لتتفتّح مائة زهرة " بل هي متأصّلة في فكره ." ( ص 29 من المصدر السابق )
فهل يغضب الخوجيّون لتعريتنا نفاقهم و إنتهازيّتهم ، عدا دغمائيّتهم و تحريفيّتهم و إصلاحيّتهم ؟!
و نوفّر للقرّاء فرصة التعليق الحرّ على مدى تناغم أم تنافر فقرتين واحدة للهمّامي سنة 2018 و أخرى للكيلاني سنة 1989 و ما يعنيه ذلك بالنسبة لسلوك حزب العمّال التونسي ( علما و انّ أفكار الهمّامي " مستعارة " من الأفكار الماوية ):
- " إنّ القول بتخلّص المجتمع الروسي من الطبقات الإستغلالية القديمة بشكل يوحى بأنّه لم يعد يشقّه الصراع الطبقي و بات ينعم بالوئام التام بين العمّال و الفلاّحين و الأنتلجنسيا تحت قيادة الطبقة العاملة يعنى فيما يعنى و انّ المجتمع الروسي قد دخل بعد إلى " الطور الأعلى من الشيوعيّة " الذى يفترض إنطلاق مسار الإضمحلال التدريجي للدولة و الحزب على حدّ السواء لا مزيد تقوية أركان الحزب و منحه – بالقانون – فرصة الهيمنة على الحياة السياسيّة بإعتباره الحزب الوحيد المسموح ببقائة و نشاطه . " ( ص 225 من " مساهمة في تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة - الجزء الأوّل " ).
- " يتّضح لنا أنّ الشيوعية لا تشكّل نفي الإشتراكية بل هي مرحلة عليا من تطوّر المجتمع الإشتراكي و انّ افنتقال من المرحلة الدنيا للشيوعية إلى مرحلتها العليا يتمّ عبر تحوّلات تدريجية لنفس الظاهرة ". (ص 79 من " الماوية معادية للشيوعية " ، ملخّصا مساعه لدحض الفهم الماركسي – اللينيني – الماوي بأنّ المرور من المرحلة الأولى إلى الثانية تحوّل نوعى بل ثورة و ها لها من ثورة إذ يصبح المجتمع العالمي شيوعيّا خاليا من الطبقات ولا يحتاج لا دول ولا أحزاب.)

و من هنا ، يصحّ و يحقّ لنا أن ننعت الخطّ الإيديولوجي و السياسي لحزب العمّال التونسي بأنّه خوجي همّامي و الصفة الثانية نسبة إلى الهمّامي ( حمه و جيلاني ) فعلاوة على أنّ القاعدة الأساسيّة ، أرضيّة الإنطلاق الإيديولوجية هي الخوجيّة، في بعض المسائل ، كما رأينا في مقالنا السابق عن كتاب " منظومة الفشل " و في مقالنا هذا للتوّ ، هناك لمسات تزويقيّة ثانويّة للخوجيّة من صنع الناطق الرسمي باسم حزب العمّال و بموافقة أمينه العام . و المسحوق المستعمل مستعار إن لم نقل مختلس من الأطروحات الماويّة !
