البرازيل: عودة دا سيلفا في ظل تفاقم الأزمة

مصطفى عبد الغني
2021 / 3 / 23 - 09:51     

تعاني البرازيل من أزمةٍ مزدوجة مع ارتفاع عدد الوفيات جراء فيروس كورونا المستجد إلى ما يزيد عن 270 ألف حالة لتصبح ثاني دولة في عدد الوفيات في العالم بعد الولايات المتحدة، رغم أن نسبة الوفيات بالنسبة لعدد المصابين أعلى في بريطانيا ودول أوروبية أخرى.

ولكن الجائحة ساءت كثيرًا بسبب سياسات الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف جايير بولسونارو. أنكر بولسونارو الجائحة وعارض اللقاح، مما سمح للعدوى بالتفشي. وسمحت سياساته بانتشار سلالة P.1، إحدى سلالات كوفيد 19 الأكثر عدوى والتي اكتُشفت لأول مرة في مدينة ماناوس الأمازونية.

يواجه بولسونارو الآن تحديًا سياسيًا محتملًا من الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا. ساعد دا سيلفا، الذي كان سابقًا قياديًا عماليًا لعمال الحديد، في تأسيس حزب العمال في 1980. وبعد فوزه أخيرًا في انتخابات عام 2000، استمر دا سيلفا في السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اتبعها أسلافه من الجناح اليميني، لكنه قدم مساعدات مادية مباشرة للفقراء عُرِفَت باسم “محفظة الأسرة”.

اعتمد دا سيلفا على عقد الصفقات مع السياسيين المحافظين، وقدَّم عدة تنازلات لهم بسبب عدم حصوله على أغلبية في الكونجرس. برَّر دا سيلفا تلك السياسة لاحقًا، إذ قال: “عليك أن تضع مبادئك على الطاولة لتجعلها قابلة للتنفيذ، وتقوم بعقد اتفاق مع مَن في الكونجرس. حتى إذا كانوا لصوصًا، لكنهم لديهم أصوات، فإما يكون لديك الشجاعة للاتفاق معهم وإما ستخسر”.

دمَّر ذلك المزيج من السياسات النيوليبرالية والتورط في فساد سياسي رئاسة ديلما روسيف، خليفة دا سيلفا ووزيرة شؤون الرئاسة السابقة في عهده. نفذت روسيف برنامج تقشف قاسيًا بعد فوزها في جولة الإعادة في 2012، ثم جاء الكشف عن فضيحة لافا جاتو (غسيل السيارات)، حيث كُشِفَ عن تورط شركة بتروبراس العملاقة للطاقة، المملوكة للدولة، في عمليات رشوة للسياسيين على نطاقٍ واسع.

أدار قاضي التحقيق، سرجيو مورو، القضية بطريقة مسيَّسة تلاعبت بها وسائل الإعلام. يوضح بيري أندرسون، الكاتب في مجلة “نيو ليفت ريفيو” اليسارية، في تحليل دقيق أن منطق العملية كان جعل حزب العمال كبش الفداء وحماية بقية النخبة السياسية البرازيلية.

عُزِلَت روسيف وأُطيحَت من الرئاسة، وحل محلها ميشال تامر المحسوب على الجناح اليميني، رغم الكشف عن تورطه بشكل أكبر في فضيحة لافا جاتو.

وجَّه مورو الاتهام بعد ذلك إلى دا سيلفا، الذي حُكِمَ عليه بالسجن لـ 9 سنوات في البداية ثم 12 سنة، مما منعه من الترشح لانتخابات 2018، والتي كان يمكن أن يفوز بها نظرًا لشعبيته الكبيرة. وفي ضوء تعامل بولسونارو مع الجائحة، فقد أدَّى توريط دا سيلفا إلى خسارة آلاف الأرواح.

أخبرني الماركسي البرازيلي فاليريو أركاري بعد ذلك بوقت قصير أن “وجود دا سيلفا في السجن ليس قضية ثانوية، فهو رمز للمثقفين سياسيًا وقطاعات الطبقة العاملة ذات الخبرة التي تؤثر على جيل الشباب، وتركه يتعفن في السجن هكذا هو استعراض للقوة من قبل الدولة والطبقة الحاكمة”.

كان الطريق مفتوح أمام بولسونارو، عضو الكونجرس الغامض المدافع عن الديكتاتورية العسكرية في فترة 1964-1988، للترشح للرئاسة. لقد استغل العنصرية عميقة الجذور في المجتمع البرازيلي، ولكنه أيضًا عبَّر عن الغضب العارم ضد الفساد وجرائم العنف. وكانت الشركات الكبرى تدعمه لرغبته في التراجع عن الإنفاق الاجتماعي الهائل الذي أقره حزب العمال، في حين كوفِئ مورو بتعيينه وزيرًا للعدل.

لكن بولسونارو كان أكثر فوضوية وأقل كفاءة من مثله الأعلى دونالد ترامب، ولم يقدم النيوليبرالية التي وعد بها وزير ماليته، باولو جيديس. والآن دا سيلفا حر ويمكنه الترشح لانتخابات 2022.

قضى دا سيلفا 580 يوم في السجن، ولكن أُطلِقَ سراحه في 2019 في الاستئناف، وحكم قاض في المحكمة العليا ببراءته من التهم الأصلية. وعاد دا سيلفا لمزاولة نشاطه السياسي رغم أن الحكم لا يزال ينتظر تأكيدًا من المحكمة العليا بأكملها.

ربما ترغب بعض الشركات الكبرى الآن في أن يصبح دا سيلفا رئيسًا مرة أخرى. يقتبس أندرسون عن أندريه سينجر، عالم السياسة البرازيلي، أن حزب العمال حتى في أفضل حالاته لا يزال “إصلاحيًا ضعيفًا”. لكن هل سيكون هذا كافيًا للبرازيل التي دمرها وباء كورونا والركود الاقتصادي؟

* المقال بقلم أليكس كالينيكوس – جريدة العامل الاشتراكي البريطانية
* ترجمة: مصطفى عبد الغني