الشيوعيه ومسارات-قرآن العراق-؟ ملحق 2/ 14


عبدالامير الركابي
2021 / 3 / 24 - 14:42     

عاش العراق تاريخه الحديث بشطرية، أي قبل حضور الغرب، وبعده، بدون رؤية وطنية مطابقة، ومن ثم بلا حركة وطنية، مع اختلاف في تحسس مثل هذه الضرورة، او اللازمة بين الحالتين، وتضخمها في الطور الثاني، وقد صارت في الظاهر بمثابة ضرورة عمليه، بغض النظرعن اتفاقها مع شروط ومصادر تكوينها، او توفر الأسباب والموجبات التي تجعلها ممكنة، ماقد هيأ المناخ لان تغدو فكرة "الحركة الوطنيه" حتى بما هي تلك الايديلوجيه الحزبية التي ظهرت مع العشرينات، وبداية الثلاثينات على وجه التحديد، وتمثلت في ابرز ملامحها في "الحزب الشيوعي العراقي"، وفي التيار الليبرالي الشعبوي، واخر تجلياته "الحزب الوطني الديمقراطي"، كما في "حزب البعث العربي الاشتراكي"، كقوى رئيسية ايديلوجيه، قامت ضمن اشتراطات احتدام قصوى، ولدها الخيار الاحتلالي الإنكليزي، ونوع مرتكزه الذي عول عليه لضمان نفوذه في العراق، على صعيد "الدولة" المركبة من خارج النصاب الاجتماعي والتشكل الوطني، عداالاساس والمرتكز المجتمعي، متمثلا في تكريس الانقلابيه الارتدادية في شكل ملكية الأرض، كوسيلىة لاختراق التشكل الأسفل المشاعي التاريخي.
ترافق ذلك مع تازم حاد أصاب موقع وحالة القيادة الانتظارية الدينية تحت طائلة وابتزازدعاوى الحداثة والمدنية، وشعاراتها كما تعتمدها "الدولة الحديثة" وسيلة وسلاحا من أسلحة تركيز مكانتها وسلطتها، ومع التراجع في مكانة ودور المشايخ الاحرار، ممثلي المشاعات، وزيادة موقع ملاك الأرض المدعومين بقوة الدولة الناشئة وسلاحها وسلطتها، بمقابل الانشطارية التي لحقت بالغرب وتحوله مع بداية القرن، وفي وقت مقارب لثورة 1920 التحولية العراقية غير الناطقة، الى معسكرين متناحرين باسم "الاشتراكية"، المضادة لمعسكر "الرسمالية الامبرياليه" الغربي الكلاسيكي، ماقد تولد عنه منفذ هام على مستوى المؤثرات المباشرة الغربيه وحضورها المتناحر خصوصا، وفي حالة العراق بالذات، مع غلبة اللانطقية الوطنية التي كانت تهيمن على حركة واليات الوطنية العراقية في حينه، والذي تمثل بابرز اشكاله وقتها في حال ثورة حزيران 1920 الكبرى غير الناطقة، والمثال من حيث الدلالة على استمرارية حال اللانطقية (الوطن/ كونيه) التحولية حتى حينه.
ولايعني عدم تبلور الوطنيه العراقية منظورا وواقعا، غياب الاليات ومايتصل بها من مسار هو بالأحرى المسار الوطني التاريخي، حيث الوطنية حالة فعل وحضور علي مستوى الاليات ماقبل النطق، ماقد يتيح أحيانا، وبحكم الضرورة، اشكالا من التعبير الزائف، سواء الموافق ظاهرا لنبض الاليات الوطنيه، او الذي قد يلبي أحيانا وخلال فترات وحالات بعينها، مقتضيات ومتطلبات ضرورية مؤقتة، عائده الى فعل وتحفيز الاليات الواقعية، بما يعني قبول الاليات المشار اليها، او اضطرارها لقبول نوع من البدل عن ضائع، ابان وخلال المرحلة، او الفترة، حيث الأسباب اللازمة والضرورية لم تكتمل بعد، لحين ان تتطابق الاليات والخاصيات، مع نوع النطقية والافصاح التاريخي عن الهوية والذات التاريخيه.