و دعونا نلقى نظرة إلى الخلف ، إلى ما جاء في " أصناف التقييمات " من زعم فنّدناه بدقة متناهية ، زعم تبنّى الماويين الصينيّين " الإنتقادات التي وجّهها خروتشوف لستالين تحت عنوان " عبادة الشخصيّة " "( ص 29 ) لأنّهم شخّصوا " ذاتية و ميول نحو النظرة الجزئيّة " ( ص 29 ) أو بالأحرى النظرة الذاتية و ميول نحو النظرة الإحادية الجانب لدى ستالين . و نربط ذلك الإفتراء بما نحن بصدده فنطرح ، وقد أوضحنا الخلافات المبدئيّة بين النقد الماوي البنّاء لرفيق ماركسي عظيم قام بأخطاء أحيانا جدّية و النقد الخروتشوفي الهدّام المعادي للشيوعية منهجا و هدفا ، سؤالا مباشرا و مشروعا تماما على السيّد الهمّامي (و من لفّ لفّه ) : هل نعتبر أنّك تتبنّى إنتقادات خرتشوف لأنّك نقدت دستور 1936 الذى أشرف علي وضعه ستالين نفسه ، لمجرّد أنّك نقدت ستالين ؟ عسى أن يساعد طرح هذا السؤال البعض على إدراك مدى تجنّى الخوجيّة على الماويّة لا لشيء إلاّ لأنّها أقدمت على نقد مبدئي و رفاقي لأخطاء قام بها ستالين . و نردف هذا بأن نؤكّد أن العمق الفلسفي لنقد أخطاء دستور 1936 هو الذاتيّة لدى ستالين و خطأ الذاتية بالبساطة كلّها يكمن في عدم تطابق الرأي أو الفكرة مع الواقع الموضوعي . و لو مضى السيّد الهمّامي بتحليله إلى نهايته المنطقيّة باحثا في الخلفيّة الفلسفية و المنهجيّة لتلك الأخطاء في الدستور ، لوجدها في الذاتية . ( والشيء نفسه تقريبا يمكن أن يقال عن النقد الماوي لإنفصام بين النظرية و الممارسة في علاقة الحزب بالجماهير - ص 29 كذلك ) . و بالتالى ها أنّ الخوجي المستعير لنقاط نقد ماويّة لدستور 1936 يتضارب مع نفسه و يلتحق دون وعي منه ، على الأرجح ، بنقد الذاتيّة عند ستالين ! و تسطع هنا ميزة من الميزات الأخرى للخوجيّة تتلخّص في إعتمادهم على المراوغات الإنتهازية المعبّر عنها في " حقيقة هنا ضلال هناك " ! حقيقة حين يأتى نقد ستالين من الخوجي و ضلال حين أتى النقد عينه من ماو تسى تونغ !
يبدو أنّ واقع الصراع الإيديولوجي و السياسي في القطر و عربيّا أفرز توجّها لدى الخوجيين إلى " الإستئناس " بالأطروحات الماويّة ! ففي مقال لنا عن إنتهازية حزب العمّال التونسي و نفاقه ( " من الفليبين إلى تونس : تحريفية حزب العمّال " الشيوعي " التونسي و إصلاحيته بيّنة لمن ينظر بعيون شيوعية حقّا " ، ضمن العدد 6 / جانفى 2012 من " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " – مكتبة الحوار المتمدّن ) فضحنا كيف أنّ هذا الحزب يمضى مع أحزاب أخرى من العالم، منها أحزاب ماويّة ، وثيقة محتواها يساند حرب الشعب الماويّة في الفليبين على أنّها تقدّمية و ثوريّة بينما لعقود ما إنفكّ يهوى على الماويّة و حرب الشعب الماويّة بفأسه الخوجية و كأنّه حطّاب يقطع شجرة . و اليوم نلفى الناطق الرسمي باسم هذا الحزب يقترف " إستعارة " من الأطروحات الماويّة . و إلى جانب هذا الحزب ، لمحنا إعتماد عناصر من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد أو متعاطفين معهم نصوصا للحزب الشيوعي البيروفي الذى قاد حربا شعبيّة ماويّة في البيرو، و فضحنا ذلك التلاعب في مقالاتنا ضد الإنتهازية ، كما لمحنا محاولة الحزب الوطني الديمقراطي الإشتراكي الظهور بمظهر تبنّى مواقف رمز من رموز الماويّة في تركيا و عبر العالم ، إبراهيم كايباكايا و توقيعه هو الآخر بيانا مع أحزاب ماويّة من العالم و كذلك لم يسعنا إلاّ فضح إنتهازيّة من أمضوا عقودا في تهشيم عظام الماويّة والماويين و لم يقدّموا أي نقد علني لممارساتهم و تنظيراتهم الغالطة تلك . جميع هؤلاء و غيرهم أكلوا و يأكلون الغلّة و يسبّون الملّة على حدّ تعبير مثل شعبي تونسي ، ينهلون من الماويّة و يشتمونها !
إختنق الخوجيّون المفضوحون و الخوجيّون المتستّرون فطفقوا ، كي لا ينقطع عنهم الهواء و يلقوا حتفهم سريعا ، و ليجدّدوا أنفاسهم ، يستولون على شيء من الأكسيجين الماويّ ذلك أنّ الماويّة ، مثلما أكّدنا و دلّلنا عليه و ثبت عالميّا ، أمسكت و تمسك بأهمّ حقائق الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و كيفيّة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و النضال المبدئي ضد التحريفية و الطريق على السلطة في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و قد طوّر بوب أفاكيان إستراتيجيا و تكتيك الثورة الشيوعية في البلدان الرأسمالية – الإمبريالية أيضا...
و ملفت للنظر أنّ السيّد الهمّامي بذل جهدا ليطوّر و لو نسبيّا المواقف الخوجيّة الكلاسيكيّة دون مساس بالجوهر الخوجي لكن الملفت أكثر هو أنّه توصّل بعد عقود و بعد نظر و تدبّر و تفحّص و تمحيص ... إلى نقاط ( لم تأت بجديد بالنسبة للماويّين ) لا ترقى أبدا لوحدها أن تمثّل جوابا كافيا و شافيا عن الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و الإنقلاب التحريفي في الإتّحاد السوفياتي . و نظرا إلى كون هذه النقاط مضمّنة في الأطروحات الماويّة المعروفة عالميّا لأزيد من نصف القرن الآن ، يفرض علينا أمران إثنان أوّلهما تسجيل أنّ ما تقدّم قد يفسّر لماذا حرص صاحبنا الخوجي على إعلان أنّ كتابه " مجرّد مساهمة من وجهة نظرى الشخصيّة " ( ص 9 ) فعلى الأرجح أنّه كان يسلك سياسة التقديم المتدرّج لمواقف لا تلقى الإجماع الخوجي خشية ردّة فعل خوجيّة متزمّتة من داخل حزبه الخوجي على خروجه و مروقه عن الخوجية الكلاسيكيّة و لو قيد أنملة و" إستعارته " لنقاط نقد ماوي تاريخيا و في الأساس لدستورسنة 1936 ؛ و ثانيهما إثارة سؤال قد يعدّه البعض ساخرا و لكنّه مشروع تماما : متى سيبلغ خوجيّو حزب العمّال التونسي مستوى نظريّة ماو تسى تونغ بكامل نقاطها و أسسها و أعمدتها إذا علمنا أنّ ماو تسى تونغ أكّد منذ أواسط خمسينات القرن العشرين حقيقة تواصل الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية بين البروليتاريا و البرجوازية ( فقال على سيل المثال ، في تعارض جليّ مع تحليل ستالين للطبقات في المجتمع الإشتراكي كما ترجمه الدستور السوفياتي لسنة 1936 بأنّه : " بالرغم من أن التحويل الإشتراكي فى بلادنا ، فيما يتعلّق بالملكية ، قد أنجز من حيث الأساس ، و أنّ الصراع الطبقي الجماهيري العنيف الشبيه بالعاصفة و الواسع النطاق فى المراحل الثورية قد إنتهى الآن من حيث الأساس، إلاّ أنّه ما تزال هناك بقايا من طبقتي ملاك الأراضي و الكومبرادوريين اللتين أطيح بهما، و ما تزال البرجوازية موجودة ، و البرجوازية الصغيرة فى بداية إعادة تكوين نفسها. إذن فالصراع الطبقي لم ينته بعد.إنّ الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية ،و الصراع الطبقي بين مختلف القوى السياسية، و الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية فى الحقل الإيديولوجي ، كلّ هذا الصراع سوف يستمرّ لفترة طويلة و يجرى فى شكل متعرّج و يصبح فى بعض الأحيان صراعا عنيفا جدّا. إنّ البروليتاريا تسعى لتحويل العالم وفقا لنظرتها إلى العالم و هكذا تسعى البرجوازية أيضا. فمسألة أي من الإشتراكية والرأسمالية ستنتصر على الأخرى فى هذا الميدان، لم تجد حلّها الحقيقي بعد." ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب" ( 27 فبراير – شباط – 1957)- " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ص8 ، نسخه و أعدّه للنشر على الأنترنت شادي الشماوي – مكتبة الحوار المتمدّن ) و انّ نسق سرعة تطوّر تفكيرهم الخوجي يضاهى سرعة السلحفاة لا بل الحلزون علما و أنّ بلوغ ثلاث نقاط تكاد تكون بديهيّة بشأن نقد دستور 1936 ليست أكثر من" إستنتاجات وتقديرات أوّلية " بكلمات السيّد جيلاني الهمّامي ( ص 9 من كتابه ) إستغرق منهم أكثر من نصف قرن ؟ ربّما يبلغون ما بلغه ماو تسى تونغ قبل أزيد من نصف قرن في ... !!! من فضلكم ، أمسكوا بآلاتكم الحاسبة أو حواسيبكم او هواتفكم الجوّالة أو بمجرّد قلم و ورقة و أجروا العمليّة الحسابيّة عوضا عنّا و سننتظر منكم الإجابة عن عدد السنوات و العقود و القرون التي يمكن أن يستغرقها هؤلاء الخوجيّين لبلوغ مستوى فهم مجمل نظرية ماو تسى تونغ حول مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتورية البروليتاريا !!!