يوم حضر الغرب مباشرة ممثلا بالاحتلال البريطاني، جوبه بحالتين ومن منطلقين، الأول وطني غائب نطقا، تحولي ازدواجي طبيعة ومحركات، ومظهر اتباعي لاحق مرتكز الى النموذج والافكار الغربية، استند على عجز بإزاء الحالين المتصادمين الغربي، والذاتي الوطني، فالنفر المشار اليه، ممن اضطلعوا بمهمة التاسيس لهذه الظاهرة، لم يكن قادرا ولا جديرا بان يقف امام الحداثة الغربية الكبرى المستجده ليقول : حسنا هذا هو الغرب وظاهرته، فكيف ننظر له، ومن ثم نتعامل معه، هل بناء لواقعنا وتاريخنا ومنطوياته بإزاء انعطافة كبرى تاريخيه انقلابية، وممكنات ونوع تفاعله معها وعلى ضوئها، ام بناء على خلاصات الظاهرة العالمية المستجدة الداهمه الجاهزة، وبما هي عليه جملة، مع السعي الى اقلمه الواقع والتاريخ العراقي، واجباره على الانصياع لايقاعية الغرب وحداثته، مع مجمل مايتصل بها، واعتبار كل مايشذ عنها او يخالفها، خروجا على العصر و"الواقع" بحسب ماهو متخيل ومصاغ على وقع النموذج الغربي.
ولم تكن ظاهرة الوطنية الايديلوجية المستعاره فريده في بابها كليا، او مما لم يسبق للواقع العراقي بالاخص اللاارضوي واللادولوي الجنوبي، ان تعامل معه، او عالج اصنافا منه بما تقتضيه الحالات ومختلف الظروف التي مرت على ارض الرافدين خلال دورات تاريخها الثلاث، ف"الأستبدال"(1) يكاد يكون الظاهرة او الخاصية الأساس الرئيسية، المميزه لهذا الحيز المضطر ابان فترات طويلة، لاعتماد مثل هذه الممارسة، بحكم كونه حالة وظاهرة غير قابلة للتجسد ارضويا وكيانيا، الامر الذي لايدركه كمثال، ولايدخل ضمن مستوعبات العقل الاركولوجي الحجاراتي وال"وثوقي" البحت، بالاخص كما تجلى بحالة كبرى هامه، من نوع التحقق خارج ارض المنشا لكيانيه لاتتجسد ارضويا، واشتراطا تها، كما في مثال الابراهيمه النبوية الضخم.
من المعتمد كنموذج ومايواكبه من تعيين على مستوى الأفكار، نمط من "الوطنيه" بعينه، هو ذلك الذي تكرس مع صعود الغرب ونموذج كياناته السياسية المجتمعية، ونوع نظمه، ماقد تحول الى مثال اعلى، بضوئة تتعين الوطنيه واشكال ومناحي تجليها الزاما، وهو ماعرف العراق حالة من حالاته "الحديثة"، في محاولة ظاهرها مواجهة الغرب بمنجز الغرب نفسه، ومثالة الاصفى الأعلى، الامر الذي ماتزال بقاياها سارية الى الان، وتستعمل باعتبارها أساسا وقاعدة للنظر او الفعل الممكن والنموذجي، وهو مايبدو مع تاريخه ومااستغرقة من عقود شملت القرن الماضي برمته تقريبا، امكانا استبداليا واستلابيا لحالة لاتنتمي لاسس ومقومات الوطنيه الغربية الكيانيه الحديثة ( الوطن/ قومية)، ومايتصل بها من تشكل للشعب وتصيره بناء لاليات الانتقال البرجوازي التاريخي الى "امه"، والى "دولة" مطابقة، في المجتمعات الأحادية الانشطارية الطبقية، الاوربية منها كمثال اعلى ونموذج، بالقياس ومقارنه بالنموذج المضمر المؤجل غير الناطق، او الذي مايزال لم يات أوان نطقه وافصاحه عن ذاته المتعذرة على الادراك، واماطة اللثام، وهو مايعود الى، ويتصل بالنموذج والنمط الكياني الازدواجي التحولي الرافديني، الباقي وقت وصول الغرب وظاهرته الحديثة خارج الإحاطة.
يمكن لابل من المنطقي القول بان ماعرفه العراق في القرن العشرين تحديديا، هو سياق صراعية بين وطنيه أحادية هي الأعلى الارفع، والأخيرة داخل نمطها، واخر تجلياته المفضية الى مابعده، ووطنيه "تحوليه" هي الشكل النهائي الأخير للتحقق التحولي، بعد صورته الاولى التي تمثلت في الدورة الحضارية الرافدينيه الأولى، السومرية البابلية الابراهيمه، والتي انتهت الى تعذر التحقق التحولي، و توقفه عند المنجز التحولي الابتدائي البنيوي، ذهابا الى الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، وماتمخضت عنه من تعبيرية تحولية غير قابله هي الأخرى للتحقق، بانتظار الوسيلة الناقصة، اللازمة الضرورية "الالة"،التي لاتحول من دونها، ومن غير الممكن بنيويا انتاجها في ارض التحول والازدواج، لتناقضها طبيعة وكينونة مع الأسس البنيوية الازدواجية أساسا واحتمالات، او نتائج ومترتبات.
على هذا كان تاريخ العراق "الحديث"، وظل، بلا "حركة وطنيه"، وان هو عرف ثلاث تجليات واكبت حقب تشكله الحديث بطوريه، الذاتي البحت، والأخير المحكوم لوطاة الظاهرة الغربية الحديثة: القبلية أولا، والدينيه الانتظارية، والايديلوجية الحزبية كتعبير ثالث أخير، توالت كمقتضيات استبدالية، اما برانيه ( قام اتحاد المنتفك اول اشكال وتمظهرات تبلور عملية التشكل الوطني الحديث الثالث، على قبول "قيادة" صورية استجلبت من خارج الكيانيه المشاعية لقبائل/ الاجود، ويني مالك، وحميد/، التكوينات القبلية المشاعية التي أسست الاتحاد، لتجد نفسهامضطرة لتعذر ظهور قيادة من بينها، وهو مالا تجيزه كبنونتها، الى افتعال أسباب لجلب "ال شبيب"من خارج منطقة التبلور، من منطقة صفوان جنوبا، وتنصيبهم قيادة شكلية بلا سلطات تغلبية كما الحال في التكوينات القبليه المعتادة)، أي ان الاستبدال ظل يعمل كقانون خلال الفترة الممتدة على مدى القرون، من السادس عشر الى اليوم، فلم تكن حالة الأحزاب الايديلوجيه، وبمقدمها: الحزب الشيوعي، والليبرالي الشعبوي، والتيارات القومية، حالة غريبه بناء لمقاييس وواقع عمل اليات الوطن/ كونيه، التحولية.
تبدا الوطن/ كونيه، بطي صفحة الاستبدال التاريخي الطويل، وشكله الحديث بتجلياته المختلفة الحداثية والدينيه الانتظارية والقبلية، مع حظور "قران العراق" الذي هو ضرورة مساوية، او حتى متفوقة مقارنه بالاليات والكينونه التي هي واقع حاضر ومعاش، لكنه ناقص، كماله وتمام كينونته متوقف على عاملين وعنصرين حيويين: "الالة"، والمنظور التحولي، والمنظور في الأساس والمقدمه، انتباها اوليا، واعقالا، او قفزة اعقالية عقلية، لا وظيفة حتى للاداة المادية للتحوليه من دونه، وبلا حضوره ومواكبته لنوع الحياة مابعد الارضوية، الحالّة على المعمورة، وبالأخص، إخراجها من تخبطات وعيها الأحادي، كما متمثل ويكون غالبا منذ صعود الغرب الحديث، و تغليبه الأقصى لنوع رؤيتة ومفهومه للحياة والمجتمعات، وللوجود.
ـ يتبع ـ ملحق 3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبق ان تعرضنا لموضوعتي "الاستبدال" و "الانتقاص"، كمظهرين وحالتين ملازمتين لبنية الازدواج، ومجتمع اللاتجسد الأرضي السفلى، والاحادية المنقوصة موضوعيا، الإمبراطورية العليا، انما من دون توقف شاف، ننوي اجراءه في وقت اخر.