و نختم هذا المحور بإشارة على عجل إلى كون التجربة الإشتراكية السوفياتية لم تفشل بل هُزمت . و البون شاسع . مثله مثل البرجوازية العالمية و بقيّة الرجعيين في أصقاع العالم كافة ، يردّد علينا الهمّامي الخوجي المعزوفة ذاتها ، معزوفة فشل الإشتراكية و كأنّ الأمر ناجم عن عيب فيها ، كانّ العيب داخلي في أسس الشيوعية أصلا. هذا ما يفيده و المقصود بفشل التجربة الإشتراكية كما هو متداول عالميّا . أمّا الماويّون ، أصحاب التحليل و التلخيص العلميين الوحيدين للتجربة الإشتراكية السوفياتية ، فقد توصّلوا بعد جهد جهيد و بحث و تنقيب منهجيين إلى أنّ ما حصل للإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي ليس فشلا و ليس مردّه الأساسي عوامل ذاتيّة و إنّما هو هزيمة في معركة من معارك حرب طاحنة بين البروليتاريا العالمية من جهة و الإمبريالية العالمية و عملائها من الجهة الثانية ؛ و المهزوم في هذه المعركة هو البروليتاريا و المنتصر هو البرجوازية الإمبريالية و عملائها بيد أن الحرب لم تتوقّف . و قد نجحت الصين الماويّة بفضل الدروس المستقاة من التجربة السوفياتيّة و تطوير نظريّة و ممارسة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا في تسلّق جبال أعلى فأعلى فالثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( 1966- 1976 ) قمّة ما بلغته الإنسانيّة في تقدّمها صوب الشيوعية . و بالرغم من صمود الشيوعيين الثوريين الماويّين الصنيّين أمام هجمات الخطّ التحريفي في صفوف الحزب الشيوعي و الدولة الإشتراكية ، خطّ أتباع الطريق الرأسمالي أو البرجوازية الجديدة ، طوال سنوات و تحقيقهم لإنتصارات لامعة و فريدة من نوعها ، لظروف أيضا ذاتيّة ثانويّا ، و موضوعيّة رئيسيّا صينيّة منها و عالميّة خاصة جدّت الهزيمة المدوّية الأخرى معلنة نهاية مرحلة أولى من الثورة الشيوعية العالمية بدأت مع كمونة باريس ، و بداية مرحلة أخرى لا بدّ من الإعداد لها و خوض معمعان معاركها متسلّحين بأرقى ما توصّل إليه علم الشيوعية اليوم الذى تطوّر من ماركسية إلى ماركسيّة – لينينيّة ، فماركسية – لينينيّة – ماويّة لينتهى اليوم بفضل الجهود البحثيّة و النظريّة لبوب أفاكيان و الحفريّات التي أجراها في التراث البروليتاري و الإستفادة من التحليل الملموس للواقع الملموس و المتطوّر أبدا لمجريات أحداث الصراع الطبقي عالميّا و الصراع بين الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية و من شتّى مجالات النشاط الإنساني ، و بالتالى القطع مع الأخطاء و الإحتفاظ بالصائب و تطويره و البناء على أساسه و إضافة ما تلزم إضافته ، لينتهي اليوم إلى الخلاصة الجديدة / الشيوعية الجديدة .
إنتهت مرحلة و بدأت أخرى . و تحتاج المرحلة الثانية من الثورة الشيوعية أو الثورة البروليتارية العالمية إطارا نظريّا جديدا هو تحديدا أرقى ما بلغه تطوّر علم الشيوعية ، هو الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعية الجديدة . و سينير هذا الإطار النظري الثوري الجديد النظرية و الممارسة الثوريين لتستمرّ الحرب الضروس العالمية للإطاحة بالإمبريالية و لبناء الإشتراكية فالشيوعية و تيّارا الثورة البروليتارية العالمية حاليّا هما الثورة الإشتراكية في البلدان الرأسمالية الإمبريالية و الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات بقيادة الإيديولوجيا و الأحزاب الشيوعية و غايتها الأسمى ليست أقلّ من المجتمع الشيوعي العالمي .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------